الطموح والخيال والواقع وسيارة مستعملة!

جيل اليوم ينظرون إلى استضافة كأس آسيا 2027 وإكسبو 2030 وكأس العالم 2034 على أنها أحداث عادية وطبيعية. أما أنا وجيلي العظيم فنتعامل مع الأمر على أنه سلسلة أفلام خيال علمي.

الشعور بالفخر / Giphy
الشعور بالفخر / Giphy

لا شك أني سعيد بأن المملكة العربية السعودية أخيرًا بدأت تُظهر للعالم حجمها الحقيقي وتحضر بقوة على خريطة الأحداث العالمية؛ فأنا من جيل كان يعتقد بأن تنظيم كأس الخليج العربي إنجاز عظيم، وأن العالم منبهر بقدراتنا العظمية في تنظيم بطولة الأندية أو المنتخبات الخليجية، وإن حدث أنْ نظمنا البطولة العربية فإن ذلك فتح لا تناله إلا الدول التي بالغت في تقدمها وتطورها.

وبعيدًا عن التهكم على أفكار بني جيلي، فإن تلك الاستضافات بمقاييس وقتها كانت بالفعل أعمالًا كبيرة، ولكننا كنا نتساءل حين يأتي موسم الحج: بما أننا نستطيع أن نستضيف كل هؤلاء البشر في مكان وزمان محددين، فلماذا لا نستطيع تنظيم كأس آسيا مثلًا وننظر إليه على أنه عمل صعب وأننا أقل من أن نفعل ذلك؟

في عام 1989 نظمَت السعودية كأس العالم للشباب، ومع أن بطولات الشباب والناشئين ليس لها الزخم نفسه والأهمية اللذين ينالهما تنظيم كأس العالم للكبار أو الأولمبياد، فإنها كانت حدثًا كبيرًا حينها بالنسبة لنا، ولا تزال بعض ذكرياتها عالقة في الأذهان؛ فمباراة نيجيريا والاتحاد السوفييتي على سبيل المثال كانت من المباريات التي لا تُنسى، وهدف حمد الدبيخي في منتخب البرتغال ذكرى جميلة لي بصفتي واحدًا من الاتفاقيين المهددين بالانقراض.

جيل اليوم ينظرون إلى استضافة كأس آسيا 2027 وإكسبو 2030 وكأس العالم 2034 على أنها أحداث عادية وطبيعية. أما أنا وجيلي العظيم فنتعامل مع الأمر على أنه سلسلة أفلام خيال علمي، ونحتاج بعض الوقت حتى نؤمن بما آمنَت به الأجيال التي تلتنا.

والأمر لا يتعلق فقط باستضافة المعارض أو الأحداث الرياضية الكبرى؛ ففي السعودية تحدث أشياء عظيمة وكبيرة على جميع الصُّعُد، في كل الوزارات وفي الجامعات، وفي المجالات الصناعية والتقنية والاستثمارية، حتى في طريقة التفكير والتعامل مع الأحداث والأشياء، لكن هذه الأمور لا تلقى رواجًا إعلاميًا، وأظن أن هذا من مصلحة نجاحها؛ لأن معظم ما نشاهده في الإعلام عن السعودية هو حفلة هنا وأغنية هناك، أو لاعب حضر وآخر رفض القدوم، وهذا مجال خصب لمن يريد الحديث والنقد والتسفيه لما يحدث في السعودية، لدرجة أني أعتقد أحيانًا أنه متعمد من باب إعطاء الذين يحبون اللطم أشياء ليلطموا حولها، والعمل بصمت فيما هو أهم دون ضجيج ولا إزعاج.

وبحكم أني من الجيل الذي يحب نقد كل شيء، إضافة إلى أني أكتب مقالًا يوميًا منذ سنوات فكرته الأساسية نقد الأعمال والجهات والحديث من زاوية أخرى غير زاوية الإشادة والانبهار، فإن أكثر ما يزعجني هو الحديث عن السعودية كأنها وصلت إلى الكمال البشري في كل أعمالها، وهذا أمر فيه تسفيه لما يحدث بالفعل؛ لأن الحديث بهذه الطريقة يبدو كأنه قتل للطموح. السعوديون وضعوا أقدامهم على أول الطريق وانطلقوا، لكنهم لم يصلوا بعد. الإنسان الطموح تستفزه العبارات التي تخبره بأنه وصل، وأنه لا يستطيع فعل أكثر مما فعل، وكذلك المؤسسات والدول؛ لذلك تبدو بعض عبارات الإشادة أحيانًا كأنها رسائل تخذيل وليست دافعًا للمزيد من العطاء.

جيل ناقد / Giphy
جيل ناقد / Giphy

وبما أن الحديث عن الطموح والأحداث العظيمة، فكما يعلم بعضكم أني إنسان أكاد أكون معدوم الطموح بمقاييسه المعروفة، لم تكن لدي أحلام كثيرة ولا كبيرة، حتى إني حين شجعت فريقًا لكرة القدم كان قدري أن أحب فريقًا يفر من الطموحات والأحلام الكبيرة فراره من المجذوم، ويظن الفوز في المباريات رجسًا من عمل الشيطان يسعى إلى تجنبه بكل ورع وتقوى.

كان طموحي الوحيد أن أتمكن من بناء أو شراء منزل، وبعد جهد استمر أكثر من عشرين عامًا استطعت شراء أرض، وهذا نصف الطموح، وبقي النصف الآخر، وهو بناء تلك الأرض، وأحتاج إلى عشرين سنة أخرى لإغلاق موضوع الأحلام والطموحات بشكل نهائي. لكن الخطط تبدلت في اللحظات الأخيرة بعد أن فازت المملكة باستضافة معرض إكسبو 2030 وكأس العالم 2034؛ فقررت أن أستثمر هذه الأرض بعد أن أخبرني صديقي المهتم بالعقار وشؤونه بأن هذه الاستضافات سترفع قيمة العقارات، وبأنني يجب أن أفكر في الاستثمار بدلًا من تفكيري وضيق أفقي المتعلق ببناء منزل لن يفيدني ولن يفيد غيري. ولا أعلم كيف يمكن أن أستفيد؛ فمعرض إكسبو في الرياض وأرضي في الخُبر، كما أن مساحتها لا تكفي لبناء ملعب كرة قدم لتأجيره على المنتخبات المشاركة في كأسي آسيا والعالم. تحدثت مع زوجتي في الموضوع وعن الأفكار الاستثمارية وكيف يجب أن نقتنص هذه الفرصة العظيمة التي قد لا تتكرر في حياتنا مرة أخرى، فقالت: إن أعظم مشاركة تقدمها للوطن والمواطنين وضيوف المملكة والمشاركين في البطولات الرياضية حتى مشاهدي تلك الأحداث عبر شاشات التلفزيون أو الوسيلة التي ستكون موجودة يومها، هي أن تبني منزلًا وتسكن فيه وتريح العباد والبلاد من أفكارك ومشاريعك. ولا يزال الوضع قيد الدراسة والمناقشة، وإن لم أكتب نشرة الأسبوع المقبل فهذا في الغالب يعني أن النقاش انتهى بي إلى المبيت في سيارتي، التي أفكر في استثمارها هي الأخرى في نقل الوفود، وعلى رغم أنها ستكون قد بلغت من العمر عتيًا حينها، فإنها لن تخذلني إن شاء الله.


نشرة الساخر
نشرة الساخر
منثمانيةثمانية

الحياة أقصر من أن تستفزك تغريدة على إكس. هذه النشرة من أجل استفزازك بطريقة أخرى!