البُرْنُس وليس الهُودي
زائد: لجان الجوائز تفضّل الروايات القصيرة!




البُرْنُس وليس الهُودي
في حوار خضته مع والدي قبل مدة، أخبرني أن كلمة «دريشة» ليست عربية، بل فارسية تعني النافذة. لم أقف طويلًا عند الأمر، ولكني صُدمت عند تصفحي «معجم الكلمات الدخيلة في لغتنا الدراجة» لصاحبه محمد بن ناصر العبودي، لأن كمية الكلمات الفارسية والفرنسية والهندية والإنقليزية التي نستخدمها يوميًا مهولة.
فأنا ألاحظ في نفسي قبل غيري تسلل كلمات إنقليزية إلى حديثي اليومي دون حاجة إليها، ولهذا أسباب عديدة لن نخوض بها هنا، ولكن هل تفكرت يومًا بكلماتنا العربية وهل هي عربية أصيلة؟
إن كنت من مستخدمي تطبيق «إكس» فربما انتبهت إلى رَوَاج الذهب والتغزل به وبجماله، والاستشهاد بالأغنيات والقصائد التي تصفه، كنوع من التمسك بالإرث وإعادته للساحة بين الفئات العمرية الشابة التي تميل إلى اقتناء الماركات العالمية. وأكثر ما قرأت تلك العبارة التي تتغنّى بها النساء وهنّ يصورن أيديهن تلتمع بأساور ذهبية: «أربع بناجر في يد المزيون»، وهذه المرة كنت قد جَزَمت أن كلمة «بناجر» عربية وإن لم تكن فصيحة، لأُصدَم بأنها كلمة من اللغة الأوردية تعني السوار الغليظ حسب معجم العبودي!
في الأشهر الماضية، بادرت منصة «منسوج» بتعريب مفردات الأزياء ضمن رسالتها لإثراء المحتوى الرقمي عربيًا في المجال، وقد كنت أظن طيلة حياتي أن مفردتي «تنورة» و«ياقة» عربيتان لأتفاجأ بأن كلاهما فارسية تركية. كنت أعرف أن كلمة «هودي» إنقليزية وأجهل مرادفها العربي، فهي كلمة دقيقة تصف لباسًا بعينه، وعرفت من المنصة أن مقابلها العربي: البُرْنُس أو الغِفَارة أو القلنسُوَة.
يتعدى الأمر مجال الأزياء. فهي وإن كانت لها أهميتها كقوة ناعمة، إلا أننا نقع في مأزق حقيقي عند التفكر بتعريب المفردات الرقمية مثلًا، ووصفها وصفًا دقيقًا يعبّر عنها ويتسق مع لغتنا العربية. فقد أصبنا عندما استخدمنا كلمة «جوّال»، فهي تصف الجهاز واستخداماته بدقة رائعة، وغيرها مثل التخزين السحابي والأتمتة. لندخل إلى نقل حرفي مخفف باستخدام الأمن السيبراني مثلًا بدل أمن الحاسوب، أو أمن المعلومات. وقد انتشرت بعض المصطلحات المُعرّبة، بينما بقي غالبها للمتخصصين الذين يُفضلون استخدام المفردات الإنقليزية (كما أخبرني أحدهم أثناء كتابة هذه التدوينة).
ما أظنه ضروريًّا عند تعريب مفردات وصفية كهذه هو محاولة جعلها مفهومة لدى المتحدثين بالعربية حتى لو لم يكونوا على علم بالمجال سواء كان رقميًا أو غيره. نعم ستكون بعض المفردات حكرًا على المختصين أو الأكثر خبرة، ولكني أظن أن على الكلمة المُعَّربة الوصول إلى أكبر شريحة من الناس، لا سيما إن كانت تتقاطع مع حياتهم اليومية. وعند تبني هذا المنطلق نتقاطع مع نظرية وُلدت في منتصف الثمانينات عُرفت باسم «النظرية الغائية»؛ فبعد أن اختصت نظريات الترجمة السابقة بدراسة نقل المفردة أو الجملة بين اللغات، حرصت نظرية الغرض على فهم وظيفة النص والهدف المرجو من ترجمته، فكل غرض له جمهوره وظروفه وأحكامه.
