نازيّون بطبعنا!

اللاجئون والمشردون الذين حرمتهم الحروب من حياتهم، لم يشاركوا في قرار الحرب، لا يريدونها ولا يتمنونها، لكنهم وحدهم من يدفع ثمنها.

يعيش الإنسان المعاصر وضعًا لا يُحسَد عليه. لا بد أن يشارك في كل حرب، وتمسُّه تداعيات وآثار أيّ اقتتال بين أي طرفين في الكوكب. تذهب إلى البقالة فتجد أنَّ سعر الخبز ارتفع لأن روسيا التي تبعد آلاف الكيلومترات عن المخبز قررت غزو أوكرانيا التي لم تسمع بها إلا في كأس العالم لكرة القدم.

تضطر إلى سماع الكثير من الآراء والتحليلات العسكرية والاقتصادية عن حرب بين دولتين تسمع بتاريخهما للمرة الأولى. ثم يأخذك الحماس وتدلي بدلوك في الخطط العسكرية وكيف ينتصر فريقٌ على آخر مع أنك عاجز حتى النخاع في التخطيط ليومك الذي تعيشه، وفاشل فشلاً ذريعًا مريعًا في التخطيط ليومك الآتي.

والحديث هنا عن البشر العاديين أنا وأنت وهو وهي، نحن من نخوض كلَّ يوم معركة مع الحياة نفسها. لا يهمنا أنَّ حلفًا انتصر على آخر، ولا أنَّ عتاد دولة يفوق أخرى بقدر اهتمامنا بالاحتفال نهاية اليوم بكسبنا معركة مع الحياة في حربنا الطويلة معها التي لا تنتهي حتى ننتهي.

اللاجئون والمشردون الذين حرمتهم الحروب من حياتهم لا يعرفون حتى أسماء الأسلحة التي يُقتلون بها. لم يشاركوا في قرار الحرب، لا يريدونها ولا يتمنونها، لكنهم وحدهم من يدفع ثمنها. وفي الغالب لا يعيش قادة الحرب في الملاجئ ولا يقتلهم البرد، ولا يموتون جوعًا وحزنًا وشوقًا لأحبتهم الذين لا يستطيعون إلى لقائهم سبيلا.

وعلى أي حال، فكرة الحرب موجودة في الإعدادات الأساسية للكائن البشري. ولو قُدّر لأحد المشردين والمستضعفين واللاجئين أن يكون في مركز سلطة وقوة لفَعَل ما يفعل القادة، ولو اختلفت الظروف قليلًا لكان القائد السفاح أحد اللاجئين.

وكل التغييرات التي حدثت في العالم كانت تالية لحربٍ ما. لا بد أن يموت الآلاف أو حتى الملايين ليقتنع الإنسان أنه لا بد أن يتغير. ثم حين يملُّ من وضعه الجديد يفكر في حرب أخرى.

قناعاتنا الآن التي نظن أنَّها حقائق لا تقبل الجدل، لو اختلفت نتائج الحرب العالمية الثانية لأصبح لدينا قناعات أخرى مناقضة نؤمن بها ولا نقبل المساس بها. ربما سيكون مثقفونا دعاة للنازية، ويرونها الطريق الوحيد للحاق بركب الذين سبقونا. وكنت ستؤمن أنك حتى تكون متحضرًا فيجب أن تكون نازيًا ممعنًا في النازية ولك في النازيين نسبٌ عريق.

الحربالسياسةروسياالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+650 مشترك في آخر 7 أيام