لا تبكي يا «أنجرتين»!

لا أعلم هل هذا العصر السيئ هو سبب وجود هذه العينة من السياسيين، أم هؤلاء السياسيون هم مَن جعلوا هذا العصر سيئًا.

«خافيير ميلي» / Tenor
«خافيير ميلي» / Tenor

الأرجنتين، أو «الأنجرتين» كما يسميها أحد الأصدقاء،  هي مارادونا وميسي وقيفارا، وكذلك أكثر نسخ كأس العالم فسادًا في عام 1978، دون إغفال أنها كانت إحدى الدول المقترحة لتكون وطنًا لليهود المنبوذين في أوربا. لا أعرف عنها أكثر من هذا؛ لأنها بعيدة جدًا، وأنا أحاول ألّا أوثّق علاقتي بالبعيدين كثيرًا. 

ومع هذا لا أنكر أني حين شاهدت فلم «إيفيتا» الذي يجسّد حياة إيفا بيرون، وغنت فيه مادونا الأغنية الشهيرة «لا تبكي من أجلي يا أرجنتين»، تعاطفْتُ مع الأرجنتين وتمنيت أنها قريبة منا، وتخيلت كيف سيكون الأمر مدهشًا ومحرضًا على الحياة لو كانت الأرجنتين في آسيا على الضفة الأخرى من الخليج العربي وإيران في أمريكا الجنوبية. لو حدث هذا فلن يضايقني أن يسمي البعض الخليج بالخليج الأرجنتيني. 

وبالطبع لم تسبق لي زيارة الأرجنتين، وليست لدي خطط مستقبلية متعلقة بهذا الشأن؛ فالسفر ليس مِن هواياتي المفضلة؛ لأنه يتعارض مع أحب هواياتي وأقربها إلى قلبي وهي البقاء في المنزل وعدم فعل أي شيء.

في الأيام الفائتة كانت الأرجنتين في واجهة الأخبار، ولكن هذه المرة ليس بسبب ميسي أو حتى ماك أليستر. بل بسبب فوز خافيير ميلي في الانتخابات الرئاسية، وهو من نوعية الحكام المفضلين عندي، وأذكر أني ابتهجت في وقت مضى بفوز ترامب في انتخابات  الرئاسة الأمريكية للأسباب نفسها التي أسعدتني بفوز الأستاذ خافيير.

فأنا ميال إلى أن يكون الفائز في الانتخابات في من النوع الوقح الذي لا يجيد الألاعيب الدبلوماسية، وربما يكون سبب هذا الميل عندي إلى هؤلاء الأشخاص أنني كسول ولست من ذلك النوع من الناس الذي يبذل جهدًا في التفكير بين السطور والبحث في مقاصد لم يصرَّح بها علانية؛ فهذا أمر متعب فضلًا عن أنه غير مفيد، وهذه النوعية من الساسة توفر علي عناء التفكير؛ لأنهم يعبّرون عما يدور في أذهانهم دون مواربة.

صحيح أن هؤلاء الصرحاء من المتطرفين الذين يقفزون إلى السلطة في كثير من أصقاع العالم في هذه الأيام، لكن من الجميل أن يُظهروا للناس أفكارهم الحقيقية ولو كانت في غاية التطرف والابتذال.

من انتخابات 2016 / Giphy
من انتخابات 2016 / Giphy

وأظن ظنًا لا يلزم غيري بأن الشعوب التي تنتخب مثل هؤلاء تفعل ذلك من باب اليأس، لا لأنها تعتقد بأنهم سبيل الخلاص. تريد أن تحتج على الأوضاع السائدة فتلجأ إلى اختيار الأسوأ والأشد غرابة. وأعتقد بأن الشعوب التي عايشت فكرة الانتخابات ولها تجربة طويلة فيها وصلت إلى نتيجة واضحة بأن الوعود التي يطلقها المرشحون قبل الانتخابات تنتهي صلاحيتها عند إعلان النتائج؛ ولذلك أصبح كثير من  الشعوب يميل إلى اختيار الشخصيات الغريبة الأطوار، لعلهم يجدون فيها شيئًا مسليًا، بما أن النتيجة واحدة. 

هذا يجعلنا نعود إلى فكرة الانتخابات نفسها، وقد قلت غير مرة إن هذه أكثر الطرائق غباء لتحديد مصائر الناس واختيار من يمثلهم أو يدير شؤونهم. هي تبدو طريقة مفيدة؛ لأنها منتج غربي وليس لأنها مفيدة بالفعل؛ فالعُمر وحده فقط ما يحدد أهلية المواطن في إبداء رأيه فيمن يحكم ومن يترك الحكم، وإن كان هذا المواطن  «لا يسوى التالية من الغنم». مع فائق الاحترام طبعًا للتالية من الغنم التي لا نعلم ظروفها ولا الأسباب التي دفعتها إلى أن تكون متأخرة في مسيرة الخِراف. وقد عنّت لي فكرة أن يكون الحل في مثل هذه الحالات أن تُجرى انتخابات سابقة للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية لاختيار «التالية من الغنم» أولًا؛ لكي تُستَبعَد من الترشح أو الانتخاب في الانتخابات. ولكني عَدَلتُ عن فكرتي لأننا سنقع في المشكلة ذاتها مجددًا وسيكون للذين لا يسوون التالية من الغنم رأي مؤثر في هذا الموضوع أيضًا.

وقد سبق أن اقترحت على الأمم التي تنتخب أن يُشترط الحصول على شهادة انتخابية بعد اجتياز دورة متقدمة في العلوم والسياسة والاقتصاد والاجتماع والرياضة تؤهل حاملها إلى أن يكون له صوت انتخابي؛ وهذا يبدو لي أكثر منطقية وأهمية من اشتراط شهادات الدراسة والخبرة عند التوظيف. لكن مما يؤسف له أن تلك الأمم لم تأخذ باقتراحاتي، ولذلك تدفع ثمن ذلك التجاهل بصعود شخصيات معتوهة إلى سدة الحكم بين الفنية والأخرى. 

أحيانًا افكر بأن وجود أمثال السيد خافيير في سدة الحكم أمر منطقي؛  فهذا العصر لا يحتاج إلى العقلاء كثيرًا، ولكن معضلة البيضة والدجاجة تفسد علي هذا الاحتمال، فلا أعلم هل هذا العصر السيئ هو سبب وجود هذه العينة من السياسيين، أم هؤلاء السياسيون هم مَن جعلوا هذا العصر سيئًا.

السؤال الجوهري في هذا الموضوع: لماذا أتحدث عن الأرجنتين البعيدة جدًا؟ والحقيقة أني لا أعلم سببًا واضحًا لذلك، ربما لأن شخصية خافير  تعجبني، وربما يكون السبب أن الأرجنتين بعيدة جدًا.

نشرة الساخر
نشرة الساخر
منثمانيةثمانية

الحياة أقصر من أن تستفزك تغريدة على إكس. هذه النشرة من أجل استفزازك بطريقة أخرى!