هل ستصل المعارضة لدمشق

أيًا كانت المآلات، حققت المعارضة المسلحة نجاحات ميدانية كبيرة. ولكن هل تستطيع ترجمتها إلى نصر سياسي؟

كيف ستُحكم سوريا

كيف ستُحكم سوريا

42د 19ث

استمع على منصتك المفضلة

هشام الغنّام

لماذا حدثت عملية «ردع العدوان»؟

الضربات الجوية والمدفعية المتكررة من قبل الجيش السوري وحلفائه على مناطق تحت سيطرة المعارضة، وخاصة في ريف إدلب، كانت العنصر الحاسم للزخم الذي رافق عملية «ردع العدوان».

هذه الهجمات المستمرة، التي قد تصل إلى مرة في الأسبوع أو حتى أكثر، لم تحصل على التغطية الإعلامية التي تستحق، على الرغم من كونها أسفرت عن عدد كبير من الضحايا المدنيين ونزوح أعداد كبيرة أخرى من السكان. هذا الوضع الاستفزازي كان مما ألهم الفصائل المعارضة لتجميع قواتها وتنظيم هذه العملية العسكرية، ردة فعل منهم لحماية المدنيين واستعادة بعض الأراضي. 

في الشمال الغربي السوري، يصل الوضع الإنساني إلى حدود الكارثة، حيث يعيش مئات الآلاف من النازحين في ظروف مأساوية للغاية داخل مخيمات، وهم في صراع دائم للحصول على المساعدات. يجب ألّا ننسى أن عدد سكان هذه المنطقة يتجاوز الستة ملايين، ويشكل النازحون غالبية هذا العدد.

الكثير من هؤلاء النازحين جاءوا من ريفي حلب وإدلب، وحلب المدينة نفسها، وهي مناطق استطاعت الفصائل المسلحة استعادتها، مما يعني أن هذه المناطق تشكل قاعدة دعم هامة للعمليات العسكرية ضد الجيش السوري.

ومن وجهة نظر استراتيجية، بالتأكيد أن الأوضاع الإقليمية والدولية ساهمت في تشكيل المشهد الجديد، حيث لا يمكن فصل تصعيد القتال عن التوترات الدولية والإقليمية، وخاصة ما بين اللاعبين الرئيسيين؛ روسيا وتركيا وإيران.

المناورات الجيوسياسية لهذه الدول تؤثر بوضوح على تحركات المعارضة والجيش السوري. فروسيا منشغلة بالصراع في أوكرانيا الذي أثّر بالتأكيد على تدخلها المباشر في سوريا، مما منح الفصائل المسلحة مساحة لتنفيذ عملياتها. وهناك تراجع التأثير الإيراني، فالتقهقر الواضح في التأثير الإيراني والدعم لحزب الله في شمال سوريا، أتاح فرصة للمعارضة لاستغلال هذه المساحة المتاحة.

وأخيرًا، إحباط تركيا كان سببًا مهمًّا. فتركيا، محبطة من عدم رغبة الدولة السورية في التفاوض حول التهديد الذي يشكله الأكراد، ومشكلة اللاجئين على أراضيها، وقد تكون قدمت دعمًا ضمنيًا للفصائل المسلحة لتنفيذ هجماتها، ربما لتكون وسيلة وضوء أخضر لتحقيق بعض المكاسب التي يمكن أن تضغط بها على الدولة السورية لتغيير موقفها السياسي.

تفسير النجاح العسكري الأولي للفصائل المسلحة

إن تحليل الأسباب الكامنة وراء الانسحاب العشوائي للجيش السوري من ريف إدلب وحلب يتضمن عدة عوامل؛ منها غياب الدافع لدى الجيش السوري، فهناك تراجع في الروح المعنوية بين قواته، حيث يشعرون أن الحرب لا نهاية لها، وبتكبدون خسائر كبيرة بلا هدف واضح. هذا التراجع في الروح المعنوية أدى إلى فقدان الدافع للقتال أو الدفاع عن المناطق بحوزة الجيش السوري.

تراجع الوجود الإيراني وانشغال الحليف الروسي كان عاملًا مهمًّا آخر. فإيران وروسيا، اللتان تُعدان حليفتي الدولة السورية الرئيستين، مشغولتان بمشاكلهما الداخلية والخارجية. إيران تواجه تحديات داخلية وخارجية، بينما روسيا مرتبطة بالحرب في أوكرانيا. هذا الانشغال قلل الدعم العسكري أو اللوجستي للجيش السوري، مما تركه أكثر عرضة للهجمات.

من الواضح أيضًا أن الفصائل كانت تمتلك تواصلاً مع المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري وحلفاؤه، خاصة داخل مدينة حلب. ذكرت بعض التقارير وجود خلايا نائمة للفصائل المسلحة داخل المدينة، كما أن انحدار كثير من أعضاء الفصائل من المناطق التي أعادوا السيطرة عليها، أعطاهم مزايا معلوماتية مهمة.

