كيف ستغيّر عودة ترامب الشرق الأوسط

سيقيّد ترامب برنامج إيران النووي، وسيضعف موقفها الاقتصادي، وسيحرص على إبقاءها بموقف دفاعي في المفاوضات.

هشام الغنّام

استفاق العالم صباح الأربعاء الماضي على خبر حسم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سباقه الرئاسي الثالث، وتحقيق حزبه أغلبيةً مريحة في مجلس الشيوخ بـ52 مقعدًا -قالبين 3 مقاعد ديمقراطية- فيما تبقى فرصة سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب مفتوحة.

ومثل كل انتخابات أمريكية، يراقب العالم نتائجها لاستشراف آثارها عليه. إلا أن بالنسبة لمنطقتنا، قد يبدو من المبكّر الجزم بالنهج الذي سيتبعه ترامب تجاه منطقةٍ تعيش أحداثًا عاصفة قد تدفع إلى نتائج غير متوقعة، وهو ما يتناسب مع شخصيةٍ صعبة التنبؤ ولا تعتنق منهجًا واضحًا تجاه العالم مثل شخصية ترامب.

إلا أن الإشارة تجدر لدور الفريق الذي سيعيّنه ترامب في رسم سياساته الخارجية، رغم أنه إلى وقت كتابة هذه المقالة لا نجد أمامنا أسماء مؤكدة، بل أسماء متكهنة وحسب.

الملك سلمان والرئيس دونالد ترامب في الرياض في 2017، ضمن الزيارة الخارجية الأولى له
الملك سلمان والرئيس دونالد ترامب في الرياض في 2017، ضمن الزيارة الخارجية الأولى له

السعودية والخليج

ولكن على ضوء ما نعرفه من تاريخ ترامب وشخصيته، ومع الأخذ بالاعتبار أن فترته السابقة قد لا تشبه فترته اللاحقة في كل تفاصيلها، فإنه من المتوقع أن تتسم سياسته تجاه السعودية ودول الخليج العربي بملامح معينة تعكس خطوطًا عريضة من فترة رئاسته الأولى، وتعكس أيضًا حقيقة أن سياسة الإدارة الأمريكية تجاه منطقة الخليج العربي تهتم بمجموعة من العوامل الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية، من أبرزها: الأمن الإقليمي ومواجهة النفوذ الإيراني، وأمن الطاقة واستقرار أسواق النفط، ومكافحة الإرهاب والتعاون الأمني، والصراع العربي الإسرائيلي.

ومن المحتمل والمتوقع أن تتبنى إدارة ترامب سياسة تعزيز الشراكات الأمنية وتعزيز العلاقات العسكرية والتعاون الأمني مع دول الخليج -والسعودية على الأخص- مع التركيز على بيع الأسلحة والتعاون العسكري الوثيق.

هذا التعاون يمكن أن يشمل تدريبات عسكرية مشتركة، وتحسين القدرات الدفاعية الإقليمية، ويكون تعزيز الحضور العسكري الأمريكي في المنطقة جزءًا من استراتيجية أوسع للحد من التهديدات الخارجية الإقليمية.

وهنا تحضر إلى الذهن فكرة أطلقتها إدارة ترامب السابقة في منتصف فترتها الأولى، وهي تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي «ميسا» (MESA)، الذي كان من المقترح أن يكون تحالفًا إقليميًّا بين دول الخليج والأردن ومصر، للتعاون في مجالات الأمن والطاقة والاقتصاد، إلا أنها اضمحلّت مع نهاية فترته الأولى.

ولكن في المجمل، من المتوقع أن يبقى ترامب على نهجه الذي يميل إلى تجاهل أي قيود قد تكبّل إنجاز تعاونات تحقق مصالح استراتيجية أمريكية مثل هذه.

سيبحث ترامب أيضًا عن تعزيز الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والسعودية ودول الخليج. قد يشمل ذلك دعم مشاريع استثمارية عملاقة أطلقتها رؤية 2030 السعودية، وتعزيز التجارة الثنائية، والاستثمار في النفط والغاز، وإن كان موضوع أسعار النفط نقطة توتر محتملة، مع ترجيحات بانخفاض السعر العالمي جراء سياسات إدارة ترامب القادمة. ولكن في المجمل، سيبرز اتجاه يرمي إلى تحقيق مصالح اقتصادية متبادلة، حيث كانت إدارة ترامب الأولى تظهر تفضيلًا للعلاقات التجارية المباشرة دون تدخل قيمي بازر.

إيران

المتواتر أن ترامب سيتبنى سياسة صارمة تجاه إيران. لكن المفارقة تكمن في تحدّثه عن إيران بإيجابية في عدة مناسبات أثناء رحلته إلى البيت الأبيض، ورغبته في عقد اتفاق معها. ولكن لا نستهين بالمتغير الأكبر في هذا الصدد: التطوّرات الأخيرة في العلاقات السعودية الإيرانية، ذات الأثر الهام في خفض التصعيد المحتمل بين أمريكا وإيران.

