كيف ساعدتني كتبي على فقدان الوزن 🏋️♀️
الكتب المتراكمة على الأرفف وفوق الكنبة، وعلى أسطح المطبخ والردهة، فصول تحكي سنوات من أعمارنا وتجاربنا.
كيف ساعدتني المكتبة على فقدان الوزن
تقول آن فاديمان في مقدمة كتابها «من كتبي: إعترافاتُ قارئةٍ عاديّة» أن الكتب، حتى تلك التي نُشرت قبل ولادتنا، لا تشيخ، بل تظل شاهدة على مرور الزمن، تذكرنا بالأوقات التي قرأناها فيها أو أعدنا قراءتها، تقف أمامنا كمرآة تعكس عقودًا مضت؛ هكذا أنظر إلى مكتبتي، كما ينظر الرفيق إلى رفيقه، والتلميذ إلى معلمه. تلك الكتب المتراكمة على الأرفف وفوق الكنبة، وعلى أسطح المطبخ والردهة، فصول تحكي سنوات من أعمارنا وتجاربنا.
في صيف عام 2006، تزوجت، لم يكن زوجي من محبي القراءة، لأنه يعتقد أن المعرفة لها مصادر شتى غير الكتب، لم يكن هذا نقصًا فيه، بل على العكس، فقد أضاف إلى معرفتي ما كنت أفتقده من تجارب علمية في مجالات الفيزياء والبيولوجيا وغيرها، وهي جوانب لم أكن أهتم بها من قبل. علاقتنا أوجدت بيننا لغة معرفية مشتركة تجمع بين الأدب والعلم؛ مما أثرى نقاشاتنا التي غالبًا ما تنتهي بأن يعود كلٌّ منا إلى عالمه، أنا إلى مكتبتي وهو إلى ورشته ومختبره. وهكذا، وبعد سنوات طويلة، وطّدَت اهتماماتنا المتنافرة علاقتنا، لكنها في ذات الوقت خلقت مشكلاتٍ مرتبطة بالمساحة.
قبل زواجنا، وبعد أن رتبنا أمورنا العاطفية جلسنا نناقش شروط الالتزام، نعم، أنا ممن يرون أن الزواج عقد التزامات، وهذا لا ينفي جانبه العاطفي. ودون أن أدخلكم في متاهة عالم المتزوجين، سأكتفي بذكر الشرط الأهم الذي وضعته على رأس القائمة، وهو الشرط الذي أثار ضحك زوجي وأسرتي وأصدقائي: أن تسبقني مكتبتي إلى عش الزوجية وأن تتصدر أفضل مكان فيه. وافق زوجي، وبدأ مبتسمًا ومتحمسًا في نقل صناديق الكتب من شقتي إلى شقتنا، متحملاً عناء النقل وتبعاته، وساعده في ذلك أننا نسكن الطابق الأول. ما زلت أذكر الفوضى التي أحدثتها الصناديق أمام باب العمارة، مما أزعج الجيران الذين استغربوا أن يقرأ زوجي كل هذه الكتب، زاد استغرابهم وارتفعت حواجبهم عاليًا حين أجابهم بفخر مبالغ فيه مشيرًا إليَّ: «بل هي "المدام" من تقرأ كل هذه الكتب.» لم أكن مستعدةً ولم أرغب بعد أن نوديت بـ «المدام» أن تكون الكتب أول معرفتي بالجيران فهذا التعارف أحدث فجوة بقيت عالقة بيني وبينهم لسبب أجهله.
من الغريب للغاية كيف نميل إلى اعتبار أمورنا الخاصة هي الأهم والأكثر استحقاقا للحماية، دون أن ندرك أن الآخرين يشعرون بالشيء نفسه تجاه أمورهم. كنت حريصة على حماية مكتبتي ومساحتها التي اتسعت مع تزايد الكتب، دون أن أفكر بأن زوجي أيضًا يسعى إلى حماية مساحته. بعد سنتين من الزواج، أنجبنا طفلتنا الأولى التي كانت تحبو بين مكتبتي ومكتب والدها المليء بالأدوات، بدأتُ أدرك أن هناك عالمًا ثالثًا يتشكل بيني وبين زوجي، يلتهم المساحة المتبقية من الشقة، بدأت أشعر بالضيق من أغراضه المنتشرة بكل مكان دون أن أفكر أن كتبي غلبت فوضاه. وربما شمل تملّلي أيضًا أغراض الطفلة التي لا تميز بين عالمي الذي أراه منظّمًا وعالم والدها، وزاد الأمر سوءًا عند إصابتي باكتئاب ما بعد الولادة، وبعد أن عانيت من زيادة في الوزن مفرطة، حيث شعرت أن كل المساحات الفارغة في شقتي امتلأت بالكتب وبالأسلاك وبوزني وبصراخ الطفلة. ولأنني لم أكن في حال يساعدني على التفكير في حل، استمر الوضع لسنوات، وازدادت المساحة ضيقًا مع ولادة الطفل الثاني، وحين أُصيبت رئة العالم بوباء كورونا، وأُصبنا جميعًا بلوثة عقلية مع الحظر الذي فُرض علينا، لم يستدعِ الوضع سوى أيامًا معدودة لينفجر، فقررت أن أجد حلًّا سريعًا لكي أحافظ على عقلي وأسرتي.
