الخوض في دوامة الألم من أجل الجمال 🪞
لماذا أعدنا إحياء معايير جمالية متعِبة تهدد راحة واحدة من أساسيات الحياة مثل النوم في عصرنا هذا؟
أنا شبه موقنة أنَّك تعرف ملحمة جلجامش حتى إن لم تقرأها (أنا لم أقرأها للآن رغم كوني محسوبة على المثقفين 🫣). لكنك مثلي قد لا تعرف أنَّها ملحمة غير مكتملة بسبب ضياع 30% منها.
هذا الضياع سببه أنَّ ثمة أكثر من نصف مليون لوحة مسمارية محفوظة في مخازن عدة متاحف حول العالم (وطبعًا نعرف أنَّ وجودها في تلك المخازن أغلبه استيلاء استعماري)، علمًا أنَّ عمليات التنقيب لا تزال تكشف المزيد منها. ومع غياب عدد كافٍ من قرّاء الكتابة المسمارية الذين لا يتجاوزن عدد أصابع اليد، فعملية قراءة تلك الألواح بطيئة للغاية.
لكن مع وجود الذكاء الاصطناعي، تحديدًا مشروع (Fragmentarium)، تزايدت وتيرة القراءة إلى حد كبير، ونتجت عنه إضافة ترنيمة جديدة لمدينة بابل ومئة بيت إلى الملحمة.
السؤال الذي يراودني: هل، بعد كل هذا العناء والمال، ثمة «حقوق قراءة» شبيهة بحقوق التأليف والترجمة تُنسَب للذكاء الاصطناعي، وتدفع دور النشر مالًا مقابلها رغم أنَّ النص نفسه عتيق؟ 🤷🏻♀️
الخوض في دوامة الألم من أجل الجمال
أنا من الأشخاص الذين يؤمنون بمقولة «من زان نومه زان يومه»، ولذلك لفتت نظري في الفترة الأخيرة مقاطع على تك توك لمدونات الجمال وهن يستعرضن ما يسمى التحوُّل الصباحي. تُظهِر هذه المقاطع فتيات مستيقظات من نومهن، يبدأن إزالة أربطة مشدودة ملتفة حول فكوكهن وأعناقهن، والكثير من اللاصقات الشفافة حول عيونهن وعلى وجناتهن. بعضهن يلصقن أفواههن بلواصق أيضًا، وتحيط لفافات الشعر الكبيرة بكامل رؤوسهن. وربما تصادف إحداهن وهي تحاول جاهدة فك لاصقات أنفها، وبمجرد أن تنظر إليها تشعر بأنك تحتاج إلى استنشاق قدر أكبر من الهواء!
على الجهة المقابلة لمقولتي التي أؤمن بها ثمة مقولة منتشرة في هذا السياق: «كلما كان شكلك قبيحًا قبل النوم أصبحت أجمل عند الاستيقاظ» (the uglier you go to bed, the prettier you wake up)، في إشارة إلى النتيجة المغرية التي تستيقظ عليها الفتيات بعد قضاء الليل بهذه الكمية من الطبقات واللاصقات والأربطة.
يتبادر إلى ذهني سؤال مهم: لماذا أعدنا إحياء معايير جمالية متعِبة تهدد راحة واحدة من أساسيات الحياة مثل النوم في عصرنا هذا؟ فمن الواضح أن النوم مع هذا الكم من الأمور المكدسة على رأسك لن يقدم لك نومًا هنيئًا كما المفترض.
وتُذكّرني هذه الإجراءات اليومية -التي أعدها شخصيًا قاسية- بمجموعة الخرافات الجمالية والمعايير المزدوجة التي جرى سنُّها في بعض العصور والأزمنة على النساء للوصول إلى شكل مثالي وجميل في نظر المجتمع المؤسس لهذه المعايير.
خرافات الجمال موجودة منذ العصور الوسطى في أوربا، إذ كان النسوة يلجأن إلى استخدام الرصاص الأبيض كأحد مكونات مستحضرات التجميل، بهدف الحصول على بشرة بيضاء وشاحبة، وهي سمة كانت تُعد رمزًا للجمال والثراء آنذاك، غير آبهات بسُمِّية مادة الرصاص التي سببت أمراضًا خطيرة مميتة. بل يُشاع أن الكونتيسة كوفنتري ماريا قانينق، التي كانت مضيفة اجتماعية مشهورة بجمالها، رفضت التوقف عن استخدام الأساس الذي يحتوي على الرصاص الأبيض، حتى وهي على فراش الموت.
مثال آخر لا يقل غرابة عما قبله هو خرافة الأقدام الصغيرة في الصين القديمة. كان الفتيات يُجبَرن على ربط أقدامهن بإحكام منذ الصغر لمنعها من النمو الطبيعي، وذلك يؤدي إلى تشوهات وآلام شديدة تستمر مدى الحياة. كل هذا كان من أجل الامتثال لمعايير جمال محددة يفرضها المجتمع، بدأت بزعم أن الفتاة ذات الأقدام الصغيرة عذراء، ثم تحولت إلى رمز إغرائي للمشية المتمايلة التي تسببها هذه الأقدام الصغيرة.
