المعضلة الأخلاقية للأفلام السعودية 🎬
لا أتمنى أن تكون كل الأفلام السعودية عن «الأبطال الأشرار»، لكنني بالتأكيد أرغب في رؤية المزيد منها.
المعضلة الأخلاقية للأفلام السعودية
ناقة، مندوب الليل، الهامور.
قد تظن أن هذه قائمة الأعضاء البارزين بقسم «العيارين» في منتديات الإقلاع، لكن ما لك لوا، هذه ثلاثة أفلام سعودية طال عمرك، وقد تكون الأهم بين أقرانها خلال السنتين الماضيتين.
وبالرغم من افتراق هذه الأفلام الثلاثة في أنواعها وأجوائها وجوداتها فهي تتشارك عنصرًا محوريًا يميزها من أغلب ما سبقها: ترتكز هذه الأفلام على بطل واحد يحرك القصة، ومنه يستقي الفلم اسمه. وهذا البطل سيحرك القصة من خلال تخطي العديد من الحدود الدينية أو الأخلاقية. السرقة والزنى وتعاطي المسكرات، نسخ ربع اللقطات من «ذ وولف أوف وال ستريت»، والقتل. هذه مجموعة من الأفعال «اللا-أخلاقية» التي قد تشاهدها على شاشتك إذا شغّلت أحد هذه الأفلام الثلاثة.
الآن، عزيزي قارئ النشرة السينمائية المحنّك، قد تكون بدأت تتحسس مسدسك. لكن لا تقلق، أنا هنا لا أطالب بأن تكون الأفلام السعودية خالية من أي فعلٍ سيئ، لا أحد يريد مشاهدة أفلامٍ أبطالها كلهم صالحون وتدور أحداثها في مدينة فاضلة حيث لا ظلم ولا خوف ولا غدر ولا أحزان.
بل ربما يكون أحد أسباب سوء أغلب الإنتاجات الدرامية المحلية سابقًا عدم ارتياحها في التعاطي مع الأفعال السيئة؛ فتعرف الشخصيات الشريرة من مظهرها، وتسمع عشرين محاضرة بعد كل فعلٍ سيئ حتى يوضّح لك المخرج أنه لا يدعم هذا الفعل.
ولا أحد كان يعي وجود هذا الجانب السيئ أكثر من المهتمين بالسينما والعاملين فيها، فكانوا يجادلون منذ سنوات بأن عرض فعلٍ سيئ في قصة درامية لا يعني دعم الفعل، وأنه لا وجود لأفلامٍ «تمثلنا» كلنا، وأن من حق صنّاع الأفلام أن يحكوا قصصًا تثير اهتمامهم دون أن تكون هادفة أو دون رسائل.
لكن بعد عرض الأفلام الثلاثة المذكورة في بداية المقالة، أعتقد بأننا نحتاج إلى نقاش أعمق عن علاقة الأفلام بالأخلاق، خصوصًا بعد الهجمة التي تلقاها فِلم «ناقة» عقب عرضه على نتفلكس، وهي هجمة مثيرة للاهتمام إذا احتسبنا أن تجاوزات بطلة الفلم «سارة» تُعدّ ضئيلة مقارنةً بما يفعله بطلا الفلمين الآخرين.
هذا النظر الأعمق الذي أرجو أن تسهم فيه هذه المقالة، لن يكون تكهنًا حيال نيّات صناع هذه الأفلام أو قياسًا لمدى صلاح سرائرهم، فالحكم على «أخلاقية» فلمٍ ما هنا لا يشمل صنّاعه. ذات يوم سنحاكم كلنا على أعمالنا، على الأفلام والمقالات والتغريدات، وستُكشف نيّاتنا وسرائرنا أخيرًا، وسنعرف كلنا الأثر الذي صنعناه، خيره وشره. ما تحاول المقالة فعله حقًّا هو استكشاف العلاقة بين أخلاقيات الفلم وجودته، وكيف تبدو هذه العلاقة في الأفلام السعودية.
