10: كيف أجرب الرحلة قبل خوضها؟
الطريقة المُثلى لبناء النماذج الأولية (النمذجة) تبدأ بطرحك سؤالًا فضوليًا حول محطة ما في المستقبل لتحصل من خلالها على بعض البيانات والاكتشافات، عن كيف أخطط للمستقبل، أو كيف أنظم رحلة حياتي مثلًا.
قدمنا في النشرة السابقة مفهوم تصميم الرحلة، ورسمنا عدة رحلات لمستقبلنا تتضمن أهداف وطموحات نرغب في تحقيقها. في هذا العدد نستخدم إحدى أكثر خطوات التفكير التصميمي (تعبيرًا) والتي تعطي التفكير التصميمي شخصيته: الاختبار باستخدام النماذج الأولية.
المفهوم 💡
كيف أجرب الرحلة قبل خوضها؟
لغويًا تأتي كلمة النماذج الأولية كترجمة للمصطلح الشائع لدى المصممين: «Prototype »، وهي كلمة إنقليزية مشتقة من الأصل اليوناني «Prototypon» وتعني: الشكل المبدئي، أو كلمتي «Protos Typos» وتعنيان: الانطباع الأولي.
استطرادًا على تلك المصطلحات أحب استخدام كلمة النمذجة تعبيرًا مختصرًا عن فعل «صناعة النموذج الأولي».
نعود الآن إلى سؤال العنوان بشيء من التفصيل: كيف أجرب الرحلة قبل خوضها؟ أو بمعنى آخر كيف تتأكد (وتختبر) قراراتك قبل أن تلتزم وتستثمر فيها أكثر؟ تكمن الإجابة عن هذا السؤال في استخدام النمذجة.
في عالم التصميم ينشئ المصممون عادةً نماذج أولية مبسَّطة للمنتجات والخدمات لرؤية كيف يتفاعل معها المستخدم، أو لاختبار واكتشاف بعض الإشارات الأولية التي تحتاج إلى تحسين قبل إطلاق المنتج أو الخدمة على نطاق واسع إلى العالم.
وكذلك في حياتنا، يمكننا إنشاء نماذج أولية نختبر من خلالها هذه القرارات، ونكتشف أشياء عن أنفسنا وردود فعلنا تجاهها دون انتظار حدوثها فعلًا في المستقبل.
الطريقة الكلاسيكية لحل المشكلات تبدأ بجمع البيانات حتى نتمكن من فهم المشكلة بشكل صحيح ومن ثم اقتراح الحلول. لكن في تصميم رحلتك ومستقبلك يختلف الموضوع، لأنَّ ليس بالضرورة لديك بيانات موثوقة حول المستقبل؛ لكونك لم تكتشفه أو تجربه بعد. وهنا يأتي دور النماذج الأولية.
يمكننا مجازًا أن نقول إن النماذج الأولية آلة زمن تتسلل بنا إلى المستقبل وتعود بنا مرة أخرى إلى هذه اللحظة بكمٍّ من المعلومات والاكتشافات الجديدة لتحسين قرارات تصميمنا للرحلة.
الاعتقاد المعطِّل: أفضل طريقة للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بخطتي ومستقبلي هي إجراء بحث شامل حول كل جانب من جوانبها.
إعادة تأطير: أحتاج إلى بناء وتجربة نماذج أولية لاستكشاف أسئلتي وفهم البدائل.
سيناريو متكرر ربما وقع لك أو لأحد قريب منك: نكون متحمسين لفكرة أو حلم ما، فنقفز إليه مباشرة دون تفكير بما تعنيه لنا هذه الفكرة أو لماذا اندفعنا إليها من الأساس، ثم نكتشف اكتشافًا متأخرًا أننا اتخذنا قرارًا خاطئًا كان بالإمكان تجنبه بقليل من البحث والسؤال والتجربة.
على سبيل المثال: فلان من الناس ذهب في إجازة قصيرة إلى إيطاليا ووقع في حب القهوة وأجواء المقاهي الصغيرة هناك، فقرر بعد العودة القفز في هذا المجال واستثمار الوقت والجهد والمال لفتح مقهى مشابه لما شاهده هناك. استقال من وظيفته وعكف ليل نهار على هذا المشروع، وبعد مدة قصيرة في خضم الالتزامات والعقبات اكتشف أن الموضوع مكلف جدًا والإجراءات لا تنتهي وأنه في النهاية لا يحب العمل الفعلي الذي يتضمنه تشغيل المقهى. كان يمكنه بسهولة تفادي هذه الورطة لو أنه جرب العمل لفترة قصيرة في مقهى أو طرح أسئلة على أشخاص سبقوه في تلك التجربة للتأكد من قرارات تلك الرحلة أو تصميم طرائق تتناسب مع أسبابه الحقيقية لتحقيق هذا المشروع.