كنت قد تحدثت باستفاضة وحللت في مقالات سابقة عن أنّ قدرة السعودية على التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية قد دفعت إيران نحو الاتفاق السعودي الإيراني؛ إذ ترغب إيران أن تتجنب ما واجهته أثناء سنوات ترامب الأولى عندما تفاجأت من قدرات دول الخليج -والسعودية تحديدًا- على المساهمة في رسم السياسة الخارجية الأمريكية، بعد أن كانت إيران تظن أنها دول تتأثر بأمريكا ولا تؤثر بها.

لكن من المتوقع -على المدى المنظور- أن يتشدد ترامب تجاه إيران، وستنطوي سياساته على قيود نووية وضمانات أمنية إقليمية؛ لتعزيز المفاوضات الدبلوماسية وإضعاف موقف إيران اقتصاديًّا، وسيحرص على إبقاء موقف إيران دفاعيًّا في المفاوضات.

كما أن هناك العامل الإسرائيلي، وليس الخليجي فقط، في التشدد تجاه طهران. قد يكون الضغط من قبل نتنياهو لاستهداف البرنامج النووي هو الامتحان الأصعب لترامب، وهو ما قد يقود إلى تباعد بينهما، في حال -وهو الأغلب- لم يخضع ترامب لهذا الضغط.

إسرائيل

ستكون من أولويات إدارة ترامب تعزيز ما يسمى بالاتفاقات الإبراهيمية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية. هناك إمكانية لأن يضغط على السعودية لتنضم إلى هذه الاتفاقات، كما حدث في نهاية فترته الأولى، لكن هذا قد يتطلب تحديًا كبيرًا في شكل التنازلات الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية؛ مما يعني أن ترامب سيحتاج إلى الموازنة بين دعمه لإسرائيل وتحقيق رضى دول الخليج، خصوصًا مع موقف السعودية الواضح عن ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وضرورة الضغط الأمريكي على إسرائيل لتقدّم تنازلات حقيقية.

وقد رسمت السعودية إطارًا واضحًا لقبولها الانضمام إلى أي صيغة للتطبيع مع إسرائيل، وتجاوزت مجرّد المطالبة بإعلان إسرائيل موقفًا موافقًا على قيام دولة فلسطينية إلى المطالبة بتبنيها خطة عمل واقعية، مسنودةً عربيًّا وأوربيًّا، من خلال تشكيل تحالف إعادة حل الدولتين. هذا الواقع، مصحوبًا بالتوازن الذي خطته السعودية، خاصة في علاقتها بالصين وروسيا، سيجعل التوصل مع إدارة ترامب إلى اتفاق معاهدة أو شراكة استراتيجية يميل لصالح السعودية.

دور فريق ترامب

لأن ترامب، كما أسلفت، لا يتخذ عقيدةً واضحة تجاه العالم؛ فلا شك أن للفريق المحيط به أهمية كبرى في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة.

من المتوقع أن يكون وزير الخارجية في إدارة ترامب القادمة أحد المتشددين الذين يفضلون الشراكات الأمنية القوية، ويؤيدون سياساتٍ صارمة تجاه إيران.

وعلى ذلك، تأتي على قائمة المرشحين لمنصب وزير الخارجية أسماء مثل ريتشارد قرينيل، المعروف بدوره سفيرًا للولايات المتحدة في ألمانيا، ومدير الاستخبارات بالإنابة. وقد كان شخصيةً هامة في مناقشات السياسة الخارجية لإدارة ترامب الأولى. خبرته وولاؤه لترامب تجعله منافسًا بارزًا على منصب وزير الخارجية.

وهناك أيضًا وزير خارجية إدارة ترامب الأولى مايك بومبيو، ذو الحضور البارز في أواخر حملة ترامب الانتخابية الأخيرة.

ويبرز كذلك اسم بيل هاقيرتي، ذو المواقف المتشددة تجاه الصين. وأيضًا روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي السابق لترامب، أو ماركو روبيو، المتشدد تجاه كوبا وإيران. أو براين هوك، مسؤول الشأن الإيراني في وزارة الخارجية خلال السنتين الأخيرتين من فترة ترامب الأولى. سيكون العامل الشخصي حاسمًا في اختيارات ترامب، بغض النظر عن الكفاءة والقدرة.

أما بالنسبة لمستشار الأمن القومي، وهو دورٌ أساسي ضمن إدارة ترامب المقبلة في توجيه سياسته الأمنية تجاه الخليج -مثل تعزيز التعاون الأمني مع دول الخليج، وتقييد النفوذ الإيراني بالمنطقة- فسيُسند على الأرجح لشخصية ذات توجّه صارم تجاه إيران.