هنا نرى إمكانية الترجمة لخدمة المتلقي وليس للحفاظ على أصالة المفردة بلغتها الأم. فهذه الترجمات ليست معنيّة بترجمة ما كتبه مؤلف أو أبدعه شاعر فنشعر بمسؤولية ترجمة تجربة إنسانية متكاملة ونقلها كما هي قدر المستطاع مع موازنة أدبيتها.
لا أعرف إن كنت سريعة الانفعال، ولكن سوء ترجمة كثير من منصات الأفلام والمسلسلات أو مواقع التسوق تثير استيائي. أتابع الآن مسلسل «بارنتهود» والذي تترجم نتفلكس عنوانه إلى «الأبوّة». وما إن رأيت ذلك اشتغل عقلي بحثًا عن ترجمة أكثر إنصافًا ليأتي بكلمة «والديّة» والتي أظنها تعبر عن قصة المسلسل.
تتساهل المنصات والجهات باختلاف اختصاصاتها بالترجمة حتى فيما نجد له ترجمة راسخة. وبعضها يبذل جهدًا هزيلًا، خاصة غير العربي منها، فتشعر أنها تستعين بترجمة قوقل الفورية. وهذا يؤثر مباشرة على المتلقي ولغته وشعوره تجاهها، حتى إنني أفضل إبقائها على اللغة الإنقليزية دون تحويلها للعربية.
نعم قد تبدو كلمة بُرْنُس ثقيلة للوهلة الأولى ويصعب استخدامها بدل الهُودي، ولكن أليس علينا ألا نتعامل مع العقبات على أنها مجردة عثرة بدل نقطة استسلام؟
فاللغة حيّة بقدر استخدامنا، وبدء استخدام مفردة يومًا إثر آخر يطبّعها بين الناس.
خبر وأكثر🔍📰

قوائم الجوائز تفضّل الروايات القصيرة على الطويلة!
هل لاحظت مؤخرًا انكماش الروايات حدًّا صار بإمكانك دسُّها في جيبك؟
هذا الانكماش لاحظه المتابعون لجائزة البوكر العالمية للروايات المترجمة. إذ عدا رواية واحدة رومانية يبلغ حجمها نحو 600 صفحة، بقية الروايات المرشحة أقل من 300 صفحة، والرواية اليابانية بالكاد تصل 100 صفحة. 📉📖
رغم تأكيد أعضاء لجنة التحكيم أنَّ خيارات الرواية القصيرة قائمة فقط على كونها الأفضل ولا اعتبار وضعوه لحجمها، لكن من الصعب بلع هذه المصادفة دون أن نضع في الحسبان ولع جيل زد بالروايات القصيرة في تك توك، فروايتهم المفضلة من ديستويفسكي ليست «الجريمة والعقاب» ولا «الأخوة كارامازوف» بل روايته القصيرة «الليالي البيضاء»، الرواية التي عاشت معظم عمرها الأقل شهرةً ومبيعًا من بين شقيقاتها إلى ما قبل ولع جيل زد بها. 😒🥇
إلى جانب ولع جيل زد، تفضّل دور النشر الغربية الترجمة عن روايات قصيرة لأنها أقل كلفةً في الإنتاج والأسهل في تسويقها، إذ بالكاد تبلغ نسبة الأدب المترجم إلى الإنقليزية 15% من مجموع إصدارات دور النشر السنوية. ولهذا السبب، ستجد أنَّ معظم دور النشر الموجودة في القائمة الطويلة للروايات المرشحة هي دور نشر صغيرة، تترجم الأعمال لأنها مؤمنة أكثر بالأدب العالمي من نظيراتها دور النشر الكبرى. 💰📝
المفارقة أنَّ الرواية الرومانية الطويلة (Solenoid) هي الأكثر حظوةً لدى النقّاد، والأقرب إلى نيل الجائزة، إذ يُعد الروائي ميرتشا كارتاريسكو من أبرز المرشحين لنيل جائزة نوبل في المستقبل القريب. فهل ستفوز الرواية الطويلة، أم نشهد انتصار ذائقة جيل زد للروايات القصيرة؟ 📲👨🏻⚖️
