قصة قطة مسلمة يُدفع لها 25 دولار شهريًا!
كانت فليكس تعيش معي في هذه العمارة حتى قدم المسلمون من كل مكان، لقد ضغطوا على صاحب البناية حتى منع اصطحاب الحيوانات - مقالة عن قصة قطة مسلمة يُدفع لها 25 دولار شهريًا!
في بحثه عن ما يسمى خطًأ “مكانًا للسكن” كان قابلًا بكل شيء، هذه مانهاتن وليست بروكلين أو نيوجيرسي، وليست بطبيعة الحال مدينة أميركية أو أوربية أخرى، والمحظوظ من يجد فيها مكانًا يضع عليه رأسه آخر النهار.
تخلى عن حلمِ القرب من السنترال بارك، هذا النوع من الأحلام يشبه السؤال عن مستحقات نهاية الخدمة لمصرفيّ كبير. حتى أبناء الأثرياء لا يتجرؤون على هذا النوع من الأحلام البجحة، يأتون هنا في فصل واحد، يختارون بين الصيف والربيع -رغم أن الخريف أجمل- كي يلتقطوا بعض الصور:
صورة في التايمز سكوير -حيث أكبر تجمع مفتوح للأغبياء في العالم-
ثانية عند الملعون كولومبوس
ثالثة في نهايات مانهاتن بدايات بروكلين عند الجسر الأقدم
لم يكن يريد الوصول إلى بروكلين بريدج أو أن يتعدى جنوب الجزيرة المكتظة بالحياة، فلم يكن لديه سوى شرطين: إيجار مقبول يسمح له بالعيش وحيدًا، وبناية خالية من الكلاب والقطط، فهو يتقزز من لعاب الكلب وتؤلمه لمعة عين القطة.
هارلم
رمته المقادير شمال السنترال بارك، حيث الأغاني المسموعة بالغصب، والمجاذيب من الفقراء الذين يعرفون متى ومن يسألون الخمسين سنتًا، والقطار المستعجل الذي لا ينتظر، عمومًا لا أحد يحسن الانتظار في هذه المدينة.
بناية صامدة بالطوب الأحمر، ذات فراغ بحث عن اسم البناية ليكتشف أنه يمشي على أرضية بنيت عام 1903م، أي أبعد من تاريخ استقلال كل الدول التي ينتمي إليها. من الطابق الثالث يطل على حديقة تغنيه عن حلم السنترال بارك، يرى فيها الفصول وبإمكانه أن يطلب بذور نخلة أو شتلة موز ويزرعها ها هنا.
يعطيك الحي البسيط أحقية الانتماء واختيار الزرعة التي تعني لك شيئًا، بإمكانك أيضًا وضع اسمها في جدول معلق على باب الحديقة إن خفت ألا تلتزم بمواعيد السقيا، لا يمكن أن يكون في هذه الحارة الفقيرة متطوع لسقيا نبتة سافر عنها صاحبها!
ليست النباتات طريقة مناسبة للدخول في حياة الناس، لم تكن هذه فكرته ولكن الرجل الأربعيني الأسود الذي يسكن تحته ينظر إليه بنظرة غريبة كلما التقيا في الدرج الطويل. لم يفكر المهندس الذي صمم المبنى الضيق بين بنايتين كبيرتين أن يترك مساحة لمصعد قد يأتي -ولو من باب التفاؤل- في مستقبل بعيد.
كوك وفيلكس
تمامًا، مع عقارب السابعة صباحًا كل نهار، يرى كوك ماشيًا بجوار فيلكس، بجواره أي بمعنى أن جاره لا يعطي فرصة للكلب/ للكلبة مساحةً للمشي خلفه أو حتى أمامه. كوك -جاره الأربعيني الأسود الذي يسكن في الطابق الثاني- يمشي لليوم الخامس بجوار كلب/ كلبة اسمه أو اسمها فيلكس في تمام السابعة صباحًا.
