«حوجن»: فلم مخيب للآمال
بعد مراجعة رياض القدهي لفلم حوجن رأى بأنها بداية غير موفقة في فئة الاقتباس من روايات الخيال والفانتازيا. فقد جاء بجودة منخفضة كتابيًا وبصريًا.
«حوجن»: فلم مخيب للآمال
رياض القدهي
خلال السنة الماضية 2023، كنت مع فريق النشرة السينمائية في حفل افتتاح مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، وما زلت أتذكر عندما كتبت في العدد الذي يتضمن مراجعة فلم «ناقة» أني كنت سعيدًا برؤية حفل الافتتاح ومتشوقًا لمشاهدة فلم «حوجن» في عرضه الأول قبل صدوره في صالات السينما.
السبب أني قرأت جزءًا من الرواية سابقًا في سنة 2014، وكنت لم أتعود قراءة الكتب الطويلة، وانزعجت من كثافة اللهجة العامية ولم أستطع إكمالها، لكن قلت ربما يعكس اقتباس الرواية إلى فلم هذه المعادلة. وللأسف لم يحصل ذلك!
وتأكدت من رأيي عند دخولنا السنة الجديدة ومشاهدة الفلم للمرة الثانية في صالات السينما، حتى أستطيع كتابة هذه المراجعة بشكل أوضح. فنحن اليوم نتحدث بلغة السينما والشاشة وليس عن تجربة قراءة الكتب؛ ولذلك نقسم هذه المراجعة إلى ثلاثة فصول.
الفصل الأول: خلِّ بذرتك تكبر مع رحلة الفلم
افتتاحية الفلم وضعت بذرة المفهوم الأساسي لكي تنبت معنا طيلة الأحداث، وهذه البذرة هي «أن أشكال الجن زي البشر». حلوين؟ كمّلنا رحلتنا على هذا المفهوم ثم بدأ النص مناقضة نفسه بنفسه. المشكلة الأساسية هنا تنقسم إلى مشكلتين: المشكلة الأولى في تصميم الشخصيات، حيث من المفترض تشابه أشكال الجن والبشر. لكن هنا كسر النص نفسه، وقرّر تقديم تصميمات كرتونية هزلية لا تحتوي على عناصر رعب أو جذب للشخصية.
أما المشكلة الثانية فتكمن في تسميات الشخصيات: إذا كنت تريدنا أن نتفاعل معهم كالبشر فامنحهم أسماء بشرية، وليس أسماء شخصيات «دريل وزعنام» وقبائل معقدة من ناحية القصة أشعرتني بأني بدأت مشاهدة «قيم أوف ثرونز» من الموسم الرابع أو الخامس.
عند مشاهدتي الثانية بمكان أهدأ و«أريَح» لاحظت أنَّ السرد الصوتي (VoiceOver) كان يُشابه كثيرًا الإعلانات التجارية، ووجدتني لا شعوريًّا أنتظر لحظة انتهاء الشاشة وظهور ما يسمى في مجال التسويق «CTA»، أي توجيه المستخدم لفعل أمر معين مثل «حمّل التطبيق»، وهنا اختلطت المشاعر، فأنا أشاهد فلمًا يسرد قصة وليس إعلانًا.
إذا كنت تود من شخصيتك أن تسرد قصتها فاجعلها تحكي كأنما تحكي قصتها وليس قصة غيرها. وأهم مثال ناجح على المستوى المحلي فلم «الهامور» الذي جعل بطله يسرد القصة بلهجة درامية تشعرك بأنه جالس معك. حتى لو كنت تود كمخرج طرح أفكار البطل كما هي اجعلها تبدو كخواطر عشوائية أو المسمى بالعامية «هواجيس» مثل مسلسل «جميل جدًا»؛ فأنت تسمع صوت أفكار البطلة وهي «تعصّب» وفجأة تهدأ، هنا أستطيع استيعاب التقلبات المزاجية في البشر بشكل طبيعي.
الفصل الثاني: أزمة العلاقات الخاوية والشر الهزلي
ما الذي يجعل العلاقات الدرامية تؤثر فينا؟ لدى كتابتي المراجعة تذكرت أفلامًا جسدت علاقات مؤلمة ومسَّتنا، ولأنَّ طبيعتنا كبشر التساؤل، أكيد سنسأل «لماذا هذه العلاقة أثرت بنا؟» والجواب: لأنها ببساطة واقعية، حتى إن لم تكن لك واقعية فإنك على الأقل تستطيع تفهُّم أسبابها وطبيعتها. وعنصر التأثير يأتي بالبناء عبر المواقف الدرامية المحفزة للمشاعر، لكن إذا خسرت هذه المواقف فالعلاقة بين الشخصيتين تصبح أشبه بالفراغ. حتى لو حاولت فرض هذا الشيء على المشاهد بالإجبار ففي الغالب لن تسرك النتيجة.