فوق كل هذا، فإن الفصائل المسلحة حازت على عنصر المفاجأة، حيث أطلقت هجومًا واسعًا في وقت لم يكن متوقعًا. واستخدام الأسلحة الحديثة مثل الطائرات المسيرة قد أعطى الفصائل ميزة استراتيجية، مما سمح لهم بالتقدم السريع وتحقيق كسب استراتيجي دون مقاومة كبيرة. هذه العوامل مجتمعة قد تكون أسهمت في تغيّر المعادلة العسكرية في المنطقة، مما جعل الفصائل المسلحة قادرة على السيطرة على مناطق واسعة وتحقيق تقدم سريع في ريفي حلب وإدلب.

السيناريوهات المستقبلية

السيناريو الأول: العودة إلى مناطق خفض التصعيد

  • التفصيل: يعتمد هذا السيناريو على تنفيذ تفاهمات للحفاظ على مناطق خفض التصعيد التي أُنشئت بعد محاولات تقدم قوات الجيش السوري في عام 2020.

  • احتمالية الوقوع: ضعيفة، لأن المعارضة وتركيا لن يتنازلا عن المكاسب التي تحققت على الأرض.

السيناريو الثاني: استرجاع المناطق المفقودة

  • التفصيل: يتمثل في محاولة الجيش السوري استعادة المناطق التي خسرها، مثل حلب، مما قد يؤدي إلى استئناف الحرب وزيادة المعاناة الإنسانية.

  • احتمالية الوقوع: هناك احتمالية لهذا السيناريو إذا حصل الجيش السوري على دعم إيراني ميليشياوي وغطاء روسي جوي.

السيناريو الثالث: أستانة معدلة

  • التفصيل: يشمل تعديل تفاهمات أستانة لعكس الواقع على الأرض، ويمكن أن يتضمن:

    • الاحتمال الأول: انسحاب الجيش السوري من حلب مقابل سيطرة الفصائل على البلدات والقرى في ريفي حلب وإدلب، مما يعيد الأمور إلى ما قبل عام 2019.

    • الاحتمال الثاني: الاحتفاظ بحلب من قبل الفصائل بدعم تركي، مع تعهد بعدم تهديد مدينة حماة، التي ستكون الخط الفاصل الجديد بين المعارضة والدولة السورية.

    • الاحتمال الثالث: إذا استمرّ تراجع الجيش السوري في حماة، فقد يسحب دفاعاته لحماية أجزاء من محافظة حمص، التي تحتوي على المنتمين إلى طائفته، وهنا قد تدرك الفصائل المسلحة أن هذا سيكون الخط الأحمر الذي لن يسمح لها بتجاوزه. لكن يجب علينا توخي الحذر هنا لتوقع أين ستقف التطورات المتسارعة. الأمر المهم أن تسارع الأحداث بحاجة إلى تحرك يواكبه، لأن تداعياتها ستؤثر على إعادة تشكيل تحالفات المنطقة بأكملها.

    • وفي كافة الاحتمالات، فقد حققت المعارضة المسلحة نجاحات ميدانية كبيرة. ولكن هل تستطيع ترجمتها إلى نصر سياسي؟ سيعتمد هذا الأمر على درجة الدعم الذي ستبديه القوى الإقليمية والدولية المؤيدة لطرفي النزاع.

السيناريو الأخير هو الأفضل للحد من الصراع، خاصة إذا كانت الدبلوماسية قادرة على تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، مما يحمي المدنيين ويقلل من الخسائر البشرية.

هل ستكمل الفصائل زحفها إلى دمشق؟

حققت هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها تقدمًا ملحوظًا، مثل السيطرة على التقاطعات بين الطرق السريعة الرئيسة، التي قد تسهل نظريًّا التقدم نحو دمشق. 

لكن ستحتاج المعارضة إلى معالجة قضايا لوجستية مهمة، مثل الحفاظ على خطوط الإمداد، والتغلب على المواقع المحصنة، والتعامل مع الهجمات المضادة الجوية والبرية المحتملة من قبل الجيش السوري وحلفائه. كما أن دمشق هي معقل لقوات النخبة التابعة للأسد، مما يشير إلى موقف دفاعي قوي من شأنه أن يعقّد أي هجوم مباشر.

أضف إلى هذا كله وجود القوات الروسية، التي إذا كثفت غاراتها الجوية، فستضيف رادعًا ضد أي فصيل يحاول التقدم على نطاق واسع نحو دمشق.

وبالتأكيد إن الفصائل مثل هيئة تحرير الشام قد حقّقت مكاسب كبيرة على الأرض، لكن إكمال التقدم نحو دمشق سيكون صعبًا للغاية بسبب دفاعات المدينة، ووجود الدعم العسكري الأجنبي للحكومة.

يعكس هذا التحليل الوضع السياسي والعسكري في سوريا، مع الأخذ بعين الاعتبار الضغوط الإقليمية والدولية المؤثرة على المسارات المحتملة للصراع. فحتى الآن، ورغم غياب إحصاءات دقيقة عن الخسائر البشرية، ما زالت الخسائر بحدها الأدنى، مع نجاح الفصائل المسلحة في السيطرة على أسلحة وذخائر من قوات الجيش السوري المنسحبة.

