فلم «Nickel Boys»: مقبرة جماعية ضحاياها طلاب

زائد: ما قصة الوشم على ذراع توم هاردي؟

جزء من نجاح أي مبدع في السينما هو الموهبة بالتأكيد، ولكن يجب أن يرافقها الاختيار المناسب للعمل.

تلك الموهبة تُهدَر إذا لم يرافقها حسن الاختيار، فالكاتب والمخرج والممثل، جميعهم يجب أن يختاروا القصة التي ستحقق النجاح الكبير.

وأفضل نموذج للمبدع الذي يعرف الاختيار المناسب، هو الممثل ليوناردو دي كابريو، وقد انعكس ذلك على مسيرته، وأصبح أحد أعظم الممثلين.

في قصة ظريفة تعبّر عن موهبة ليوناردو في معرفة النجاح والاختيار المناسب: في أثناء تصوير فِلم «The Revenant» اختلف توم هاردي وليوناردو حول ما إذا كان هاردي سيترشح لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل مساعد، كان ليوناردو مقتنعًا أن هاردي سيترشح، بينما هاردي نفسه لم يقتنع بذلك. راهنه ليوناردو وقال: «إذا ترشّحت، عليك أن تضع وشمًا يحمل كلامي».

ترشح هاردي بالفعل للأوسكار، وأوفى بوعده، ووشم على ذراعه عبارة: «ليو يعرف» (Leo knows)، في إشارة إلى فوز ليوناردو دي كابريو بالرهان.

نايف العصيمي


فِلم «Nickel Boys» / تصميم: أحمد عيد
فِلم «Nickel Boys» / تصميم: أحمد عيد

فلم «Nickel Boys»: مقبرة جماعية ضحاياها طلاب

علي حمدون

لكل وسيلة عصيانٍ ردة فعل تتواءم معها، فإن آمن مالكوم إكس بالتسليح ومجابهة الشيطان الأبيض ومقابلته بالعنجهية نفسها، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد العنف إلى أقصى مراحله. ولهذا، اختار مارتن لوثر كينق في منتصف القرن العشرين نهجًا مغايرًا، إذ كانت حركته النضالية شبيهة بالسياسة القاندية «السياتاقراها»، التي تقوم على المقاومة اللاعنفية، حيث يكون الرفض الخلّاق معتمدًا على وعي مجتمع مثقف ومتمدّن، تتجلّى مطالبه في ميوله التربوية ونزعته الإنسانية، مما يفرض على القارئ للمشهد بكل عقلانية تبنّي فكر التضامن مع الأقلية في مواجهة الأغلبية.

ولكن كما يُقال: «لا يخلو السلام، من بعد الهدوء التام، من سفك الدماء»!

فقد دفعت هذه الحركةُ البيضَ العنصريين المارقين في غلوهم، إلى الاعتقاد بأن هذا السلوك ليس سوى حيلة على طريقة حصان طروادة، وأن الرجل الأسود قادم بغرض الاحتلال والإحلال، مما جعلهم يمارسون الحيلة نفسها لاستكمال جرائمهم تحت الأغطية الحكومية المنحازة. حيث واجهت الحكومة المقاومة السلمية بالعنف الممنهج والإصلاحات السطحية، عبر القمع البوليسي والقضاء الإصلاحي الفاسد، الأمر الذي كشفه فِلم «Nickel Boys»، حيث يبين كيف يُعاد إنتاج الظلم بآليات قانونية تخدم المنظومة نفسها!

وهذه المقدمة توضح ظروف أحداث الفِلم المقتبس من رواية «صبية نيكل»، الفائزة بجائزة البوليتزر عام 2020، الذي يحكي قصة «إلوود كورتيس»، الفتى الذي زُجَّ به ظلمًا في ظلمات إصلاحية «نيكل» بعد اتهامه بسرقة سيارة.

تزعم الإصلاحية أنها تعيد تأهيل الأطفال وتحوّلهم إلى رجال صالحين، ولكنها ليست سوى وكر للأهوال، حيث يتعرض النزلاء للعنف والانتهاكات، بينما تدير في الخفاء أنشطة غير مشروعة يقف وراءها مسؤولون فاسدون.

