لماذا نقضي 12 سنة في الدراسة؟
عملية التعليم أمر قديم لنا كبشر، لكن من سن قوانين النظام التعليمي الحديثة والحالية؟ ولماذا المنظومة التعليمية تجبرنا على 12 سنة؟
نقضي من أعمارنا 12 سنة في التعليم النظامي بين الابتدائية والمتوسطة والثانوية. نتعلم فيها كثيرًا من الأمور التي تنفعنا، ولم يخطر ببالنا أن نتساءل عن السبب؟ من وضع هذا النظام؟
وجدَ التعليم منذ بدأت البشرية، وتعددت وتطورت أشكاله خلال التاريخ. لكن دعونا نركز على الفترة التي بدأ فيها باتخاذ الشكل الجديد الذي قادنا إلى النظام التعليمي لليوم ولن نتطرق إلى التعليم بشكل عام، فنحن نعرف في تاريخنا الإسلامي أن التعليم بدأ منذ وقت مبكر. إلاّ أنّ المنهج وقتها اقتصر على تعلم القراءة والكتابة وبعض الأمور الدينية، ولم يكن هناك نظام تعليمي منظم تابع للحكومة ولم يكن هناك سن معينة لبدء التعلم فالكل مرحب به من الطفل وحتى الشيخ.
محاولات
ترجع أول محاولات لتنظيم التعليم وجعله تابعًا للحكومة إلى أوروبا. ففي القرن الثامن عشر، قام إيفان بتسكوي مستشار التعليم لكاثرين الثانية ملكة روسيا في ذلك الوقت، باقتراح أن يتم تعليم أطفال روسيا في مدارس خاصة بعيدًا عن المؤثرات الخارجية، وفي بيئات محكمة. بحيث يتخرج منها “نوع جديد من المواطنين” الذين تربوا على المنهج الذي رسمته الحكومة بعيدًا عن رذائل المجتمع.
لاقى المقترح قبولاً عند الملكة التي قامت بتطبيقه في حيز ضيق ولم يكن على مستوى الإمبراطورية كاملاً. وبالرغم من أننا قد نرى تشابهًا بين الوضع الحالي وبين فكرة إيفان إلا أن روسيا لم تكن المؤثرة الكبرى في النظام التعليمي بل كان الألمان، فهم من وضع معالم التعليم الحديث وكانت ألمانيا تُعرف في ذلك الوقت باِسم بروسيا.
النظام البروسي
تحدث الكثير من الناس ومن ضمنهم سلمان خان (مؤسس أكاديمية خان) عن أثر النظام البروسي في رسم أنظمة التعليم من القرن التاسع عشر وحتى اليوم، فما هو النظام البروسي؟
وضعت السمات الأساسية لنظام التعليم البروسي من قبل فريدرك العظيم ملك بروسيا في القرن الثامن عشر في العام 1763. فقد جعل التعليم إجباريًا لمدة 8 سنوات للأطفال ما بين عمريْ 5 سنوات إلى 13 أو 14 سنة. في البداية، كان التعليم يقتصر على القراءة، والكتابة، والموسيقا، والدين، مع التركيز على غرس بعض القيم والمُثُل العليا التي تفيد الدولة مثل التضحية والكفاح.
أما المواد الأخرى مثل الرياضيات فقد تم إدخالها في المقرر في وقتٍ لاحق. منذ ذلك الوقت، أخذ النظام في التطور إلى أن أصبح في بدايات القرن التاسع عشر نظامًا متكاملاً بمدارس مدعومة من قبل الضرائب ومقررات حكومية وتعليم مجاني للفقراء.
بعد إعجاب الكثير من الناس بنظامهم، قررت الكثير من الدول المجاورة لبروسيا تبني أنظمة تعليمية مشابهة لنشر المعرفة والقضاء على الأميّة وبناء شعوبٍ جاهزة للقرن الجديد.
كيف جاءت فكرة الإثني عشر سنة؟
في بدايات القرن التاسع عشر، بعد أن بدأ النظام البروسي في الانتشار في الولايات المتحدة على يد هوراس مان الذي أعجب به بعد زيارته لأوروبا. واجهت الحكومة مشكلة عدم وجود نظام دراسي موحد بين الولايات المختلفة، ما سبب مشكلة للجامعات التي لا تعرف كيف تتعامل مع الطلبة المتقدمين من ولايات مختلفة. لذا رغبت الحكومة في توحيد المقررات والمخططات في مختلف الولايات، ليكون مستوى الطالب المتخرج معروفًا حين يتقدم لأي جامعة.
تم في العام 1892، تشكيل ما أطلق عليه “هيئة العشرة” المكونة من عشرة شخصيات في حقل التعليم. كان عليها الخروج بتوصيات لتوحيد النظام التعليمي في الولايات المتحدة. أبرز توصية خرجت بها هذه الهيئة كانت أن على الطالب أن يدرس 12 سنة، 8 منها في المرحلة الأساسية، و4 في المرحلة الثانوية.
ساعد إيجاد مثل هذا النظام على إعطاء فرص متساوية للجميع في العمل وتقرير مصيره في الحياة. فدراسة الكلّ نفس المواد، سوف يساوي فرصهم حين يتقدمون للجامعة. والفَرق، سيكون في أداء الشخص وتحصيله الدراسي.
لاحظ البعض أن النظام الدراسي يشمل الطلبة لسن الثامنة عشر، والبعض يعتقد أن له علاقة بوصول الشخص لسن البلوغ القانوني. ففي الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى، يعتبر الشخص بالغًا حينما يصل إلى سن الثامنة عشر. ولذلك، فإن مسؤولية الحكومة تنتهي بوصوله هذا السن ومن المفترض أن يصبح الشخص مسؤولاً عن كل تصرفاته وقرارته بما فيها التعليم الجامعي.
ماذا عن الدول العربية؟
يذكر هذا المصدر الذي يتحدث عن عن التعليم أيام الإمبراطورية العثمانية، أن جهود توحيد نظام التعليم بدأت في عهد السلطان محمد الثاني في عام 1824م. واستمرت لعدة سنوات، وخرجت وقتها بعض القوانين والقواعد منها أن التدريس الابتدائي يكون إجباريًا لمدة 4 سنوات. وخلال عدة سنوات كانت هناك كثير من القوانين والمحاولات لتنظيم التعليم وجعله حقًا لكل الأطفال. وهذا تم بحلول العام 1876، حيث تم جعل التعليم الأساسي جزءًا من الدستور.
لم أوفّق في الحصول على معلومات عن تأسس أنظمة التعليم في الدول العربية، وكيف تم إعتماد النظام الحالية. قد يكون للحكم العثماني دورٌ في إدخال الأنظمة الدراسية إلى بعض الأقطار العربية. أضف إلى ذلك الاستعمار البريطاني والفرنسي، اللذان كانا من المتأثريْن بالنظام البروسي الذي تحدثت عنه سابقًا. ومن ثم المد الثقافي الأميركي نظرًا لتأثيره على العالم في القرن العشرين، حيث كان النمط الأمريكي يقلَّد في كل شيء.