تعزيز الدور العربي في الحل السياسي للأزمة السورية

من المهم أن تشارك الدول العربية بنشاط في الترتيبات القادمة التي تهدف إلى حل سياسي للأزمة السورية، سواءً في المدى المنظور أو البعيد.

يبرز من خلال الخبرة السابقة أن عدم تواجد الدول العربية في مفاوضات أستانة قد أدى إلى تقليل تأثيرها على مجريات الأحداث، مما خلق توازنًا ضعيفًا وترك القضية السورية تحت تأثير الدول الضامنة في إطار أستانة.

لقد تبنت بعض الدول العربية مبادرات للانفتاح على الدولة السورية بهدف تحقيق تغييرات سياسية عُبّر عنها في المبادرة العربية، مما يفتح آفاقًا للدول العربية لتكون جزءًا من الحل الدائم. في هذا السياق، تبرز المملكة العربية السعودية الطرف العربي الأكثر تأهيلاً للعب دور فعال في هذا الإطار. 

تشكل التطورات الأخيرة -علاوة على التقليل من التواجد الإيراني في المنطقة- فرصة للسعودية لقيادة الجهود ولعب دور الوسيط في كل من الأزمة السورية واللبنانية. على سبيل المثال، في قضية سوريا، يمكن للسعودية أن تكون القوة العربية الوحيدة القادرة على جمع الأطراف السورية المختلفة، سواءً من خلال إعادة تشغيل اللجنة الدستورية -التي رحبت بها جميع الأطراف- أو من خلال استضافة حوار داخلي سوري للتوصل إلى حل دائم وعادل بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي يُعدّ الإطار القانوني الدولي لأي حل مستدام.

التحدي الرئيس هو كيفية التعامل مع الجماعات المصنفة على أنها إرهابية. لتنفيذ هذا الدور بفعالية، يتطلب الأمر اتخاذ خطوتين مهمتين: الأولى، إعادة الاتصال بجميع اللاعبين الفاعلين دون التركيز على طرف معين. والثانية، التنسيق الفعال مع الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة مثل تركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة.

بهذا النهج، يمكن للسعودية أن تلعب دورًا حاسمًا في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، مما يعيد تأكيد أهمية الدور العربي في المنطقة.


صفا للاستثمار:

كيف تتخيّل بيت العمر؟ 💭

مسكن متكامل ومريح، موقعه قريب من كل شي، وفيه كل شي 🏡✨

موقفك الخاص، مصلى، مقهى،بقالة، صالة رياضية، وترفيهية!

هذي هي تجربة السكن في صفا 🔗

التجربة اللي تسبق الحاضر وتنبض بالحياة 🖼️🥁


فقرة حصريّة

آسفين على المقاطعة، هذه الفقرة خصصناها للمشتركين. لتقرأها وتستفيد بوصول
لا محدود للمحتوى، اشترك في ثمانية أو سجل دخولك لو كنت مشتركًا.

اشترك الآن


في حلقة «المعاناة السورية من الحرب إلى انفجار بيروت» من بودكاست فنجان، تقصّ ياسمين صبره، اللاجئة السورية في لبنان ومؤسسة جمعية «بسمة وزيتونة للإغاثة والتنمية» معاناة اللاجئين السوريين في الخارج، وتحديات المعيشة تحت وطأة العنصرية وتدهور الحال المادي والصحي، وأثر ولادة جيلٍ من السوريين في المهجر.


القيمة المغفول عنها للمشاهير

القيمة المغفول عنها للمشاهير

35د 0ث

في الحلقة الماضية من بودكاست الصفحة الأخيرة، استضفت محمد آل جابر، وناقشنا مقالته «القيمة المغفول عنها للمشاهير» المنشورة في نشرة الصفحة الأخيرة.

يرى محمد أن تحوّل قنوات الترفيه، من شكلها التقليدي في التلفزيون وخلافه، إلى شكلها الجديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حمل في طيّاته مكاسبًا غير مخطط لها؛ إذ وُطّن الإنفاق في القطاع بسبب اتجاهه إلى المواطنين من مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن كان يُصرف في الخارج على قنواتٍ ووكالات إعلان تقل نسبة السعوديين فيها، رغم اعتمادها على السوق السعودي.

أما عن مقالة اليوم، فإن كان في بالك أي سؤال تود أن أسأله هشام الغنام عندما أستضيفه في بودكاست الصفحة الأخيرة، فإليك هذا النموذج.


*تعبّر المقالات عن آراء كتابها، ولا تمثل بالضرورة رأي ثمانية.

نشرة الصفحة الأخيرة
نشرة الصفحة الأخيرة
منثمانيةثمانية

مساحة رأي أسبوعية تواكب قضايا اليوم بمقالات ولقاءات تحليلية في مختلف المجالات، لتمنحك فرصة استكشاف الأحداث وتكوين رأي تجاهها.

+110 متابع في آخر 7 أيام