كان الحل قريبًا من شقتي، وبين يديّ منذ البداية، واندهشت من قدرة عقولنا على عدم رؤية الحلول عندما نغرق في الاكتئاب أو نهتم بآراء الآخرين حول قراراتنا. وخلال فترة الحظر التي قيدت حركتنا بدأت في ترتيب مكتبتي وإعادة الكتب إلى الصناديق مجدّدًا، ومع أولى بوادر انتهاء الحظر، أعدت المكتبة بكتبها القديمة والجديدة إلى مكانها الأول في شقتي، شقة العزوبية.
ولم يكن النقل سهلًا هذه المرة، بل تطلّب جهدًا كبيرًا، خاصةً وأن الشقة تقع في الطابق الأخير في مبنى من دون مصعد، رفض زوجي هذا القرار، فقد خشيَ أن تأخذني المكتبة والتنقل بين الشقتين من بيتي وأولادي ومنه، ومن ثم رفض مساعدتي متناسيًا حماسة البدايات، وآملًا أن أغيّر رأيي، وطلب مني مازحًا استئجار من يقوم بالمهمة، ولكني رفضت ذلك تمامًا، لأنني لا أرغب أن أضع كتبي بين أيادٍ لا تدرك قيمتها المعنوية والمادية. وهكذا، بدأت في النقل معتمدة على نفسي ببطء وعلى مراحل، أنزل الأدراج البسيطة من شقة الزوجية، وأصعدها بصعوبة في مبنًى آخر حاملة ثقل كتبي وقراري ووزني الزائد إلى الطابق الخامس، حيث الشقة التي بدأت فيها كل قصصي مع الكتب.
ومع مرور الأيام والشهور، أصبح الانتقال نشاطًا رياضيًّا متعبًا ولكنه ممتع في نفس الوقت. ودون أن ألاحظ، بدأ وزني ينقص تدريجيًّا، وأدركت أن الانتقال، وما يتبعه من البقاء لساعات في الشقة لإصلاح ما هدمه الفراغ والهجر، دفعني إلى اتباع نظام غذائي غير مقصود فرضته الضرورة، وبدأ المحيطون بي يلاحظون هذه التغييرات التي طرأت على جسدي، ومن ثم انتبهت أن التجربة منحتني الفرصة لإصلاح ما أفسدته كل السنين الماضية، وبسلاسة قد ترفضها عقولنا متى قرّرنا التغيير، فالأمر كان أشبه بما أكده كارل يونق: «ما نقاومه يستمر وبشدة»، ففي اللحظة التي توقفت فيها عن محاولات إنقاص وزني ومحاربة الاكتئاب، أتت محاولة إنقاذي للمكتبة من الاختناق سبيلًا لإصلاح كل شيء.
وبعد أن أنهيت مهام النقل والتنظيم قررت أن التغيير عليه أن يشمل الأسرة كذلك، وبعد أخذٍ ورد، أقنعت زوجي بالفكرة لما رأيته من مزايا يتوفّر عليها المكان القديم أكثر مما تتوفر عليه الشقة الفارهة وسط المدينة، وفي هذا المكان يمكن لكل فرد أن يجد مساحته الخاصة لممارسة هواياته بالطريقة التي يفضلها دون أن يمس عالم الآخرين، لم أتخلص من ثقل وزني فقط، بل تخلصت أيضًا من ثقل الأفكار والأحكام المسبقة التي يفرضها المجتمع على المتزوجين، ولم نعد نهتم بمن يملك المكان، ما كان يهم حقًّا أننا استطعنا أخيرًا تجاوز مشكلات المساحة.
