دوق بريطاني vs ساموراي ياباني
«شوقون» واستعادة ملاحم الساموراي
علي حمدون
بعد نهاية الحلقة الأولى من مسلسل «شوقون» (Shōgun) الذي يتحدث ببساطة عن خمسة أمراء حرب تنقسم بينهم الزعامة وتعهد إليهم مهمة سيادة اليابان حتى يبلغ ولي العهد سن الرشد، يقتبس القبطان الإسباني رودريقيز التابع للبعثة الكاثوليكية قولًا سائدًا بغرض شرح التعقيد الحاصل بين رجال السلطة وما يخفونه وما يبدونه من رغبات وضغائن. والقول للقبطان الإنقليزي الدخيل «جون بلاكثورن»:
لكل رجل ثلاثة قلوب، قلب على لسانه يكشفه للناس، وآخر في صدره لأصدقائه وحدهم، وقلب سرِّي مدفون في أغوار نفسه حيث لن يجده أحد.
تنتهي العبارة على صورة أحد الأوصياء، وهو بطل المسلسل اللورد «يوشي توراناقا» (هيرويوكي سانادا) في أثناء تخطيطه لدسائسه. «يوشي» رجل حذق ينحدر من سلالة «مينوارا» التي ساد حكمها قديمًا، وكانوا في هيبتهم أقرب إلى مقولة «ظل الله في الأرض»؛ مما يجعل بقية الأعضاء يشعرون بالتهديد المستمر من وجوده وتمدده لاعتقادهم بأن جذور شجرة أسلافه ما زالت تغذّيه سرًا. وهذا ما جعله يمارس تقيته لدرء شر ثالبيه، من خلال استغلال نفوذه المجتزأ ليستعيد أمجاد أجداده بفطنته.
وهذا يظهر من أولى المشاهد التي يتقبل فيها الإهانات المستنقصة من أصوله، ويتفادى فيها السجال السياسي، ويتحاشى المواجهة العنيفة برزانة دبلوماسية في أثناء التضييق عليه من بقية أعضاء مجلس الأوصياء الذي أسسه الحاكم «تايكو» بعد أن مات تاركًا في أثره طفلًا أصغر من تسلُّم الحُكم. وكأن «يوشي» ينتظر اللحظة المناسبة. فكما يقول أمين معلوف في كتاب «الهويات القاتلة»:
ينزع المرء إلى التماهي مع أكثر انتماءاته تعرّضًا للتجريح، وحين لا يقوى على الدفاع عن نفسه أحيانًا، يخفي هذا الانتماء الذي يبقى متواريًا في أعماقه، قابعًا في الظل، منتظرًا ساعة الانتقام.
تتجلى بؤرة التوتر بعد أن تشرّب الأعضاء المعادين لـ«يوشي» ثمالة الهيمنة، ليتفاقم مشهد رغبة التفرد بالسلطة في البداية من خلال التوسع الإقطاعي، وصولًا إلى الاستعانة بالقوى الخارجية المدعومة دينيًا واقتصاديًا، لتعزيز مكانتهم في بقية الحلقات.
ينقل إلينا مسلسل «شوقون» المقتبس من رواية جيمس كلافيل صورة اليابان الإقطاعية من القرن السادس عشر، المختطفة مِن قِبَل البرتغاليين الذين كانوا يسمونها «إمبراطورية البرتغال السرية في الشرق».
ويداهم «شوقون» في فكرته الذاكرة العرضية في تكراره للملاحم المعنية باستعادة الأمجاد. وكأني نضجتُ لأستمتع بمشاهدة نسخة حية محسّنة من المسلسل الكرتوني «صقور الأرض» الصادر عام 1992، وأخلق كعادتي مقارنة بين شخصية عبدالرحمن «ليو باي» الذي كان يحاول توحيد الإمبراطورية المنقسمة وشخصية «توراناقا»، الذي لا يكف عن مجابهة خصمه «تسو تسو» الذي تشكل في هذا العمل بشخصية «أوشيدو» المتسيد مجلس الأوصياء والعنصر الأكثر فاعلية فيه. فالأحداث تتشابه نوعًا ما، لا سيما حيال صراع السلطة.
