«فورمولا ون»: خسر سباق القصة

تصميم: أحمد عيد
تصميم: أحمد عيد

«فورمولا ون»: خسر سباق القصة

علي حمدون

ثمة أفلام تتغذى على وهج الحماسة الأولى، وعلى تلك الدهشة البكر التي تأخذ بمجامع عقول الكبار، الذين سحرتهم الصورة، وأيقظت فيهم نشوةً متوهجة من طفولتهم. 

أخبرتُ صديقي بهذه العبارة عندما شاهدتُ من خلفي الكمَّ الهائل من عشّاق السيارات في قاعة السينما، في ليلةٍ أقرب إلى الوصف الأمريكي: (Boys Night). وأعني بذلك أولئك الذين كانوا، منذ نعومة أظافرهم، عشّاقًا لألعاب «هوت ويلز» ومنهم -بالنظر إلى أعمارهم- من تربّى على مسلسل الرسوم المتحركة «هيابوزا» ومن كانوا يترقّبون لحظة تحوّل سيارة النمر المقنّع أكثر من لحظة كشفه عن هويّته! 

عدا عن أن السيارة الخارقة في فِلم «F1: The Movie» للمخرج البارّ في السينما الأمريكية جوزيف كوسينسكي لا تشبه سيارة «كين هيابوزا» ذات الدرع الخارجي المتين، والمدجّجة بإطارات مطعّمة بأوتاد دفاعية، وزر لبث الأدخنة التضليلية، وترسانة خيالية من القنابل الأرضية. فإن سيارات الفورمولا ون تُبنى لتفادي الأعطال لا لإحداثها: أجنحة لتقليل الجرّ الذي قد يطيح بالسيارة، ومشعات جانبية تمنع احتراق وحدة الطاقة، وصفيحات تُبعد الهواء المضطرب عن الإطارات، وفِرَق صيانة تُحاسب على ضياع الجزء من الثانية. ويقود كل مركبة، مكوّنة من أكثر من خمسة عشر ألف قطعة دقيقة، مهندسون قد يصدف أن عمل بعضهم في وكالة ناسا للفضاء، كي تبقى السيارة فقط على مسار المنافسة.

كل هذه التفاصيل المعنية بالفيزياء والميكانيكا نشهد عليها في الفِلم الذي يقود بطولته الممثل براد بيت، بدور المتسابق المخضرم «سوني هايز»؛ رجل حر لا يربطه منزل ولا أرض، ولا تستميله العاطفة أو الألقاب. يخوض سباقات محلية كسباقات «الناسكار»، لا لهدف سوى أن يقتات من النزر اليسير الذي تمنحه، مكتفيًا بها عن سائر الأضواء. ومع ذلك، يجتمع الناس على إكباره لكونه في شبابه قاب قوسين أو أدنى من ملامسة تخوم مراتب المجد، قبل أن ينكفئ تاركًا الساحة، وما زال أثره فيها حاضرًا.

يبدأ الفِلم بحلمٍ يستحضر دم حادثته الذي لا يزال يُخضّب شارع حلبة الفورمولا ون، تلك التي هجرها قبل سنوات طويلة، لكنها ما زالت تطارده في منامه، كما لو كانت جرحًا كلما التأم كُشط، من غير حولٍ منه ولا قوة. ذلك الحلم يطلّ علينا منذ اللحظة الأولى بصورة غير مكتملة، عبر تقنية كتابية مبتذلة تُعرف بـ«الزرع»، استخدمها سيناريست الفِلم إيرين كروقر، ليغرس بذرة الفضول. ويُمهّد لاستكماله لاحقًا بالطريقة ذاتها؛ لأن اكتماله يعني مواجهة الحقيقة المؤلمة، والتحوّل الدرامي الحتمي.

