بانوراما الرواية السعودية: من البداية حتى اليوم 🇸🇦
ربما إلى الآن لم توجد في الرواية السعودية، شخصية روائية أصبحت أيقونة، يتمثل بأقوالها وأفعالها القراء، لتصبح في مقام الرمز.
بانوراما الرواية السعودية: من البداية حتى اليوم
طامي السميري
روايات كسرت التابو، وروايات فتحت باب الفن
منذ بدايات تشكّل المشهد الثقافي المحلي، صدرت العديد من الروايات، وإذا ما تأملنا بانوراما الرواية السعودية، فقد كانت رواية «التوأمان»، عام 1930، أول رواية سعودية للكاتب عبد القدوس الأنصاري. وتوالى صدور الروايات على فترات متقطّعة، لكنها كانت المنجز الإبداعي الذي يأتي على هامش المشهد الثقافي. ففي تلك الفترة الزمنية، كانت كتابة المقالات والشعر، هي ما يستحوذ على اهتمام الكتاب السعوديين.
وظلّ هذا الركود الروائي مستمرًّا، حتى أصدر غازي القصيبي -عام 1994- روايته «شقة الحرية»، ثم في السنة التي تليها، أصدر تركي الحمد ثلاثيته «أطياف الأزقة المهجورة». هذه الروايات -في حينها- أحدثت أثرًا متباينًا، فقد استقبلها القارئ باندهاش، ووجدها خارج سياق الرتابة السردية، التي كانت تُكتب بها الروايات في السابق. ومن جانب آخر، رفض التيّار المتشدد تلك الروايات، لاعتقاده بأنها تؤثّر في مسلمات المجتمع. أما الوسط الثقافي، فقد تعامل مع تلك الروايات بجفوة نقدية، ورأوا أنها فتحت بابًا يكشف المستور اجتماعيًّا، ولكنها على الجانب الفني، أقلّ من ذلك. وربما تعود أسباب تلك الجفوة إلى أن غازي القصيبي جاء من باب الشعر، وتركي الحمد من باب كتابة المقالات السياسية. ومن جانبٍ آخر، فقد كانت تلك الروايات سير ذاتية بثياب سردية. هذه المواقف المتباينة، وردود الفعل المغايرة، لعبت دورًا في شهرة تلك الروايات.
لهذا نستطيع القول، أن الروايات ما قبل تجربة القصيبي والحمد، تُعد روايات للتاريخ، تهمّ الباحث في هذا الباب. أما ما بعد ذلك، فقد صدرت روايات أصبح القارئ السعودي يجد فيها ما يقترب من عوالمه، وقد أتت «بنات الرياض» لرجاء الصانع تدشينًا لهذه المرحلة. وهي الرواية التي أحدثت حين صدورها ضجيجًا وصخبًا داخل المشهد الثقافي وخارجه، بل تجاوزت هذه الرواية الحدود، وأصبحت ذات شهرة عالمية.
أحال البعض سبب ذلك الضجيج إلى عنوان الرواية، والبعض يرى أن تقديم غازي القصيبي لعب دور كبيرًا في ترويجها. وهناك من يرى أن ذكاء الروائية ساهم في تسليط الضوء عليها، حيث أنشأت الكاتبة موقعًا إلكترونيًّا للرواية، وشاركت في برامج فضائية تتحدث عنها. وكان مثل هذا الظهور النسائي، في ذلك الوقت، يُعدّ تجاوزًا لأدبيات المشهد الثقافي. ولكن في تصوري، فلا توجد جرأة في تلك الرواية، وأما نجاحها، فبسبب تلك البساطة السردية التي كُتبت بها. وأيضًا، فإن فتح باب الجرأة والاقتراب من الواقع، ليس هو كل شيء في كتابة الرواية. لذا، عندما نريد أن نرصد الرواية التي فتحت باب الكتابة الفنية، في المشهد الروائي السعودي، فإننا سنجد رواية «الموت يمر من هنا» لعبده خال، أنها الرواية التي أحدثت الأثر الفني المطلوب، أو كما قالوا هي من سجلت البداية الفنية للرواية السعودية. وفي زمن لاحق، في عام 2010، صدرت رواية «شارع العطايف»، لعبدالله بن بخيت، وقد عزّزت هذه الرواية ارتفاع السقف الفني في الكتابة السردية.
أسماء مستعارة كتبت روايات
حفل المشهد الثقافي، منذ بداياته، بظاهرة الكتابة بالأسماء المستعارة، وتجلّت لدى كتاب المقالات والشعراء -وتحديدًا الشعر الشعبي-، وقد انتهت هذه الظاهرة تقريبًا. أما في الجانب الروائي، فقد شهد حالات محددة من ذلك. فقد بدأت سميرة خاشقجي مسيرتها الروائية، بالكتابة في زمن الستينيات، تحت اسم مستعار: «سميرة بنت الجزيرة العربية»، وبعد مدة، أعلنت عن اسمها الصريح. وبعدها بزمن طويل، صدرت عام 2006 رواية «الآخرون»، وكانت مؤلفتها ذات اسم مستعار، «صبا الحرز». ثم بعد ذلك أصدرت «طيف الحلاج» -وهو اسم مستعار- روايتها «القران المقدس». ثم جاءت «وردة الصولي»، باسمها المستعار، لتصدر روايتها «الأوبة».