كان «إلوود»، المنتمي حديثًا إلى إصلاحية «نيكل»، هائمًا في ملكوت العدل، نفسه تواقةٌ للحياة، مؤمن بقدرته على التملّص من واقعه المستبد بقوة القانون، وكان «إلوود» إيجابيًّا يستقي جسارته من مبادئ مارتن لوثر كينق، على عكس رفيقه الوحيد، «تيرنر»، الذي تعرّف عليه في الإصلاحية، حيث كان أكثر تصالحًا في تعايشه مع دلجة الذل والهوان، أو ربما أكثر يأسًا واستسلامية. إذ لم يرَ «تيرنر» في هذا العالم سوى دورة لا نهائية من الظلم، مقتنعًا بأن لا مفر من القسوة التي تحكمه، وأن الإصلاحية تقع على أرض ملعونة تهتز وتميد وتهدد كل من كان عليها بالابتلاع!

الرواية مستوحاة من وقائع حقيقية مرتبطة بمدرسة دوزير الإصلاحية في فلوريدا، التي كُشف لاحقًا عن سجلها الأسود، ومقبرة جماعية ضمّت عشرات القبور لصبيان يافعين.

يبدأ الفلم بالطفل «إلوود كورتيس»، الذي تشكّل وعيه المبكر، منذ نشأته على يد جدته المكافحة، متأثّرًا بخطاب مارتن لوثر كينق. ومن خلال مشاهد انتقالية متتابعة، نشهد مراحل حياته، من المرحلة الحالمة إلى لحظة وعيه الأوّل لمعنى أن يُخلق المرء أسود. في لقطة مؤثّرة، يتأمل من خلالها ذراعه أثناء تناوله الطعام، وكأننا ننظر بعينيه، نتأمل سحنتنا المضطهدة، وكأنه اكتشف للتو سَوءتَه، مدركًا أنه وُلد بهذا الرداء.

وهذا يذكرني بجيمس بالدوين عندما قال: «بمجرد أن تولد في هذه الجمهورية اللامعة، فأنت لا تعي ما يجري حولك. ترى أن كل وجه تراه على التلفزيون "أبيض"، وتفترض أنك أنت كذلك. ثم يصدمك جدًّا، في سن الخامسة أو السادسة أو السابعة، أن تكتشف أنك كنت تشجع الممثل قاري كوبر على قتل كل الهنود في أفلامه، بينما الهنود كانوا في الحقيقة أنت!»

وعلى الرغم من أن الأسلوب المُتَّبع -لا سيما في البداية- الذي يهدف إلى جعل المشاهد يعيش دور البطل، وهو يتأمل فضاء الحرية، وتدلي البرتقال، وابتسامة جدته المطلّة عليه من أعلى شجرة الكريسماس، ومراحل كفاحها وهي تكنس في مطعمٍ للبيض، حيث تتحرك الكاميرا وكأنها عينه ومن منظوره، فقد وجدت شخصيًّا صعوبة في التواصل مع الشخصيات. ويعود ذلك إلى الغياب المتقطّع لملامح البطل، الذي نبصره بعين صديقه فقط، مما حال دون استشعار كافة المشاعر التي تعبر عنه. ورغم أن الأداء كان متقنًا، فإن هذا النهج جعل من تحقيق ارتباط عاطفيٍّ مع الشخصيات معقدًا نوعًا ما. وهذا ما جعل فكرة الاحتواء تتفوّق على الأداء التمثيلي، والتقييم الفني يتأثر بالتقييم العاطفي بسبب عدم استقلالية مشاعر التعاطف والغضب والرحمة. 

ولا أعلم إن كان هذا الأسلوب الإخراجي مقصودًا لفرض هذا الشعور، وكأن الأمر أشبه بمقاومة الجسد للأعضاء المزروعة، حيث تهاجم الخلايا المناعية ما هو غريب عنها. لكن، شيئًا فشيئًا، نجد أنفسنا وقد أصبحنا سود البشرة، وإن كان هذا المقصد، فقد نجح المخرج راميل روس بامتيازٍ بالنظر إلى قلة تجاربه السينمائية. وأتذكر أنني شعرت بالارتياح في مشهد التعذيب، حيث كانت الكاميرا أشبه بعين البطل، تضعنا في موقع المجلود، بينما يعطي البطل ظهره للجلاد، تمامًا كما نفعل نحن المشاهدين أمام هذا الواقع القاسي. هذا التوجيه البصري يعزّز إحساسنا بالعجز والتجرّد، وكأننا نشهد العنف دون القدرة على مواجهته.