وليس في ذلك ما يدل على مدخل غامض، أو ما يصعب سبر غوره؛ بل هي توطئة صريحة، قُتلت ذِكرًا في عديد من الأفلام، إلى درجة أنها تفتح سؤالًا مألوفًا: هل الحوادث الواقعية تُستعاد في الأحلام لتتكرر؟

لكننا نغضّ الطرف عن هذه الفجوة، بعذر السياق الدرامي الذي سرعان ما ينقلنا إلى بقية الفِلم، حيث تحضر الفرصة للبطل دون أن يطلبها، على يد «روبين» (الصديق القديم، ويؤدي دوره خافير بارديم)، الذي أصبح مالكًا ومديرًا رياضيًّا لأحد فرق الفورمولا ون، ورأى في استعادة «سوني هايز» -الذي صلح فاسده ورجع شارده- سائقًا ثانيًا مغامرةً محسوبة؛ تعيد للفريق بريقه وتذلّل صعابه وتستوضح إبهامه. 

لا سيّما أن سائق الفريق الأول «جوشوا» شاب يعربد بشغف هوايته، يقابل سمو الدرجة بدنو الهمة، موهوب بالفطرة لكنه يفتقر إلى الخبرة. ما يجعل من سوني، الذي شكّل انضمامه تهديدًا، القطعة المكملة في التشكيلة؛ سائق يعرف كيف يحفظ النقاط، ويعزز من ترتيب الفريق في البطولة بحجة خبرته وصبره. إلا أن هذه الأسباب التي اختير من أجلها، نجدها تتلاشى، حيث أن النزق يراوده لمجرد نسيانه ورقة الكوتشينة التي يتخذها تميمة في جيبه كلما نزل إلى الحلبة، وهذا قد يعارض سبب اختيارهم له وبالوقت نفسه يتفق مع واقع الرياضة المتطلبة للميول النزقة! 

بعد الانضمام، نشهد على الحيل الممتعة في الحلبة، ونقاط الاختلاف بين «سوني» و«جوشوا» والصدامات المستمرة بينهما، ثم نقطة الالتقاء التي تفتح الباب على مشهدية مشتركة. ومع هذه الشراكة الباعثة على التلاحم والتنافر في آن، يبدأ السحر السمعي البصري، والاستعراض التقني المبهر، والموسيقا التصويرية المتزامنة بإتقان شديد مع المتعة المتصاعدة. ولسان حال صديقي يردد، مع أحد المشاهد الليلية التي صمّت بها أصواتُ المحركات آذانَنا، بيتًا يقول: «راكب اللي وإن سرى بالليل ضلّي.. يبعد المنحاش ويخيّط فتوقه». وقد زاد هذا البيت من المتعة، كتعليق يهب المشهد بُعدًا شعريًّا يعمّق الأثر.

ولعل القارئ يلمح تحفظي تجاه القصة المفتعلة، المستلهمة من الحلم الأمريكي، حيث تُطرح الشيخوخة بوصفها عقبةً قابلة للتطويع والتركيع، ويعاد تدوير سردية الرجل الخمسيني أو الستيني الذي ينهض ليحقق حلمه، وكأن الزمن يمكن طيّه بمجرد إيمان داخلي، تمامًا كما في فِلم «روكي بالبوا» في جزئه السادس، حين عاد للحلبة بعد ثلاثين عامًا ليلقن بطل العالم للملاكمة درسًا لا يُنسى، لا بمنطق الرياضة ولا الواقع، بل بمنطق السيناريو. وكأن البطولة هنا أيضًا مفصّلة مسبقًا على مقاس براد بيت، لتخدم حضوره. 

لذلك، بدت القصة مألوفة في صياغتها؛ لا تُفاجئ ولا تُشاغب. حتى مع التعاون الوثيق مع سباقات فورمولا ون الأشهر في العالم، وظهور لويس هاميلتون، أحد أعظم سائقيها، منتجًا ومتسابقًا ضمن مشاهد الفِلم. وكان من الأجدى لو استلهمت القصة من واقع موثّق، كما في فِلم «Ford v Ferrari»، الذي تفوّق في سرده لقصة واقعية عن تحدٍّ صناعيّ وتنافسيّ بين فورد وفيراري في سباق لومان الشهير. أو كما في فِلم «Rush»، الذي بنى حبكته على صراع تاريخي حقيقي بين نيكي لاودا وجيمس هنت، فجاءت دراميته أكثر صدقًا واشتباكًا مع طبيعة الرياضة نفسها، وأصبح الفِلم الرياضي الأفضل على الإطلاق بالنسبة لي.

