رسالة إلى قارئ لا يحب كتب الأطفال 🧚
إن كتب الأطفال لا تخاطب الطفل أو اليافع وحدهما، بل تخاطبنا جميعًا.
رسالة إلى قارئ لا يحب كتب الأطفال
لو أنك ألقيت نظرة إلى مكتبتي، لوجدتَ أنّي قد خصّصت عددًا لا بأس به من الأرفف لكتب الأطفال، لا سيّما كلاسيكيات الأدب الإنقليزي أو ما تُرجم إلى الإنقليزية من لغات مختلفة. ستجد مثلًا «ثلاثية هاول» و«رباعية كريستومانسي» لديانا وين جونز، و«صاحب الظل الطويل» و«عدوي اللدود» لجين وبستر، و«الدب ويني» بأجزائها الأربعة، و«بيبي لونقستوكنغ» و«هايدي» و«بيتر بان» و«أليس في بلاد العجائب»، وكامل أجزاء «هاري بوتر» التي أُهديت لي مؤخرًا ولم أقرأها بعد. إلى جانب كتب أخرى منها ما قرأته، ومنها من لا يزال ينتظر دوره.
ولعلك تتساءل ما الذي يغريني بأدب الأطفال كي أكرّس له وقتي قراءةً وترجمة؟ بل إني أستشعر في تساؤلك شيئًا من الاستهجان، فلماذا أهدر الوقت في فعل شيء كهذا؟ ولماذا لا أدخر مجهودي لترجمة كتب مفيدة أكثر؟
الحقيقة أنني أحب أن أترجم كتب الأطفال، وإنْ ترجمت من الكتب «المفيدة» عددًا لا بأس به، وقد تكون هذه إجابة كافية عن سؤالك عزيزي القارئ، لكني أود الاستفاضة في الحديث عمّا يدعوني إلى قراءة كتب الأطفال أولًا، وإلى ترجمتها ثانيًا.
نشأتُ في عائلة كبيرة، أبناؤها متفوقون دراسيًّا، وتستهويهم القراءة. غير أن الكتب في ذلك الوقت لم تكن متوفرة، وكنت مثلًا أشبع نهمي في القراءة بما توفّره مجلة ماجد كل أربعاء، ومجلة سعد التي كنت أشتريها من مقصف المدرسة صباح كل سبت. وهكذا، فإني حين أقرأ كتب الأطفال، أقرؤها بأثر رجعي، أقرؤها لنفسي في المدرسة الابتدائية، ولنفسي اليوم. صدقني أيها القارئ العزيز، إن لذة قراءة هذه الكتب ظلت طرية، حتى بعد مرور الأعوام التي فصلت بين السنة الثامنة من عمري، وسنة بلوغي السادسة والأربعين.
لا يسقط هذا الأثر الذي تتركه قصص الطفولة بالتقادم، فما زلت أرى في «جودي أبوت»، التي عرفتها في الصف الحادي عشر، مثالًا يُحتذى به في الصبر على البلاء، ومقابلة متاعب الحياة بخفة ظل، والسعي إلى الاستقلال وعدم الركون إلى الاتكالية.
إن هذا الأدب لا يخاطب الطفل أو اليافع وحدهما، بل يخاطبنا جميعًا، لأن في كل منا طفلٌ لا يكبر – مثل «بيتر بان»- وكل ما في الأمر، أننا ننساه أو ننشغل عنه، أو ربما نتجاهله.
تعدد كاثرين رندل في مقالتها «لماذا علينا أن نقرأ أدب الأطفال» أسبابًا عديدة جعلتها تكتب في هذا الأدب، وأظن أنني أشاطرها الرأي في كل ما ذهبَت إليه، فلا تعرف عزيزي القارئ ماذا يفوتك في إعراضك عن هذه الكتب. أعرف إجابتك سلفًا، لأنك ستخبرني أن هذا العالم زاخر بالمتاعب، وبالأمور المعقدة التي نحتاج إلى فهمها بدلًا من التشبث بقصص تجعل العالم ورديًّا بريئًا. ولكن إجابتك هذه تؤكد أنك لم تقرأ هذه الكتب!