بعد هذه النقطة التي نستنكرها من البداية، تمضي أحداث الفِلم بنا، لتعزز رابط الصداقة بين «إلوود» و«تيرنر»، فيما تتكشّف أسرار الإصلاحية وفسادها، مصحوبة بمشاهد أرشيفية من الحقبة ذاتها، تشمل برامج تلفزيونية ومقاطع وثائقية يقدمها رجال سود. وسط ذلك، تتكرّر مشاهد التماسيح التي تعج بها فلوريدا، فتقتحم السياق كما لو كانت إشارة غامضة، لكنها تحمل دلالة واضحة، إذ تترصّد تحت سطح هادئ، متأهبة للانقضاض في لحظة حاسمة، في استعارة بصرية لوحشية تتوارى خلف المظاهر المهادنة.

لا تقتصر هذه الوحشية على العنف الجسدي، بل تمتد إلى القوانين الجائرة التي تحكم الهويات. إذ نتلمّس إشارات إلى قوانين جيم كرو وقانون «قطرة الدم الواحدة»، الذي يَعدُّ المرءَ زنجيًّا طالما أن أحد أسلافه إفريقي، مهما بدت ملامحه بيضاء. وقد تجلى ذلك في مشهد بسيط، حين احتار السود من معاملة أحد الحراس لصبي خلاسي أبيض الملامح، إلا أن أحد والديه أسود.

لكن أكثر ما لفت انتباهي هو توظيف مشاهد من فِلم «The Defiant Ones» الصادر سنة 1958، الذي يروي قصة هروب سجينين، أحدهما أبيض والآخر أسود، مكبلين معًا، ويضطران للتعاون رغم العنصرية المتجذرة بينهما.

وقد ركّز الفِلم على مشاهد الممثل الأسود سيدني بواتييه، خاصة تلك التي تأتي بعد تحرّره من القيود التي تربطه بزميله الأبيض. في هذا الفِلم، يحصل الأسود على فرصة للهرب عبر قطار عابر، لكنه وبينما يحاول مساعدة زميله الأبيض على الصعود، يفشل في ذلك، ليقرر القفز من القطار والبقاء معه. يُقال إن الجمهور الأبيض استقبل المشهد بارتياح وسعادة، بينما انفجر بعض المشاهدين السود بالصراخ: «عد إلى القطار أيها الأحمق!»

كان سيدني بواتييه يجسد التصالح اللوثري بين العرقين في الأفلام التي تولى بطولتها، ويُقال إن قفز الرجل الأسود من القطار جاء ليطمئن البيض، وليؤكد لهم أنهم ليسوا مكروهين رغم أخطائهم. فبرغم ما ارتكبوه، فإنهم لم يُصوَّروا مذنبين يستحقون الكراهية، بل كأشخاص ارتكبوا أخطاء بشرية يمكن تجاوزها. وهذه النهاية المُتخيّلة تتقاطع مع نهاية فِلمنا «Nickel Boys»، وهنا تكمن الحبكة!

الفِلم جيد، عدا أن المشاهد قد يواجه صعوبة مع القفزات الزمنية، وقد لا يتقبّل استخدام أسلوب المنظور الشخصي، خاصة أن التجربة قد لا تحتمل الاستعانة بقصة شبه واقعية تتطلب وضوحًا وخلوًّا من الرمزية، دون الاعتماد على إلمام تاريخي بمرحلة معقدة.

وختامًا، أجد نفسي متصالحًا على نحوٍ محير ونسبي مع العمل، حيث أرى من جهة أن المخرج لم يستفد تمامًا من القصة، وكأنه تحايل بأسلوبه على ما استعصى على خياله من وحشية، ومن جهة أخرى، أجد هذا التحايل عبقريًّا!