الأخلاق دائمًا موجودة
للزميل في النشرة السينمائية حمد القحطاني تغريدة لطيفة في الضحك من الأفلام الوعظية. التغريدة عبارة عن صورتين: صالة سينما مكتوب أسفلها «لعرض الأفلام»، وصندوق بريد مكتوب أسفله «لإرسال الرسائل».
هذا الملل من الوعظ، ومن حمل ثقل «تمثيل المجتمع» على عاتقك، هو شيء يشترك فيه معظم العاملين في النشاطات الإبداعية محليًا. وهم يشتركون أيضًا في الرغبة في صناعة شيءٍ «رهيب» و«ممتع»، شيءٍ يحمل رؤية إبداعيةً بدلًا من الرسائل والقيم. لكن في الجهة الأخرى لا أعتقد بأني أبالغ لو قلت إن أغلب الأفلام تحمل رسائل بطبيعتها، ولولاها لفقدت جزءًا مهمًا من جوهرها.
هذا التصريح، من شدة بداهته، يبدو عصيًا على الإثبات. كنت أفكر باستخدام الأفلام المرشحة لأوسكار أفضل فلمٍ هذه السنة، لكن كلها بدت خياراتٍ سهلة بشكل ممل. هل أختار «باربي»؟ حيث تقال الرسالة نصًا على لسان شخصيات الفلم عدة مرات؟ أم أختار «أوبنهايمر» و«كيلرز أوف ذا فلاور مون»؟ الفلمين اللذين يحكيان قصتين من جرائم الأمريكيين التي لا تنتهي؟ أم «تشريح سقوط»؟ حيث تقف الشخصية الرئيسة حرفيًا حتى يُحكم عليها بالجرم أو البراءة؟
كل هذه الأفلام مُحمّلة بالرسائل. ما هذه الرسائل بالضبط؟ باستثناء «باربي» لا أستطيع الجزم. نعم، قد تكون هذه الرسائل مبهمة ومتناقضة أحيانًا، بل هي كذلك في أفضل الحالات، لكن هذه الضبابية لا تعني خلوّ الفلم من المعاني والأهداف. يعرض العمل الإبداعي مشاهد تتراكم بهدف الوصول إلى نقطة ما، إلى معنىً ما أو عدمه، والمعنى يعني بالضرورة أن هناك شبكةً من القيم الأخلاقية التي يتشاركها الفلم مع جمهوره.
عندما يعرض نولان مشهد الخطاب في «أوبنهايمر» بالطريقة التي عرضها فهو يحكم أخلاقيًا على أوبنهايمر وزملائه. وعندما يرقص أحد أبطال «أمريكان فيكشن» مع والدته قبل أن يتشاجرا فالمخرج يحكم عليهما كليهما. وعندما يدخل «إرنست» ليقابل أقران عمّه فسكورسيزي في لقطةٍ واحدة يحكم على كل من في الغرفة.
واستخدام مصطلح الحكم هنا لا يعني بالضرورة أن الفلم يوحي للجمهور بأن الفعل المعروض سيئ تمامًا أو العكس، فلو فعلت الأفلام هذا لوقعت في فخ الوعظية المذكور آنفًا. لكن الأفلام الجيدة تتأرجح بين التعاطف وقبول «الزلَّة»، والتقدير البسيط والعظيم والأحكام النهائية. عملية القص هي عملية مراقبة مستمرة لميزان المقبول والمرفوض والطبيعي والشاذ والجيد والسيئ.
وبطبيعة الحال اخترت في الأعلى الأمثلة الأكثر حدةً ودراميةً، ولكن جميع الأفلام تحوي هذه التفاصيل الأخلاقية في طياتها، حتى تلك التي تبدو تافهةً وللمتعة فقط.
تستطيع متابعة فلم تخرج فيه فتاة مراهقة مع حبيبها، عمر هذا الحبيب هو نقطة أخلاقية بالضرورة، بضع سنواتٍ من الفرق العمري تستطيع تحويل قصة الحب إلى قصة درامية مأساوية. ما عرق الحبيب؟ ماذا لو كانت «حبيبةً» بدل حبيب؟ ماذا لو حملت فجأةً؟ كل هذه الاحتمالات القصصية تحمل أبعادًا أخلاقية متعددة، وكل اختيار منها يعكس نوع القصة التي يريد القاص حكيها، والميزان الأخلاقي الذي يجب أن يراقبه طوال فلمه.
