كم مكتبة تملك، وكم مكتبة خسرت؟

الحديث ذا الشجون عن الكتب والمكتبات الشخصية ليس رفاهية، بل هو في مقامه الأول آلية دفاعية ضد النسيان.

الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانقويل في مكتبته في فرنسا / Getty Images
الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانقويل في مكتبته في فرنسا / Getty Images

كم مكتبة تملك، وكم مكتبة خسرت؟

بثينة الإبراهيم

ما العدد المتعارف عليه للمكتبات التي يملكها المرء في حياته؟ قد يكون هذا سؤالًا غريبًا، فقد جرت العادة أن تكون للمرء مكتبة واحدة يكبّرها وينميها كلما تقدم به العمر واتسعت دائرة معارفه أو ضاقت، ينقلها معه أينما سافر إذا كان سعيد الحظ. 

سأجيب عن السؤال الذي افتتحت به مقالتي بأني فقدت ثلاث مكتبات في ثلاث دول، ومكتبتي الرابعة التي أملكها اليوم هي أجمل الأربع وأكبرهن! قد لا تكون في مكتباتي السابقة كنوز عظيمة، لكنّ كل واحدة منها ضمت على رفوفها الصغيرة، أو صناديقها كما هي حال مكتبتي الثالثة، كتبًا لها عظيم الأثر في قلبي؛ فالتي تركتها في الإمارات فقدت معها المعجم الوسيط، النسخة التي ابتاعها لي أبي في أول رحلة لنا معًا إلى دمشق، والتي احترقت في سوريا ضمت كتاب جميل بثينة والحب العذري لخريستو نجم، الذي كان في أصله لأحد إخوتي الكبار واستوليت عليه بوضع اليد؛ لأن اسمي بثينة ولأني أحب الشاعر جميل بن معمر، ولأني درست اللغة العربية وآدابها في الجامعة، وما زلت إلى هذا اليوم أبحث عن نسخة أيًا كان شكلها من هذا الكتاب دون جدوى! أما مكتبتي في مصر فما زالت بانتظاري ولا أدري متى سأجتمع بها، وفيها كتب رائعة وصلتني هدية من صديق كريم انقطعت بيننا سبل التواصل وما عدت أعرف عنه شيئًا. 

مكتبتي الثالثة، وقد مرّ على فراقنا ثماني سنوات ونصف، تذكرني بحديث ﭬالتر بنيامين عن فتحه صناديق كتبه، واللحظة التي ترى فيها المجلدات النور بعد ردح من الزمن، أقل مما قضته كتبي على أي حال، في العتمة، وقبل أن يصفّ الكتب على الرفوف وقبل أن يمسها الملل الرهيف للنظام. انتهز بنيامين فرصة فتح صناديقه التي تضم ألفي كتاب بعد طلاقه وانتقاله إلى بيت جديد للحديث عن جمعه الكتب، واستدعى بالضرورة حديثًا عن النظام والفوضى اللذين يتنازعان حياة جامع الكتب مثلما يتنازعان إفراغ الصناديق؛ فيتلاقى في أعمدة الكتب التي تنتظر وضعها على الأرفف عدوّان لدودان، أو فنانان أدبيان متناقضان، أو يفترق الأصدقاء أو أجزاء السلسلة الواحدة. ولا يقتصر هذا النظام والفوضى على الأشياء الملموسة، إذ تنهمر الذكريات، لا الأفكار كما نوّه بنيامين، التي تصاحب كل كتاب مقتنى؛ فتتداخل الأزمنة والأمكنة مؤلفة عالمًا موازيًا جديدًا، عالمًا «نملك مفتاحه ولكننا لن ندخله ثانية أبدًا»، على حد تعبير ألبرتو مانقويل. 

توهّم مانقويل، وهو جامع كتب آخر، أنه سيعيش في فرنسا إلى الأبد، وفرح بالمكان الكبير الذي صفّ فيه أربعين ألف كتاب، وباتت تلك المكتبة في نظره فردوسًا، لكنه عرف لاحقًا أنه فردوس مفقود، والأصل في الفردوس أن يكون مفقودًا على حد تعبيره، فقد اضطر إلى التخلي عن هذه الرفوف واستبدل الصناديق بالمكتبة (يا لهذه الصناديق التي تلاحق القارئ وتلاحقني على نحو خاص!). 

