هل فكرت يومًا بأثر الفراشة الذي تتركه؟ 🦋

زائد: قاعدة التوظيف الجديدة 😬


قررت سبوتيفاي تجميد التوظيف، واشترطت على كل رئيس قسم أن يوضّح بالدليل البيّن أنَّ الموظف الجديد سيؤدي مهمة يعجز الذكاء الاصطناعي عن أدائها. الجانب الإيجابي في الخبر أنَّ سبوتيفاي لم تطالب كل رئيس قسم أن يثبت بالدليل البيّن أنَّ الموظفين الحاليّين تحت إدارته يؤدون مهامًا يعجز عن أدائها الذكاء الاصطناعي. 🙂

على خلاف البارحة، عدد اليوم خالٍ من الخوض في نوايا شركات التقنية والاقتباسات الكئيبة، ويمس جوانب وتساؤلات إنسانية من حياتنا يعجز الذكاء الاصطناعي عن الإحساس بها. 😌


أثر الفراشة / Imran Creative
أثر الفراشة / Imran Creative

هل فكرت يومًا بأثر الفراشة الذي تتركه؟ 🦋

شهد راشد

مذ أصبحت خالة وأنا أحاول خلق لحظات تبقى في أذهان أطفال العائلة، فأقيم لهم فعاليات فنيّة، ألعب كرة القدم مع هذا وأضع لتلك أحمر خدود يبهجها. وفي كل عام، أبدأ بحثي من منتصف شعبان وطيلة رمضان عن هدايا مناسبة لهم، يستمتعون بها وتدخل الفرح على قلوبهم، ولي خلف أفعالي سبب أناني. فأنا أسعى إلى ترك ذكرى محببة في عقولهم وحياتهم، ليتذكروا أني خالة لطيفة مرحة تحبهم وتحرص على فرحتهم (الآن تجلس بجانبي ابنة أختي لكي أصنع لها فقّاعات).

لكني قبل أن أصبح خالة لم أُعِر اهتمامًا كبيرًا لفكرة الأثر، ولم أهتم للبصمات التي تبقى لدى الآخرين بسببي. 

يتقاطع الأثر والإرث الذي نتركه كبشر في أوقات كثيرة، ولكننا عندما نتحدث عنهما دائمًا ما نتصور عِظَم الأثر وضخامة الإرث حتى يكاد يكون مرتبطًا بشهرة أو سُمعة وإنجازات يحتفي بها مئات الناس. حتى عندما كنا أطفالًا، كان طموح الكثير منا تغيير العالم، لنكبر ونستوعب أن الأمر ليس بسهولة الحُلم.

قبل بضعة أيام بدأت الاستماع إلى كتاب «الأثر: مذكرات محققة وعالمة في الأدلة الجنائية» (Traces: The Memoir of a Forensic Scientist and Criminal Investigator) للمؤلفة وعالمة آثار البيئة وخبيرة النباتات والفطريات باتريشيا ويلتشير. اتخذت حياة ويلتشير مُنحنًى غير متوقع عندما طلبت منها الشرطة تسخير معرفتها وخبراتها لحل قضية قتل عن طريق تحليل بيئة مسرح الجريمة من منظور مختلف.

تخبرنا في الفصل الأول من الكتاب عن آلاف الآثار التي نتركها حولنا في كل مكان ومع كل خطوة وحركة دون إدراك منا، فنترك وراءنا البكتيريا وحبوب اللقاح والتربة والغبار والأبواغ والكائنات الدقيقة وأكثر من ذلك. مع ضآلة هذا الأثر الذي لا يُرى إلا بالمجهر ويتطلب عينًا خبيرة لمعرفته، تتمكن باتريشيا من المساهمة في حل ألغاز كبيرة وقضايا معقدة بعد أن ظن المجرم أنه أفلت من فعلته لأنه غسل ثيابه وارتدى قفازًا. 