عندما يتجادل اليمين واليسار الأمريكي اليوم حيال هذا النوع من الأمور يقول اليميني عادةً إن الأفلام أصبحت «سياسية» أكثر من اللازم، ويرد اليساري بأن كل الأفلام سياسية بلا استثناء. والسياسة في هذا السياق تعني الأخلاق، على أساس أن السياسة هي المحدد للبوصلة الأخلاقية عند الأمريكان.
ماذا عنّا نحن، ماذا يحدد بوصلتنا الأخلاقية؟
الأخلاق هي الدين، «ولّا»؟
عندما أُعلنت النبذة الأولى عن فلم «ناقة» قبيل عرضه في أحد المهرجانات استطعت التنبؤ بالهجمة التي سيتلقاها لاحقًا، وكنت فرِحًا بها قبل حدوثها.
لا أعرف أحدًا من صنّاع الفلم ولا أحمل ضغينةً تجاههم، لكن صناعة فلمٍ عن فتاة تخرج في موعدٍ مع صديقها إلى الصحراء، وتعاني للعودة إلى بيتها قبل أن يكتشف والدها الأمر، بدا لي أمرًا مستفزًّا جدًا. الأخبار التي تلت عن محورية الحشيش في القصة لم تساعد على تغيير رأيي عن الموضوع، وآمنت بأني عرفت رسالة الفلم ومغزاه.
ومِن ثَم كانت متابعة الفلم مفاجأة فعلًا.
لم تُقدَّم شخصية سارة بشكل عاطفي أو مثالي. من اللحظات الأولى للفلم تُرسم ملامح شخصيتها بشكلٍ منفّر إلى درجة ما. لا تترد البطلة في إيذاء أخيها الصغير، أو صديقتها المقربة، حتى حبيبها الذي يخاطر بنفسه بخروجه معها. أنت تشاهد فتاةً لا تكتفي بتجاوز الحدود الدينية أو العائلية التي يعارضها الغرب، بل تتجاوز كل الحدود التي توضع أمامها، وتخاطر بنفسها وبمن حولها بشكل متكرر دون اكتراث.
كان الفلم أكثر تعقيدًا مما بدا لي من بعيد، وحتى لو أردت انتقاد تفاصيلَ عدة فيه فإنني كنت سعيدًا بمتابعة فلمٍ سعوديٍ محبوكٍ وغير مباشر للمرة الأولى. إلا أن الهجمة التي تلقّاها الفلم وصنّاعه كانت حتمية ولا مفر منها. مجرد الاقتراب من هذا الموضوع، ناهيك عن ترويج الفلم باستخدامه، كفيل بقلب الرأي العام ضدك.
لهذا عندما جاء موعد عرض فلم «الهامور» بعدها بأسبوعين، وعلى المنصة نفسها، تأهبتُ لردة فعل مشابهة. إذا كان تعاطي «ناقة» مع مسألة الجنس مثيرًا للجدل فـ«الهامور» يستخدم الجنس نكتةً عدة مرات بطريقة مباشرة، إضافة إلى التلميحات التي يتشارك بها مع «ناقة».
ومع ذلك عُرض الفلم، ولم تأتِ الهجمة، حتى مع استخدام نتفلكس صورة بطل الفلم في حوض الاستحمام كغلاف.
بطبيعة الحال أنا لا أدعو هنا إلى تطبيق عدالة الجماهير على الفلمين، فيُهاجم ويُسبّ صنّاع فلم «الهامور» كما هوجم صنّاع «ناقة». إلا أن التفاوت بين ردات الفعل كان مثيرًا للاهتمام في ظل تقارب الحدود المُتجاوزَة. والموضوع يزداد تشابكًا إذا أضفنا «مندوب الليل» إلى المعادلة، حيث يرتكب بطله الجريمة العظمى، بجانب عدد كبير من الجرائم الأخرى، من بين كل ما عُرض في الأفلام الثلاثة، ومع ذلك نال الفلم الاحتفاء الأكبر من بين الأفلام الثلاثة.
