الفن المستدام في إيميلات الغرام

مشكلة الأغاني التي تقحم التقنية في كلماتها أنها ستفتقد للمعنى بعد وقت. وقد تحتاج إلى موسوعة وفيديوهات تاريخية تشرحها لك.

بينما كنت غاطسًا في مقاطع يوتيوب القصيرة استوقفتني مقابلة لمغني الراب سولجا بوي وحديثه عن إحدى أغانيه «كس مي ثرو ذ فون» (Kiss me through the phone) التي أعادت إليَّ ذكريات مضحكة.

صدرت هذه الأغنية في 2008، وكما يوحي عنوانها، فالعاشق الولهان بعيدٌ عن حبيبته، ويطلبها أن تقبُّله عبر الجوال. لم يكن هناك فيس تايم ولا واتساب، وكان على العشاق الاكتفاء بصوت إطباق الشفاه وشفط الهواء المصحوب بقرقرة خفيفة للعاب ينتقل عبر موجات الأثير إلى أذنيك.

إن استمعت للأغنية اليوم ستجد أنها أقرب للسخف منها للرومانسية.

وللفن العربي نصيبه من محاولة إقحام التقنية في الحب. فالفنان صالح خيري غنَّى في التسعينيات أغنية جاء فيها «تبيجرني وأترك رقمك السري» وهي طلاسم عصية على فهم مواليد التسعينيات ومن يليهم. فالأغنية تحمل في طياتها تقنيتين: الأولى جهاز البيجر، والثانية تقنية الرقم السري لصدّ المكالمات المزعجة على الهواتف الأرضية.

كلا التقنيتين توفيتا بلا رجعة، لتصبح الأغنية شاهدة على عصر مضى، وقيمتها التاريخية أكبر من الشاعرية.

إقحام التقنية لم يتوقف عند التسعينيات. ففي 2010 غنَّى أبو الليف «كينق كونق» وطلب من حبيبته إزالة «العيال دي» من قائمة أصدقائها على الفيسبوك لغيرته عليها. بل طالبها «بالباسوورد» ليطمئن قلبه. أما في الغرب فقد غنى أحدهم أغنية بعنوان «هت مي أون تويتر» (Hit Me on Twitter) وهي سابقة لعصرها كونها جاءت في 2009 قبيل تفجُّر شعبية تويتر.

مشكلة الأغاني التي تقحم التقنية في كلماتها أنها ستفتقد للمعنى بعد وقت. فلو عدنا إلى أغنية صالح خيري المُطَعَّمة بالإشارات للبيجر سأجد نفسي اليوم قادرًا على شرح الفكرة لجيل الآيباد. لكن تصوروا مرور مئة سنة من اليوم، ستحتاج إلى موسوعة وفيديوهات تاريخية تشرح لك ما البيجر والرقم السري، وما الهاتف الأرضي أصلًا! أما ارتباط الأغاني بشركات مثل فيسبوك وتويتر فسوءٌ في التقدير. فمن يضمن بقاء هذه الشركات بعد زمن؟

لذا نصيحتي لكتَّاب الأغاني أن يشاوروا التقنيين قبل كتابة أي أغانٍ تقنية لضمان بقاء صلاحية أغانيهم فترة أطول. عن نفسي، أرشّح استبدال جوابات الحب «بإيميلات الغرام» كون الإيميل تقنية لا تخضع لتحكم أحد، ومن المتوقع أن تعمِّر عقودًا طويلة.

#حبوا_بعض

الأغانيالتقنيةالمستقبلالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+640 مشترك في آخر 7 أيام