المصدر 🌎
The New York Times
To the Point: Short Novels Dominate International Booker Prize Nominees
شبَّاك منوِّر 🖼️

أمين الريحاني كاتبٌ مثير للاهتمام. أول مؤلفاته التي نشرها كتاب عنونه «الريحانيات»، وتنوّعت مواضيعه وتعددت حتى تشعر أنك تقرأ عدة كتب في كتابٍ واحد. اعتاد أن يقول: «قلْ كلمتك وامشِ» كأنه لا يعبأ بصدى ما يكتب ويحكي، وإنما تقوده مسؤوليته تجاه المجتمع والإنسانية. وأقتبس إليك اليوم من فصل «ابن سهل الأندلسي»:
«ينبغي للشاعر أن يعيش حقًّا قبل أن يشعر، ينبغي له أن يختبر الحياة ومظاهرها قبل أن يُصاهرها، وأن يشقى ويسعد قبل أن يزف إلى العالم بنات شعره، ينبغي له أن يذوق حلاوة الكأس ومرارتها قبل أن يُطلق خياله من قفص النفس. وإن الفرق بين شعر ينظم في رابعة النهار مثلًا والدمُ فاترٌ بليدٌ وشعر يصبه الشاعر نصف الليل من جنان ذائب ملتهب لَكَالفرق بين بركة ماء عكراء وسلسبيل جارٍ في مروج خضراء.» 🤔🍃
لطالما كانت من أمنياتي «الكليشيهية» تأليف كتاب. لا أدري عمَّ سأكتب ولا لمن سأوجه حديثي، ولكني أؤمن تمامًا مثل الريحاني بضرورة تعتيق لغتي، ومراكمة خبراتي ومشاعري قبل الانطلاق بمهمة كبيرة كهذه إن أردت أن يكون لها أثر. قد تكون الموهبة كافية لأحدهم ليبدع وينجز وينشر أعماله أيًا كان مجالها بعمر صغير، ولكن علينا نحن الفئة الثانية التحلّي بالصبر، لنأخذ من الحياة ما يكفي قبل أن ننطلق في الابتكار. 🦋🫴🏻
يخبرنا الريحاني الفارق بين كتابة النهار وشعر الليل ورمزية كلاهما المعروفة، وأظني هنا اقرأ تلميحًا منه بضرورة الممارسة لصقل الحرفة أو الحرف، تجرِّب كتابة النهار وتراها لا تجدي، وتجرب كتابة الليل فتكون الأجدى. لا بد دومًا من التجريب والجرأة. 🌝🌚
مع ارتفاع سقف التوقعات المهنية والمالية والاجتماعية وحتى الشخصية، يشعر الجميع أن عليهم ملء سِيَرِهم وأيامهم بكل ما يمكن. فاختلطت ضرورة استغلال الوقت فيما ينفع بمحاولة ملئه بأي شيء، كأنَّ القيمة والفائدة اختلطت علينا. أحضر دورةً تخبرني ببديهيات أعرفها لأن لها طابعًا رسميًّا أو تمنحني شهادة، وتعطيني الانطباع بأني أخذت خطوةً للأمام. لكن أظن أن علينا العودة خطوتين للوراء وتأمُّل ما تنطوي عليه جداولنا المزدحمة، قبل إضافة مهمة أخرى تُبعِدنا عن صقل تجاربنا الحقيقية في الحياة. 🛣️🏃🏻♂️
🧶إعداد
شهد راشد
اقتباس اليوم 💬
«الغبيّ لا يسامح ولا ينسى؛ الساذج يسامح وينسى؛ الحكيم يسامح وأبدًا لا ينسى.» توماس ساس
قفزة إلى ماضي نشرة أها! 🚀
ثنائية اللغة: بين ضرورة التأقلم مع العالم الأكاديمي والمخاوف من فقدان الهوية الثقافية واللغة الأم.
كيف شكّلت الكتب الكئيبة عالمي بشكل غير واعٍ، وأثر في طريقة تفكيري ورؤيتي للحياة.


نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.