فلم «Dune 2»: إبهار بصري مع قصة أقل إبهارًا

لا أظن أن «دون 2» فرصة مهدرة، بل هو تأكيد لصعوبة نقل أحداث الرواية إلى الشاشة.

فلم «Dune 2» / تصميم: أحمد عيد
فلم «Dune 2» / تصميم: أحمد عيد

فلم «Dune 2»: إبهار بصري مع قصة أقل إبهارًا

محمود مهدي

تصعب جدًا مراجعة الجزء الثاني من أي سلسلة، فقد تخطينا مرحلة التقديم وتعرفنا إلى كثير من الشخصيات؛ لذلك أصبح تحديد ما يجب توقعه من فصل الفلم الأول أمرًا مربكًا. هل تكفي الإشارة إلى ما مر من زمن على النقطة التي ودّعنا فيها الأحداث من الجزء الأول لتبين حالة أبطالنا ثم تستمر الرحلة؟ وبالطريقة نفسها التي يلقي بها الجزء الأول ظلاله على الفصل الافتتاحي في الجزء الثاني، يشكّل ما نتوقعه من أجزاء تالية تهديدًا كبيرًا على تقييمنا لتماسك الحبكة والسرد في الفصول الأخرى. هل كل ما نراه اليوم من فجوات صالح للانتقاد ولو جاءت الأجزاء التالية بإجابات شافية؟ 

في حالة سلسلة أفلام «دون» (Dune) تحت قيادة المخرج دينيس فيلنوف تزداد الأمور صعوبة. فالعمل الملحمي مبني على سلسلة روايات للكاتب فرانك هربرت، وهي روايات قديمة ورفيعة الشأن ولها قاعدة واسعة من القراء الذين يقابلون تساؤلاتنا بابتسامة الأب الحكيم المشفق على ضيق أفق ولده ويكاد يقول له: «بكرة لما تكبر هاتعرف»! كذلك تزيد من صعوبة المراجعة طريقة المعالجة الدرامية التي انتهجها فيلنوف حينما أنهى جُزْأه الأول الذي عُرض عام 2021 كما لو كان حلقة من مسلسل لن يحتاج مشاهدوه أن ينتظروا إلا أسبوعًا أو أقل لالتقاط أطراف الأحداث في الحلقة التالية. 

ولكن الانتظار طال ثلاث سنوات، وعدنا مع الجزء الثاني لنجد بطلنا «بول أتريدس» وقد ابتعد أمتارًا قليلة عن النقطة التي تركناه عليها. 

كنا قد تركنا «بول» في صحراء كوكب «أراكيس» بعد أن نال احترام مجموعة من محاربي «الـفريمن»، والآن يستعد لدخول معسكرهم على أمل تقبلهم له ولوالدته هربًا من مطاردات «الهاركونين»، وهو الأمر الذي تتضح صعوبته بسبب انقسام «الفريمن» أنفسهم بين مصدّق لنبوءة المخلّص وربطها بـ«بول» نفسه وبين رافض تمامًا للتهديد الذي سيجلبه عليهم. 

نتتبع خطوات بطلنا وهو يرتقي السلّم الاجتماعي والحربي وسط عائلته الجديدة، وبالتوازي نراقب والدته وهي تعتلي القيادة الروحية في مجتمعها الجديد. روح المقاومة الشرسة التي نمت بين «الفريمن» بقدوم «بول» تنجح في إيذاء مخططات «الهاركونين» بشكل مؤلم يدفع البارون «فلاديمير» إلى تغييرات كبرى في القيادة، بالاستعاضة عن القائد المترنح «رابان» بشقيقه الطموح والدموي «فيد روثا» الذي يدفع الصراع سريعًا في طريق المواجهة المحتومة.

صراع بطلنا في مواجهة تساؤلات المحيطين به حول كونه المخلّص المنتظَر وإجابة النبوءة التاريخية من جانب وهدفه الشخصي بالانتقام لوالده وإعادة مجد عائلته من جانب آخر هما ما يشكل أبعاد النصف الأول من أحداث الفلم، وهو النصف الأفضل في رأيي الشخصي. ففيه وقفنا على تأملات حادة صاحبت أبعادًا ثرية؛ فالبطل الشاب لا يقبل أن يحتل مكانته بقوة الدفع العقائدي متكئًا على قدرات والدته في حشد الدعم حوله، بل يهدف إلى انتزاع الاحترام واستحقاقه بتصدّره صفوف القتال. تركيبته الفريدة تنجح في استمالة المقاتلة الشابة «تشاني» وتربطهما علاقة حب وتعلّق. كل هذا جرى تقديمه في تسلسلات ساحرة سواء الهادئ منها أو الحركي أو الشاعري، في غلاف بصريّ سمعيّ لا يقل سحرًا.