تلك الروايات الثلاث صدرت في فترة زمنية متقاربة، وقد يكون هناك مبرر لذلك التخفي، بسبب حساسية الموضوعات التي تناولتها تلك الروايات، بناء على معطيات تلك الفترة الزمنية. لكن هناك روايات أخرى صدرت تحت أسماء مستعارة، ولم تكن موضوعاتها تستدعي ذلك التخفي، مثل رواية «غير.. وغير» لـ«هاجر المكي»، ورواية «ظل قميص أبيض» لـ«سلمى الحقول». والملاحظ بأن العامل المشترك بين تلك الروايات، أنها لأسماء نسائية.
حكايات الحب
ما من روايات سعودية إلا وتتضمن حكاية حب، ولكنها تظل حكاية هامشية في الرواية. وعندما نتأمل الروايات العاطفية التي كان محورها الحب، سنجد نماذج محدودة. «إيهاب» في رواية «حب في السعودية»، لإبراهيم بادي. «جمانة» و«عزيز»، في رواية «أحببتك أكثر مما ينبغي» لأثير النشمي. و«علي الدحال» و«منيرة الساهي»، في رواية «القارورة» ليوسف المحيميد. و«مها» و«ناصر»، في رواية «سقف الكفاية» لمحمد حسن علوان. و«رغد» و«وليد»، في رواية «أنت لي» لمنى المرشود. والملاحظ أن القاسم المشترك بين هذه الروايات العاطفية، أن جمهورها شريحة محددة من القراء، بينما تتحفظ شرائح أخرى على الجانب الفني في تلك الروايات.
شخصيات روائية تسكن الذاكرة
ربما إلى الآن لم توجد في الرواية السعودية، شخصية روائية أصبحت أيقونة، يتمثل بأقوالها وأفعالها القراء، لتصبح في مقام الرمز. وهذا الغياب له أسباب فنية، يتعلق ببناء الشخصية، وبقدرة الروائي على رسم نموذج يؤسس لنمط ما، أو لسلوك معين. ومع هذا، فالرواية السعودية لا تخلو من بعض الشخصيات التي سكنت الذاكرة. فسوف نجد عند غازي القصيبي «فؤاد الطارف»، في «شقة الحرية»، و«أبو شلاخ البرمائي» في رواية تحمل الاسم ذاته للشخصية، وكذلك «البروفيسور» في رواية «العصفورية». وعند عبده خال، فتتجلى في رواياته الأولى الشخصيات الروائية مثل «العجوز نوار» و«السوادي»، في رواية «الموت يمر من هنا»، و«يحيى الغريب» في «مدن لا تأكل العشب». أما تركي الحمد، فشخصية «هشام العابر» لا تُنسى في ثلاثية «أطياف الأزقة»، وكذلك شخصية «سميح الذاهل» في رواية «شرق الوادي». وفي روايات يوسف المحيميد سنصادف «طراد» في رواية «فخاخ الرائحة»، و«منيرة الساهي» في رواية «القارورة». وكذلك فإن قرّاء الرواية العاطفية لا ينسون «ديار» في «سقف الكفاية»، ولا «جمانة» و«عزيز» في «أحببتك أكثر مما ينبغي».
الرواية السعودية ورؤية 2030
عندما نبحث عن العلاقة بين الرواية ورؤية 2030، سنجدها حاضرة في الموضوعات والقضايا الاجتماعية، التي كانت تمثل هاجس الروائيين والروائيات، عبر تدوينها سرديًّا، التي أصبحت قضايا من الماضي. وسنلاحظ أن هناك رؤية سردية مختلفة في كتابة الرواية النسائية، تتماشى مع الانفراجات في ملف المرأة. كذلك سنجد في بعض القضايا -التي أصبحت من الماضي- إن أعيد طرحها في الروايات؛ فستكون الكتابة برؤية عصرية، مغايرة لما سبق. فمثلًا، قضية قيادة المرأة للسيارة، حضرت في ثلاث روايات بشكل أساس، وفي روايات أخرى بشكل عابر، «الرياض -نوفمبر 90» لسعد الدوسري، «القارورة» ليوسف المحيميد، «فِي ديسمبر تنتهي كُل الأحلام» لأثير النشمي. لهذا، سنجد أن مشهد امرأة تقود مركبتها، قد يبدو مشهدًا مألوفًا، وهذا ما حدث في رواية «أيام وكتب»، لأحمد الحقيل، الصادرة 2022. أما السينما، فقد حضرت في رواية «الميكانيكي»، لطاهر الزهراني، لكن المشهد كان خارج الحدود. وسنجد في رواية «غريق يتسلى في أرجوحة»، ليوسف المحيميد، أن بطل الرواية مخرج سينمائي، دون أن يكون هناك حضور حقيقي للسينما في تلك المرحلة. في مثل هذه القضايا تبدل الحال، وأصبحت من أبجديات الحياة الاجتماعية. ولهذا خلقت رؤية 2030 للروائي السعودي، آفاق وفضاءات سردية شاسعة، تمنحه الانسيابية في كتابة نصه الروائي.