هذه المقدمة الطويلة توضح أزمة العلاقات بين شخصيات الفلم؛ فبطلنا لا يستطيع الوصول إلى الفتاة التي يعشقها. وهنا قرر الفلم التوجه إلى القالب الذي اعتدنا عليه مئات وآلاف مرات، وهي أن يحاول «الولد» وضع مكانة له بالإجبار لدى الطرف الثاني، والمتوقع من المشاهد التعاطف معه، في حين لا تجد ردة فعل لدى الطرف الثاني أو حوارًا يحرك هذه العلاقة ويطورها.
الأداة الأخرى لدى استخدام هذا القالب المكرر هي ظاهرة الحب من أول نظرة. فهذه النظرة دون مبرر تجعل السبب وراء نشوء العلاقة أشبه بحيلة الأفلام الرومنسية «الرخيصة»؛ لأننا لم نر تأسيس مشاعر البطل نحو نشوء العلاقة ومبررات تصرفاته تجاهها. والمحزن أني توقعت أنَّ هذا القالب أصبح خلفنا، أو على الأقل يجري إحياؤه من خلال سردية حديثة، لكن ما حصل أنَّ النص فشل في أسلوب «الاقتباس الذكي».
أما الفشل الآخر فكان في «اقتباس الشر»؛ فهنالك مدارس متخصصة أبدعت في إنشاء شخصيات شريرة تستحق لقب «الشر المطلق»، ليس فحسب لأن لديها نوايا شريرة، بل لأنها قادمة من منبع عاطفيّ قابل للفهم. يفترض بالشر أن يخيفنا، لكن في فلم «حوجن» حصل العكس.
فالشر في «حوجن» له طبقتان: في الطبقة العلوية الشخص الذي يتربع على العرش وأسفله جموع الناس، وتلك الجموع هي الطبقة السفلية. كمشاهدين نتعامل مع الطبقة السفلية من خلال شخصية «زعنام» من تمثيل نايف الظفيري، وعمد نايف إلى تحويل «زعنام» إلى شخصية هزلية أكثر منها مرعبة.
أقرب معادلة تذكرني بنوعية الشرير في «حوجن» شخصية الشرير في فلم «Rebel Moon: Part One - A Child of Fire». لكن الشرير في «Rebel Moon» يوضح لك من الأساس أنه لا توجد طبقة أخرى، وتتضح لك مدى قوته وأفكاره الشريرة، حتى الجانب الكوميدي يتضمن مزيجًا مع الرعب ليحقق بذلك معادلة ناجحة في الشر الهزلي. أما «حوجن» فقد فشل في هذه المعادلة، والسبب أن الدافع الرئيس للشرير ليس واضحًا، ولا تفهم لماذا يريد ارتكاب أفعاله من الأساس.
الفصل الثالث: النقطة الأضعف والخاسر الأكبر
نبدأ أولًا بالتمثيل، تحديدًا مع براء عالم. فنجم براء سطع في فلم «شمس المعارف» وقدَّم أداءً واقعيًّا، والكثير منا شعر لدى مشاهدته بإحساس الانتماء، ثمَّ خفَّ وهج براء قليلًا في فلم «سكة طويلة». ولكن في «حوجن» حزنت؛ لأني لم أر التميز المعهود في أدائه الذي تأثَّر سلبًا بالنص الذي لا يوضح هوية الشخصيات من خلال الحوار، بل كان النص النقطة الأضعف في الفلم كله.
حتى العلاقة التي حاول «حوجن» تكوينها مع البشرية سوسن، من تمثيل نور الخضراء، اعتمدت على الأداء الذي أسميه «تمثيل المدى القصير» الذي يتناسب مع الإعلانات وليس القصص الطويلة في الأفلام.
بعد التمثيل يأتي الجانب البصري والسمعي: لا أود حقيقةً الاستغراق طويلًا في الصوتيات، لكن الموسيقا كانت تتوجه إلى سمة «الخيالي التاريخي»، ثم فجأة تحولت في مشهد إلى «راب» سعودي مشابه لأحد أفلام «روكي»، ووجدتها مزعجة للغاية.
أما الخاسر الأكبر في الفلم فقد كان الجانب البصري. فاستخدام التصوير البطيء في مشاهد الأكشن يوضح لك عيوبًا لم تكن لترغب في رؤيتها. وللأسف استمر الانحدار البصري، مثلًا في مشهد المستشفى شعرت أني كنت في آلة زمن ورجعت عشر سنوات للوراء لمشاهدة مسلسل «37 درجة مئوية» الذي صدر عام 2010.