لم يقتصر تأثير ربط القدم على تصنيف النساء في الوضع الاجتماعي فحسب، بل حوّلهن ذلك أيضًا إلى أدوات جنسية لإرضاء رغبات الرجال، فقد كان يُنظَر إلى النساء ذوات الأقدام الصغيرة على أنهن جميلات وساحرات بفضل قوامهن الرشيق والنحيل. وفي الواقع، كانت جاذبية مشية المرأة المتمايلة بأقدام صغيرة تلهم النساء العاديات، رغبةً منهن في إبهار أزواجهن بمثل هذا المشي.
على الرغم من أن الممارسات الحديثة لا تصل إلى قسوة المعايير القديمة للجمال وحدّتها فإن مفهوم استغناء المرأة عن راحتها في واحدة من أساسيات الحياة والصحّة -النوم- من أجل الحصول على معايير جمالية معينة مثل الفك المحدد والرقبة المشدودة والخد المتوهج، لا يزال يحمل بعض التسلط المعياري على النساء. إذ كيف نفسّر خضوع نساء اليوم لضغوط جمالية تتطلب منهن التضحية بالراحة والنوم، في محاولة للوصول إلى مثالية شكلية؟
لذا من المهم أن نعيد النظر في هذه المعايير الجمالية، وأن نشجع النساء على الاهتمام بصحتهن وراحتهن قبل كل شيء. فالنوم الجيد ليس فقط جزءًا أساسيًا من نمط الحياة الصحي، بل يعزز الجمال الطبيعي بشكل يفوق أي إجراء تجميلي آخر.
شبَّاك منوِّر 🖼️
انتشر مؤخرًا ترند الاستهلاك المنخفض (Underconsumption Core)، كمحاولة لوقف موجة الاستهلاك الجنوني الذي تروِّج له وسائل التواصل الاجتماعي. تركز مقاطع الاستهلاك المنخفض على استعراض الممتلكات القديمة، أو التي نملك منها قطعة واحدة، أو التي ورثناها أو جددناها وما زالت تعمل بكفاءة لغرضها الأساسي. ✊🏼🛍️
معظمنا من الأفراد العاملين ذوي الدخل المتوسط أو المنخفض، ولا نملك الملايين لصرفها على كل ما يُسوَّق لنا. وفي معظم الحالات لا تدفع شخصيات وسائل التواصل للحصول على تلك الكماليات، بل تُهدى إليهم كجزء من تسويقهم. أظن أن هذا الترند يعيد توجيهنا لطرح الأسئلة حول مصروفاتنا على ما يهمنا، وإيقاف عجلة المقارنات اللامجدية. 🌝💰
أصبح من الصعب على الشخص إيجاد أسلوبه الشخصي في الأزياء والأثاث وغيرها؛ لأن الصيحات تتجدد باستمرار، وهذا يُشعر البعض، وبخاصة الفئة العمرية الصغرى، بضرورة اتباعها. لو أخذنا فكرة الاستهلاك المنخفض على محمل الجد فسنبدأ التعرف إلى أساليبنا، ونقتني ما يتسق معها، وسنجد المتعة في حمل الحقيبة أو تقلّد القلادة نفسها لسنوات. 👛 🫥
قد تكون المتعة اللحظية رائعة عند اقتناء ما يتحدث عنه الجميع، لكنها ستنتهي بعد وقت قصير. يوجهنا الاستهلاك المنخفض إلى البحث عن تجارب مثرية تضيف إلينا متعة حقيقية وتخلّد لنا ذكريات مع من نحب، كما تخفف شعورنا بضغط المواكبة لكل جديد. 🎨 📸
أهم ما يمكن الخروج به في فكرة الاستهلاك المنخفض أن رؤيتنا لبعض شخصيات التواصل الاجتماعي ستتغير؛ لأننا سنستوعب أن المحتوى الذي نستهلكه لا يضيف إلينا المتعة أو الفائدة، ولكنه إلهاء وتوجيه للاقتناء أكثر. لكن يمكنك كشخص يرغب في صناعة محتوى ملاحظة أن جودة ما تقدِّم هي الأهم، ولا يعني هذا عدم استفادتك ماديًا، لكن بحذر ووعي. 🎙️❓
🧶 إعداد
شهد راشد
لمحات من الويب
متحف الأشياء غير المرغوب فيها.
تطبيق (Recap) يرسل إليك نشرة أسبوعية تلخّص لك كل المقالات التي حفطتها والملاحظات التي دونتها خلال الأسبوع.
نوم العوافي.
قفزة إلى ماضي نشرة أها! 🚀
يرتكز «تيمو» في بناء علامته التجارية على رخص منتجاته، أيًّا تكن تلك المنتجات. 🫰🏻🛍️
لا تنخدع بتأثير تكاتف قضايا الاحتكار ضد عمالقة التقنية، فهذه القضايا تمتد عشر سنوات في الغالب حتى يتم البتّ فيها. 👨⚖️
نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.