ولذلك فإن التعبير بإعجاب بشكل مجمل ليس سوى انزلاقٍ إلى خطيئةِ القصة، التي لا أظنها ستجدُ القبول نفسه بعد انتقالها إلى منصة أو تلفاز خالٍ من تقنيات «آيماكس» أو «دولبي».

أما بالنسبة إلى الممثلين، فلم يكن براد بيت، الذي لا يكفّ عن استعراضه الجسدي وخلع قميصه، كتوم كروز في اجتهاده، إلا أنه قدّم المطلوب منه برفقة خافيير بارديم. أما البقية، فقد كان ظهورهم متواضعًا، كاستسلام من يؤمن بأن المخرج هو بطل الفِلم… وهو كذلك!

ولمن يود خوض هذه التجربة، فإن مشاهدة الفِلم بأفضل تقنية متوفرة مثل «آيماكس» أو «دولبي أتموس» أو «فور دي إكس»، ليست ترفًا، بل ضرورة، كي تبلغ الصورة ذروتها، ويصلك الصوت كما أراده صانعوه: عاصفًا، ودقيقًا، وغامرًا، وكأنك أحد المتسابقين داخل الحلبة.

غير أن كل هذا البذخ السمعي والبصري لا يكفي لرفع التقييم العام؛ إذ تبقى الحكاية، برأيي، هي حجر الأساس لأي فِلم. لهذا، أمنحه 6 من 10، لأن الحماسة، مهما بلغت، يمكن استعادتها من لعبة إلكترونية محكمة، لكن القصة لا تُعوّض. 


Ford v Ferrari» (2019)»
Ford v Ferrari» (2019)»

  • يُعرض اليوم الخميس في صالات السينما في السعودية فِلم «الزرفة»، من إخراج عبدالله ماجد، ومن بطولة محمد شايف وأحمد الكعبي وفهد المطيري. تدور أحداث الفِلم حول ثلاثة أصدقاء يقبعون خلف القضبان بعد فشل عملية سرقة، وفي أثناء محاولتهم الهروب من السجن، يجدون أنفسهم في كواليس فِلم تدور أحداثه في الأماكن نفسها التي حاولوا فيها السرقة، ويموله رجل أعمال سعودي ثري.

  • يُعرض الآن في صالات السينما الإعلان التشويقي الأول لفِلم «The Odyssey» من إخراج كريستوفر نولان. 

  • أُصدر العرض الدعائي الأول لفِلم إدقار رايت الجديد «The Running Man». ويحكي الفِلم قصة رجل يشارك طوعًا في برنامج تلفزيوني قاتل، حيث يطارده مجموعة من القتلة المحترفين. ومن المقرر عرضه في صالات السينما ابتداءً من 7 نوفمبر.

  • أُصدر العرض الدعائي الأول لفِلم «Project Hail Mary» من إخراج فيل لورد وكريس ميلر، وبطولة رايان قوسلينق. يتتبّع الفِلم رحلة معلّم يُرسل إلى الفضاء على بُعد اثنتي عشرة سنة ضوئية من الأرض، في محاولة أخيرة لإنقاذ البشرية بعد تدهور حالة الشمس. ومن المقرر طرح الفِلم في صالات السينما في 20 مارس، 2026.

  • استهلّ فِلم «Jurassic World: Rebirth» عرضه بتقييم 54% على موقع (Rotten Tomatoes).

  • جُدد مسلسل «The Bear» لموسمٍ خامس. 

عبد العزيز خالد


تتجسّد في فِلم «Rush» الصادر عام 2013، أحد أكثر الصراعات شهرة في تاريخ الفورمولا ون، وهي المنافسة الحادّة بين البريطاني جيمس هانت والنمساوي نيكي لاودا خلال موسم 1976. فبينما يرى «هانت»، بشخصيته المندفعة، السباق ساحةً للمتعة والانتصار اللحظي، يتعامل «لاودا» مع كل منعطف على أنه عملية حسابيَّة دقيقة، متحكّمًا في المخاطر كما يتحكم في سيارته. 