إن المكتبة ليست مكانًا للكتب فحسب، بل هي «مسرح للذاكرة» أيضًا؛ ولذا فإن الحديث ذا الشجون عن الكتب والمكتبات الشخصية ليس رفاهية، بل هو في مقامه الأول آلية دفاعية ضد النسيان والامّحاء، ضد أن نتحول إلى أثر بعد عين، وإن لم نزل نتحرك على وجه البسيطة! 

لا أدري إن كنت سأتمتع يومًا بحظ ﭬالتر بنيامين، الذي تمكن من منح كتبه الألفين مكانًا لائقًا وأظهرها لضوء النهار وضوء الليل، أو بحظ مانقويل الذي ستحصل كتبه هي الأخرى على قصر يعود بناؤه إلى مطلع القرن التاسع عشر، لكني أتشبث بأمل صغير في الوصول إلى فردوسي، وإن كان في صندوق!


  1. حصلت الكاتبة الزامبية موبانقا كاليماموكوينتو على جائزة درو هاينز الأدبية لعام 2024، ونالت جائزة نقدية تبلغ قيمتها 15000 دولار، كما ستنشر مطبعة جامعة بيتسبرق المجموعة القصصية الفائزة (Obligations to the Wounded) في الثامن من أكتوبر من العام الحالي. 

  2. أعلنت جائزة والتر سكوت للرواية التاريخية القائمة الطويلة للروايات المتأهلة هذا العام، وضمت القائمة 12 رواية وهي: «الحياة الجديدة» لتوم كرو، و«مكان أفضل» لستيفن ديسلي، و«أشباح جائعة» لكيفين جارد حسين، ورواية «من أجل ألمك العظيم ارحم ألمي الصغير» لفكتوريا ماكنزي، و«الموسيقا في الظلام» لسالي ماجنوسون، و«كودي» لبنجامين مايرز، و«منزل والدي» لجوزيف أوكونور، و«الاحتيال» لزادي سميث، ورواية «السيد الأبدي بليث» لآلان سبنس، و«بيت الأبواب» لتان توا إنق، ورواية «في المنطقة العليا» لكاي توماس، ورواية «قطعيًا وإلى الأبد» لروز تريمين. 

  3. يصدر قريبًا عن صفحة سبعة للنشر والتوزيع كتاب «دفاعًا عن القضايا الخاسرة» للفيلسوف والناقد السلوفيني سلافوي جيجيك، الذي تُرجمت له عدة أعمال من أبرزها: «بداية كمأساة وأخرى كمهزلة»، و«سنة الأحلام الخطيرة»، «العنف: تأملات في وجوهه الستة».

  4. يصدر قريبًا عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر كتاب «أصل الآخرين» للكاتبة الأمريكية توني موريسون الحائزة على جائزة نوبل في الأدب عام 1993 عن مجمل أعمالها.


من محمود السامرائي:

  1. إلى أين أيتها القصيدة؟ علي جعفر العلاق

على الرغم من أنَّ غلاف الكتاب يتصدره تجنيس «سيرة ذاتية» صراحة دون مراوغةٍ تجنيسية على غرار الأدباء حاملي تباشير الحداثة العربية، ومنهم مؤلف هذه السيرة -وإن لم يكن من أوائل من حمل هذا اللواء-، يمضي الشاعر والناقد العراقي علي جعفر العلاق في الكشف عن تبلور وتشكل القصيدة، عادًّا عمرهُ وسيرته سيرورة للقصيدة الشعرية، تشكّله وتصوره لينفتح النصُّ على أجناسٍ مختلفة بديعة قوامها الشعرُ ومن ثم السيرة الذاتية، لتتدفق أخلاط وأمشاج من الموضوعات التي تتعلق بأصله ومدينته ثم بغداد والثقافة والنشأة، في بيئة تعجُ بالأيديولوجيات والمضي نحو عصر الديكتاتوريات الأهوج. لعل هذا الانفتاح النصي وتجاوز التجنيس النقدي الصارم من أهم أسباب تتويجه بجائزة الشيخ زايد للكتاب عن فئة الآداب.