تدور التكهنات حول عدة أسماء، من أبرزهم ريتشارد قرينيل -المذكور آنفًا- بسبب أدواره السابقة وعلاقته الوثيقة بترامب. كما يظهر مرشح محتمل آخر وهو إلبردج كولبي، خاصةً لمواقفه المتشددة تجاه قضايا الأمن القومي المتعلقة بالصين. كما يمكن النظر إلى روبرت أوبراين نفسه مرة أخرى، نظرًا لخبرته السابقة في الدور ذاته.

وبالنسبة لمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، فقد احتل هذا المنصب أهمية خاصة في إدارة بايدن لأنه معني بشؤون الشرق الأوسط والخليج تحديدًا، بينما قد يكون شاغل هذا المنصب أقل أهمية في إدارة ترمب.

تجدر الإشارة كذلك لأدوار المراكز البحثية والخبراء، فعادةً ما تستفيد الإدارات الديمقراطية منها بعدة طرق، مثل مجلس العلاقات الخارجية «CFR» ومعهد بروكينقز.

أما إدارة ترمب، فتنظر لقائمة مختلفة مثل مؤسسة هيريتج ومعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، المعروفتين بتوجهاتهما المحافظة تجاه الشرق الأوسط. بالإضافة إلى معهد سياسة أمريكا أولاً، الذي يؤكد على نهج «أمريكا أولاً»، بما يتماهى كثيرًا مع السياسة الخارجية لترامب. وقد كان هذا المركز يعد خططًا سياسية لفترة ترامب الثانية. مع شخصيات مثل ليندا ماكماهون، تهدف هذه المؤسسة البحثية إلى مواصلة التقاليد السياسية لولاية ترامب الأولى بسياسات قد تكون أكثر تحفظًا.

يتبقى دور مهم، وهو للشخصيات التي ستلعب دورًا استشاريًّا. فكما أن هناك شخصيات مثل سامانثا باور كانت لتلعب دورًا في الدبلوماسية العامة وقضايا حقوق الإنسان لو انتصرت هاريس، فإن دور جاريد كوشنر لا يمكن التقليل منه، رغم النفي المتكرر الذي يصدر بين الفينة والأخرى عن تأثيره على إدارة ترامب المستقبلية. لكنه على الأغلب، وخلف الستار، سيكون له دورًا هامًّا في علاقات الإدارة الجديدة مع المنطقة.

موقف السعودية

لن يغير قدوم رئيس أمريكي جديد من توجهات السعودية الاستراتيجية، سواءً كان ذلك في محيطها ومنطقتها، أم في العالم. فالسعودية ستمضي قدمًا في طريق تنويع علاقاتها الدولية وتموضعها لتعزيز دورها الإقليمي والعالمي، وسعيها لتشكيل تحالفات جديدة أو إعادة تقييم التحالفات القديمة لتحقيق مصالحها الوطنية، متحدية أحيانًا شريكها التقليدي أمريكا. 

سيستمر الانفتاح السعودي على الشرق، مع تعزيز العلاقات مع أمريكا. لكن سيكون ذلك من موقع قوة، وباستخدام عدسة تنظر أولًا لمصالح السعودية، وازدهارها الداخلي، وحضورها البارز على المسرح الدولي.


فاصل ⏸️


فقرة حصريّة

آسفين على المقاطعة، هذه الفقرة خصصناها للمشتركين. لتقرأها وتستفيد بوصول
لا محدود للمحتوى، اشترك في ثمانية أو سجل دخولك لو كنت مشتركًا.

اشترك الآن

فاصل ⏸️


في خضم الصراعات المتعددة التي يعيشها العالم اليوم، تعود على السطح مطالبات دولٍ لأخرى بـ«الحياد»، وتساؤلاتٍ عن شكل تطبيق هذا المفهوم في مختلف الصراعات.

في مقالته «هل هناك حيادٌ في السياسة؟»، يقول نايف العصيمي: «الحياد يتعارض في مفهومه مع السياسة التي تقوم أساسًا على «المصلحة». بل نستطيع القول إنه لا حياد حقيقي وكامل، بل مؤقت»، ويستعرض نماذجًا تاريخية ومعاصرة لدول عاشت مأزق الحياد.


*تعبّر المقالات عن آراء كتابها، ولا تمثل بالضرورة رأي ثمانية.

نشرة الصفحة الأخيرة
نشرة الصفحة الأخيرة
منثمانيةثمانية

مساحة رأي أسبوعية تواكب قضايا اليوم بمقالات ولقاءات تحليلية في مختلف المجالات، لتمنحك فرصة استكشاف الأحداث وتكوين رأي تجاهها.

+200 متابع في آخر 7 أيام