لو سألتَ أحدًا ما الأساس الأخلاقي لجمهور الأفلام السعودية، لقال ببداهة: الدين. الإسلام يحكم تفاصيل حياتنا، به نعرف الخير والشر والمقبول والمرفوض، وهو الأساس الذي نستمد منه قيمنا وأخلاقنا.
وأعتقد أن هذه الإجابة صحيحة كليًا لو أن صناعة الأفلام السعودية بدأت في فترة أقدم من بدايتها هذه، في الستينيات أو السبعينيات، قبل أن يصبح الفلم شيئًا مربوطًا بالغرب تمامًا، للجمهور وللصنّاع.
المسافة بين الدين والأخلاق والأفلام
المقالات تشبه الأفلام في أنها تفقد شيئًا من تماسكها إذا كان الكاتب متشككًا يتوقف كل لحظة ليبين للمتلقي نيّاته، لكنني مستعد للتضحية ببعض التماسك لئلا أُفهم بشكلٍ خاطئ.
أنا لا أدَّعي هنا أن الدين ليس مهمًّا لصنّاع الأفلام السعوديين أو لجمهور هذه الأفلام، بل إن وعيي بأن شيئًا من هذا قد يوحَى إلى ذهن القارئ دعاني إلى التبرؤ من التهمة في بداية المقالة. إلا أن الكلام عن البوصلات (البواصل؟) الأخلاقية لا بدّ أن يقود إلى ذكر المسافة بين النموذج العالي للأخلاق (التعاليم الدينية التي ننظر إليها جميعًا بوصفها علَمًا نسمو إليه) وبين المقبول والمرفوض في حياتنا اليومية في أحاديثنا مع زملاء العمل وعلى الإنترنت، وفي إنتاجنا الإبداعي بمختلف أشكاله.
عندما يستخدم فلم «الهامور» شارع المعارض بوصفه نكتة، ويعرض مشهدًا طويلًا لمقدمتي «مساج» فلبينيتين تطالبان بمستحقاتهما، فهو يمشي في أعقاب سيلٍ طويلٍ من النكت المشابهة. لسنوات ظلت فكرة سفر الشباب إلى بعض الدول بحثًا عن الجنس شيئًا مقبول التلميح إليه والاستهزاء به، وهي نكتة يستخدمها الفلم مرتين مع دولتين مختلفتين.
وعندما يبدي «فهد» حماسته تجاه صوت الفتاة التي يحبها وصُوَرها فهو أيضًا يمشي في نموذج شبه مقبول محليًا، فالإعجاب والافتتان المبالغ فيه ليسا بجرائم عندما يصدران من الرجال.
كيف وصلنا إلى هنا؟ لا أعرف، ولا أعتقد أن هناك مقالة تستطيع تفكيك تعقيدات هذه المسافة، خصوصًا مقالة في نشرة سينمائية. لكن هناك مسافة أخرى سينمائية يمكن استكشافها، وهي المسافة بين المنظومة الأخلاقية المحلية والمقبول بصريًا أو سينمائيًا.
حتى بجعل الحدود الجنسية أكثر مرونةً عندما يتجاوزها الرجال، لا تزال هذه الأفلام تعرض مواعيد بين رجالٍ ونساء، وقد كانت نقطة الموعد هذه هي السبب في كل الغضب الذي انصب على «ناقة». هل الفرق بين الفلمين الآمنين وصاحبهما هو أن الرجل في الموعد هو بطل الفلم الذي نرى القصة من خلاله؟
ربما، لكن فرقًا آخر يوجد بين المواعيد في «الهامور» و«مندوب الليل»، وموعد «ناقة»، وهو أن مواعيد الفلمين الأولين تحدث في مطاعم وأماكن عامة، بنمط غربي، بينما يحدث موعد «ناقة» في الصحراء.
«الهامور» و«المندوب» كلاهما ذاهب إلى موعد، أما «سارة» فـ«طالعة» مع واحد.
