أعوذ بالله من طيف لا ينفع!

«الغلا»، الذي أريد أن «اسج عن موضوعه» حين أسمع بيت ابن جدلان من نوع آخر. غلاء مستفز كريه بغيض باعث على الإحباط والتعاسة والحزن.

يقول سعد بن جدلان رحمه الله:

خلوني أسج عن موضوعه أحسن لي

وإلا الغلا.. والله إن يبطي وهو غالي

ومع أن «الغلا» الذي أشار إليه سعد بن جدلان من النوع المستحب اللذيذ الباعث على السعادة، ومع ذلك فقد كان يطلب من جلسائه محترفي الأسئلة الاستفزازية أن يتركوه وشأنه لرغبته في تجاهل الموضوع واعتقاده بأن ذلك أفضل له. و«الغلا»، الذي أريد أن «اسج عن موضوعه» حين أسمع بيت ابن جدلان من نوع آخر. غلاء مستفز كريه بغيض باعث على الإحباط والتعاسة والحزن.

والرابط المشترك بين الغلائين هو أن كليهما «سيبطي»!

أما «السجة» فإنها مختلفة. حين يسج بن جدلان، فإنه يبتسم حين يمر طيف الغلاء أمامه، ويشعر أن الحياة أجمل، وأن «الغلا» هو أحد الأشياء التي أشار إليها محمود درويش حين قال: «على هذه الأرض ما يستحق الحياة.»

أما حين «أسج»، فإن الأطياف العابرة التي ستمر أمامي تباعًا لن تخرج عن طيف مقاول أو مطور عقاري أو وزير يصرف كثيرًا من الوعود بطريقة تجعل النسيان حلمًا بعيد المنال. أو إعلامي يردد بأن العقار سينهار منذ أن كنت نطفة، ويبدو أنه سيستمر في ذلك إلى أن أصبح ترابًا. وتلك أطياف لا تبعث على الابتسامة ولا تستحث الحنين، ولكنها مما يستعاذ بالله منه، وحين يكون هؤلاء هم ندماء «سجتك» فلن تجد على الأرض سوى ما يستحق الضريبة، أو ما يستحق الدفان أو ما يستحق رخصة بناء أو ما يسحق الحياة.  

الباعث على الطمأنينة في حفلة الغلاء والغالين هذه أني قرأت مؤخرًا أن جمعية الذوق العام تقول على لسان نائبها إن عددًا من الأسئلة تعتبر من مخالفات الذوق العام، كالأسئلة عن تأخر الزواج أو العمر، ولا أشك مطلقًا بأن الجمعية ونائبها يعلمان بأن سؤال «متى ستبني؟» أشد الأسئلة جرمًا، وأكثرها مخالفة للذوق بنوعيه الخاص والعام.

ولا أعلم هل الجمعية تعاقب أم أن مهامها تنحصر في النصح والإرشاد والدعوة إلى ترك الناس «يسجون» عن الموضوعات المستفزة «أحسن لهم»، بما أن الغلاء باقٍ ويتمدد.

Jerry Seinfeld Seinfeld 1
جيري ساينفيلد / Tenor

ولعلها فرصة سانحة أن أطلب من هذه الجمعية الموقرة أن تتوجه إلى الشعراء وتطلب منهم وصف حبيباتهم بأي شيء غير «الغلاء»، لأن الحب سيدخل بهذه التوصيفات نفقًا مظلمًا مع موجة التضخم التي تضرب العالم دون رحمة ولا شفقة.

ولن يكون الوضع لطيفًا أن تكون تصريحات وزير المالية أو التجارة أو حماية المستهلك هي التي تذكرك بحبيبتك، وعلاقتك معها تتغير وفقًا لسعر خام برنت، سواء أكنت شاعرًا بائعًا لعبارات الحب، أم مجرد عاشق مستهلك لها.

في هذه الحالة سيكون حتى الحديث عن الحب مخالفة للذوق العام بعد أن كان الحب نفسه هو المخالفة.

التضخمالمجتمعالرأي
نشرة الساخر
نشرة الساخر
منثمانيةثمانية

الحياة أقصر من أن تستفزك تغريدة على إكس. هذه النشرة من أجل استفزازك بطريقة أخرى!