يُقدَّم هذا التناقض بوصفه صدامًا وجوديًّا بين فلسفتين في الحياة، تبلغ ذروتها عندما يتعرض «لاودا» لحادث كاد أن يودي بحياته، لكنه يعود بعد ستة أسابيع فقط ليواجه «هانت» في سباق ممطر باليابان. وكأن قدر الرجلين أن يُكملا بعضهما حتى في المواجهة الأخيرة.

هانز زيمر خلف المقود

وسط هذا التصعيد الدرامي، تأتي موسيقا هانز زيمر لتمنح الفِلم بُعدًا شعوريًّا يوازي صخبه البصري. ويكشف عن الخوف المختبئ خلف الشجاعة، والاحترام المتبادل خلف الغرور المعلن. 

اختار أوركسترا صغيرة بدلًا من فرقة ضخمة، كما استخدم آلات تعكس روح السبعينيّات دون أن تُحبس داخلها. فخلط زيمر بين القيتار الكهربائي والسينثسايزر وأوتار التشيلو ليخلق نسيجًا صوتيًّا يواكب توتر السباقات ويُلامس هشاشة الشخصيات.

ثلاث إشارات صوتية قبل الانطلاق

  • مقطوعة «1976»

تُفتتح هذه المقطوعة بهدوء، بصوت محركات الفورمولا ون المطمس، ومؤثرات سينثسايزر التي تضفي جوًّا غامضًا، قبل دخول القيتار الكهربائي رابطًا نحو الترقب. ثم يظهر التشيلو الذي يحمل الموضوع الرئيس للموسيقا، مناجيًا الإنسانية وراء البطولات. تُستخدم هذه المقطوعة في مشهد البداية والمونتاج الأوليّ لموسم 1976، لتبني مزاج الفِلم بمزيج من القوة والرهافة، يشبه حياة «هانت» الفوضويّة وحياة «لاودا» المنضبطة.

مقطوعة قصيرة ولكن مكثّفة، مكونة من إيقاعات متقطعة من الأوتار السريعة مع سينثسايزر حاد وقيتار ممتد، لتجسّد التوتر قبل السباقات. ووُظِّفت في مشاهد الإحماء على المضمار، حين يترقّب السائقون الإشارة لينطلق العدّاد. تصوّر الموسيقا ضغط الزمن وترقب النتائج قبل انطلاق الأدرينالين.

تُبنى المقطوعة على لحن تشيلو، وتنضم إليه الآلات الأخرى كالقيتار والأوتار والبوق، لتصعد تدريجيًّا نحو ذروة عاطفية بطابع بطولي. تُستخدم هذه المقطوعة بعد عودة «لاودا» من الحادث، تحديدًا في مشهد سباق اليابان الحاسم.

عبد العزيز خالد


Giphy
Giphy

اليوم نقول «أكشن» في هذا المشهد من فِلم «Ford v Ferrari» الصادر عام 2019.

يحكي الفِلم عن الصراع بين شركتي فورد وفيراري خلال الستينيّات، حين قررت شركة فورد دخول سباقات التحمل، وعلى رأسها سباق «لو مان 24 ساعة»، لكسر هيمنة فيراري.

يقود المشروع المصمم الأمريكي «كارول شيلبي»، ومعه السائق البريطاني «كين مايلز»، في محاولة لتطوير سيارة سريعة وقادرة على الصمود. لكن التحدي لا يكمن فقط في حلبة السباق، بل في المكاتب الخلفية لشركة فورد.

كان «كين مايلز» السائق المثالي لهذا المشروع من وجهة نظر «شيلبي»؛ لكونه رجلًا يفهم السيارة ويشعر بها على مستوى دقيق. لكنه في نظر الإدارة العليا، وخصوصًا «ليو بيبي»، شخصية لا تناسب واجهة الشركة. 

وبعد فشل أول اختبار حقيقي للسيارة، تصاعدت الضغوط على «شيلبي» لإقصاء «مايلز» من الفريق. وهدّده «بيبي» بأن ثقة «هنري فورد الثاني» في المشروع انخفضت. 

