دروس آلان دو بوتون في الحب والزواج
نبحثُ عن الكمال، من يفهم مشاعرنا وضعفنا وعقدنا، مقتنعين بتلك الفكرة التي لا نعلم كيف غُرست في عقولنا عن مثالية الحب والمحبوب.
دروس آلان دو بوتون في الحب والزواج
لا يبدأ الزواج بعرض الزواج، ولا حتى اللقاء الأول، يبدأ قبل ذلك بزمنٍ طويل، عندما تولد فكرة الحب، وعلى نحوٍ أكثر تحديدًا، يولد مع الحلم بشقيق الروح.
بهذه العبارة التوصيفية الدقيقة يبتدئ آلان دون بوتون كتابه المهم «دروس الحب»، الذي يقدّم من خلاله نظرةً عميقة إلى الحب الرومانسي في روعته ومخاطره.
لكلّ منّا لحظته الأولى مع ذلك الشعور الدافئ الذي يغمره، سواءً ابتدأ منذ الطفولة أو المراهقة أو عند الكِبر، لكننا نعجزُ عن وصفه مع التقدم في العمر. نشاهد الأفلام الرومنسية ونتخيلُ أنفسنا مكان أبطالها ونعيش ونتفاعل ونخلق قصصًا في خيالنا عند قراءة روايةٍ رومنسية، متشكّلًا في أعماقنا شعورٌ بالاحتياج لمن يشاركنا حياتنا، ونجد أن رغبتنا تتشكل بشكلٍ مطابقٍ لما يقول كاتبنا: «يعني الحب: الإعجاب بصفاتٍ لدى المحبوب، تعِدُنا بأن تصحح نقاط ضعفنا واختلالنا، فالحب بحثٌ عن الكمال!».
نبحثُ عن الكمال، من يفهم مشاعرنا وضعفنا وعقدنا، مقتنعين بتلك الفكرة التي لا نعلم كيف غُرست في عقولنا عن مثالية الحب والمحبوب، ومسيّرين بذلك الشعور المجهول الذي يقودنا إلى أن نؤمن بأن «الحبّ أيضًا متصلٌ بالضعف، متّصلٌ بأن تمسّ مشاعر المرء آلام الآخر ومواطن ضعفه وهشاشته»، كأنما المحبوب مرآة لك، لا آخر.
هناك عدّة دوافع تفسّر غموض الرغبة الغريبة التي نبحثُ فيها عن الحب، أحدها الخوف من الوحدة! فأسوأ الأقدار أن يعيش المرء وحيدًا، فيختلق لنفسه الأعذار، وتغيب عن عينيه جميع معايب المحبوب، متمثلًا قول الشاعر «وعين الرضا عن كلّ عيبٍ كليلةٌ»، وهذا ما وقع فيه بطلُ هذه القصة الجميلة التي سردها لنا آلان، إذ ابتدأت مشاعره بالرضا، ثمّ الإعجاب، ثمّ محاولة القبض على هذا الشعور: «يودّ رابح أن يجمّد هذا الشعور، أمله معقودٌ على أن يستطيع جعل هذا الإحساس الغامر أبديًا من خلال الإقدام على الزواج».
ومع محاولة القبض على شمعة الحب المتقدة تهبّ رياح الحقيقة ويكتمل بيت الشعر «ولكنّ عين السخط تبدي المساويا!». يخوض «رابح» و«كيرستن» تجربة الزواج الواقعية، وتخبو مع الأيام جذوة الحبّ لتأتي برودته، فمن يتخيل أن مهندسًا معماريًا وموظفةً بمنصبٍ مرموق يختلفان على بضع كؤوسٍ من متجر «إيكيا»؟ ومن يصدّق أنهما سيختلفان في ليلةٍ ما على درجة حرارة الغرفة فيبيت كلّ منهما في غرفةٍ أخرى؟ تبدو مثل هذه الخلافات سخيفةً لمن لم يخُض تجربة الزواج، وتبدو سهلةً لمن قرأها ولم يعشها، لكنّ المؤلف يربطها جميعًا بفكرةٍ واحدةٍ يشترك فيها معظم المتزوجين هي «الوعد بالفهم من غير كلام»، وهي جزءٌ من الفكرة التي يتشكل منها الحبّ الرومنسي وشقيق الروح وباقي «الهراء» الذي تسرّب إلينا من الروايات الحالمة التي تسحرُ العقل والقلب لتحقق أعلى الأرباح في شبّاك التذاكر، لا ما يمثّل حقيقة وواقعية العلاقات الإنسانية.
تؤدي الطفولة دورًا كبيرًا في تشكّل الحب المشروط لدى بطلنا «كبر رابح وهو يفهم أن حبّ الاخرين له يعدّ بمثابة مكافأةٍ على كونه شخصًا جيدًا، لا شخصًا شفّافًا»، ومثلُ هذه الفكرة الواقعية تصادمُ الحبّ الرومنسي؛ فيستحيل الزواج من شخصٍ يفهم كلّ مشاعرك دون أن تتكلم، ويصعبُ العيشُ مع شخصٍ تبدي له محاسنك ومساوئك دونما مراعاةٍ لمشاعره، وهذه هي الحقيقة الصادمة التي تعرض لها «رابح»؛ فمع الأيام ابتدأ يلاحظ انزعاجه من زوجته ونفوره؛ لأنها لا تفهم مشاعره في إغلاق باب الغرفة؛ لأنه يشعر بالخوف من العالم الخارجي، فيشعر بالأمان إذا أغلق باب غرفته وهو في منزله الآمن. أو عدم إحساسه بالدفء إلا تحت اللحاف وهو في غرفةٍ دافئة. لا تفهم أنه يحتاج الأمان أكثر من الدفء؛ فينزعج، لكنه لا يقول لها كلّ هذا، فكيف يفسّر لها أنه طفلٌ لا يزال يبحث عن أمنٍ ودفء؟ يقع في فخ التعبير، ثمّ يكبر مع الأيام شعوره بالنفور، وباللا فهم، وبأنه شخصٌ غير جيدٍ أكثر من كونه شفافًا.