فِلم «The Road 2009»
فِلم «The Road 2009»

  • يُعرض اليوم الخميس في صالات السينما في السعودية فِلم «Cleaner»، من إخراج مارتن كامبل، ومن بطولة ديزي ريدلي. تدور أحداث الفِلم حول استيلاء مجموعة من الناشطين المتطرفين على حفل سنوي لشركة طاقة، واحتجازهم لـ300 رهينة، ما يجعل من الواجب على جندية سابقة، تحولت فيما بعد إلى منظفة نوافذ -كانت معلقة على ارتفاع خمسين طابقًا على الجانب الخارجي من المبنى- أن تنقذ المحاصرين في الداخل، بما في ذلك شقيقها الأصغر.

  • حقق فِلم «The Monkey» من إخراج أوزقود بيركنز، ومن كتابة ستيفن كينق، نسبة 84% على موقع «Rotten Tomatoes»، وذلك بناءً على تسع وستين مراجعة.

  • الانتهاء من النسخة المحدثة (Remake) الجديدة من فِلم «High and Low»، بعنوان «Highest 2 Lowest». الفِلم من إخراج سبايك لي، ومقتبس من فِلم أكيرا كوروساوا، الصادر عام 1963. يُتوقّع أن يُعرض الفِلم في شهر مايو المقبل في مهرجان كان السينمائي، وهو من بطولة دينزل واشنطن، وجيفري رايت، وأساب روكي.

  • من المُتوقّع أن يبدأ تصوير «Dune: Messiah» في يونيو المقبل.

  • أعلنت جوائز «الأكاديمية البريطانية لفنون الفِلم والتلفزيون» (BAFTA) عن الفائزين لعام 2025، حيث هيمن «The Brutalist» على الحدث بحصده عدة جوائز، من أبرزها: أفضل مخرج لبرادي كوربيت، وأفضل ممثل لأدريان برودي، بينما نال فِلم «Conclave» جائزتي أفضل فِلم بريطاني وأفضل فِلم للعام، متفوّقًا على منافسين بارزين مثل «Anora» و«A Complete Unknown»، و«Emilia Pérez».

  • أصدر استديو «A24» عرضًا تشويقيًّا لفِلم الرعب المرتقب «Bring Her Back»، من إخراج الأخوين داني ومايكل فيليبو، المعروفين بقناتهما على يوتيوب «RackaRacka»، وفِلمهما الناجح «Talk to Me»، الصادر عام 2022. الفِلم من بطولة سالي هوكينز، وبيلي بارات، وسورا وونق. ومن المقرر عرض الفِلم في دور السينما في تاريخ 30 مايو من العام الحالي.

  • سيُطرح فِلم «A COMPLETE UNKNOWN» على المنصات الرقمية في 24 فبراير.


لطالما كانت الموسيقا التصويرية جزءًا لا يتجزأ من هوية أفلام كريستوفر نولان، حيث تتجاوز دورها التقليدي عبر وضعها خلفيةً للأحداث، لتصبح في أفلام نولان عنصرًا أساسيًّا في السرد السينمائي.

في «Oppenheimer»، الصادر عام 2023، لعبت الموسيقا دورًا محوريًّا في إيصال التوتر النفسي، والتصعيد الدرامي، والاضطراب الداخلي لشخصية «ج. روبرت أوبنهايمر».

رؤية نولان ونهج قورانسون:

تعاون نولان مع الملحن لودفيق قورانسون مرة أخرى بعد أن عملا سويًّا على «Tenet»، الصادر عام 2020. حينها أثبت قورانسون قدرته على التعامل مع الأصوات غير التقليدية، وابتكار موسيقا تعزّز البنية السردية للأفلام المعقّدة.

لكن في هذه المرة، لم يمنحه نولان أي تعليمات محددة عن القصة أو نوع الموسيقا المطلوبة، باستثناء فكرة واحدة فقط: استخدام الكمان أداةً موسيقية رئيسة.

هذا النهج غير التقليدي منح قورانسون حرية إبداعية واسعة، ما دفعه لاستكشاف إمكانيات الكمان بطرق غير مألوفة. استغلّ قورانسون تقنيات مثل إضافة تأثير الاهتزاز في الأصوات لجعلها تتذبذب، لتعكس القلق العميق الذي يعيشه «أوبنهايمر». كما اعتمد على التسارع التدريجي للإيقاعات، ما جعل الموسيقا تحاكي التفاعل المتسلسل داخل القنبلة الذرية، حيث تبدأ النغمات ببطء، ثم تتسارع حتى تصل إلى ذروتها.