آه من الفضول، هذا هو المرض الذي جاء به إلى هذه الغرفة المظلمة، متى يتوقف عن مراقبة العالم وينظر ولو مرة إلى داخله؟ ذهب إلى الدولاب الذي يسمى -خطأً أيضًا- دولابًا للملابس، فلا هو يدور كالدولاب ولا هو مستقل كقطعة أثاث خشبية كما هي الحال في البلاد التي جاء منها، يسمونه Closet.
أي أنه خارج الانقليزية لا يدور، بل هو مغلق تمامًا، وهذا صحيح فالـCloset جزء من جدار الغرفة الضيقة أصلًا، تشرع بابه فترى نفسك -في كل شقق المدينة- أمام سرداب مستطيل بالعرض، ينقسم -غصبًا عن الغني والفقير- إلى طابق سفلي كبير مجوف، وشبه درج علوي تكون مخيرًا بوضع حقائبك أو ملابس الشتاء فيه.
تستطيع أن تحصل على مساحة للدولاب، لكن ليس في مانهاتن.
هذا ليس وقت تعريف الدولاب، ترجّل سريعًا بشورت قصير وقميص مفتوح من جهة الإبط الأيمن مكتوب على صدره Harlem.
أخذ الجهة المعاكسة لكوك ومر على دنكن دونت ليأخذ قهوته التي لا تضطره للوقوف ولا لقول اسمها. تناول القهوة ومشى عكس عقارب الساعة، يعلم يقينًا أنه سيلاقي كوك في نهاية شارع 137 من الجهة الغربية، وعليه أن يستعد لفتح حوار مع جار لا يحبه، من حديث العيون تأكد له أن كوك لا يطيقه أبدًا رغم أنه رجل أسود، مثله تمامًا.
مر على مغسلة الحي، حيّاه صديقه المصري صاحب الحكاية الشهيرة. من بعيد سمع السلام عليكم بلهجة يعرفها من إب بل من الشحر في قلب جبال اليمن، وعلى الناصية كان كوك واقفًا باسمًا لأول مرة، والجارة السوداء المصابة بالروماتيزم تميل على فيلكس وتقول بصوت يقطر حبًا:
إنها حنونة جدًّا يا كوك، لا أدري من فيكما المحظوظ؟
أنا المحظوظ يا جاكي، لولا فيلكس لعدت للسجن أو لرميت نفسي من الطابق الثاني.
لا، لا تقل ذلك يا كوك، لا أحد يبعث الحياة في هذا الحي مثلك، لا أتخيل صباحًا دونك وفيلكس.
إنها سببي الوحيد للبقاء على قيد الحياة.
وقفت جاكي بصعوبة، مسحت دمعة حقيقية من عينيها ، حضنت كوك بقوةِ من يعرف مكان الألم:
أعرف أن الأسبوع الماضي كان عصيبًا، لم يستطع الشرب أن ينسينا ألم مرور سبع سنوات على رحيل مادلين.
مادمت تسقين شجرتها صباح الأحد فأنا بخير، فليكس تريد أن نكون عند التاسعة في السنترال بارك، تحب شمس الصيف في الحديقة جدًّا.
لا تحبون الكلاب!
مضت جاكي ليجد نفسه أمام كوك وجهًا لوجه، مد قبضته إلى منتصف صدره، شاهد شباب الحارة يتصافحون هكذا، مد بدوره قبضته باتجاه قبضة كوك.
أهلًا بك أيها الجار العزيز.
أهلًا بك.
لا تخف، إنها عجوز طيبة، فيلكس كلبتي التي عوضتني عن غياب مادلين.
اسف لفقدك يا صديقي، أنا جديد في الحارة ويؤلمني جدًّا أن أسمع ذلك.
لا عليك، أتفهم خوفك من الكلاب وعدم حبك لها. أنت مسلم، أليس كذلك؟
فاجأه السؤال، كيف عرف ذلك؟
أنا لا أخاف يا صاحبي، لكني لست معتادًا عليها في بلادي.
أنتم لا تحبون الكلاب، كلكم تقولون أنكم مصابون بالخوف منها، لكن الحقيقة أنكم لا تحبونها، أنتم تحبون القطط!