إن في كتب الأطفال أشد المغامرات رعبًا، وأكثرها إثارة للخوف. تخيل مثلًا أن تمشي في مرج أخضر ثم يظهر لك شيء أرجواني يبلغ طوله ضعفيّ طول البشر، وله شكل الرجل، لكنه ليس برجل، وعلى ظهره أجنحة شفافة أرجوانية لها أزيز وطنين. وكلما تحرك يقول لك «أنا "اللوبوك" وأنا مالك هذه الأرض»! أو أن تسقط في حفرة تأخذك إلى عالم مختلف تمامًا، تتكلم فيه دودة وهي تدخن الأرجيلة! إن البطل في حكايات الأطفال يمر بالمراحل التي يمر بها بطل الأساطير، كما يخبرنا جوزف كامبل في كتابه «البطل بألف وجه»، بدءًا من العالم الاعتيادي، وانتهاءً بالعودة المظفّرة وزوال البلاء. وهي بهذا لا تصوّر العالم بريئًا ورديًّا، لكنها تعيد الإحساس بالأمل في عودة الأمور إلى نصابها.
وما ضرّ أن نعود أطفالًا مرة أخرى؟ لقد آمن هيرمان هسه بأن خلاص الفنّان يكمن في عودته إلى الطفولة، وفي أن يكون صديقًا وشقيقًا للأرض والنباتات والصخور والسحب.
ومن قال إن قصص الأطفال لا تناقش مسائل الكبار؟ انظر مثلًا إلى «همتي دمتي»، أهم بيضة عُرفت في تاريخ الأدب. إنه فيلسوف فريد من نوعه، اصطنع لنفسه نظرية في اللغة، قد لا تقل أهمية عن نظرية فتقنشتاين في الألعاب اللغوية. إذ يتفق الاثنان على أن معنى أي كلمة هو طريقة استخدامها، ويرى «همتي دمتي» أن أي كلمة يلفظها لا تعني إلا ما قصده منها، لا أكثر ولا أقل.
وهذا يحيلنا إلى مسألة فلسفية أخرى وهي المعنى والحقيقة، أيهما يأتي أولًا، المعنى؟ أم الحقيقة؟ بحسب نظرية «همتي دمتي» فإن الحقيقة تتبع المعنى، إذ يضع لكل كلمة معنًى يريده لها، وتصبح بذلك حقيقة لا تقبل الشك -من وجهة نظره على الأقل- بل إن هذه هي وجهة نظر لويس كارول في الكلمات، إذ يقول أنه ما من كلمة لها معنى ملازم لا يفارقها، بل معنى الكلمة يأتي مما يقصده قائلها، ومما يفهمه سامعها. على هذا النحو نجد أن الحقيقة حقائق، والعالم عوالم، يتعدد بتعدد الأشخاص الذين يعيشون فيه.
تقول أنثيا بِل -إحدى أيقوناتي في عالم الترجمة- في مقال لها بعنوان «الترجمة بصفتها سرابًا»: «على الرغم من أن الأعمال التي ترجمتها لكتّاب من النمسا، تضم عملًا من أعمال فرويد التي نشرتها بنقوين، وروايتين قصيرتين لسفايق، فإن سعادتي بالغة بأن أوصف بأني مترجمة لكتب الأطفال»، وأنا مثلها وأكثر!
أعلنت هيئة الأدب والنشر والترجمة عن تدشين كتاب «تجربة البدر» في معرض الرياض الدولي للكتاب، الصادر عن المختبر السعودي للنقد، وهو كتاب يضم أوراقًا نقدية تتناول جوانب مختلفة من الإرث الشعري للأمير الراحل بدر بن عبدالمحسن.