أسلوب قورانسون في التأليف:

يعتمد قورانسون على دمج العاطفة بالابتكار التقني، مستفيدًا من خلفيته في الموسيقا الكلاسيكية والإلكترونية.

وخلال عمله على «Oppenheimer»، استوحى الكثير من مفاهيم الفيزياء النووية، حيث وظّف أنماطًا موسيقية تعكس المفاهيم العلمية التي يناقشها الفِلم؛ مثل استخدم إيقاع متسارع يحاكي تفاعل الانشطار النووي، إلى جانب مؤثرات صوتية تعزّز شعور الاضطراب الزمني، مثل «تأثير دوبلر» الذي يُشعر المستمع بتغيّر الزمن.

كما أصرّ قورانسون على تسجيل الموسيقا باستخدام أوركسترا حقيقية بدلًا من المؤثرات الرقمية، ما أضفى على الموسيقا إحساسًا ملموسًا وحقيقيًّا، يتناغم مع الطابع الواقعي للسرد البصري في الفِلم.

كان الكمان هو الآلة الأساسية التي شكّلت هوية الصوت، حيث عُزف بتقنيات متوتّرة، وغير مستقرة، عاكسًا التناقضات الداخلية التي تسيطر على «أوبنهايمر».

المقاطع الموسيقية البارزة في الفِلم:

تميّزت الموسيقا التصويرية بعدة مقطوعات لعبت دورًا أساسيًّا في تحديد إيقاع السرد والتوتر الدرامي، ومن أبرزها:

  • مقطوعة «Can You Hear the Music»:

    المقطوعة الأشهر من الموسيقا التصويرية، وتعكس تصاعد العقلية الهوسية لـ«أوبنهايمر»، وتميّزت بتغيرات إيقاعية متكرّرة تخلق إحساسًا بالتسارع الدرامي.

  • مقطوعة «Trinity»:

    رافقت مشهد اختبار القنبلة الذرية، واستخدمت إيقاعات متصاعدة، عزّزت الترقب والخوف من لحظة الانفجار.

  • مقطوعة «Quantum Mechanics»:

    تُعزف هذه المقطوعة خلال خطاب «أوبنهايمر» بعد اختبار «ترينيتي»، وتعكس اضطرابه الداخلي. سماها قورانسون بالبداية «Hexatonics»؛ لاستخدامه سلّمًا سداسي النغمات. أُعجب بها نولان، وطلب تطويرها (الذي أدّى أيضًا إلى إنتاج مقطوعة «Can You Hear The Music»، التي كانت نُسخة مُسرَّعة من «Hexatonics»). تناقض الموسيقا هنا خطابَه الاحتفالي، كاشفة إدراكه المروع لقوة القنبلة التي صنعها.

تأثير الموسيقا في التجربة:

كانت الموسيقا في «Oppenheimer» عاملًا جوهريًّا في بناء الإيقاع العاطفي والنفسي للفِلم. وتراوحت ألحانها بين الرهافة الشديدة والانفجارات السمعية الحادة، تمامًا كما يتأرجح «أوبنهايمر» بين العبقرية والدمار، وبين لحظات السمو والانهيار الداخلي.


فِلم «Fences»
فِلم «Fences»

اليوم نقول أكشن في هذا المشهد من فِلم «Fences» الصادر عام 2016، من إخراج وبطولة دينزل واشنطن.

يستند الفِلم إلى مسرحية كتبها أغسطس ويلسون، ويروي قصة «تروي ماكسون»، وهو رجل أسود خمسيني يعمل في جمع القمامة، ويحمل على عاتقه مشاعر الإحباط بعد أن تحطّمت أحلامه في احتراف البيسبول، بسبب العنصرية وظروفه القاسية.

يعيش «تروي» مع زوجته «روز» وابنه «كوري»، ويحافظ على صداقته القديمة مع «بونو»، ويواجه صعوبة في علاقته بابنيه «ليونز» و«كوري»، اللذين يسلكان طرقًا تخالف رؤيته للحياة.

يتناول الفِلم صراع «تروي» مع ماضيه وتأثيره على قراراته وعلاقاته، حيث يحاول أن يكون أبًا وزوجًا صالحًا رغم مرارة التجارب التي شكّلته.