النهاية: «قفّل» الفلم بطريقة تقليدية
الفلم توجه إلى النهاية السعيدة التي أحب أن أناديها في قاموس النقد بـ«الخيار التقليدي»، وانصدمت بالنهاية؛ لأني حين قرأت نهاية الرواية عبر ملخص وجدتها أجمل، وطريقة البناء فيها ممتازة. فبينما يعتمد الفلم الطريقة الأسهل للإغلاق «وعاشوا حياة سعيدة» تستعرض الرواية العواقب بعد هذه القصة الطويلة التي للأسف تجاهلها الفلم.
وهنا أود الاستدلال على رواية «الضباب» (The Mist) للروائي ستيفن كنق، حيث نجح صنَّاع الفلم في اقتباس الرواية بذكاء، بل كتبوا نهاية أخرى أفضل بكثير من نهاية الرواية، وصُدِم ستيفن كنق من نجاح النهاية وعبَّر عن ندمه على أنه لم يفكِّر بها أولًا.
هكذا يكون الاقتباس من رواية إلى فلم: من كتابة الكتاب إلى كتابة الشاشة.
وهذا تمامًا ما يحزنني بشأن «حوجن»: أنَّ الفلم بداية غير موفقة في فئة الاقتباس من روايات الخيال والفانتازيا. فقد جاء بجودة منخفضة كتابيًا وبصريًا، وبسبب ضعف آليات سرد القصة والحوارات، وجدتني عاجزًا عن الارتباط بشخصياته.
تقييمي لفلم «حوجن» بلغة الأرقام قد يوضح رأيي باختصار: 3 من أصل 10 🍿😔
اقتباس النشرة
أخبار سينمائية
حصة الأسد من جوائز القولدن قلوب كانت من نصيب فلم «أوبنهايمر» مع خمس جوائز، وتشارك «Anatomy of a Fall» و«باربي» الباقي مع جائزتين لكل فلم. وفي المسلسلات احتل «Succession» المركز الأول مع أربع جوائز، وبعده «Beef» مع ثلاث جوائز، وبعده «The Bear» بجائزتين. «الطيور طارت بأرزاقها وريدلي سكوت بعده يتهاوش مع المؤرخين!🤣»
المخرج «مارتن سكورسيزي» ينتقل إلى عمل جديد والذي سيكون عن حياة عيسى عليه السلام ومدة الفلم ستكون 80 دقيقة. «أخيرًا تخلَّى عن الثلاث ساعات بعد ما جرَّب محتوى تك توك!🙄»
وصلت مبيعات تذاكر فلم «مندوب الليل» في ثلاثة أسابيع إلى 432 ألف تذكر مباعة، وكسر حاجز 20 مليون و800 ألف ريال. «نعيد ونقول كفو 🤩»
موجة الاقتباس من ألعاب الفيديو في تصاعد، مع تحوُّل اللعبة الشهيرة «God of War» إلى مسلسل مع «أمازون برايم» ولعبة «Horizon Zero Dawn» إلى مسلسل مع نتفلكس. (إن شاء الله ما نشوف فيها أزمة اقتباس🙃»
بمناسبة مرور 25 سنة على مسلسل «The Sopranos» قررت ماكس تركب «الترند» وتحوِّل حلقات المسلسل إلى مقاطع تك توك من 25 ثانية. «أنا الصراحة ناطر The Wire 😍»
شرح مشهد مع حمد القحطاني
قد تبدو بعض اللقطات من أول نظرة لقطة غير مفيدة، ولا تقدم إضافة في المشهد، وعلى الأغلب سنتجاهلها.
لنأخذ مثالًا من الفلم الشهير «No Country For Old Men».
الرجل المطارد (موس) دخل فندقًا لكي يستأجر غرفة، وأبلغ صاحب الفندق بتنبيهه حينما يسأل أي شخص عنه، ثم تظهر هذه اللقطة المقربة على قطة!
هذه اللقطة بحد ذاتها لا تقدم أي إضافة في رحلة البطل، ولكن بعدما تعرَّض للهجوم في غرفته، اتصل بصاحب الفندق ولم يرد. ثم نجح بالهرب ومر َّمن مكتب الاستقبال، فظهرت هذه اللقطة.
بين هاتين اللقطتين لقطَّة تشرب الحليب نستنتج أنَّ صاحب الفندق قد قُتِل. هذا حدثٌ لم نره ولكن استنتجناه، وهذا أحد أسرار جودة صناعة الفلم. فمخرجا الفلم الأخوان كوين لم يكتفيا فقط بتطبيق أحد تقنيات السرد (Show, don't tell) (أرني ولا تخبرني) بل أشركا المشاهد في عملية الاستنتاج.
