الشغف لا ينتهي عند التخصص الجامعي

لا شيء يدعونا لاكتشاف الذات سوى كثرة التجارب والخبرات المتراكمة، التي لا تأتي إلا من خلال الانخراط في مهام عملية يومية مع فريقٍ داعم.

واجهت عشرات المرات سؤالًا عن تخصصي الجامعي، وعندما أُجيب بأنه «التسويق» أرى نظرات الاستغراب واضحة تجاه مسلكي الفكري والعملي الحالي الذي اتخذته «بالكتابة» عن جوانب نفسية واجتماعية وتأريخية توثيقية. 

فأنا قريبٌ من فكرة أن الإنسان في عُمر الدراسة الجامعية على الأغلب لم يكتشف نفسه بعد. وأوافق صديقي العزيز عمر عاشور الرأي عندما قال لي في إحدى الدردشات «إن حياتنا الجامعية ستكون أكثر إثارة وفائدة ومتعة إن كانت في عُمرٍ أكبر من بداية العشرينات.» 

فلا شيء يدعونا لاكتشاف الذات سوى كثرة التجارب والاحتكاك والخبرات المتراكمة، التي لا تأتي إلا من خلال الانخراط في مهام عملية يومية مع فريقٍ داعم. فإذا لم نجد ذلك، فالأجدى أن نُجرب أمرًا آخر.

لهذا، غالبًا لا تُكتشف التخصصات الحقيقية إلا من خلال التجربة. وبعد التجربة، يأتي قرار اتخاذ الألم المناسب الذي يصاحب العمل في مجال واحد لفترة طويلة حتى ننمو فيه. 

عن نفسي، رميت طوبة تخصصي الجامعي في التسويق عام 2013 دونما شعور بالخجل، لأني ببساطة لم أجد نفسي فيه. إذ اكتشفت حينها أنَّ ولعي وحبي للقراءة والبحث وتأمل سلوك العامة يقودني للتوجه إلى إنتاج  المزيد من الكلمات المكتوبة، عوضًا عن العمل على خطة تسويق استراتيجية لأحد المنتجات التي ستُباع للعملاء.

«بداية استثمارات الشغف» هو ما حدث لدى رمي الطوبة. فالشغف وسيلة لاستكشاف ما نريد وليس غاية. لكن ما يحدث في الواقع، أنَّ بعضنا يعتقد بأن اختيار تخصصاتنا الجامعيّة بدافع الشغف يُلبِسُنا عبئًا كبيرًا في تحمّل -ما سنكتشف مع التجربة- أنه لا يُحتمل. 

فقد نعتقد أننا نميل إلى المحاسبة لدى دخولنا الجامعة، لنكتشف بعدها أننا نحب الطبخ أكثر. لكن لأننا حدّثنا الآخرين عن شغفنا الأول وتبنَّينا فكرة التخصص الجامعي فيه، نجد صعوبة في الانتقال منه والتحول إلى تخصص جديد.

لكن الانفتاح على قبول فشلنا، أو عدم حبنا لتخصص اخترناه، يجب ألا يدفعنا بالضرورة إلى التشبث به، حتى وإن سبقته سنوات دراسية عندما كنّا أصغر سنًا. فنحن لسنا تخصصاتنا الجامعيّة، وكما يقول عالم النفس كارل يونق:

أنا لستُ ما حصل لي.. أنا ما أختار أن أكون.

الإنسانالتجاربالجامعاتالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+360 متابع في آخر 7 أيام