أعلنت «جائزة الكتاب الوطنية الأمريكية» قائمتها الطويلة للعام 2024، وضمت القائمة روايات عربية منها: «أصدقائي»، لليبي هشام مطر، وهي الرواية الفائزة بجائزة أورويل عن أفضل رواية سياسية، للعام 2024.. كما شهدت القائمة وجود عربي آخر، وهي رواية «مقام الريح»، للروائية السورية سمر يزبك.
رُشح كتاب «في أثر عنايات الزيات»، للشاعرة المصرية إيمان مرسال، للمنافسة في القائمة الطويلة من «جائزة الترجمة»، المقدمة من المؤسسة الأمريكية للترجمة الأدبية، للعام 2024، عن النسخة الإنقليزية للكتاب ذاته: (Traces of Enayat) والتي كانت من ترجمة روبين موقر. يُعدّ هذا الكتاب مبارك أينما حلّ، -كما تصفه كاتبته- فقد وصل إلى القائمة القصيرة لجائزة جان ميشالسكي السويسرية، للكتابة والأدب، وظفر بعدد من الجوائز الأمريكية والأوربية منذ ظهور ترجماته.
يصدر قريبًا عن دار كلمات المجموعة القصصية: «قلق فوات الفرص السّانحة»، للكاتب السعودي محمد العرادي. يراهن العرادي أن قراءة هذه المجموعة ستكون تجربة فريدة، شكلًا ومضمونًا.
غادر عالمنا الروائي والناقد اللبناني إلياس خوري، عن عمر يناهز ستة وسبعين عامًا، بعد صراع طويل مع المرض. كتب إلياس خوري عشرات الروايات التي ترجمت إلى عدد من اللغات، كما شغل رئاسة تحرير عدد من الصحف اللبنانية.
توصيات النشرة من حامد البقمي:
ترمي بشرر، عبده خال
تقع أحداث الرواية في عروس البحر الأحمر، جدة. يرويها عامل بأحد القصور التي تشهد أحداثًا صاخبة ليلًا، ووظيفة هذا العامل -تحديدًا- هي تأديب أعداء رئيسه، رجل الأعمال مفرط الثراء، عن طريق الاعتداء على خصومه جنسيًّا وتصويرهم. تعدّ الرواية من أكثر الروايات التي أثارت جدلًا.، وقد حازت على الجائزة العالمية للرواية العربية، عام 2010، لجرأتها في مناقشة مواضيع حساسة لا يُتطرق إليها عادةً.
طوق الحمام، رجاء عالم
تقع أحداث الرواية غرب المملكة العربية السعودية، وتحديدًا بالعاصمة المقدسة مكة المكرمة، وقد عُرف عن رجاء عالم اهتمامها في نقل تاريخ مكة، وعادات سكّانها، حتى ارتبط اسمها ارتباطًا وثيقًا بالمكان. في الرواية تحاول رجاء أن تكشف الجانب غير المقدس في المكان المقدس، من فساد المقاولين، واستغلال العمالة. وعن تأثير تحولات هوية مكة على الجانب الثقافي والروحي للمدينة المقدسة، بأسلوب لا يخلو من الرمزية والغرائبية. حازت الرواية على الجائزة العالمية للرواية العربية، عام 2011، لكشفها عن قضايا حساسة تحدث خلف الستار.
موت صغير، محمد حسن علوان
استمدّ الروائي عنوان كتابه من مقولة للمتصوف والرحالة ابن عربي، وهي: «الحب موت صغير». الكتاب سيرة ذاتية متخيلة، لمحيي الدين بن عربي، متناولًا أحداث حياته التي لم نسمع عنها، ويحاول تتبع رحلة ابن عربي لمدن عدة في سعيه لتلقي العلم، وبحثه عن أوتاده الأربعة.
الأفق الأعلى، فاطمة عبدالحميد
ترشحت الرواية للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية. تتحدث عن حياة «سليمان» الذي زُوج امرأة تكبره بإحدى عشرة سنة، وعمره لم يتجاوز العشرين عامًا. ولكن السارد في الرواية هو ملك الموت، الذي سيأخذ روح زوجته، بعدما أنجبت ثلاثة أبناء. تصوّر الرواية شكل حياة «سليمان» بعد وفاة زوجته، التي كان يعتمد عليها اعتمادًا كليًّا.
لغير المثقفين، الذين لا يربطون بين القراءة واحتساء القهوة، ولا يصوّرون أعمدة كتب تتجاوز أطوالهم نهاية العام. نشرة تصلك كلّ أربعاء تضم مراجعات للكتب، توصيات، اقتباسات… إلخ.