الإبداع البصري من بصمات مخرجنا دينيس فيلنوف الممتدة عبر كل أفلامه التي توَّجَها بتصوراته البديعة لكل مفردات عالم «دون» في الجزء الأول، وهو التقليد الذي يستمر في الجزء الثاني مع قَدْر يُحترَم من التطوير والإبهار الظاهر من اللحظات الأولى، ومع أول مواجهة حركية كانت شديدة الجاذبية على مستوى الألوان والتكوين في كل مراحلها، كما كانت خاطفة للأنفاس على صعيد الدمج بين المؤثرات الرقمية والعملية في عكس التقنية القتالية المستقبلية التخيلية. 

ومما زاد من إعجابي بذلك التسلسل اللحظة التي برزت فيها موسيقا هانز زيمر كأننا في الفصل الأول من مسرحية ومخرجنا يختار بعناية لحظات تقديم أبطاله. التميز البصري وخصوصًا في المؤثرات بالمقارنة مع الإنتاجات الهوليودية الضخمة مؤخرًا يؤكد أن فيلنوف يملك اشتراكًا رسميًا في بعض التطبيقات التي يكتفي الآخرون بنُسَخ غير شرعية منها. 

لم تتراجع التجربة الحسية لاستقبال الأحداث طوال زمن الفلم، خصوصًا مع تنوّعها بين الميادين المختلفة للأحداث ومع مواكبتها المتقنة للتغيرات المنطقية على مستوى التفاصيل. مراقبة حالة الخوذات والأسلحة مع تقدم الأحداث على سبيل المثال شيء مثير للانبهار، وهو طبقة إضافية للإجادة فوق طبقات التصميم للملابس بأشكالها المختلفة العاكسة لطيف واسع من الثقافات التخيلية المتأثرة بمرجعيات حقيقية بطبيعة الحال، وكذا الإسهاب في تفاصيل المكياج بإخلاص كبير لرؤية المخرج ولتصورات الرواية الأصلية، بدليل الرضا التام من مجتمع القراء.

ما تراجع بشكل واضح مع تقدم الأحداث هو الوقت المخصص للتعقيدات الدرامية المتأخرة. لو حاولنا تلخيص مراحل الفلم في أربع أو خمس مراحل، فما خُصِّص من وقت وعدد مَشاهد لتقديم المرحلة الأولى يكاد يكون 50% من زمن وعدد مشاهد الفلم، مقابل 50% أخرى لكل ما تبقى؛ وهذا ما نتجت عنه فجوات في تصميم بعض الشخصيات التي جاء تقديمها متأخرًا، مثل شخصية «فيد روثا» القائد الجديد لحملات «الـهاركونين»، وتفاصيل علاقات بعض الشخصيات بعضها ببعض، مثل علاقة الشخصية المذكور آنفًا بأخيه القائد المخلوع «رابان». 

ففي المشهد الأهم الذي جمعهما معًا يُشار إلى شيء غير مشروح، أتوقع أنه جرى تصويره ولم يسعده الحظ بالوصول إلى الشاشة. والاندفاع في استبعاد كثير مما تم تصويره معلومة مؤكدة عن الفلم؛ حيث ظهرت أخبار عن استبعاد شخصيتين بالكامل منه. التبرير الذي أملكه لهذا هو إمكانية ظهور دراسة تؤكد أن ارتفاع عدد مَشاهد الممثلة زندايا في أي فلم يرفع تقييمه وإيراداته!

ما لم يساعد في فجوات التسلسلات المتسرعة في النصف الثاني من الفلم أن الكثير منها كان حربيًا وحركيًا، ولكنه لم يكن معبّرًا؛ بسبب قيود التقييم الرقابي التي فرضها الفلم على نفسه. فصفات القسوة والتعطش للدماء التي نسبت إلى شخصية «فيد روثا» في الأغلب كلمات منطوقة لا تدعمها وداعة طبيعة المَشاهد المناسبة لمن هم في سن الثالثة عشرة. ما تم تقديمه لدعم الصورة الشريرة المطلوب رسمها هو ما تعتمد عليه أفلام الدرجة الثانية والثالثة في العالم كله: الشرير الذي يمارس القتل كهواية أمام كل من يقابله حتى وإن كانوا أبناء معسكره. أشعر أن أفلام الأبطال الخارقين نفسها تحررت من هذه الصورة وارتقت إلى التدليل على الشر بأساليب أفضل وأعقد. أشعر بأني أسهم في الظلم الواقع على الشخصية بتطبيق كل الأمثلة عليها، ولكنها صاحبة الأثر الأوضح في السلبيات التي أزعجتني في تجربة المشاهدة، ولا أحسب الأداء التمثيلي أبدًا بين تلك السلبيات، ولا الإيجابيات الصراحة!