في الجزئية الأولى من المقالة ذكرتُ أن القيم والأخلاق توجد في كل الأفلام، مبطنةً كانت أو معلنة، وأن المخرج في كل مشهد يوازن بين تصنيفه طبيعيًا أو شاذًا، جيدًا أو سيئًا.
نحن أيضًا نتلقى هذه الرسائل ونستبطنها مع تكرارها علينا، خصوصًا تلك التي تتعارض مع قيمنا الشخصية. نتقبل مشاهد الإغراء بسهولة لأنها مرت علينا آلاف المرات منذ طفولتنا، ونتقبل مشاهد إطلاق النار والعنف بسهولة لأنها مرت علينا آلاف مرات، ونتقبل المشاهد الشركية بسهولة لأنها مرت علينا آلاف المرات. ولو سألنا أحد عن رأينا بمشهدٍ ما لأعلنا رفضنا وتقززنا، لكنها قوة التكرار التي تجعل ما كان يستفزنا في فترة ما أقل حدّة وأكثر أُلفة.
وهكذا، بالرغم من رفضنا التام لفكرة أن يخرج رجل وامرأة غريبان في موعد إلى مطعم فنحن شاهدنا هذا المشهد آلاف المرات قبل هذه اللحظة، حتى لو استنكرنا التفاوت في الأشكال والملابس واللغة بين ما اعتدناه من الغرب وما نراه أمامنا في الشاشة فنحن نعطيه فرصةً أطول، ونتخطاه بشكل أسرع. هذا ما يحدث في مواعيد «الهامور» و«مندوب الليل».
«ناقة» في الجهة الأخرى يصوّر شيئًا لم نره من قبل، شيئًا محليًا خالصًا، ويوغل في تلك المحليّة. عندما تهرب «سارة» إلى موعدها، لا تفعلها من خلال تسلق الشجرة خارج منزلها كما اعتدنا في الأفلام الأمريكية، بل تتعذَّر بمساعدة صديقتها في التسوق لزواجها. وعندما تتخاطب مع والديها حيال الموضوع لا يأتي ذكر الأولاد أو المواعيد، الموضوع خارج الحسبة تمامًا ولا يمكن أن يطرأ على باليهما.
يدرك الجاسر مأساوية الموضوع لـ«سارة» ولعائلتها لو كُشف الأمر، ومِن ثمّ يُعطى كل تفصيل من هذا الموعد الصحراوي أهميةً قصوى. النتيجة تجربة متابعة مثيرة، لكنها غير مريحة أبدًا. كل جانبٍ من جوانب القصة يبدو محفوفًا بالخطر الحقيقي، ولأنك لم تشاهد شيئًا مشابهًا قبل هذا فأنت لا تعرف كيف سينتهي هذا الخطر، وهل يتحقق وعده أو يمكن تفاديه.
نعود إلى «الهامور»، الذي أيضًا يستخدم انكشاف العلاقة المحرمة لبطله نقطةً درامية، عندما تكتشف زوجته صورة امرأة أخرى في هاتفه الجوال.
لا يمكن وصف المشهد سوى بأنه تقليدي ومتوقع تمامًا، ليس لأننا شاهدنا عشرات المشاهد المشابهة لزوجات مصدوماتٍ بخيانات أزواجهن في الدراما العربية والغربية، بل لأننا شاهدنا المشهد نفسه بالضبط في فلم «وولف أوف وول ستريت»، المشهد نفسه، حتى سؤال الزوجة الغريب: «تحبها؟»
هذا السؤال، الذي يوحي بأن العلاقة المحرمة ستُغفر إذا كانت تافهة، يحوّل فعل «حمد» من شيءٍ محرم أو قذر أو ظالم إلى خيانة. يخون «حمد» زوجته لا بمواعدة أو ممارسة الجنس مع امرأة أخرى، بل بكونه يحبها. نموذج غربي لا ينطبق أبدًا علينا، ولكنه مريح وسهل الاستخدام.