ولا القطط، أنا لا أحب القطط أبدًا يا صاحبي، ربما يكون التعامل مع الكلب أسهل علي من رؤية عيني قطة.
تنهد كوك ضاحكًا غير مصدق:
لكنكم تقولون أن القطط يقبلن الإسلام، بينما يبقى الكافر غير نظيف وبالتالي لا يمكنه الدخول في الإسلام أبدًا!
من قال لك ذلك؟ الإسلام للبشر يا صاحبي..
لا أدري ما هي مشكلتكم مع الكلاب، كانت فيلكس تعيش معي في هذه العمارة حتى قدم المسلمون من كل مكان، لقد ضغطوا على صاحب البناية حتى منع اصطحاب الحيوانات، بالكاد سمح لي أن آخذ غرفة الحارس كي أبات بها ليلًا مع فليكس.
أنا آسف جدًّا يا صديقي، لا يد لي في ذلك، لم أفعل شيئًا ينم عن كرهي للكلاب، فقط كنت حريصًا على ألا أسكن في عمارة بها أي نوع من الحيوانات لأني لست معتادًا عليها، أعتذر للمرة الثالثة!
لولا فيلكس لكنت قد رميت نفسي بعد رحيل زوجتي من الطابق الثاني، للأسف سأصاب ببعض الرضوض والكسور لو فعلت ذلك ثم أعود للحياة، رغبة فيلكس -بالمناسبة عيد ميلادها الجمعة القادمة- في المشي والحياة وشم الثلج أبقتني محبًّا للحياة. أنت مدعو للحفلة، ستكون حفلة صاخبة، تستطيع إحضار ما شئت، تدري يا صديقي، أنت جار جديد، حضورك كاف، السادسة قبل غروب الشمس أمام باب البناية.
لكن أخبرني يا كوك..
كيف عرفت اسمي؟
الجميع يحييك وأنت تركض صباحًا مع فليكس. أنت مشهور جدًّا يا صاحبي.
كوك، ومادلين، وجبريل
ابتسم كوك ابتسامة عريضة، عدل ياقته ليظهر صليب ذهبي على صدره.
أخبرني يا كوك، من قال لك أن القطط تدخل الإسلام؟
أوه يا رجل، هذه قصة طويلة، هل تريد المشي باتجاه السنترال بارك؟ لا يمكن لفيلكس أن تنتظر أكثر، سوف تبدأ بالغيرة منك أيها الجار الجديد. وضحك ضحكة من قلبه حتى بدت سنه الذهبية.
بالتأكيد، سوف أمشي معك باتجاه المحطة، سآخذ الباص الذي يقف أمام مستشفى هارلم. أخبرني يا صديقي..
تذكرني بجبريل يا صاحبي.، كان يمشي معي للمحطة دون أن يقترب من فيلكس أبدًا، كان الوحيد الذي أمشي معه وأنا سعيد قبل أن ترحل مادلين. هو أيضًا من الراحلين.
أنت مليء بالحزن والقصص يا كوك.. ماذا عن إسلام القطط يا رجل؟
كل ذلك بسبب جبريل، الرحمة على روحك يا جبريل والسلام والخلود لمادلين، إنها قصة طويلة يا صاحبي، أخشى ألا يكفي الطريق للباص لسردها..
سوف أمشي معك حتى تكملها يا رجل..
كان والد جبريل صديقًا لوالدي في نورث كارولينا، وعندما قررت الانتقال مع مادلين لهارلم، لم يكن لدينا أحد من المعارف سوى عمة وحيدة في البرونكس، لم أكن لأسكن في البرونكس، كان ذلك قبل ثلاثين عامًا، أي قبل أن يصل المسلمون للمباني وتُمنع الكلاب من المباني القديمة، هههه. ثم ضحك بصوت جلب أنظار المشاة على الرصيف إلينا، لا أحد يمر علينا دون أن يلقي السلام على كوك..
اللعنة عليك يا جبريل، كان مجنونًا نزقًا كثير الشرب قبل أن يصبح مسلمًا ملتزمًا، لكنه في كل حالاته وحتى في يوم موته لم يقترب خطوة واحدة من فيلكس. اللعنة، لقد كان الاستثناء الوحيد.