هل يتوقف الزواج لعدم مثالية الحب مع الطرف الآخر؟ يخالف كاتبُنا هذا الرأي؛ فالخوف الدائم من الوحدة عند كلا الطرفين ونظرُ كل واحد منهما إلى محاسن الآخر ومرور الأيام، كل هذه العوامل تشكّل نوعًا من الألفة التي تتنامى مع الأيام وتخفض التوقعات من كليهما تجاه الآخر. وبعد عددٍ من السنوات، يحدثُ تغّيرٌ ما لبطل قصّتنا، حيث «يشعر رابح أنه مستعد للزواج لأنه نفض عن يده إمكانية أن يفهمه أحد فهما تامًا». تبدو هذه العبارة صادمةً أو مخيبة للآمال، لكنها واقعية، وهذا ما يحاول آلان إثباته لنا عبر هذه القصة التي تشبه حياة كلّ فردٍ منّا، كاسرًا جميع الأوهام الرومنسية التي زُرعت في عقولنا.
ينتهي الكتاب بمشهدٍ يذكّرني بقول الشاعر «اغتنم صفوَ الحياة، إنما العيشُ اختلاس!»، إذ يذهب «رابح» و«كيرستن» في نزهة مع طفليهما، وفي تلك اللحظة يتأملهما «رابح»، ويصل إلى حقيقة أن كل شيءٍ مؤقت، هذه اللحظة مؤقتة، والحبّ الذي يشعر به تجاههما قد يكون مؤقتًا، والخوف والقلق من المستقبل أمرٌ مؤقتٌ أيضًا، وأن عليه اغتنام هذه اللحظة والتصالح مع جميع الخيارات المؤدية إليها، وعدم الانسياق وراء مخاوف الموت وحيدًا، أو العيش بتعاسةٍ مع حبّ لا يقبع إلا في خياله.
انطلقت يوم الخميس الماضي فعاليات معرض جدة للكتاب تحت شعار «مرافئ الثقافة» في مركز «سوبر دوم» بمدينة جدة، بمشاركة أكثر من ألف دار نشر محلية وعربية ودولية، ويستمر المعرض حتى يوم السبت 16 ديسمبر الجاري.
صدرت حديثًا عن دار المدى رواية «الرجل الاعتيادي» للروائي الإيطالي الشهير ألبرتو مورافيا كاتب روايتي «الاحتقار» و«السأم».
صدر حديثًا عن دار «صفحة سبعة» للنشر والتوزيع كتاب «لحظة أخرى أيضًا» لعالم الاجتماع الفرنسي إدقار موران، وهو مجموعة من النصوص الذاتية والاجتماعية والسياسية والأدبية.
صدر حديثًا عن دار «يسطرون» للنشر المجموعة القصصية «الحارة التي كانت» للكاتب والقاص السعودي طاهر الزهراني.
من فيصل الجهني:
سقيفة الصفا، حمزة بوقري
تدور أحداث العمل في مكة المكرمة، بين أزقتها وجبالها وشواهد تقاليدها ومشاهد أيامها. ينتقل الكاتب من الصفحات الأولى في سرد سلس لحياة البطل منذ بواكير وعيه إلى تمام رجولته مرورا بصباه وفتوته. تنفرد الرواية (التي تبدو كالسيرة ولو لم يصرح مؤلفها بذلك) كعمل محليٍ أصيل ينتمي إلى بدايات الرواية السعودية؛ وهذا جعلها جديرة بالترجمة للإنقليزية والروسية والأوزبكية.
أجمل قصة عن اللغة، مجموعة مؤلفين
ثلاثة باحثين من خلفيات علمية مختلفة (باحث في علم الإنسان القديم ولسانية وطبيبة أطفال) يتناولون اللغة من زوايا متعددة، ثقافية وبيولوجية ونفسية، في حوارات منفصلة عن متتالية السؤال اليسير والإجابة المحددة. أُعد هذا الكتاب مفتاحًا شيقًا لمن يود القراءة في اللسانيات.
إنقاذًا للسواء، آلن فرانسيس
إدانة شديدة اللهجة مُفصلة الأدلة واسعة النطاق لما عدّه المؤلف -وهو رئيس فريق عمل الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع للاضطرابات النفسية- فوضى وتضخمًا في تشخيص الأمراض النفسية؛ وهذا ما جعل أي اختلاف بشري أو حزن عابر أو حتى موقف يشكل مرضًا يستوجب العلاج والتدخل الدوائي.
فيم نفكر حين نفكر في كرة القدم؟ سايمون كريتشلي
نختزل الكرة كثيرًا حين نجعلها محصورة في المستطيل الأخضر واثنين وعشرين لاعبًا. في الكرة جمال وقبح، ولها جذور متصلة بالتاريخ والجغرافيا، ولم تسلم من علائق المال والسياسة، وفيها الشعر والفلسفة كذلك.
أستاذ الفلسفة، «الليفربولي» المتعصب، يُبرهن على كل هذا في كتابه اللطيف.
لغير المثقفين، الذين لا يربطون بين القراءة واحتساء القهوة، ولا يصوّرون أعمدة كتب تتجاوز أطوالهم نهاية العام. نشرة تصلك كلّ أربعاء تضم مراجعات للكتب، توصيات، اقتباسات… إلخ.