في تلك اللحظة، فهم «شيلبي» أن النقاشات والاجتماعات والتقارير لن تُحدث فرقًا، وأن الطريقة الوحيدة لإنقاذ المشروع هي أن يجعل «فورد» نفسه يشعر بقوة السيارة التي صُمّمت على ملاحظات «مايلز».

في هذا المشهد، يستدرج «شيلبي» «ليو بيبي» إلى مكتبه، ثم يغلق الباب عليه من الخارج، ويذهب إلى «هنري فورد الثاني» طالبًا منه أن يركب معه، ثم ينطلق به في جولة سريعة داخل سيارة (GT40). 

يُعيد المشهد توزيع مراكز القوة، حيث «فورد» (صاحب القرار) يُقاد فعليًّا -لا مجازًا- من قبل «شيلبي». ومع ازدياد السرعة واقتراب السيارة من فقدان السيطرة، كل ما يمكن لـ«فورد» فعله هو التمسّك بالمقعد ومواجهة شعور الرهبة والعجز.

تصوّر الكاميرا سرعة السيارة وحركتها مع انفعالات «فورد»، في لحظة تتقاطع فيها الرهبة مع الإعجاب. ومع توقف السيارة، ينفجر بالبكاء. لكنها ليست دموع خوف، بل تفريغ داخلي لمزيج ثقيل من الانفعال؛ إذ أيقظت فيه تلك الدقائق القليلة مشاعر مخفية خلف جدار الإدارة والسلطة. 

فالسيارة التي موّلها «فورد» لم تكن ملكه تمامًا، بل لشخصين عرفا كيف يحوّلانها إلى كائن نابض. وفي لحظة، تحوّل «فورد» من رئيس شركة إلى رجل واجه للمرة الأولى شيئًا لا يمكنه السيطرة عليه.

تأتي هذه اللحظة في منتصف الفِلم، لا لإقناع «فورد» بالمشروع فحسب، بل أيضًا لحماية «كين مايلز» من قرار إداري متعصّب. وكانت هذه الجولة بمثابة ورقة أخيرة، ومقامرة عاطفية يخوضها «شيلبي». وقد نجحت.

لم يُسجّل التاريخ أن كارول شيلبي قاد هنري فورد الثاني في جولة مماثلة، لكن السينما لا تسعى دائمًا إلى الدقة، بل إلى الحقيقة الشعورية. وإن كانت هذه اللحظة مُختلَقة، فإنها كانت إضافة ضرورية دراميًّا، لأنها سلّطت الضوء على صراع داخلي بين رجالٍ يحاولون إثبات أنفسهم.

عبد العزيز خالد


فقرة حصريّة

آسفين على المقاطعة، هذه الفقرة خصصناها للمشتركين. لتقرأها وتستفيد بوصول
لا محدود للمحتوى، اشترك في ثمانية أو سجل دخولك لو كنت مشتركًا.

اشترك الآن

في عام 2010، خطرت لجيمس مانقولد فكرة فِلمٍ يستند إلى وقائع حقيقية عن صراع تقني ونفسي بين شركتي فورد وفيراري خلال سباق «لو مان» الشهير في ستينيّات القرن الماضي. لكن المشروع ظلّ معلّقًا بسبب ضخامته الإنتاجية. وكان مانقولد يراجع استوديو «فوكس» دوريًّا على أمل أن يصبح متاحًا يومًا ما.

مرت سنوات من التطوير والتأجيلات، حتى حصل مانقولد أخيرًا على الضوء الأخضر، عقب انتهائه من إخراج فِلم «Logan» عام 2017. لكن ذلك كان بشرط تقليص ميزانية الإنتاج إلى أقل من مئة مليون دولار. فاختار مع كتّاب السيناريو إعادة تركيز السرد، بعيدًا عن فريق فورد الكامل كما في المسودات الأولى، على محور إنساني أقرب؛ يتمثل في شخصيتي «كارول شلبي» والسائق «كين مايلز».