جبريل هو صاحب الشقة التي أسكن فيها، وفي مرضه الأخير ترك عندي ورقة أفتحها بعد رحيله.
كم مرة علي أن أعتذر لك عن فقدك يا صاحبي، حزين لحزنك..
لا لا .. لا تحزن أبدًا على جبريل، أنا متيقن من أنه أسعد مني ومنك الآن، كأني أراه الآن أسعد من فيلكس تحت شمس السنترال بارك.
ماذا وجدت في الوصية يا كوك؟
لقد ترك الشقة باسمي يا صاحبي، كان يحبني ويحب مادلين، جبريل الذي لم يرفع علينا الإيجار منذ ثلاثين عامًاً. كان يسدد أقساط البنك من إجارنا، وقبل أن يرحل عن الدنيا ترك لنا هذه الشقة التي تسكن فوقها اليوم. ليس هذا فحسب، بل كلفني بأصعب مهمة في حياتي!
أصعب مهمة في حياتي: القطة المسلمة
أصعب من مهمة الالتزام بالمشي مع فيلكس كل صباح؟
شيء يشبه ذلك، لقد جعل شرط ملكيتي للشقة أن أدفع خمسة وعشرين دولارًا شهريًا لقطة مسلمة!
قطة مسلمة، ما الذي تقوله يا كوك بربك؟!
هل رأيت المسجد الصغير الذي يقع في طرف المربع الذي نسكن فيه يا جاري العزيز؟
المبنى القصير ذا الطابقين وبابه أخضر فاتح؟
نعم، هو هو، المبنى مملوك لطبيب أسنان يهودي إيراني، وفي الطابق الثاني مسجد صغير. أعرفه منذ افتتاحه لأن جبريل كان يخرج في الصباح الباكر مستعجلًا متأخرًا كل يوم، لكني لم أكن أعلم أنكم تدخلون القطط إلى مساجدكم؟
لا أدري، أخبرتك أني أتجنب القطط والكلاب بغض النظر عن مكان تواجدها.
حين فتحت الوصية، وجدت أنه يوصيني بهذه القطة أكثر من توصيته على أبنائه، جدتها قطة مصرية جاء بها طبيب بيطري من الإسكندرية ومن ثم جعلها خادمة في المسجد الكبير بنيوجيرسي. تعرف أن القط مبيد حشري على شكل حيوان، لا يسمح للفئران بالتواجد في المباني القديمة ويقاتل كل الحشرات بشراسة بالغة، القطة كائن نرجسي لا يسمح لغيره بالاقتراب من المكان..
نيوجيرسي؟
نعم، وقد رزقت بقطة تشبهها في بدايات الألفين الميلادية. وحين كثرت المساجد الأفريقية في البرونكس احتاجوا إلى قطة مسلمة نظيفة كي تقوم بذات الدور في برونكس. وحين تقادم المسجد المقابل لمستشفى هارلم، جاء حفيد الطبيب المصري بابنة قطة البرونكس كي تسكن في المسجد وتكمل الرحلة التي بدأتها الجدة المسلمة!
وكيف عرفت كل ذلك وأنت لست مسلمًا يا كوك؟
صحيح أنني لست مسلمًا، والحقيقة أنني لا أستطيع التخلي عن فيلكس من أجل أي دين، ولكن الوصية تلزمني بتعبئة دولاب طعام القطة كل شهر، وهي تعرفني وتحبني، لكنها لا تقترب مثلك من فيلكس!
وهل تقوم بذلك شهريًا يا فيلكس؟
هل رأيتني يومًا متأخرًا عن السابعة صباحًا مع فليكس؟
لا، ولو أن لي في هذه البناية خمسة أيام فقط.
طعام القطة المسلمة هو قيمة إيجاري الشهري يا صاحبي، حتى في وصية مادلين وجدتها بخط واضح:
تستطيع أن تتأخر عن زيارة قبري وقبر جبريل، لكن لا تنس طعام القطة المسلمة يا كوك.