وسهولة هذا الاتكاء على النماذج الغربية تتضح حتى مع «ناقة»، الذي يشترك مع «مندوب الليل» في أن كليهما يرغبان في الإشارة إلى الصراع الديني الداخلي الذي يعيشه بطلا الفلمين، وكلاهما يكتفيان بلقطات عامة لمسجد يتوقف عنده البطل في وسط «جريته»، بطريقة تشبه توقف أفلام الأمريكيين عند الكنائس بين مراحل القتل والفساد.
هذا الانتقاد لا يعني أن مخرجي الفلمين أخطآ بمحاولة استعراض الجانب الديني. بالعكس، مِن الأفضل مشاهدة فلمٍ يحاول شق طريقٍ جديد ويتعثر، بدلَ مشاهدة فلمٍ لا يجرّب أصلًا.
والاتكاء على النماذج الجاهزة وإعادة قولبتها شيء لا مفر منه. فمن جديد تبدأ السينما في السعودية فعلًا بعد أن أصبح عمر الوسط الفني هذا أكثر من مئة عام، وبعد أن مضت عقود من متابعة أبناء البلد لأفلام أجنبية هي الأفضل والأشهر.
بل حتى هذه الأفلام الثلاثة بالتحديد -أفلام تخطِّي الحدود- هي جزء من نوعٍ سينمائي ضمن الأكثر تأثيرًا عالميًا؛ أفلام الـ«إنتي هيرو»، التي عانى في ترجمتها مشعل الجاسر مخرج فلم «ناقة» في مقابلته مع بودكاست «يصير خير»، حتى خرج بمصطلح «البطل الشرير». هذه الأفلام، والمسلسلات مؤخرًا، تُعنى بحكاية قصص لأبطال غير تقليديين يتخطون الحواجز الأخلاقية والمجتمعية لتحقيق عدالتهم الخاصة، أو رغباتهم الأنانية، ويعانون من تجاوزاتهم هذه.
بنى المخرج مارتن سكورسيزي مسيرته على هذا النوع من الأفلام، وكذلك صديقه الكاتب والمخرج بول شريدر. كلاهما ليبراليان، وكلاهما مسيحيان، وأفلامهما ضمن الأكثر وصولًا وتأثيرًا، فلا غرابة في كون الأفلام العالمية تلقي بظلالها ومنظوماتها الأخلاقية على صنّاع الأفلام التي يقودها بطل «شرير».
لكن لماذا لا نتفادى كل هذه التعقيدات من الأساس؟
لماذا البطل الشرير؟
في مقابلة الجاسر نفسها التي يعرّف فيها مصطلح «البطل الشرير»، يتحدث عن كون بطلة الفلم «سارة» شخصية لا تمثّل المجتمع، وأن كونها بالتحديد لا تمثل المجتمع هو سبب رغبته في كتابة فلم عن قصتها، إذ لا أحد يريد مشاهدة فلم عن أشخاص جيدين حياتهم وردية ولا توجد فيها تحديات.
إلا أن الإشكالية هنا هي أن هناك مساحة ضخمة بين البطل الشرير والبطل المثالي الممل، وهي المساحة التي يشغلها البطل الكلاسيكي العادي الذي نشاهده في معظم أفلام هوليوود. البطل الكلاسيكي الذي يعاني من نقصٍ ما في شخصيته، وبنهاية الفلم يكون قد تغلب على المصاعب وعوّض هذا النقص، ويعيش الكل بسعادة وهناء.
لماذا يدخل مخرجو الأفلام المساحات الخطرة والبطل الكلاسيكي متاح ومطلوب؟
من جهتي لا أتمنى أن تكون كل الأفلام السعودية عن «الأبطال الأشرار»، لكنني بالتأكيد أرغب في رؤية المزيد منها، رؤية المزيد من نجاحاتها وتعثراتها على حدٍ سواء.
لماذا؟ لا أعتقد أن أحدًا يستطيع الإجابة عن هذا السؤال أفضل من سكورسيزي وشريدر، اللذين ناقشا الموضوع في مقابلةٍ عقب إطلاق عملهما الأشهر «تاكسي درايفر»، الذي يحكي قصة سائق تاكسي يعاني من مشكلات نفسية ومن حياته في نيويورك.
