كيف يحمينا التنوع البيولوجي من الجائحة القادمة

كل الشباب الواعد، نطرح أسئلتنا الكبيرة والصغيرة والمتغيرة والعالقة، مع مختصّين وباحثين وعُلماء، ونفهم معهم كيف نعيش ونستعد ونعمل من أجل مُستقبل أفضل. 

--:--

متى كانت آخر مرة رأيت فيها دعسوقة؟ أو حتى فراشة ملونة؟ غالب الظن أنك لم تلمح إحدى هذه الحشرات منذ زمن. فكلما تطرق العلماء لمسألة التنوع البيولوجي الآن، يأتي ذكر أنواع حياة بدأت أعدادها في التناقص، وربما أسوأ، انقرضت على غفلة منا وما عاد بوسعنا إنقاذها.

يتصدر التغير المناخي العناوين، بمشاهد مخيفة ذات تأثير لحظي نلمسه: الفيضانات في مناطق والجفاف في أخرى، درجات الحرارة المرتفعة سنة بعد سنة. في حين يطال التنوع البيولوجي ضبابية واسعة: أهو الغطاء الطبيعي؟ أم تنوع أنواع الحياة، أم مجرد كلمة منمقة نصف بها المكان الذي زرناه في آخر رحلة؟ والأدلة على اختلاله دائمًا ما جاءت بعد فوات الأوان. 

هل من المهم فعلًا إنقاذ كل أنواع الحياة؟ 

في الثمانينيات، تجاوز شيوع مصطلح «التنوع البيولوجي» الوسط العلمي إلى الإعلام. وانتظرت الأمم المتحدة إلى عام 1992 لتوحّد تعريفه فيكون: تنوع الجينات والأنواع والنظم البيئية في منطقة معينة. 

غالبًا ما يُقاس التنوع البيولوجي بحساب «ثراء الأنواع» (Species Richness)، أي تعداد أنواع الحياة في منطقة ما. ولا يعني ثراء الأنواع بالضرورة تنوعها أو توازنها فيما بينها.

من هنا، جادل بعض علماء الأحياء التطورية بأن التنوع البيولوجي لطالما كان غامضًا. فهل إنقاذ الأنواع التي ساهمنا كبشرٍ في تناقص أعدادها، ضرورة لحمايتنا؟ أم إرضاءٌ لشعورنا بالذنب وتنفيذٌ لمبدأ الصواب والخير؟ في النهاية، ألا يُجمع العلماء بأننا نعيش موجة الانقراض السادسة، والانقراض جزءٌ من التطور؟

لعقدين على التوالي، فشلنا في ضمان التنوع البيولوجي وحمايته. تتجاهل هذه الحجة نقطة أساسية يرد عليها علماء آخرون. لا يمكننا الاستخفاف بما لم نفهمه ونستوعبه كليًا. تدخُّل الإنسان في منظومة بيئية مركبة واستغلالها دون فهم علميٍّ كاملٍ يدخلنا في ورطات اقتصادية وبيئية وصحية كبيرة، آخرها جائحة كوفيد-19.

فنحن نعتمد على التنوع البيولوجي في تأمين غذائنا وحمايتنا من الفيضانات والتعرية. ويفترض بالمساحة الآمنة بيننا والحياة البرية -التي نقلّصها أكثر فأكثر- حمايتنا من الأنواع الحاملة للعوامل الممرضة. فثلاثة أرباع الأمراض المعدية تأتي بالاتصال المباشر بأنواع حياة أخرى.

أتت الجائحة ردًّا قاسيًا في آخر عام من العقد 2010-2020 الذي حددته الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي. ولم تحقق الدول الأطراف في الاتفاقية المتعلقة بالتنوع البيولوجي في اليابان أيًا من «أهداف إيشي العشرين» التي سطَّرتها. ولا الأهداف التي سبقتها في بروتوكول قرطاجنة عام 2000: التوعية بأهمية التنوع البيولوجي وتعزيز الاستدامة وحماية النظم الإيكولوجية وفوائدها الاقتصادية المشتركة والتخطيط التشاركي وإدارة المعرفة وبناء القدرات.

هل ستعرف الأجيال المقبلة الفراشات؟

كانت صدفة أن لمحت دعسوقة قبل أسابيع فحسب من تسجيل الحلقة الأولى من بودكاست بُكرة مع البروفيسورة ماجدة أبوداغر. لم أرها منذ اثني عشر عامًا، وكانت على القدر نفسه من السحر الذي كانت تحلق به في سماء القرية. 

ربما لن تختبر الأجيال المقبلة الطبيعة كما اختبرناها نحن. وليس أمامنا سوى نافذة زمنية ضيقة لنخلق الفارق، بجهود حاسمة وعاجلة من العلماء وصنّاع القرار والأفراد معًا.

عرفت من البروفيسورة ماجدة أبوداغر أن مجتمع علماء المناخ وعلماء الأحياء اتفقا للمرة الأولى على توحيد الجهود، بأول تقرير مشترك للـ«هيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» (IPCC) و«المنبر الحكومي الدولي المعني بالتنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية» (IPBES). 

ليسوا الوحيدين المعنيين بالأمر. إذ ينبغي لعلماء البيئة العمل مع باحثي الأمراض المعدية والمنشغلين في مجال الصحة العامة والأطباء لتتبع التغير البيئي، وتقييم مخاطر عبور مسببات الأمراض والحد من الأنشطة البشرية الاستنزافية والخطرة. دون إقصاءٍ للثقافات المحلية الأعلم ببيئتها ومحيطها، كمجتمع الصيادين بقرية الشرفية بتونس، واعتمادهم على تقنيات مستدامة تعتمد على سعف النخل.

اقتصاديًا، لا شيء أكثر أمنًا من الوقاية. فآخر دراسة استباقية أظهرت أن تكاليف الجهود الوقائية، كالتخفيض من استغلال الغابات والأحراج وتقنين تجارة الحياة البرية والمُستزرعة، أقل بكثير من التكاليف الاقتصادية والبشرية الناتجة عن الاستجابة لمسببات الأمراض عند ظهورها.

وأكثر من أي وقت مضى، ينبغي التخلي عن مبدأ «العمل كالمعتاد» (business as usual)، كما ورد في نشرة التوقعات العالمية للتنوع البيئي الصادرة عن الأمم المتحدة. وأن تتعهد الدول الأعضاء بتحقيق أهداف 2050 الُمسطَّرة. فالحفاظ على التنوع البيولوجي لا يزال ممكنًا، «لكنها فرصتنا الأخيرة وتتطلب تغييرًا جذريًا في الطريقة التي ندير بها كوكبنا.»

ندعوكم لقراءة النشرة البريدية لبرنامج بكرة، من خلال الاشتراك في قائمتنا البريدية لتصلك على الإيميل كل أربعاء. بإمكانك التسجيل في قائمتنا من هنا.

روابط:

  • الطبعة الخامسة من نشرة التوقعات العالمية للتنوع البيولوجي

  • الإيكولوجيا والاقتصاديات في مواجهة الجائحة

البيئةالتنوع البيولوجيالتنوع الحيويالمستقبل
بودكاست بُكرة
بودكاست بُكرة
منثمانيةثمانية

بُكرة، لكل الشباب الواعد، نطرح أسئلتنا الكبيرة والصغيرة والمتغيرة والعالقة، مع مختصّين وباحثين وعُلماء، ونفهم معهم كيف نعيش ونستعد ونعمل من أجل مُستقبل أفضل.