في هذا المشهد، يجلس «تروي» في فناء منزله الخلفي برفقة صديقه «بونو» وابنه الأكبر «ليونز»، مستغرقًا في ذكرياته مع أبيه، بينما يمرّرون زجاجة الكحول فيما بينهم. بنبرة تمزج بين السخرية والألم، يروي «تروي» كيف كان والده رجلًا قاسيًا، بالكاد يعبأ بأسرته، ولا يُظهر أي نوع من الحب. يتذكر كيف كان يخافه، لكنه في سن الرابعة عشرة واجه لحظة غيّرت مجرى حياته بالكامل. 

بعد أن اختلى «تروي» مع فتاة كان معجبًا بها، اكتشف والده الأمر، وضربه بعنف لتأديبه. لم يكن الألم الجسدي هو ما ترك عليه الأثر الأكبر، بل إدراكه حينها أنه لم يعد طفلًا، وأنه في مواجهة عالم بلا رحمة. بعد ذلك، قرّر «تروي» مغادرة منزل والده ليبدأ رحلته وحيدًا، وهي اللحظة التي يعدها لحظة ولادته الحقيقية بصفته رجلًا.

في أثناء حديثه، يراقب «بونو» و«ليونز» «تروي»، كلٌ منهما بمنظوره الخاص: «بونو»، بحكم صداقته الطويلة، يفهم «تروي»، ويدرك عيوبه، أما «ليونز»، فيستمع بفضول، لكنه يرى الأمور من زاوية مختلفة عن والده.

يمثل المشهد لحظة محورية في الفِلم، إذ يكشف أصول شخصية «تروي» ومصدر قسوته. لطالما بدا «تروي» أبًا صارمًا، غير قادر على إظهار العاطفة تجاه أبنائه، ويضع هذا المشهد تصرفاته في سياقها الصحيح. فتعامله القاسي مع «كوري» و«ليونز» ليس وليد اللحظة، بل امتداد لتجربته الخاصة، معتقدًا أن قسوته تحميهم من الألم الذي عاناه.

يكشف المشهد أيضًا أن «تروي»، رغم مظهره القوي، لا يزال أسير ماضيه، وكأنه لم يتحرّر من ظل والده؛ في اعترافه بالجرح الذي لم يلتئم، واستمرار دورة من الصدمات تنتقل من جيل إلى آخر.

يلخص المشهد العلاقة بين الأب والابن، بين جيلين مختلفين، بين قيم الماضي وطموحات المستقبل، كاشفًا خوف «تروي» من أن يرى أبناءه يسلكون طريقًا لا يفهمها، تمامًا كما حدث له في شبابه بعد مغادرته منزل والده. 

اختار دينزل واشنطن إخراجيًّا الحفاظ على الروح المسرحية للنص، معتمدًا على قوة الأداء أكثر من اعتماده على حركة الكاميرا؛ فلجأ إلى الحوار الطويل واللقطات القريبة التي تتبع انفعالات «تروي»، ملتقطًا أدقّ تعابير وجهه، مثل إغلاق عينيه للحظات كي لا ينهار. حتى لحظات الصمت بين الكلمات جاءت طبيعية وغير مفتعلة، ما جعل المشهد أكثر واقعية. 

كما برزت بعض التفاصيل: كالحركات اللاإرادية، والتغيّر الطفيف في نبرة صوته، لتعكس رجلًا يحاول جاهدًا السيطرة على مشاعره.

قدّم دينزل واشنطن أداءً استثنائيًّا في هذا المشهد، حيث أظهر قوة الشخصية، وهشاشتها في آنٍ واحد. في لحظة، يبدو متحكمًا بكل شيء، وفي لحظة أخرى، يظهر إحباطه العميق، والألم الذي يحاول إخفاءه، لكنه يتسرّب في تعابيره. هذا الأداء الرائع رشّحه لجائزة الأوسكار عن أفضل ممثل بدورٍ رئيس في عام 2017.


فقرة حصريّة

آسفين على المقاطعة، هذه الفقرة خصصناها للمشتركين. لتقرأها وتستفيد بوصول
لا محدود للمحتوى، اشترك في ثمانية أو سجل دخولك لو كنت مشتركًا.