أعلنت هيئة الأدب والنشر والترجمة عن انطلاق النسخة الثالثة من البرنامج التدريبي: «أسس صناعة المانجا» بالتعاون مع «مانجا للإنتاج»، وبالشراكة مع أكاديمية كادوكاوا اليابانية. يهدف البرنامج إلى مواكبة الانتشار الواسع لهذا النوع من الأجناس الأدبية.
صدر حديثًا عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع، وسرد للنشر، رواية «الكوخ» للأسباني بيثنته بلاسكو إيبانيث، من ترجمة بسام البزاز. وهي رواية تسلط الضوء على تأثير الجماعة في سلوكيات الفرد واستجاباته.
غيب الموت الكاتب والمترجم العراقي عبدالله حبة، عن عمر يناهز ثمانية وثمانين عامًا. ترجم الراحل عددًا من الكتب والروايات عن اللغة الروسية، من أبرزها: روايتيّ «فتيان الزنك» و«آخر الشهود»، للروائية سفيتلانا أليكسييفيتش، التي وثّقت فيها ويلات الحروب القاتمة من زاوية شعورية وإنسانية.
توصيات النشرة من عيد باعارمة:
معجم عائلي، ناتاليا غينزبرق
تتحدث الرواية -بالكثير من الكوميديا السوداء- عن خمسة إخوة وأبوان كانوا يعيشون في عصر الفاشية. ورغم أن منزلهم كان مقصدًا للأدباء والزوّار، فإن هذه العائلة كانت تمتاز بالعديد من الأمور الغريبة، مثل معجمهم اللغوي الخاص، الذي لا يفهمه سواهم. عدا عن قناعات وتصرفات أشد غرابة، كرفض الأب أن يتعلّم أبناؤه في المدرسة، خوفًا من الميكروبات التي قد ينقلونها للمنزل، أو تصرف الأم عندما صُعقت بوفاة والدتها، وقرّرت أن تشتري فستانًا أحمرًا لافتًا للحداد!
هوس القراءة، جو كوينن
يقدم جو كوينن نظرة فاحصة وثاقبة لعلاقته بالكتب، وتأثيرها في تكوينه وتشكيل وعيه وتوسيع آفاقه الفكرية، وكيف تجاوزت القراءة صفة الهواية إلى أن صارت عادة وضرورة لا تسير من دونها حياته. هذا الكتاب من الكتب التي لا بد أن يجد أيّ قارئ نفسه بين سطورها.
القارئ النهم، روبرت قوتليب
الكتاب سيرة ذاتية وخلاصة لخبرة طويلة، عُرف عن صاحبها نهمه بالقراءة، وعبقريته في عالم التحرير. هي سيرة تفصيلية وممتعة لواحد من أعظم المحررين الأدبيين، يحكي فيها كيف أنقذ بعض الكتب من فخ العادية والابتذال، وكيف جوّدها بنظرته الثاقبة إلى النص، وبذائقته القرائية الرفيعة.
مفكرة عابر حدود، قازميند كابلاني
يسرد الكاتب وقائع شخصية عن نزوحه هو وأبناء جلدته من بلده أوكرانيا إلى اليونان، في هجرة جماعية اضطروا إليها في فترة من فترات التاريخ القاتمة.
«حين يكون مهاجرًا نازحًا عن وطنه، يعني أنّه يعيش تحديدًا، وضعَ الهشاشة والضعف الكبيريْن. وهذا العالم لا يُكنّ للضّعفاء أي احترام. إنّهم يصبحون موضوعَ شكاوى وسباب، وليس موضوعَ تقدير واحترام أبدًا»
سواء كنت صديقًا للكتب أو كنت ممن لا يشتريها إلا من معارض الكتاب، هذه النشرة ستجدد شغفك بالقراءة وترافقك في رحلتها. تصلك كلّ أربعاء بمراجعات كتب، توصيات، اقتباسات... إلخ.