وبهذه المعلومة نستهلّ فقرة «دريت ولّا ما دريت» عن فِلم «Ford v Ferrari» الصادر عام 2019:

  • في بدايات تطوير المشروع، كاد الفِلم أن يُنجَز برؤية مختلفة تمامًا؛ فكان مايكل مان هو المرشّح للإخراج، وتغيّرت فكرة المشروع ليحمل عنوان «Go Like Hell»، من بطولة توم كروز في دور «كارول شلبي» وبراد بيت في دور «كين مايلز»، وأن يتولى جوزيف كوسينسكي الإخراج. 

  • كشف كوسينسكي خلال ندوة «Directors on Directing» في مؤتمر «كوميك كون 2020» أن هذا الإصدار من الفِلم بلغ مرحلة متقدمة من الإنتاج، لكنّه أُلغي لاحقًا بسبب تجاوز الميزانية المقدرة. الغريب أن الأسماء نفسها عادت بأفكار مشابهة؛ إذ أخرج مايكل مان فِلم «Ferrari» عام 2023، في حين تعاون كوسينسكي وبراد بيت في مشروع «F1» لعام 2025.

  • خضع كريستيان بيل، الذي جسّد شخصية «كين مايلز»، لتدريبات مكثفة في مدرسة «Bondurant» للقيادة عالية الأداء. وأشرف على تدريبه منسق المشاهد الخطرة روبرت نيقل، الذي وصفه لاحقًا بأنه «أفضل ممثل عمل معه على الإطلاق». واللافت أن المدرسة أسسها بوب بونديورانت، أحد أصدقاء كين مايلز المقربين.

  • تطلّب الدور من بيل جهدًا بدنيًّا كبيرًا، إذ فقد نحو اثنين وثلاثين كيلوقرامًا من وزنه الذي اكتسبه لأداء شخصية «ديك تشيني» في فِلم «Vice» الصادر عام 2018. وحين سأله مات ديمون عن سر إنجازه ذلك خلال سبعة أشهر، كان ردّ بيل: «لم آكل».

  • أُعيد تصنيع تسع نسخ من سيارة (GT40) لتناسب متطلبات التصوير المتنوعة، واستُخدمت مواقع متعددة لمحاكاة مضمار سباق «لو مان» كما كان في الستينيّات. فاستعان الفريق بالتقنيات البصرية لتعديل التفاصيل الزمنية الدقيقة، مثل تصحيح الساعات الظاهرة وإزالة الحواجز الحديثة في المضمار وتصحيح أماكن السيارات.

  • السيارة التي عُرضت على «كين مايلز» في البداية كانت تُعرف باسم (Ford GT)، ولم تُعرف باسم (GT40) إلا لاحقًا، في إشارة إلى ارتفاعها الذي لم يتجاوز أربعين إنشًا. وبعد فوزها، جلس أعضاء الفريق على سطحها خلال الاحتفال، مما أدى إلى تسطيح سقفها، فأُطلق عليها اسم (GT39).

  • من اللمحات الذكية في الفِلم، تشبيه «كين مايلز» لسيارة موستانق الجديدة بأنها «سيارة سكرتيرة»، وهو وصف دارج فعليًّا في الستينيّات، بل استخدمته فورد نفسها في بعض الحملات التسويقية.

  • يتضمّن الفِلم إشارات تاريخية دقيقة، مثل مشاركة فورد خلال الحرب العالمية الثانية في تصنيع قاذفات (B-24) التي قصفت مصانع فيراري، أو رفع هنري فورد الثاني العلم الفرنسي لبدء السباق. إلا أن بعض هذه التفاصيل عُدّلت «دراميًّا» لتجنب تشتيت السرد.

  • في الواقع، أصبح بيتر مايلز (ابن كين) مسؤولًا إداريًّا عن واحدة من أثمن مجموعات السيارات الكلاسيكية في العالم، التي تعود ملكيتها للملياردير تشيب كونور.

  • بعد غياب دام خمسين عامًا، عادت فيراري للمنافسة في سباق «لو مان» عام 2023، لتنتزع انتصارين متتاليين في 2023 و2024، متفوقة على تويوتا. وكأنّ الفِلم أعاد إشعال شرارة السباق في الواقع.

عبد العزيز خالد

سينما
النشرة السينمائية
النشرة السينمائية
أسبوعية، الخميس منثمانيةثمانية

مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.

+60 متابع في آخر 7 أيام