هل هناك حيادٌ في السياسة؟
يتعارض الحياد في مفهومه مع السياسة التي تقوم أساسًا على «المصلحة». بل نستطيع القول إنه لا حياد حقيقي وكامل، بل مؤقت.
من مطالب روسيا لأوكرانيا أن تكون «دولة محايدة»، فلا تنضم للاتحاد الأوربي ولا الناتو، لأن روسيا ترى أوكرانيا «أرضًا» كانت جزءًا من تاريخها. وفي خطابه لإعلان ما سماه «العملية العسكرية الخاصة» قال بوتين:
يُنشأ على أراضينا التاريخية كيان مناهض لنا.
تبادر لذهني سؤال: هل هناك فعلًا حيادٌ في السياسة؟
في مفهوم الدولة المحايدة؛ كانت فنلندا الدولة التي خاضت حرب الشتاء عام 1939 ضد الاتحاد السوفيتي، وتلت ذلك حرب الاستمرار مع الخصم نفسه إلى عام 1944. فنلندا إحدى الدول الواقعة بجوار روسيا، بل إنها تملك أطول حدود معها. وكانت تلك الدولة الصغيرة، طيلة الحرب الباردة، تعيش في ظل الخوف من غزو الاتحاد السوفيتي لها. وأمضى رئيسها السابق أورهو ككونن في منصبه ما يقارب ستة وعشرين عامًا، لأنه قدم نفسه بوصفه سياسيًا محايدًا يتعامل مع أطراف عدة، أي تحالف وارسو وحلف الناتو في فترة الحرب الباردة.
ورغم ذلك عندما غزت روسيا أوكرانيا، أعلنت فنلندا، استثنائيًا، تقديمها الأسلحة لأوكرانيا وتخليها عن «حيادها»، وعن إمكانية انضمامها للناتو، لتتبعها السويد رغم تحذير موسكو الشديد لهما. وبعد الإعلان عن موجة العقوبات ضد روسيا، أعلنت سويسرا -الدولة التي عرف عنها الحياد ولم تكن يومًا طرفًا في أي من الحروب العالمية- تجميد الحسابات الروسية، فأدرجتها روسيا على قائمة الدول «غير الصديقة».
يتعارض الحياد في مفهومه مع السياسة التي تقوم أساسًا على «المصلحة». بل نستطيع القول إنه لا حياد حقيقي وكامل، بل حياد مؤقت. وقد يتعارض الحياد في بعض المواقف السياسية مع مصالح طرف ما، فلو عارضت سويسرا تجميد الأموال الروسية، على سبيل المثال، لكانت هنا تعارض مصالح الدولة الفارضة للعقوبات على روسيا، ولن يكون هذا «حيادًا» في نظرهم.
لا توجد دولة محايدة دائمًا، وأي دولة حاولت اتخاذ الحياد واجهة سياسية، فإنما تريد النأي بنفسها عن صراعات كثيرة وليس كل الصراعات، لأنها سُتجر للصراع رغمًا عنها وستنالها اتهامات في موقف ما.
حين قالت موسكو إنها تريد أوكرانيا محايدة، كانت تكرر ما حدث عام 1994 «في مذكرة بودابست الأمنية». حينها تخلت أوكرانيا عن الأسلحة النووية بضمان الحياد. وكان لا بد من ثورة شعبها 2014 وهروب رئيسها حينئذ، فيكتور يانوكوفيتش، إلى روسيا لتستطيع أوكرانيا الخروج من السيطرة الروسية.