من سلبيات الفلم كذلك، خصوصًا في شطره الثاني، تراجع التواصل العاطفي بين المُشاهِد، «ولا بلاش المُشاهِد» بيني أنا وبين كل الشخصيات! فلم ترتق أي شخصية إلى مكانة «ليتو أتريدس» بتجسيد أوسكار إيزاك. لا أميل إلى إلقاء اللوم على الممثلين، فحقًا يمكن تأمّل اجتهادهم وقدراتهم في مشاهدهم جميعًا، ولكني أتوق إلى سد فجوات كل شخصية بمشاهدة ما تم استبعاده مِن مَشاهد. حتى الأداء الأفضل في الفلم لصاحبه خافيير باردم بدت فيه شخصيته في فترات كثيرة كعنصر تخفيف كوميدي؛ بسبب إصراره على ترديد الجملة نفسها تقريبًا طوال أحداث الفلم. لا أميل كذلك إلى الصبر إلى حين مجيء الجزء الثالث على أمل المكافآت التي تنتظرنا؛ فالنهايات الباردة والمتسرعة التي قابلَتها الشخصيات التي ودّعتنا لا تعِد بأي مكافآت مستقبلية. 

لا أظن أن «دون 2» فرصة مهدرة، بل هو تأكيد لصعوبة نقل أحداث الرواية إلى الشاشة واستحالة إيجاد التوازن المطلوب لتقديم بناء درامي سليم ومتماسك. لا أخفي أن إحباطي من نصف الفلم الثاني يتجاوز إعجابي الشديد بالنصف الأول منه وبالإبداع البصري والسمعي للفلم كله، ولكن هذا لن ينعكس بشكل واضح على تقييمي للفلم:

7.5 من 10. 🍿😕


اقتباس النشرة

فلم «The Last Samurai»
فلم «The Last Samurai»

أخبار سينمائية

  • الجزء الثاني من فلم «Dune» يتصدر شباك التذاكر، وخلال أسبوع فقط وصلت مبيعاته إلى 50 ألف تذكرة، وهذا دليل على تعطش الجمهور للأفلام المتقنة بعد انقطاع طويل. 🥳

  • صرّح مخرج «La La Land» بأنه يعمل على نص فلمه القادم، وحسب كلامه مارح يتوهم ويطلب ميزانية ضخمة مثل «Babylon»، وشكله اعتراف غير مباشر بفشل الفلم في شباك التذاكر. 🫣

  • بعضنا للحين ما شاف الجزء الثاني لفلم «Dune» لكن هانز زايمر ما عنده لعب، بدأ يشتغل على موسيقا الجزء الثالث للفلم حامي بحامي، مو غريب الحماس بما إن الرواية أثرت عليه من طفولته. 🎼

  • بعد طول انتظار، حانت لحظة إطلاق العرض الأول للموسم الثالث من أنمي «One Punch Man» ويقولون من طوّل الغيبات جاب الغنايم. 🕰️

  • الموسم الثاني من «House of the dragon» ينتظر محبيه وبيعرض في شهر يونيو هذه السنة، والآن صبروا أنفسكم بالتريلر. 📆


توصيات سينمائية

المتاهات ترمز للضياع، وفي لغة السينما اشتهر فيها «The Shinning» بس هذا فلم ينفع لثيمة العدد الماضي، توصيتنا اليوم تاخذك لعالم سوداوي تتوه في التواءات شخصياته المعقدة بين الهدوء القاتل، والغضب المتفجّر، والجنون التام 😰

حكاية الفلم بسيطة جدًا، في إحدى الليالي تخرج الطفلة «آنا» وصديقتها للعب، وبعد تأخرهم تكتشف العائلتين تعرضهم للاختطاف، يبدأ المحقق المسؤول واللي مثّل دوره جيك جلينهال بمحاولة حل القضية، ومع تقدم الأحداث نشهد غضب والد «آنا» واللي أدّى دوره هيو جاكمان ونجح في تمثيل مشاعر الأب الغاضب والمستعد لفعل أي شيء لاستعادة طفلته، تذكّرنا لحظات غضبه بشخصيته «لوقان» من سلسلة «X Men». 🐺

تزداد تعقيدات القضية باكتشاف رسومات متاهة غريبة، واستمرار ظهور شخصيات بصفات غير اعتيادية كأنها مجنونة فعليًا! 