كما أن الديانة الكاثوليكية تحضر في هذا العمل بصورتها التبشيرية ذات الأطماع التوسعية في اليابان، إذ تنتزع عنصرًا أساسيًا من الإرث العمودي المعني بضم الأسلاف والتقاليد والدين، لتحل مكان الأخير وتقحم نفسها ضمن نسيج الهوية. ومن هنا تتشابك الهوية المؤلفة من عدة عناصر متضادة في دواخل الخماسي الأوصياء على ولي العهد القاصر، وتسبب التصدعات الإثنية والدينية.
ولعل ما أدهشني في هذا العمل، بعد الانتهاء من مشاهدة الحلقة الثالثة، مرونة المخطط البنائي والدرامي في الحلقات التمهيدية التي عرفنا منها بسلاسة شخصيات أساسية وثانوية عديدة ذات تطلعات مختلفة وأهداف متضادة، بعضها مدفوعة بأطماعها وبعضها مشحونة دينيًا. منها توظيف خط القبطان «جون بلاكثورن» برفقة طاقمه المكون من اثني عشر شقيًا بروتستانتيًا، والذي يتقاطع مع الأحداث الراهنة بصورة ذكية تزيد من تعقيد الأوضاع السياسية ويفضح مخططات الكاثوليكيين. وبالطبع أدهشتني المشاهد القتالية والأزياء والتصوير والموسيقا الصوتية.
أما ما أزعجني قليلًا فهو محاولة إضفاء لمسة الذكاء في الأحداث من خلال توظيف الحيل الطروادية المبتذلة، وتمرير الحِكَم اليابانية من مشهد إلى آخر، ولعلها مزية في الوقت نفسه لمحبي الاقتباسات. ولكن العمل بشكلٍ عام يزرع فيك لذة الترقب للحلقة القادمة. 📺😮
اقتباس النشرة
أخبار سينمائية
فلم «Oppenheimer» مستمر بحصد الجوائز، حصل على 7 جوائز أوسكار، بعده «Poor Things» بأربعة جوائز، والأهم فوز فلم «The Boy and the Heron» بجائزة أفضل فلم أنميشين. 🏆
يشتغل المخرج آري أستر حاليًا مع استديو «A24» على فلمه الجديد «Eddington» واللي يضم قائمة من الممثلين الكبار أهمهم خواكين فينيكس وإيما ستون وأوستن بتلر وبيدرو باسكال، ونتمنى ما يعتمد على أسماء الممثلين ويخرج لنا فلم عادي. 👀
بعد سلسلة نجاحات وجوائز المخرج نولان، طلعت تسريبات عن فلمه الجاي، وأنه ممكن يكون مبني على مسلسل «The Prisoner» اللي عُرض عام 1967، وشكله قال هذه وصفة الفوز، وبيعتمد على الاقتباسات. 🫢
أُعلن عن تاريخ إطلاق الفلم القادم للمخرج بول توماس أندرسون واللي بيكون 5 أغسطس 2025، ويضم طاقم تمثيلي ضخم على رأسه ليوناردو ديكابريو وريجينا هول، نتمنى دور ليو له فائدة هالمرة. 🤣
مسلسل «Shogun» مسبب ضجة تعكسها الأرقام، تعدت مشاهدات الحلقة الأولى الموسم الثاني من «The Bear» ولو نتعمق أكثر بالأرقام بنلاحظ بث الحلقة تعدى عدة مسلسلات مثل «Fargo»، وهنا تشوف إن نجاح العمل مضمون إذا ركز على أصوله. 😉
على سيرة الأرقام، زاك سنايدر يقول إن مشاهدات فلمه «Rebel Moon» تجاوزت أرقام «Barbie» لأن مشاهدات نتفلكس وصلت إلى 90 مليون وكمل أن هذه ميزة المنصات الرقمية، أخيرًا جاء اليوم اللي يمدح فيه مخرج المنصات الرقمية. 🥳
صرح كاتب السيناريو سيمون ستيفنسون قبل الأوسكار بعدة أيام، أن نص فلم «The Holdover» يعتبر سرقة من أحد نصوصه القديمة بعنوان «FRISCO». 😓
قاي ريتشي يقدم لنا سادة مجانين في «ذا جنتلمِن»
رياض القدهي
ما أقدر أخفي حُبِّي للمخرج والكاتب قاي ريتشي، وكيف إنَّ أفلامه مثل «سناتش» (Snatch) و«ذ مان فروم يو. إن. سي. إل. إي.» (The Man from U.N.C.L.E) تعطيك جرعة أدرينالين رهيبة بمجرد مشاهدتها. وقتها صدر خبر عن امتداد فلم «ذ جنتلمِن» إلى مسلسل من كتابة وإخراج قاي ريتشي، ولا ألومك إذا قلقت لأن مرَّات جودة الفلم تكون عالية لكن تنخفض لمّا تتحول لمسلسل، وحقيقةً مسلسل «ذ جنتلمِن» (The Gentlemen) يثبت عكس هذا.