استعرض الاثنان مواقف لهما مع زملاء ونقّاد وأفرادٍ من الجمهور يعترضون على أخلاقية الفلم، وعرضه لحياة شخصٍ عنصري ومتطرف، وعرضه مدينة نيويورك بشكل غير جيّد. يجادل شريدر بأن مشكلة الشخصية كانت في الشخصية نفسها، أنه هو كان من يدفع نفسه إلى الهاوية بتركيزه في أسوأ جوانب المدينة، ومِن ثمّ كان لا بد من حكاية القصة مِن وجهة نظره.
ثم بقرب نهاية المقابلة يتحدث شريدر عن عدم رضى بعض المتابعين بالنهاية: «معظم الأفلام عن المشاكل لأن هذا هو الخيال، وهو ما نحب، نحب الأفلام عن المشاكل لأنها في النهاية تُحل وينتهي الفلم، وبإمكاننا المضي معتقدين أن شيئًا ما قد أُنجز. هذا الفلم ليس كذلك، هو عن معضلة لا مشكلة. والشيء الوحيد الذي تستطيع فعله مع المعضلات هو أن تستعرض وتستكشف، ولا تستطيع حلّها أبدًا.»
وبينما يجد سكورسيزي أن حل المعضلة هو في استعراضها يتحدث عن النص الذي كتبه شريدر: «كنت منجذبًا إلى النص لأنه كان قريبًا جدًا من شيءٍ يمكنني كتابته بنفسي، عن مشاعر معينة… مشاعر غضب مكبوت ومشاعر جنسية مكبوتة ومشاعر على وشك الانفجار. وكنّا قد حاولنا بشكل جاد على مدى عامين أو عامين ونصف أن ننتج هذا الفلم، والتزمنا به بشدة حتى النهاية، لأنني أردت فعلًا أن أقول هذه الأشياء.. ربما نستطيع التطهر منها بعرضها على الشاشة. لقد استخدمت "ترافيس" للتعبير عن الجانب المظلم مني.»
اقتباس النشرة
أخبار سينمائية
الإشاعات تقول إن الممثل آرون جونسون، اللي ظهر في فلم «Bullet train» بيكون جيمس بوند القادم، وفعلًا أداءه كان يمثل الشخصية، لكن بطريقة كوميدية مختلفة. 🤭
فلم سبايك لي الجاي بعنوان «High & Low» بيكون بطولة دينزل واشنطن، وينضم له الممثل جيفري رايت، والمُنتج من شركة A24، على الورق الفلم يحمّس والأسماء عليها القيمة، ولكن ننتظر ونشوف. 🤔
أكد المخرج مايكل مان إن الجزء الثاني من فلم «Heat» يمر بمرحلة ما قبل الإنتاج، بعد 19 سنة تقريبًا مفروض يتغلب على الأول، لكن صعب يكرر أسطوريته، وشكله تبنى موهبة مايكل درايفر.
بعد الكشف عن الملصق الرسمي، أخيرًا يقدر الجمهور الياباني يتابع فلم «Oppenheimer» بعد الموافقة على عرضه، وردة فعل الجمهور بتكون مختلفة عن أي مكان بالعالم لأنهم الجانب الآخر من القصة. 😞
بالرغم من أن الموسم الثالث من «The Bear» ما نزل، إلا أنهم جددوا لموسم رابع! والتصوير بيكون مع الموسم الثالث مرة وحدة، الجماعة واثقين من نجاحهم. 🫡
عودة مسلسل «Black Mirror» بالموسم السابع والمتوقع عرضه عام 2025، ويا ترى وش ناوين يجيبوا مصايب غير نظارات الواقع المعزز. 🤪
توصيات سينمائية
«أفلام المكان الواحد»
هذه الأفلام تعتمد على النص بنسبة كبيرة جدًا، ويرتبط فشل الفلم غالبًا بسوء وضعف النص، وفيه أمثلة كثيرة تذكرنا مثل «12 Angry Men» والفلم الدينماركي «The Guilty» وما ننسى «The Sunset Limited» وفلم اليوم أحداثه كلها تتبع البطل داخل سيارته.