لدينا طريقتين لنمذجة تصميم نمط الحياة:
النمذجة باللقاءات: من طريق البحث عن أشخاص سبقوك إلى هذا المجال ولديهم تجربة أو إنجاز، أو يعيشون حاليًا نمط حياة مقارب أو يشبه ما تطمح إليه. اسع للحصول على لقاء مع أحدهم، واستغل هذه الفرصة بطرح أسئلتك حول الطريق والتحديات وجمع الاكتشافات التي تساعدك على الاستعداد والتأكد من الرحلة.
النمذجة بالتجارب: من طريق خوض تجارب مصغرة من الحياة التي تسعى إليها، إذ لا شيء يضاهي التجربة الشخصية. مثلًا جرِّب أن تعمل في مجالٍ ما ولو متدربًا عدة أيام، أو عِش في مكان ما فترة قصيرة قبل أن تنتقل إليه بكل عفشك، أو جرِّب فتح مقهى صغير في ملحق بيتك تدعو فيه أصدقاءك قبل أن تلتزم بمحل كبير على الشارع.
نختم مفهوم اليوم بوصايا سريعة تساعدك على نمذجة مستقبلك والتأكد من تصميم رحلتك:
اطرح الأسئلة الصحيحة للحصول على بيانات جيدة.
اكتسب الخبرة من خلال خوض تجارب صغيرة ومتنوعة.
اختبر افتراضاتك، ولا تقع في منزلق الانحيازات التأكيدية.
افشل بسرعة لتتعلم بسرعة قبل أن تبالغ في الاستثمار فتقع في منزلق آخر: التكلفة الغارقة.
استثمر في بناء علاقات ناجحة مع المهتمين برحلتك، ولا تدري، قد يكونون شركاء مهمين في الرحلة!
الطريقة المُثلى لبناء النماذج الأولية (النمذجة) تبدأ بطرحك سؤالًا فضوليًا حول محطة ما في المستقبل لتحصل من خلالها على بعض البيانات والاكتشافات، وهذا مغزى فقرة طرح الأسئلة في تمرين النشرة السابقة (تصميم الرحلة). إذ تتمكن من خلال هذه الأسئلة من توليد أفكار ونمذجة لقاءات أو تجارب تسعى من خلالها إلى جمع أكبر قدر من المعلومات والاكتشافات والتحقق من قراراتك؛ لتعيد تصميم الرحلة على نحو نمط حياة تشبهك.
التمرين 🏋️
1. أحضر مشروبك ودفترك وقلمك المفضل وضع موقتًا لا يتجاوز 20 دقيقة.
2. اختر مشروعًا أو هدفًا أو قرارًا أو حلمًا معينًا ترغب في تحقيقه لتطبيق هذا الاختبار. بإمكانك الاستفادة من تمرينات النشرات السابقة (تصميم الرحلات) (غدًا كان يومًا جميلًا).
3. اكتب هذا الاختيار في عنوان ورأس الصفحة.
4. سجِّل أهم الأسئلة التي لديك حول تحقيق هذا الاختيار. (كما فعلنا في تمرين تصميم الرحلات)
5. حدِّد ما إذا كان ممكنًا تطبيق نمذجة اللقاءات:
أين يمكنك أن تقابل شخصًا حقق هذا الشيء أو يعيش هذا النمط من الحياة؟
إن كان ممكنًا حدِّد موعدًا للقاء واسأل هذا الشخص كل الأسئلة الممكنة للتأكد من قرار الرحلة.
6. حدِّد ما إذا كان ممكنًا تطبيق نمذجة التجارب:
اعصف بذهنك حول جميع الأفكار المبسطة والتجارب القليلة التكلفة التي يمكن أن تجيب فيها عن أسئلتك، أو تكتشف فيها شعورك وردود فعلك تجاه هذا الاختيار.
7. وثِّق كل إجابات الأسئلة ونتائج التجارب، حللها وأعد تصميم الرحلة على ضوء هذه الاكتشافات الجديدة.
نشرة أسبوعية تتجاوز فكرة «أنت تستطيع» إلى «كيف تستطيع» تحقيق أهدافك وتحسين نمط حياتك.