عملك ليس عائلتك

اعتراف الشركة وموظفيها بطبيعة العلاقات المؤقتة جزء من خلق بيئة احترافية. بيئة تقوم على أداء كلٍّ لمهامه وواجباته تجاه الفريق.

لدى مباشرتي وظيفتي الأولى، كانت أول رسالة تلقيتها من جهة عملي على البريد الإلكتروني: «أهلًا بك في عائلتنا». بدت العبارة الطيبة صادقةً في بدايات عملي، فقد تحمّل مديري أخطائي بصبر وسعة صدر، واستقبلني جميع الزملاء بدفء وابتسامات واسعة. لكن سرعان ما اكتشفت أن عملي أبعد ما يكون عن عائلتي.

فعملي كان في وكالة تسويق، ومن طبيعة العمل فيها كثرة خروج الموظفين القدامى ومجيء جدد مكانهم. وعلى نقيض أفراد العائلة الذين يبقون معًا لتكوين ثقافة منزلهم الخاصة، كانت ثقافة فريقنا دائمة التغير لكثرة تنقّل أعضائه.

وكان استغناء الوكالة عن عدد من الموظفين أثناء جائحة كورونا لظروفها المالية درسًا آخر لي. فالعائلة يستحيل أن تستغني عن أبنائها مهما ساءت الأحوال، بخلاف جهة العمل حيث تظل جميع العلاقات مؤقتة.

لا أُنكر هنا أهمية بناء ثقافة إيجابية وعلاقات داعمة ضمن بيئة العمل، ولستُ ضد تكوين صداقات بين الزملاء تستمر خارج حدود المكتب. لكن تسمية مكان العمل «عائلةً» خدعة، وإن كانت تشبيهًا لفظيًا بغرض المجاملة فقط. 

فوصف شركة لنفسها بأنها عائلة يُشير إلى ولاء غير واقعيّ إلى مكان العمل، ويفترض استعداد الموظفين لتحمّل ساعات عمل طويلة أو التعايش مع أنماط من سوء المعاملة. كما قد يؤدّي إلى تلاشي الحدود بين العمل وحياتنا خارجه بحجة «الانسجام في العائلة». 

وهذا ما اكتشفته من تجربتي، إذ أدركت ضرورة التوقف عن العمل بعد الخامسة مساءً وعدم الاستمرار في الرد على الرسائل وإن كان عن بُعد. فعائلتي الحقيقية (والديّ وأشقائي) كانت تجدني مخترقةً بعد يوم مُرهِق في العمل، غير قادرة على الاستمتاع بوقتي معهم.

وبينما تصف شركات نفسها بأنها «عائلة»، تدرك شركات أخرى الوصف الحقيقي لها، فنتفلكس ترى نفسها «فريقًا رياضيًا محترفًا، وليس عائلة. فالعائلة تقوم على الحب غير المشروط، أما فريق الأحلام فيقوم على دفعك نفسك لتكون أفضل زميل ممكن في الفريق… علمًا بأنك قد لا تكون في الفريق إلى الأبد.»

اعتراف الشركة وموظفيها بطبيعة العلاقات المؤقتة جزء من خلق بيئة احترافية. بيئة تقوم على أداء كلٍّ لمهامه وواجباته تجاه الفريق، مع إدراكك أنَّ ثمة لحظة ستترك فيها مكان عملك لفرصة أفضل، أو يتركك مكان عملك لموظف أفضل، برسالة وداع لطيفة.

الشركاتالعملالموظفالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+640 مشترك في آخر 7 أيام