وأنت وحدك لا تأكل وحدك 🍽️

زائد: كيف تكتب كل يوم بإتقان؟

أكتب لكم كثيرًا عن النباتات وأزعجتكم بها، ولكن الصراحة أنها تذبل سريعًا في شقتي.🫣🪴 

نبهتني نشرة «ونيس» الأسبوعية إلى أنَّ ذبول النباتات التي أزيّن بها بيتي ليست بالضرورة بسبب إهمالي. هي على الأرجح بسبب سرعة مجريات الحياة من حولي وكثرة مشتتاتها.

يقول ونيس:

«أيامك مزدحمة، وعقلك ممتلئ بجديد المحتوى، ولا وقت للبطء أو التكرار. لكن العناية لا تأتي مع العجلة. إنها فعلٌ هادئ، رتيب، ممل، لكنه بالالتزام يُنبِت الحياة». 

فإذا لاحظت اصفرار أوراق نباتاتك وذبولها مثلي، حاول العناية بها مرة ثانية وثالثة ورابعة. وتأنَّ واصبر. وتعلَّم منها أيضًا أن تنمو على مهلك وبما يناسب احتياجاتك، فالاستمرارية تحتاج طولة بال ونفس طويل.😮‍💨

في عدد اليوم، أشارككم سبب حرصي على مشاركة طعامي مع أسرتي بالرغم من المسافات والأوقات التي تفرقنا. وفي «شباك منور» تكشف شهد راشد أسرار الكتابة الغزيرة والمتقنة التي تعلمتها من علي الطنطاوي. ونودعكم في «لمحات من الويب» مع اقتباس من الفنانة إلهام الحتان الدوسري عن سحر الدهشة الأولى، وكيف يؤثر خط الاستواء على توازننا.🚶‍♂️

خالد القحطاني


Imran Creative
Imran Creative

وأنت وحدك لا تأكل وحدك 🍽️

خالد القحطاني

يوم الجمعة له مكانةٌ خاصة في قلبي؛ هو خيرُ يومٍ طلعت عليه الشمس، وأيضًا اليوم الذي اعتدتُ الاجتماع فيه بأسرتي على ألذ موائد الطعام. تحضِّر أمي «بانكيك» للإفطار على صانعة «تيفال» وضعتها بكل حرص على طاولةٍ أرضية أهدتنا إياها جدتي. نجتمع حولها، ماسكين أطباقنا، مقتربين منها بحماس وناسيين حرارة الآلة التي قد تحرقنا. نغطي كل قطعة بالعسل أو مربى الفراولة، ونُتْبِع كل لقمة برشفة من حليب الزنجبيل الذي يحبه والدي. 

وبعد خروجنا من صلاة الجمعة، يصرُّ كل جار أن نشاركه غداءه، ونصرُّ عليهم كذلك. ونبقى فترة خارج المسجد طالبين ومطلوبين. ولكن في الغالب نعود إلى بيتنا، منتظرين أبي بكل حماس، اشتياقًا له ولما يحمله. كنا طماعين، ولم يكفنا «البانكيك» الذي استيقظنا على رائحته. كان دائمًا يحمل طلبنا المعتاد: كيلو ونص سمك شعور مقلي، ونص كيلو جمبري، و«نفرين» رز صيادية. ترافقها طحينة خلطتها أمي بالليمون والملح، وسلطة من الطماطم والبقدونس والفلفل الحار. 

كانت أمي تقطع لنا السمك خوفًا أن نَشْرَق بشوكه، ليتحوَّل إلى جبلٍ هائل وسط الصحن نتسابق على أكله. كنا نزعجهم بأسئلة لا تنتهي عن سبب أكلنا السمك يوم الجمعة خصوصًا، ولم نكترث إذا لم ترضنا إجاباتهم. كل ما أردناه حينها ألا تنتهي تلك الوجبة. 

أشعر بحلاوة هذه النكهات ولذتها الآن على لساني وأنا أصفها، لكن حلاوة تلك اللحظات هي ما أحاول إبقاءها حية في ذاكرتي. يستطيع أي منا شراء المكونات نفسها وتحضير الأطباق نفسها، ولكن من يعيد لنا سُفْرة الأكل التي جمعتنا؟ 

بعد انتقالي خارج تبوك للجامعة، بقيت عادة الاجتماع على الطعام جزءًا من يومي. كان لي ولأصدقائي «قروب» نتواصل فيه بين المحاضرات وبعد الاختبارات. كل من يجد نفسه في مطعم أو مقهى يرسل رسالة بموقعه، وينضم إليه كل من كان قريبًا منه أو وجد وقتًا يملؤه في جدوله. لم يكن المهم هو الكم، بل أن يتشارك اثنان على الأقل وجبة أو إبريق شاي، وحكايا عن يومهم. 

وبعد عملي، سخَّرت استراحة الغداء لمكالمة أهلي؛ فوقت الاستراحة يناسب مناطقنا الزمنية المختلفة: أنا في نصف يوم عملي، وهم على وشك نهايته. وتبدأ المكالمة كالعادة بأن أخبرهم عما آكل، وبالرغم من ثبات الوجبات لأن الطعام الذي تقدمه الكافيتريا لا يتغير، يصر أهلي أن أشاركهم صورته، فيتمنون لي العافية و«مطرح ما يسري يمري». صحيح لم تعد سفرة الطعام على طاولة جدتي القديمة، لكن شاشات هواتفنا تقرِّبنا وتقرِّب أيامنا، رغم المحيطات والقارات التي تفصل بين أجسادنا. 