عام 2013 كان موعد إصدار الفلم، وبعد ما شفت شعار شركة «A24» عرفت أن فيه فلم مميز يتحضر، لأن هدفهم على المدى البعيد إنتاج أعمال ممتازة. 👏🏼
تبدأ القصة بمكالمة غامضة تخلي البطل إيفان لوك يتخلّى عن أهم يوم في مسيرته المهنية، وهو مشروع كبير معتمد عليه لبناء عمارة ضخمة لأن وظيفته في مجال البناء ومتخصص بالإسمنت، فتخيل تسمع نقاشات وهوشات الدوام عن هذا الموضوع فقط، وأجرى اتصالات مع زوجته وأولاده ومعارفه كشف فيها سر كان كاتمه وقت طويل، قبل يترك كل شيء عرفه في حياته ويتوجه بسيارته إلى لندن. 🚘
خلال ساعة وعشرين دقيقة بتعيش قلقه وتحاول تلحق معه على كثرة الاتصالات من مديره والموظف البديل اللي بيمسك المشروع عنه، ومكالماته مع زوجته، وبين هذه المكالمات تسمع هواجيسه وأفكاره وتعيش معه لحظات استرجاع ماضيه. 📱
كل هذه المشاهد كانت في سيارة البطل وهو ماسك خط سفر، والتحدي أن يكون النص والأداء شيّق وذكي وحقيقي، وهذا الفلم نجح بالتحدي، لذلك إذا كنت تحب تتابع أفلام المكان الواحد، لازم تشوف هذا الفلم. 🎬
ميم النشرة
دريت ولا ما دريت؟
فيه أفلام تسلط الضوء على الممثلين أو الممثلات، ويقوم الفلم فعلاً على أكتافهم أكثر من النص والإخراج، هذه المقدمة خطرت ببالي لما فكرت في فلم Manchester by the Sea (2016) لأن الممثل كيسي أفليك عرف يجسد الدور، وحصد جائزة الأوسكار عن أفضل ممثل، كذلك فاز الفلم بأفضل نص أصلي، لذلك جاء الوقت نقولك دريت ولا ما دريت.
فكرة الفلم الأساسية كانت من الممثل مات ديمون، وجون كراسينسكي، وعرضوها على المخرج كينيث لونيرقان، اللي أعجبته وقرر يحوّلها لنص بدأ كتابته من سنة 2005. 🤯
وعلى طاري مات ديمون، كان هو الممثل المقترح للبطولة، ولكن لتعارض وقت التصوير، صار من نصيب كيسي أفليك، ولما تخيلت مات ديمون يمثل الدور ما قدرت أقتنع فيه 🤐، وطبعًا جيمي كيميل قرر يطقطق على ديمون في حفل الأوسكار. 🏆
من أقوى جوانب الفلم، أداء الممثلين للحوارات وتبنيهم للشخصيات، والسبب يرجع لممارسة تعرف باسم «Table Reads» جلس فيها طاقم التمثيل يوميًا لمدة أسبوعين على طاولة لقراءة النص وبدؤوا يتقمصون الأدوار إلى أن حانت لحظة التصوير، يعني طبخوا الحوارات على نار هادئة. 🔥
مع إننا تعودنا اعتماد الأفلام على المؤثرات البصرية والشاشات الخضراء، إلا أن التصوير كان في مدينة حقيقية في ماساتشوستس تحمل نفس اسم الفلم، خلوني أقول شواطئها حمستني تكون وجهة إجازة قادمة. 🏖️
تعتبر ميزانية الفلم محدودة، بمبلغ يقارب 9 مليون دولار، بهدف التركيز على سرد القصة بشكل عفوي وصادق، بجهد أقل على العناصر الإنتاجية، ومع ذلك وصلت مبيعاته إلى 78 مليون دولار عالميًا، من قال تحتاج ميزانية مجنونة عشان تنتج فلم حقيقي وناجح؟ 👀
نهاية الفلم كانت غير عن اللي رسى عليها المخرج، وتغيرت لأن تكلفتها عالية مو لأن هذا اللي أدّت إليه القصة بعد بداية التصوير، ولهنا بنوقف عشان نتجنب الحرق. 🤫
مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.