ماذا تعطي نوادي القراءة للنساء؟ 📖

زائد: لماذا تتنكَّد على أتفه الأمور؟

بدأ صباحك بداية رائعة! 

دربك كله خضر وأمورك تمشي بسلاسة، ثم وجّه إليك مديرك ملاحظة سلبية صغيرة حول تقرير، من بعدها واصلت يومك تتبختر واثق الخطى على دربك الأخضر الرائع. بعدها، في آخر اليوم، تضع رأسك على المخدة حتى تنام، يا ترى بماذا سينشغل عقلك ويقلّبك على فراش الجمر كما لو أنك عشت أسوأ يوم في حياتك؟

ملاحظة مديرك. 🤦🏻‍♀️

المسألة لا علاقة لها بكونك نكديًّا و«ما تقدِّر النعمة»، المسألة دماغية بحتة وتُدعَى «التحيز للسلبية». الدماغ يريدك أن تركّز على ملاحظة مديرك حتى تحسّن عملك، واللحظة الوحيدة التي تتفرغ فيها لدماغك من كل المشتتات لحظة تضع رأسك على المخدة. لهذا ينصحك الأخصائيون بالجلوس دقائق مع دماغك النكديّ قبل أن تغفو، وتدوِّن على دفتر مذكرات ما حصل معك اليوم وكيف ستعالج الأمر. 

إذا طبقت هذه العادة ولم تنفع معك، فإذن أنت النكديّ وليس دماغك.💁🏻‍♂️

في عدد اليوم نشارك تدوينة شخصية عمَّا نجده في نوادي القراءة إلى جانب القراءة. وفي «شباك منوّر» تتأمل شهد راشد السبب وراء تكاسلنا عن التغيير إلى نسخة جديدة من حياتنا وأنفسنا. وفي لمحات من الويب نعرف قصة أونفم وشخابيطه، ولماذا يُنصَح ألا تضع المرأة الكحل مع وجود قط خلفها😼. 

إيمان أسعد


نوادي القراءة / 
Imran Creative
نوادي القراءة / 
Imran Creative

ماذا تعطي نوادي القراءة للنساء؟ 📖

إيمان أسعد

لست ممن تستهويهم مناقشة الكتب في نوادي القراءة. لذا حين ذهبت إلى مكتبة عبدالحميد شومان في جبل عمَّان، لكي أحضر ندوة حول رواية «سأكون بين اللوز» لحسين البرغوثي، ندوة عرفتُ عنها في منشور على أحد الحسابات التي أتابعها على إنستقرام، فوجئت بأمينة المكتبة تدلني على دائرة صغيرة من ست كراسٍ في بهو المكتبة بدل إدخالي إلى قاعة.

وفورًا ضربتني الصاعقة: لم تكن ندوة بل جلسة نادي قراءة. الفرار لم يكن خيارًا متاحًا لأنَّ إحدى العضوات المسؤولة عن إدارة جلسة اليوم كانت موجودة، وتفاجأتْ بحضوري بقدر تفاجئي أنا بحضوري. 

أرتاح إلى حضور الندوات والمحاضرات لأنَّها تمنحني فرصة الغياب في الحضور. بمعنى أن بوسعي ببساطة الجلوس في الصفوف الوسطى أو الأخيرة، دون اضطرار إلى تبادل كلمة مع أي شخص، والأهم دون اضطراري إلى المشاركة بإعطاء رأي أو تعليق أو سؤال. وعادةً، عدد الحاضرين في تلك الندوات والفعاليات أقل من عدد الكراسي المتاحة بكثير، ولذلك غالبًا ما تجد المسافات متباعدة بين كل حاضر وآخر. وفي حال أصابني الملل، بوسعي التسلل خارجًا. هذا لا يعني أنّني لا أسأل أو أعلق في الندوات، أو لا أكلم أحدًا فيها، لكن يطمئنني وجود خيار الصمت. 

أما في دائرة نادي القراءة، حيث الكراسي متلاصقة والوجوه متقابلة، فحضورك ساطعٌ سطوع الشمس الوهاجة في عز الظهر، ولا حجاب تختبئ خلفه من الكل. والصمت في الدائرة ليس خيارًا لأن ما عاد يليق بي دور الصبيّة الخجولة.