وهنا أتذكَّر ما ورد في الحديث عن السنن النبوية المهجورة، أن عن وحشِيِّ بن حرب رضي الله عنه، أنَّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: «يا رسول الله، إنَّا نأكل ولا نشبع». قال: «فلعلَّكُم تَفترِقون؟» قالوا: «نعم». قال: «فاجْتمِعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه، يُبَارَكْ لكم فيه». 

الوجبات التي تجمعنا مع عائلاتنا وأصحابنا تنعش الروح كما تغذي الجسد. فالطاقة التي تُكْسبنا إياها لكي تعيننا على عبادتنا وعملنا تبقى ذكرياتها خالدة فينا ما حيينا، نستعيدها كلما تذوقنا أو شممنا عبق طبقٍ تشاركناه. فأقدس أيامنا من رمضان أو عيد نبدأه أو نختمه بوجبة تجمعنا. 

وحتى إن تغيَّرنا وتغيَّرت الأيام، نتكيَّف معها ونجد وسائل لتغييرها، تعيننا ونستعين بها على الغربة والوحدة وتسارع الوقت. للطعام وإحضاره طقوسٌ وعادات يغمرها الحب ويملؤها الحنان في كل مكان وزمان، وحتى رسول الله يحثنا على الجمعة عليها. 


يسألني زملائي عن عملية الكتابة، وكيف يمكن للشخص الاستمرار فيها والإتيان بمواضيع مختلفة كل مرة. وأتساءل أنا بدوري عن قدرة البعض على الكتابة يوميًا، وإنتاج أعمال متقنة ورائعة دون توقف. ووجدتُ الجواب لدى علي الطنطاوي في كتابه «صور وخواطر». 📚

  • في حوار بين الطنطاوي وصديقه الذي سأله: «إنك تنشر باستمرار من ثلاثين سنة، فمن أين تجيء بهذه الموضوعات كلها؟ قلت: أسمعُ كلمة من متكلم، أو أبصر مشهدًا في طريق، فأُدير ذلك في ذهني ولا أزال أولّد من الكلمة كلمة، ومن المشهد مشهدًا حتى يجيء من ذلك حديث أو مقالة. وكنا قد شربنا القهوة ولكني لم أكتفِ بها ووجدتُ أنها لا تزال بي رغبة إلى الشاي، فقلت للبنت: قولي لأمك إن بابا يسألك: هل من آداب الضيافة أن نقدم الشاي بعد القهوة؟ فذهبت وقالت لها: ماما، بابا يريد شاي. فقلت له: أسمعت؟ هذا موضوع حديث. فقال متعجبًا: هذا؟ قلت: نعم، لقد بعثتها لأمها لتنقل إليها عبارة معناها أني أريد شايًا، ولكني جعلتها نكتة لطيفة ليس فيها أمرٌ ولا جفاء، فأضاعت البنت المزايا حين بلّغَتها المعنى المجرَّد جافًا قاسيًا كأنه أمر عسكري، أفلا يوحي إليك هذا بشيء؟» 🍵✍🏼

  • يجيب صديقه بأنه لا يستنبط شيئًا من الموقف، وأظنني كشفتُ السر. فدقّة الملاحظة وربطها مع المجال الذي نُبدِع فيه، أيًا يكن، هي السمة التي تميّز المبدع وتجعله غزير الإنتاج. فمثلما يلهم مشهدٌ عادي الطنطاوي ليكتب عنه مقالة، تلفتُ زهرة ملقاة على الأرض خبيرة تجميل لتستلهم من ألوانها وشكلها أسلوب ماكياجها، وتستلهم أخرى من ألوان العمارة وتقاطعها بالسماء ملابسها لمناسبة معينة، ويأخذ آخر من مشهد الناس الواقفين لمحة للوحة سيرسمها. 🔍🪢

  • تأتي اليقظة والملاحظة وربط المواضيع دون جهد لدى البعض، ولكنها صفة يمكن صقلها وتعلمها. في البداية ستلاحظ الأمور الكبيرة التي يلاحظها الجميع، فتُحبَط وتظن أنك فشلت. ولكنك إن واصلت ذلك ستبدأ ملاحظة التفاصيل الصغيرة البسيطة: في طريقك للمنزل، في وجبة اعتدت على تناولها، في جملة من مسلسلك الذي تتابعه للمرة الثالثة. كلها ستغدو مثيرة للاهتمام أكثر. ولن تعود فائدة الملاحظة على إبداعك فقط، بل ستُشعرك بالامتنان لما تعيشه وتمر به وتجربه، لأنك صرت واعيًا به لا تمر سريعًا عليه. 💌🫧

🧶إعداد

شهد راشد



نشرة أها!
نشرة أها!
يومية، من الأحد إلى الخميس منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+90 متابع في آخر 7 أيام