القصة بشكل مبسّط تحكي عن بطل اسمه «إيدي» (لسبب ما يذكرني بشخصية روي كنت من مسلسل «تيد لاسو»). ما علينا، بطلنا يشتغل بالجيش، وعند بوابة تفتيش «تقدر تعرف أنه طيب لأن كان يمشي ولا هو مستقعد مرة» يجيه محامي ويخبره بأن والده على مشارف الموت فلازم يجي عشان يشوفون وضع الورث. معلومة: «إيدي» ليس الابن الأكبر بل عنده أخ أكبر «فريدي»، وعند قراءة وصية الممتلكات نعرف إنَّ الأب ورَّثها لإيدي.
من هنا يبدأ مزيج الكوميديا المجنون. الأخ الأكبر ينجن ويعصب وكأنه ينتظر الفلوس، ومعه نكتشف الخيط الأول للمشاكل اللي جاية بالطريق، ويكتشف «إيدي» أنه ورث مزرعة حشيش كبيرة فيها شبكة أعمال مربحة.
بعد أربع حلقات أنا سعيد جدًا بخلطة الكوكتيل اللي شاهدتها. فالمسلسل يقدم لك سلسلة من تفاعل الشخصيات: «إيدي» هادي جدًا ولا عنده أي حلول للمشاكل في مجال العصابات، لذلك يعتمد على بعض الحلول اللي تجيبها «سوزي» بحكم تخصصها بإدارة أمور مزرعة الحشيش وعلاقتها الواسعة مع العصابات، لكن بالمقابل «فريدي» شخصية مزعجة ويخاف ومغرور وأحيانًا يكون هو سبب كل المشاكل. ولا أنسى الخادم اللي خدم العائلة عـشرين سنة، وعنده شخصية غريبة «مفهية دائمًا» اتضحت عليه بسبب البقاء طويلًا في مزرعة حشيش.
عندما تشاهد المسلسل تلاحظ الأحداث مترابطة ترابط عجيب، والأحلى في الموضوع التناغم اللي صاير بين الشخصيات واللي يجعلني مبتسم طيلة الوقت بحكم رؤية أداءات تمثيلية ممتازة ومكتوبة بطريقة رائعة، بالأخص «إيدي» و«سوزي».
يستخدم ريتشي في الإخراج أسلوب البطء في المشاهد اللي تشد الأعصاب، مثلاً «شخص يُقتَل» وبدلًا من قتله بسرعة تُستخدم زوايا مختلفة من الكاميرا مع لحن كلاسيكي ينكِّه اللحظات بالكوميديا السوداء، ويستمر هذا الرتم معك طيلة الحلقات.
أول حلقتين من إخراج وكتابة قاي ريتشي، والبقية كانت من أشخاص آخرين. هذا النمط معمول به في كثير من المسلسلات: مخرج كبير يخرج «البايلوت» وكأنه فلم مصغر يرسم به خريطة المسلسل وهويته، حتى يكون من يتسلم الشعلة بعده فاهم وعارف هوية المسلسل. لهذا السبب لم يتغير شيء بين الحلقتين الأوليين والحلقة الثالثة والرابعة، وحافظ المسلسل على روح الفلم الذي أخرجه ريتشي.