  1. تاريخ النقد الأدبي عند العرب، إحسان عباس

    يمثل هذا الكتاب قيمة معرفية نادرة وأخاذة في الآن ذاته، إذ يتحرر هذا الكتاب من اللغة العلمية الصارمة مع عمق البحث ليقدم مادةً معقدةً. النقد الأدبي عند العرب هو ذلك العلم الشائك والمتوزع بين العلوم، على الأقل في القرون الثلاثة الأولى للهجرة، من دون هوية واضحة لهذا العِلم، بل هو متناثر في كتب النحو واللغة والتأريخ وعلم الكلام. كيف تعامل العلماءُ مع النصّ الشعري، وكيف تحكمت به السياسة والأهواء والانتماء الديني والمذهبي والبيئة؟ تلك أسئلةٌ تحفر عميقًا في العقلية العربية وبنية التشكيل. وعلى تقعر الموضوع واتساعه استطاع مؤلفه إحسان عباس أن يأخذ بيد القارئ ويغوص به في العقلية العربية وتشكيل علم واسع، ألا وهو النقد، حتى يستوي ويكون نقدًا منهجيًا حقيقيًا.

  1. ورد ورماد: رسائل، محمد شكري ومحمد برادة

    لا يكاد يختلفُ جمهور القراء على حميمية الرسائل وذاتيتها وما تتركه في النفس من أثرٍ، فكيف بها إذا كانت بين روائيين متمرسين وصديقين في الآن ذاته. ما يلفت في هذه الرسائل التي جمعها محمد برادة، وقد أشار إلى ذلك في المقدمة، هو أن المراسلة بين الأدباء المبدعين قليلة إن لم تكن منعدمة، وهذا أمرٌ محزن ويشي بتفاصيل كثيرة عن حياة المبدع العربي، ولأقل: محنة؛ فالأدباء في سجال وخصام وتحاسد دائم، وهذا ما يمنع رسائل كهذه. في هذه الرسائل يجد القارئ صورة مختلفة عن محمد شكري الذي عرفه القراء في «الخبز الحافي»، لعلهم يشعرون بمثلما شعر به محمد برادة عندما تعرف إليه؛ فقد كان مختلفا عمَّا أشاعه الناسُ عن حياته، ولكن لم تختفِ الجرأة في الطرح والعرض وعدم الرغبة في الاختباء وراء النصوص.

  1. الكتابة وقوفًا: تأملات في فن الرواية، حسن مطلك

    من الصعب على القراء والمتابعين للشأن الثقافي نسيان الروائي العراقي حسن مطلك، شقيق الروائي محسن الرملي، الذي أُعدم في العراق مطلع التسعينيات، ولاسيما وقد ترك رواية «دابادا» التي تعدُّ نصًا مهمًا في السردية العراقية. رحل حسن ومن حسن حظه أنه ترك شقيقًا يمارس العملية الإبداعية ذاتها، يكتب عنه وينشر ما تبقى من نصوصه ويعيد طباعة كتبه، ومنها هذا الكتاب الذي لم يكمله حسن، فتركه مشرعًا ومعه مقدمة فيها تقسيم لخطة الكتاب ومشروعه وكتب الشخصيات والزمان والمكان وتأثير الرواية. قراءة هذا الكتاب تكشف الكثير من أسرار الكتابة عند حسن التي تعدُّ معقدة وصعبة؛ فقد كان يروم تأسيس مدرسةٍ سردية مختلفة عن السائد والمألوف، كما يُعدّ وثيقة ضرورية تشي بمبدع كبير أخذته أيدي الظلم والطغيان وحلم الحرية.

نشرة إلخنشرة إلخلغير المثقفين، الذين لا يربطون بين القراءة واحتساء القهوة، ولا يصوّرون أعمدة كتب تتجاوز أطوالهم نهاية العام. نشرة تصلك كلّ أربعاء تضم مراجعات للكتب، توصيات، اقتباسات… إلخ.