استوعبتُ بعد حضور بقية العضوات أنَّهن عضوات ثابتات، وعلى معرفة ببعضهن البعض، ولم يكن من المتوقَّع حضور شخص آخر، ما يفسّر إضافة الكرسي السابع. جميعًا كن سيدات لطيفات ورحبن بي أجمل ترحيب، مما خفف توتّري. وفي استهلال مديرة الجلسة، ذكرت أنَّ هذه الجلسة هي الأولى بعد وفاة صديقتهن، العضوة السابعة التي أخذتُ محلّها من غير أن أدري. توفيت في أثناء عملية قلب نتيجة مضاعفات غير محسوبة، وخسارتها جاءت مفاجئة وفادحة.

بعدها تحمَّدت مديرة الجلسة بالسلامة للعضوة الجالسة على يميني بعد إنهائها كورس العلاج الكيميائي من ورم سرطاني. ورحبت بعضوة أخرى عادت إلى النادي بعد غياب شهور، إذ تزوجت وانتقلت إلى الإمارات برفقة زوجها. ثم حان موعد التعريف بنفسي، اللحظة التي كنت أخشاها وغالبًا أعيشها في عمّان. إذ رغم كوني أردنيَّة، فأنا لست معروفة على الإطلاق في الأردن بصفتي روائية ومترجمة. وبالفعل، العضوات رغم سعادتهن بوجود روائية ومترجمة بينهن، لا يعرفن عملًا من أعمالي ولم يمر عليهن اسمي. لذا حاولت التعويض بالحرص على المشاركة بملاحظات ذكيَّة عن الرواية، والرد على تعقيبهن بالحجة. كأني في منافسة مدرسيَّة من منافسات القراءة! 

النقاش دام نصف ساعة، وحين هممتُ بالنهوض بعدما شكرتهن على الجلسة، التي صدقًا استمتعتُ بها، قلن لي إنَّ الجلسة الآن ستنتقل إلى المقهى المقابل لبوابة المكتبة، ولن يقبلن اعتذاري؛ فجلسة القهوة طقسٌ من طقوس ناديهن.

ولن يكون الحديث حول أكواب القهوة السوداء الورقية عن الرواية، بل عنهن، وللاطمئنان على أخبار بعضهن بعضًا.

تحدثن أولًا عن مركز الحسين للسرطان، وهنا نصحتني العضوة التي أنهت جولة العلاج بضرورة حصولي على تأمين الرعاية من مركز الحسين بما أني أردنية، حتى لو كنت مقيمة في الكويت وقليلًا ما آتي إلى الأردن. فهذا حقي كمواطنة، ودعم للمؤسسة، وأيضًا لن أعرف، فقد أحتاج إليه يومًا، هي عن نفسها لم تتصوَّر أنها ستحتاجه حين اشتركت به. ثم انتقل النقاش إلى الأعياد، ما بين عيد الفطر وعيد الفصح. كان صعبًا على عضوة الاحتفال بعيد الفطر مع الإبادة الوحشية في غزة، والكل اتفق معها. ثم عرفنا من عضوة مسيحية النظام الغذائي الذي يتبعه المسيحيون في الصيام قبل عيد الفصح إجابةً عن سؤال عضوة مسلمة.

ثم انتقل الحديث إلى صديقتهن المتوفاة، كيف أنها ما كان يجب أن تغيّر طبيبها في آخر لحظة. وأنها في آخر رسالة لهن في مجموعة الواتساب، بدت رسالتها كأنما كان لديها إحساس بالوداع. ثم انتقل الحديث عن الشعور بالوحدة الذي تعيشه العضوة حديثة الزواج في دبي، بعيدًا عن أهلها وأقاربها وأصدقائها في عمَّان، لتطمئنها عضوة أخرى بأنَّ هذا الشعور مؤقت، وستنجح في عقد صداقات وتبني حياة مثمرة هناك.

نادي القراءة الذي حضرته لم يكن ناديًا «للتثاقف المتبادل»، بل مجتمعًا صغيرًا من النساء الداعمات لبعضهن البعض في نطاق هذه الجلسات، دون انخراط إحداهن في حياة الأخرى. ففي جلسات النادي يعرفن آخر الأخبار، ويتبادلن العزاء والتبريكات، ويتشاركن الحزن والفرح، ويمنحن النصائح والتطمينات.