الاختلاف الكبير بين الفلم والمسلسل كان في طاقم التمثيل. في الفلم شاهدنا تشارلي هونام وماثيو ماكونهي وكولين فاريل، أسماء كبيرة أعطت عامل قوة إضافي للشخصيات، أما المسلسل فمعظم الممثلين فيه غير معروفين، لكن هذا الاختلاف لا يقلل أبدًا من متعة العمل. 📺🤩
توصيات سينمائية
الأصالة في الوثائقيات هو أن تكون حقيقية، بأن يُنقل ما يحدث كما هو قبل أن تأتي الكاميرا لتصويره.
في أحد الأيام قاد الفضول جون إلبرت وهو صحفي أمريكي إلى «كوبا» وقرر أن يصور ما يشهده ويعيشه خلال رحلته التي استمرت 45 عامًا من بداية السبعينيات، وأعتبر هذا الوثائقي شاهد على الأصالة التي نشير إليها في الأفلام الوثائقية.
تصور هذه الرحلة عمق ثقافة وتاريخ «كوبا» وتأثير الثورة عليها، وماذا فعل الحصار الاقتصادي بشعبها وكيف غيّر حياتهم، وتعيش من خلال العدسة برفقة أطفال يكبرون أمامك لتسمع أحلامهم ويتقدم بك الزمن معهم لتعرف هل حققوها أم لا.
ولا ينسى جون أن يعطي القائد «فيدل كاسترو» حقه من التوثيق، لتتعرف عليه بشكل مختلف تمامًا عما تحكيه الصحافة الغربية، يتميز العمل بأنه حاول طيلة هذه العقود الالتزام بالحياد بعيدًا عن النظرة المسبقة والسائدة عن الدولة، وهذا ما يجعله عملًا أصيلًا، وأعتقد أنه سيبقى خالدًا ضمن الوثائقيات المؤثرة.
ميم النشرة
دريت ولا ما دريت؟
هذه المرة نخفف شوي من أفلام الأكشن والدراما والمغامرات، ونتوجه للأعمال اللي توثّق أحداث معينة ، بناءً على توصية وحماس رئيس التحرير نايف اخترنا وثائقي «Cuba and the Cameraman 2017»، والحين بنقول لك دريت ولا ما دريت:
مخرج الوثائقي جون ألبرت عنده بنته اسمها تامي ألبرت وعلى صغر عمرها، إلا أنها شهدت أحداث كثيرة، وقابلت فيدل كاسترو أكثر من مرة، بالإضافة لكوبا حضرت تصوير المجاهدين بعد أحداث 11 سبتمبر، وتدمير أحد مصانع المخدرات في بوليفيا. 🎥
صحيح الفلم ما يتجاوز ساعتين، لكنه وثق فترة طويلة جدًا، بدأ تصويره من 1972 بعد زيارة كوبا، واستمر 45 سنة على فترات متقطعة. 🤯
هالمرة نتفلكس ما خربت العمل مثل ما شفنا قبل، بالعكس ساعدت المخرج على استرجاع مواد التصوير والحفاظ عليها، لأن بعضها بدأ يصير غير قابل للاستخدام مع الوقت. 🎞️
وعلى طاري مواد التصوير، المخرج استخدم أكثر من 15 نوع كاميرا وبرامج تحرير كثيرة، وصل حجم المواد لأكثر من 1000 ساعة، وهذا يوضح صعوبة التوثيق على مدار سنين. 😨
مخرج الوثائقي كان ناشط في نيويورك، وبعد فشله في تحقيق أهدافه مثل التعليم والرعاية الصحية المجانية، سمع أنها كلها تُطبق في كوبا، ومن هنا جت فكرة الفلم لأنه قرر يزورها ويشوف بنفسه. ✈️
مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.