اشترك الآن

 فِلم «Spotlight»
فِلم «Spotlight»

لطالما لعبت الصحافة الاستقصائية دورًا حاسمًا في كشف العديد من الفضائح، وأبرزها فضيحة «ووترقيت» التي أدت إلى استقالة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون بعد تحقيقات «واشنطن بوست». وفي 2002، كرّرت صحيفة «بوسطن قلوب» الإنجاز نفسه، حيث كشف فريقها الاستقصائي المعروف بـ«سبوتلايت» تستر الكنيسة الكاثوليكية في بوسطن على الاعتداءات الجنسية بداخلها، ما أدى إلى استقالة الكاردينال برنارد لو.

لاحقًا، حوّل المخرج توم مكارثي هذه القصة إلى فِلم سينمائي يحمل اسم الفريق نفسه.

وبهذه المعلومة نستهلّ فقرة «دريت ولّا ما دريت» عن فِلم «Spotlight» الصادر عام 2015.

  • حرص صنّاع الفِلم على نقل القصة بأكبر قدر من الواقعية، ما دفع الصحفيين الحقيقيين إلى التعاون معهم أثناء التصوير. لدرجة أن الصحفيين بدؤوا -دون وعي- بترتيب مكاتبهم كما كانت في الماضي، ما يعكس التزام الفِلم بالتفاصيل الدقيقة. كما تعاونت صحيفة بوسطن قلوب مع الإنتاج، ووافقت على تصميم الموقع والأزياء، وحتى أداء الممثلين، لضمان مصداقية الفِلم.

  • كان جيمي لوبلان، الذي أدى دور «باتريك ماك سورلي»، أحد الناجين الحقيقيين من الاعتداءات الكنسية. وصرّح أنه خلال التدريبات مع مارك روفالو ومايكل كيتون وستانلي توتشي، كان متوترًا، ليس فقط بسبب دوره الذي شكّل له تحديًا عاطفيًّا، ولكن لأنه كان يمثل مع نجوم سينمائيين معروفين.

  • درس مايكل كيتون شخصية الصحفي والتر روبنسون التي مثّلها، وفحصه عن كثب حتى قبل اللقاء به؛ فراقبه في حياته اليومية، واستمع إلى تسجيلاته الصوتية. وعندما قابله لأول مرة، قلّد أسلوبه بدقةٍ مذهلة لدرجة أن روبنسون شعر بالدهشة.

  • قال الصحفي والتر روبنسون، عن أداء كيتون: «إنه أشبه بمشاهدة نفسك في المرآة، لكن دون أي سيطرة على انعكاسك». وأضاف مازحًا: «لو سرق مايكل كيتون بنكًا، فستعتقلني الشرطة!» 

  • كان مارك روفالو، الذي جسّد دور الصحفي مايكل ريزيندس، يطلب من الصحفي الحقيقي قراءة حواراته له أثناء فترات الاستراحة، ليحاكي طريقته بدقة.

  • استمرّ الصحفي مايكل ريزيندس في العمل ضمن فريق «سبوتلايت» حتى بعد عرض الفِلم، وكان الوحيد من الفريق الأصلي الذي بقي في الصحيفة.

  • باتريك ماكسورلي، أحد الناجين الذين ساعدوا في كشف الفضيحة، أدلى بشهادته ضد الكنيسة، وقدّم الدعم للضحايا الآخرين. لكنه لجأ لاحقًا إلى المخدرات والكحول للتعامل مع صدمته، وتوفي بسبب جرعة زائدة عام 2004 عن عمر تسعة وعشرين عامًا.

  • بعد الفضيحة، وتحديدًا في 23 أغسطس 2003، قُتل القس الكاثوليكي «جون ج. جوقان» داخل زنزانته في سجن ماساتشوستس. كان جون متورّطًا بفضيحة اعتداءات جنسية سبقت فضيحة الكنيسة الكاثوليكية.

  • فاز فريق «سبوتلايت» في بوسطن قلوب بجائزة بوليتزر للخدمة العامة في عام 2003 عن تغطيتهم الجريئة للقضية.

  • في حفل «الأوسكار» 2016، ترشح الفِلم لست جوائز وفاز باثنتين: أفضل سيناريو أصلي، وأفضل فِلم.

الأفلامالموسيقا
النشرة السينمائية
النشرة السينمائية
أسبوعية، الخميس منثمانيةثمانية

مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.

+50 متابع في آخر 7 أيام