بينما تقرأ المعلقة الصوتية عن أمور منطقية وعلوم تجريبية، أخذني الحديث إلى عالم الأحياء، والآثار التي يخلّفها كل فرد منا في كل موقف وتصرف. وفي لحظة جعلتني أستوعب أن ضآلتنا البشرية لا تلغي ضخامة تأثيرنا واتساعه على محيطنا المباشر بمن نلتقيهم وتتقاطع معهم لحظاتنا كل يوم. فهذا غريب نبتسم في وجهه، وذاك من سيأخذ طلب قهوتنا المعتاد ولم نقل له يومًا صباح الخير، كيف حالك؟ وأولئك زملاء العمل، وقطة في الشارع تموء وتنادينا، وزهرة نفكّر بقطفها لأننا نحب الجمال بأنانية. دومًا نبحث عن لحظة عابرة تشعل فينا شرارة متعة.

وبقدر محبتي للمتع اللحظية استوقفني مقطع ساخر ومحزن في آن، يصوِّر فيه الشخص ما ورثه من أجداده من مقتنيات ثمينة معنويًا وماديًا كطاولة من خشب عتيق، وقطعة لباس بجودة لا تتكرر، ثم تخيَّل ما سنورثه لأحفادنا من منتجات سريعة التصنيع بنُسَخ مليونية لا تحمل لمسة ذوق شخصية. 

تلفّت حولي ونظرت إلى ما سأورث لمن أحب، عدا بضع قطع تحمل قيمة معنوية بَدَا إرثي المادي محبطًا إلى حد كبير، وشعرت بحجم المعضلة (اسمحوا لي أن أعبر عن نفسي بدرامية). فممتلكاتي المُكلفة والزهيدة على حد سواء كانت نتيجة قرار لم يتجاوز خمس دقائق، سعيًا خلف شعور ظننته سيدوم، ولكنه زال، وجلست مع قطعة تذكرني بسوء قراري. هنا فاجأني إحساسٌ بالهلع، وسألني عقلي: هل تأثيري المعنوي على الآخرين يشبه إرثي الذي اقتنيته من متاجر عملاقة؟ 

أتفكر الآن، هل تستحق المتع اللحظية والدوبامين الرخيص والمزاج العكر وتقديم سوء الظن قبل حسنه تجاه الآخرين أن يكون إرثي وتأثيري تافهًا وربما مؤذيًا للناس والأرض؟ 

محمود درويش فهم «أثر الفراشة» تمامًا، ذاك الأثر الخفي الصغير الذي يتبعه أثر آخر لا يدري عن تراكمه أحد ويتجاهله الكثير، ورغم ذلك بإمكانه تغيير كل شيء حين قال: «أَثر الفراشة لا يُرَى.. أَثر الفراشة لا يزول». 

إن كان جناح فراشة بإمكانه خلق إعصار، فكيف بتصرفاتنا؟ هل علينا البدء بعيش الحياة بقصدٍ أكبر؟ والعمل على النوايا والمعاني قبل الإسراع في التصرف لمطاردة نتيجة تختفي بلمح البصر؟ 

إن أرهبتك هذه الأسئلة مثلي، فذلك لأنها تحمل خلفها إجابات ستغير مسار حياتنا المألوف، وتدفعنا إلى تحمّل مسؤولية تصرفاتنا من أبسطها لأكبرها. ومن يدري، قد نكون بحاجة إلى هذا التغيير.


خيمة السكينة🏕️

في إجازة العيد بالغتُ في متابعة عدة مسلسلات أحدها الموسم الثاني لمسلسل «شرينكنق» (Shrinking). في إحدى الحلقات كان الأخصائي النفسي المسن «باول» يجلس قبالة مريضه «شون» ويتحدثان حول مصاعب الأخير في المواجهة، وكيف يحتمل الكثير ويوافق على نقيض ما يريده لخشيته من إغضاب الآخر. 

