أنا أنام إذن أنا أفكّر

تعلمت أيضًا درسًا لن أنساه: حين تستفحل المعضلة وتستغلق أبوابها، فالنوم جزءٌ رئيس من أي محاولة لإدراك خيوط حلها.

منذ عشرين عامًا وأنا أفكّر نائمًا. لا تخلو الجملة من غرابة، وهو الأمر الذي يضطرني بطبيعة الحال لشرحها وتبرير وجهة نظري بتفصيل أكبر، تمامًا كما سأفعل الآن. 

عليَّ أن أوضح أولًا أن «تفكير النوم» (sleeping on it) هذا ليس وليد قراءة مقالة تؤكد على دور النوم في تصفية الذهن، والتخلص من إلحاح الضغوط في سبيل التوصل إلى قرار سليم. ولا نتيجة مقالة تتناول أهمية النوم في ترسيخ ما ينطبع في الذاكرة، وقدرته على ربط المعارف الجديدة بالقديمة

عهدي بهذا النوع من التفكير يعود لواقعةٍ كان أطرافها أنا وجهاز سيقا وشريط «سونيك ثري دي بلاست» (Sonic 3D Blast).

اصطحبني والدي يوم الواقعة لشراء شريط جديد بعدما انتهى موعد حشو أسناني بلا مشاكل تذكر، إنجازٌ لطفلٍ لم يتجاوز الخامسة. وبما أنه قد شاع بين أقاربي أني «معقد كومبيوتر» يعشق إفناء الأوقات على صخر وسوبر نينتندو وكل ما تصل إليه يداي من أجهزة ألعاب الفيديو، لم تكن مكافأتي بشريط جديد أمرًا مستغربًا. 

اخترت سونيك دون تردد. ولما عدت إلى المنزل، بدأ السباق ضد الزمن متمثلًا في بلوغ أقصى مرحلة قبل أن يسخن محول السيقا الكهربائي فنضطر أنا وإخوتي لإطفاء الجهاز، وهو الأمر المعتاد في أزمنة ما قبل «الميموري كارد».

لم يكن الأمر سهلًا، إذ كان علينا اكتشاف آليات اللعبة وهزيمة الزعماء فيها دون أدنى إلمام بالتعليمات المكتوبة بالإنقليزية. ولذا فإن وصولنا للزعيم الثاني من اليوم الأول إنجازٌ بحد ذاته. سوى أن خيبة الأمل سرعان ما تسربت لأنفسنا، فقد كان الزعيم بمركبته سدًّا منيعًا ضد كل محاولاتنا البائسة لهزيمته قبل أن يسخن المحوّل. ونظرًا لتأخر الوقت، أطفأنا السيقا عازمين على المحاولة مجددًا في اليوم التالي.

لكن ذهني قرر ألا ينتظر. في غضون ساعات، رأيت في المنام أني بلغت الزعيم نفسه وهزمته عبر الصعود على ذراع مركبته بطريقة معينة تمكنني من إلحاق الضرر به. وما إن استيقظت حتى بشَّرت الجميع بالحلم وسر الانتصار، وهو ما تجلّى بالفعل حين هزمت الزعيم أمام أعينهم المشككة.

وفي حين لازمني لقب «معقد الكومبيوتر» سنينًا أطول جراء هذه الواقعة، إلا أنني تعلمت أيضًا درسًا لن أنساه: حين تستفحل المعضلة وتستغلق أبوابها، فالنوم جزءٌ رئيس من أي محاولة لإدراك خيوط حلها.

الإنسانالتفكيرالنومالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+290 متابع في آخر 7 أيام