يعكس تصوير الفلم الأجواء الكئيبة اللي تسيطر على العائلتين وكأن المدينة تغطت بالسواد، يكفي نقول لك أن روجر ديكنز ترشح لأوسكار أفضل تصوير سينمائي عن الفلم، بينما يخليك السيناريو تركض في دوائر وخطوط مثل المتاهة عشان تعرف الخاطف.🌀

خلاص شفت الفلم؟ هذا فيديو يعطيك نظرة أعمق عن رمزية المتاهة والشخصيات، ورؤيتها من جانب الديانات.


ميم النشرة


دريت ولا ما دريت؟

اليوم بنرجع فيكم بالزمن لعام 1984 لما أُنتجت أول نسخة من فلم «Dune» وقبل تسوي سكب، كلنا عارفين سوء هذه النسخة من كل النواحي، لكن نشوف إنه جاء الوقت نقول لك دريت ولا ما دريت؟ 

  • يعتبر المخرج ديفيد لينش هذا الفلم فشله الوحيد في مسيرته، حتى أنه يرفض الحديث عنه وإعادة عيش التجربة السيئة، وما ندري وش صار في عملية الإنتاج، لكن نعرف إن المنتج دينو دي لورانتس هو السبب لأنه قيّد المخرج في عدة مشاهد، «نحتاج نسمع القصة من الطرف الثاني عشان نصدق». 👀

  • الخيار الأول للإخراج كان ريدلي سكوت، واللي رشّحه المنتج، لكن بعد 7 أشهر من العمل قرر الانسحاب للعمل على فلم «Blade Runner» وصرّح أن السبب الرئيس لمغادرته وفاة أخوه، والبطء الشديد في عملية الإنتاج. 🐌

  • كالعادة ما تخلى فقرتنا من الرفض، والمفاجأة أن ديفيد لينش رفض العمل على «Return of The Jedi 1983» وبعد نقاش مع جورج لوكاس قال له ديفيد: هذا العمل لك وليس لي. بعدها بدأت كارثة السيناريوهات لديفيد واضطر يكتب 5 نسخ بنفسه لفلم «Dune». 😓

  • مدة النسخة الأساسية للفلم 4 ساعات، قرر المخرج خفضها إلى 3 ساعات، ثم تدخلت شركة الإنتاج «Universal» وحاولت تخليه ساعتين وهالشيء أدّى لتعديلات كثيرة كإزالة مقاطع، وإضافة سرد صوتي وإعادة تصوير مشاهد. 🤦🏻‍♂️

  • المخرج أليخاندرو يودوروفسكي كان يخطط نسخته الخاصة من الفلم بمدة تصل إلى 14 ساعة، وقرر يكون سلفادور دالي بدور الإمبراطور، بينما تمسك فرقة بينك فلويد موسيقى الفلم! لكن طول مدة الفلم تعني أزمة مالية أكيدة، لذلك أُلغي المشروع كاملًا، «مشكلة الطموح المبالغ فيه أحيانًا» 🤷🏻‍♂️


يُعرض الآن

على OSN+ المسلسل الدرامي «The Regime» بطولة كيت وينسليت، ويتناول المستشارة لإحدى الدول الأوربية إيلينا فيرنهام المصابة بجنون العظمة والاضطراب بعد بقائها في القصر لمدة، تتوطد علاقتها بالجندي هربرت زوباك لينقسم القصر ثم الدولة بعد زيادة نفوذه عليها.

OSN / IMDB

على نتفلكس مسلسل الأكشن «The Gentlemen» بطولة ثيو جيمس وكايا سكوديلاريو، ويحكي عن «إيدي» المواطن الصالح الذي يرث عقارًا عائليًا ليكتشف أنه مرتع لإمبراطورية مخدرات، فهل سيتمكن من التعامل مع العصابة الإجرامية الخطرة؟

NETFLIX / IMDB

على نتفلكس فلم الدراما «The Favourite» بطولة أوليفيا كولمان وإيما ستون، تأخذنا القصة إلى القرن 18 لنعيش برفقة ملكة إنقلترا أيامها المضطربة وتدهور صحتها وسُلطتها، مما يدعو «الليدي سارا» لتسلم القيادة، ثم تختل الأوضاع بوصول شخصية جديدة جشعة تُدعى «آبيقيل».

NETFLIX / IMDB

على ديزني بلس الفلم الدرامي «The Menu» بطولة رالف فاينس وأنيا تايلور، ويتناول تجربة مطعم فاخرة وفريدة في إحدى الليالي الهادئة، ويقودنا تسلسل الأحداث لتداعيات صادمة خارج سيطرة روّاد المطعم في طابع إجرامي غير متوقع.

DISNEY+ / IMDB

النشرة السينمائية
النشرة السينمائية
منثمانيةثمانية

مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.

+70 متابع في آخر 7 أيام