وما زلت أعيش في هذه الشقة العجوز التي تراكمت فيها الذكريات وأخَذَت فيها الكتب مكانها المستحق، مكان تحضنه الشمس من كل الزوايا، وتزاحم الأدوات الرياضيةُ الكتبَ على الرفوف، وبذلك، حققت مكتبتي الحكمة البريئة التي تقول: «العقل السليم في الجسم السليم»، ويمكن أن أضيف و«في المكان السليم» و«مع الشخص السليم» كذلك.
فاصل ⏸️
تنطلق فعاليات «معرض الكتاب الدولي 2024» الذي تنظمه جمعية الأدب والأدباء، وتحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة المدينة المنورة، يوم غدٍ الخميس 29 أغسطس الجاري، وتستمر حتى 4 سبتمبر 2024. يُقام المعرض في الجامعة الإسلامية بجوار المكتبة المركزية بالمدينة المنورة.
صدر حديثًا عن دار التنوير الترجمة العربية لكتاب «رحلة إلى البلدان الإشتراكيّة: 90 يومًا وراء الستار الحديدي» للروائي والصحافي الكولومبي غابرييل قارسيا ماركيز، ومن ترجمة وضاح محمود. يأتي الكتاب في سياق تاريخي يحاول فهم القرن الماضي في أوربا حيث لا تزال تأثيرات الحرب العالمية الثانية حاضرة وملحوظة.
يصدر قريبًا عن دار رشم رواية «ج» للكاتب المتخصص بفلسفة علم الاجتماع الدكتور عبدالله الزمّاي. تدور أحداث الرواية في قرية من القرى السعودية وتصوّر حياة الأطفال في بداية التسعينات الميلادية.
توفيت الباحثة الأمريكية في علم الأنثروبولوجيا هيلين فيشر عن عمر يناهز 79 عامًا. صدر للكاتبة كتاب مترجم إلى اللغة العربية «لماذا نحب؟ طبيعة الحب وكيميائه» وهو من ترجمة الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت بالاشتراك مع الطبيب النفسي أيمن حامد، ويقدم الكتاب قراءة علمية سيكولوجية لشعور الحب والكيمياء التي تتبدل بالدماغ عند الوقوع فيه.
توصيات النشرة من أثير حسين:
أعجوبة، آر. جيه. بالاسيو
هذه الرواية مقتبسة من أحداث حقيقية حصلت لطفلٍ وُلد بتشوهات جسدية في وجهه، يحكي فيها عن نظرة المجتمع له بسبب شكله وتشوهاته التي لا ذنب له فيها، وعن مراعاة عائلته له، والكثير من الأحداث التي تكشف لنا عن حقيقة واحدة: بأن شكلك يحدّد تعامل الناس معك، شئت أم أبيت.
الحياة في مكان آخر، ميلان كونديرا
جاروميل كاتب وشاعر، وهو شابٌّ ثَوريٌّ وحالم،لكن أمه كانت تحبه للحد الذي جعلها تضعه في قفصٍ من الحماية الزائدة، مخترقة بذلك خصوصيته. حيث كانت تلاحقه في كل مكان يذهب إليه، وتفتش من ورائه كل ما يقع بين يديها، وبسبب خِناق أمه والعالم من حوله له؛ يلقى حتفه دون أن يبلغ بحياته في المكان الآخر.
حياة النحل السرية، سو مونك كيد
تسلط هذه الرواية الضوء على النظام العنصري الذي كان قائمًا في أمريكا تجاه السود، حيث تنشأ «ليلي» ذات الأربع عشرة سنة تحت رحمة أب عنيف كان يضربها ويحقّر من شأنها، إلا أنها في يوم ما تقرّر الهرب بعد أن اكتفت من هذه المعاملة، فتكتشف السرّ وراء وفاة والدتها.
الموسيقي الأعمى، فلاديمير كورولينكو
رواية من الأدب الروسي، مُقتبسة من مذكرات حقيقية لفتاة عمياء، نقلها الكاتب عنها ليُرينا الحياة من منظور الأعمى، التي جسّدها بطل الرواية «بطرس»، كيف يشعر بالأشياء من حوله؟ كيف يعرف أقرباءه؟ وكيف ينقل لنا تصوره عمّا نعيشه، شعور الهواء والتنفس بعمق، ونِعمة الإنصات إلى الكون، والطمأنينة التي تتخلّل السكون.
سواء كنت صديقًا للكتب أو كنت ممن لا يشتريها إلا من معارض الكتاب، هذه النشرة ستجدد شغفك بالقراءة وترافقك في رحلتها. تصلك كلّ أربعاء بمراجعات كتب، توصيات، اقتباسات... إلخ.