حين هممت بالمغادرة ودفع ثمن فنجان قهوتي، لم يقبلن أبدًا، فأنا ضيفة. وإذا عدت إلى عمَّان، وقررت الانضمام إليهن ضمن خطتي تأسيس حياةٍ مستقرة ومثمرة لي في عمّان بدل حضور السائح الغريب، سيدخلنني في مجموعة الواتساب، وسأدفع ثمن قهوتي كما تدفع كل واحدة منهن ثمن قهوتها. لأني لن أعود حينها ضيفة، بل عضوة في نادي القراءة.



في أثناء بحثي عن اقتباس ملائم لفقرة اليوم، لمحت في مكتبة مقرِّنا في الرياض كتابًا أخضر بعنوان «كتاب الأخلاق» لأحمد أمين. وفور تصفح الفهرس علمتُ أني وجدتُ ضالتي، حيث كتب في فصل «الغريزة»:📗

  • «نرى كل حيوان، كبيرًا أو صغيرًا، راقيًا أو دنيئًا يسعى من يوم أن يولد في أن ينمو، ويجاهد ما أمكنه للحصول على قوته، ويمعن في الهرب من الموت. ونرى الإنسان يحاول أن يعيش في أي بيئة مهما ساءت، ولا يألو جهدًا في أن يُعدِّل نفسه لتلتئم مع البيئة التي يعيش فيها. وإنه ليأخذك العجب حين تلاحظ أن الجسم الحي إذا صادفته حالة حرجة تكاد تقضي عليه، قد تسلّح بأسلحة عدة يتّقي بها الخطر، بل أكثر من هذا، نرى في نفسه ميلًا طبيعيًا يدعوه لأن يعيش عيشة أرقى من عيشته.» 🐞💁🏻‍♀️

  • أتذكر عندما قرأت كتاب «تلك العتمة الباهرة»، أني كنت أتساءل في كل لحظة: هل سأصمد لو كنت مكان «عزيز»؟ هل سأرغب في الصمود أصلًا؟ أم أنني سأبحث عن أسرع مخرج من ذاك الجحيم حيث لا تجد أي محفز -ولو كان ضئيلًا- للمقاومة، ولا تجد أي دافع منطقي للبقاء؟ إلا أنها الغريزة البشرية التي لا نملك سيطرة عليها، تمنحنا مرونة وقوة لا ندرك أنها كامنة في داخلنا؛ قوة نقاوم بها أي ظرف، ونمدّد بها حياتنا.⛓️🚪

  • ولكن ماذا عن حياتنا اليومية العادية حيث نملك القدرة على التغيير، وإيجاد عشرات المخارج، إلا أننا لا نبحث أو نحاول؟ نتقبّل أن «الحياة كذا»، فتضعف عضلة المقاومة، وتتداعى المرونة النفسية والعقلية، فننهار عند أبسط تعقيد في العمل، أو فشل إكمال رحلة  تعليمية بدأناها. نستسلم ونجد الراحة في التذمر عند كل من لديه أذنٌ تصغي. 😒🗣️

  • تساورني في الأشهر الماضية حاجةٌ مُلحّة إلى التغيير، إلى نسخة جديدة من حياتي ونفسي، لا أعرفها ولكني متحمسة للقائها. مع ذلك لا أتخذ أي خطوة جادة تجاه هذا التطور خشية عدم تحققه، أو فشلي في الوصول إلى نسخة مُتخيَّلة لا يمكن أن توجد، أو ربما شكّي في قدراتي على هذا التغيير. 🪄🪞

  • أيًا تكن أسبابي فقد سقطت عندما سمعت عبارة «كل ما لا تغيّره، تختاره». علمتُ أن لا أهمية لهذه الأسباب، فهي مبررات لعقلي كيلا يخرج من منطقة يألفها ولو لم تعجبه، إلى أخرى قد تكون هي ما أريد. وكأني برفضي التحلّي بشجاعة تغيير شيء واحد على الأقل، أحبس نفسي في صندوق يتضاءل. فإن لم نحرص على النمو سيداهمنا التقلص، عاجلًا أم آجلًا. 🪽📦

🧶إعداد

شهد راشد


نشرةأها
نشرة أها!
نشرة أها!
يومية، من الأحد إلى الخميس منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+80 متابع في آخر 7 أيام