الموظف السحّيب على لينكدإن

ثقافة لينكدإن التي تقدّس كل ما يمكن إضافته للسيرة الذاتية، جعلت الحياة الوظيفية وتفرعاتها أولوية «طبيعية» عند الموظف يرتب حياته وفقها.

الروبوت سيأخذ وظيفتك / Davide Bonazzi
الروبوت سيأخذ وظيفتك / Davide Bonazzi

كان أكتوبر أو نوفمبر من العام 2014. صودف أن يُجدول في الأسبوع نفسه عرضٌ تقديمي موجَّه للموظفين الجدد المنخرطين في البرنامج التدريبي في الدائرة (وأنا منهم)، واجتماعٌ مع مدير القسم حيث تبدأ المجموعة تدريبها. 

يقدم العرض موظفٌ شاب لم يتجاوز الثلاثين، بينما يديرُ القسم موظفٌ على أعتاب التقاعد. يخبرنا الموظف عن قضائه الليالي ساهرًا بين جدران المكتب لإنجاز الأعمال المتراكمة وإبهار الرؤساء، متفاخرًا بتعداد الأيام التي نام فيها بمكتبه «وما طلعت إلا عشان آخذ شاور وأرجع». 

أما المدير فأكثر ما كان يندم عليه طوال حياته المهنية إفناءُ ساعاته خارج أوقات العمل الرسمية مشتغلًا لوظيفته. وكيف يترقب وصوله إلى التقاعد حتى يقضي المزيد من الوقت مع أحبابه ويباشر تحقيق كل أحلامه المؤجلة.

ليس الأمر محض درسٍ يُستفاد من حكيمٍ قاسى الحياة فنقل ثمار تجربته لمن بعده، بل تساؤلٌ أكبر عمَّا حدا بشاب في مقتبل العمر إلى أن يعد الحياة الوظيفية وتفرعاتها أولوية «طبيعية» يرتب حياته وأنشطته وفقها. فالشاب قرر ألا يكتفي بأن تنقسم أيامه على خمسة أيام عمل ويومي عطلة نهاية أسبوع، وألا يقنع بفكرةِ أن الوظيفة مجرد مصدر دخلٍ يستعين به على العيش.

ما حدث أنه امتص تصور الحياة السعيدة كما تروِّج لها منظومة الشركات: الحياة التي تلتف حول الوظيفة وقيمها.

يلحُّ علينا هذا التصور اليوم حيثما نولي وجوهنا. فشبكات التواصل الاجتماعي مثلًا تمتلئ بنصائح رواد الأعمال لكي نصبح أكثر احترافية، وتضج بحسابات غير رسمية يعرّف أصحابها أنفسهم من خلال منصبهم أو مؤهلهم الوظيفي. كما تزخر بإعادة تعريف ما هو مفيد على ضوء إنتاجية مرتبطة غالبًا بما يطور الفرد أو يعود عليه بمقابلٍ مادي. 

وفوق كل ذلك، يصبح التقدم والانضباط الوظيفي مقياس النجاح الحياتي عمومًا. وليست ثقافة لينكدإن الآخذة في التفشي اليوم باحتفائها وتقديسها لكل شاردة وواردة يمكن إضافتها للسيرة الذاتية إلا تجليًّا لإحدى صور الحياة الرغيدة هذه. في خضم كل ذلك، أليس الموظف الكسول السحّيب مقاوِمًا لطبعنة حياة منظومة الشركات؟

الثقافةالسلطة
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+330 متابع في آخر 7 أيام