ولكن كيف سيكون المشهد لو جرى تصويره بالطريقة العادية؟
هنا محاولة لإعادة مونتاجه بعد حذف لقطتي القطة مع إضافة صوت إطلاق نار مسموع على صاحب الفندق، وسنرى كيف كان سيبدو المشهد متوقعًا وأقلَّ تشويقًا.
توصيات سينمائية
الطرق الضبابية أفضل استعارة مجازية للمستقبل المجهول، فأنت لا تعلم حقيقةً ما الخفي وراء الضباب، مهما ظننت أنك تعرف🫥.
إذا كنت «قيمر» قد يخطر على بالك أني أصف الجزء الأول من لعبة «Silent Hills»، لكني أصف هنا فلم توصية الأسبوع الذي أشدنا به في المراجعة لذكاء اقتباسه النص من الرواية، وتعديل نهاية الرهيب ستيفن كنق إلى نهاية أروع! 😎
تصنيف الفلم: 18+ (مشاهد عنيفة ومرعبة).
الفلم مقتبس من رواية «الضباب» (The Mist) لكاتب روايات الرعب ستيفن كنق، ويكمل فيه كاتب الشاشة والمخرج فرانك دارابونت سلسلة محاولاته الناجحة في إخراج أفلام مقتبسة من روايات قوية وتحويلها إلى أفلام ممتازة مثل «The Shawshank Redemption» و«The Green Mile».
القصة بشكل مبسَّط، أب وابنه يقرران الذهاب إلى السوبر ماركت، ثم تغمر موجة ضباب قوية المكان وتخفي العديد من الأشياء المرعبة، وتلك الأشياء المرعبة هي وحوش. فيضطر الأب وابنه إلى البقاء بين مجموعة كبيرة من الناس محبوسين داخل السوبرماركت.
بمجرد احتواء القصة على زحمة الناس تحت ضغط نفسي مشترك، أصبحت لديك مساحة كبيرة لتقديم مزيج عجيب من الشخصيات إلى جانب شخصية الأب الحريص على نجاة ابنه، وأخطر هذه الشخصيات امرأة متدينة تحاول تخريب أي خطة يجري الاتفاق عليها لأنها تظن أنَّ الضباب عقاب إلهي. وإن كنت تظن أنك بمأمن من الوحوش ببقائك بين الناس، فهذا الفلم قد يغير رأيك حول فكرة «الوحش الحقيقي».
جودة مشاهد الرعب كمؤثرات لا بأس بها، فهي تميل إلى الرعب والدموية، وسنرى وحوشًا متنوعة بينها الطائر ومنها من لديه أيادٍ طويلة أو «مجسَّات». ويدفع ظهور تلك الوحوش بالقصة إلى الأمام ويؤثر في العلاقة بين الشخصيات وفي القرارات التي تأخذها.
جرعة الرعب الحقيقية في الفلم كانت في النهاية غير المتوقعة وفق معايير هولييود و«نهاياتها السعيدة» لكن نهاية متوقعة إن أخذناها بالمعايير البشرية. وإذا سألتني، أفضل وصف للنهاية على «قولة واحد من الشباب» إنها «تعطيك كف ماشي مليون!»😱
معلومة: ترى الفلم موجود على يوتيوب. 🤣
ميم النشرة
يعرض الآن
في السينما فلم الإثارة «The Beekeeper» بطولة جيسون ستاثام. مربي نحل يُصدم بانتحار جارته المقرَّبة إليه بعد احتيال إلكتروني عليها سلبها أموالها، فينطلق في سعيه للانتقام من الهاكرز، ويكشف عن هويته الحقيقية كعميل استخباراتي سابق ضمن منظمة «مربي النحل».
في السينما الفلم الكوميدي «أنا وابن خالتي» بطولة سيد رجب وبيومي فؤاد. حسن وإسماعيل أبناء خالة، يحاول كل منهما إثبات أفضليته على الآخر في سلسلة من المواقف الكوميدية التي تجعلهما يدركان القيمة الحقيقية للعائلة.
في السينما فلم الإثارة «الإسكندراني» بطولة أحمد العوضي وزينة وحسين فهمي. يمر بكر الإسكندراني في صراعات مع والده وابن عمه وحبيبته، فيقرر السفر إلى الخارج سعيًا لحياة جديدة، وبعدما يحقق ذاته يعود إلى الإسكندرية ويواجه الصراعات نفسها مجددًا.
مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.