يعطيه «باول» تمرينًا يتطلب إغماض عينيه وتخيل كيف سيمر الموقف مع رسم أسوأ نتيجة ممكنة، يصرّح شون أنه يشعر بالغباء فيرد عليه الأخصائي: «حسنًا، نعم تبدو غبيًا ولكن التمرين مفيد وفعّال.» لهذا «باول» شخصيتي المفضلة، صريح وظريف! 🤭

استوقفتني هذه اللقطة لأني عندما صارحت نفسي وتذكرت شعاري المعتاد «ما أهتم» اكتشفت أنها كذبة بيضاء أتظاهر بها. فكم من مرة رغبت في المشاركة بعمل فني أو إجابة خاطئة في المدرسة، أو الرقص لحظات استراحتي بين التمارين في النادي، وكم مرة بالغت بالتبرير وتوضيح أني لستُ كاتبة بأي شكل وأنَّ ما أكتب مجرد خريشات وغيرها، وكل هذا خشية أحكام الآخرين. 

هذا الكم من مراعاة آراء الآخرين يحرمنا متعة كفلتها لنا طبيعتنا البشرية وهي إمكانية الخطأ، وربما الظهور بمظهر غبي لأنه يجلب لنا بهجة لا يدركها أحد، أو استمتاع بلحـظة خفة قلّ أن نشعر بها، أو حتى لحظة شجاعة نتمكن فيها من تخطّي عقبة لطالما أعاقتنا.

يتجاوز الأمر لحظات المتعة العابرة إلى تأثيره على تقدمنا وتعلمنا في كل مراحل حياتنا. فخشيتنا من الظهور بمظهر غبي تبني حاجزًا يمنعنا من التجربة والفشل، ويضع على عاتقنا حمل المثالية الثقيل والمستحيل. 

من منا نسي المشهد الذي ركضت فيه فيبي ركضًا مضحكًا وغريبًا عندما رافقت رايتشل للتريض في مسلسل «فريندز»، وعندما صارحتها رايتشل بالإحراج الذي تشعره برفقتها، أجابت أنه الشكل الوحيد الممتع للركض، ولن تتظاهر بركض عسكري لأجل أناس لن تراهم مجددًا! 

ننسى أن كل إنسان مشغول بنفسه، وأن لحظات الحكم ونظرات الاستنكار لن تطول حتى لو تواجدت. يقول ميلان كونديرا «الوحدة غيابٌ عذب للنظرات» وأفسّر أنا العبارة بأن المقصود بالوحدة لحظة انغماسنا في متعة حقيقية حتى يختفي من حولنا ولا يغدو مهمًا.

إن لم تقتنع، اسأل نفسك: هل تتذكر ما فعل كل شخص رأيته في حياتك؟ 🤔🎈

🧶إعداد

شهد راشد


لمحات من الويب

  • «من طبع الإنسان أن يلوم الظروف على الحال الذي وصل إليه، لكني لا أؤمن في الظروف. فالمرء الذي ينجح في هذا العالم يستيقظ صباحًا ويبحث عن الظروف الملائمة، فإن لم يجدها صنعها.» جورج برنارد شو

  • كيف تحولت نفايات البلاستيك إلى بيت الناسك.

  • محمد القحطاني يشارك مواقع سينمائية يجب أن تكون في مفضلة كل صانع أفلام ومهتم بالسينما.

  • أبوكِ رماني من الدرج!


قفزة إلى ماضي نشرة أها! 🚀

  • هل تزرع خطابات التحفيز فينا قوة الإرادة أم تهدم فهمنا للواقع من خلال وعود زائفة تتجاهل التحديات الحقيقية للحياة؟

  • تطبيقات الذكاء الاصطناعي قد تعطي وهم العلاج النفسي، لكنها لا تعوّض الحقيقة الإنسانية للتعامل المباشر مع المعالج.

سبوتيفاي
نشرة أها!
نشرة أها!
يومية، من الأحد إلى الخميس منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+360 متابع في آخر 7 أيام