هل «أربعة أيام عمل» مستقبلك الوظيفي؟
تصاعد الحديث في الآونة الأخيرة حول تطبيق نظام أربعة أيام عمل بدلًا من خمسة. فهل سنشهد التغيير عن قريب وهل سيكون للأفضل؟
اختبر الموظفون حول العالم، وعلى الأرجح أنت أيضًا، أثناء الجائحة الجانب الإيجابي في التركيز على إنجاز المهام بدلًا من قضاء الساعات الثماني الإجبارية الموحَّدة في بيئة المكتب التقليدية بكل ما تحمله من ضغوط. ولكن عجلة التغيير لن تتوقف بالعودة إلى الحياة الطبيعية، فضمن التغيّرات المتوقعة التي تتناولها الأخبار مؤخرًا اعتماد أربعة أيام عمل في الأسبوع بدلًا من خمسة.
ماذا نعني بأربعة أيام عمل؟
تبدو الإجابة بديهية لكن ثمة عدة تطبيقات مقترحة لهذا النظام. الأول اختصار ساعات العمل الأسبوعي من أربعين ساعة إلى اثنين وثلاثين بمعدل ثمان ساعات في اليوم. لا يعني تقليل الساعات خفض راتبك، على عكس إجازتك السنوية. فبدلًا من ثلاثين يوم إجازة في العام ستحظى فقط بواحد وعشرين يومًا.
وكما توقَّعتْ، في هذه الحال سيرتفع الضغط عليك حتى تؤدي مهامك في ساعات أقل من المعتاد وسيطاردك طيف «الديدلاين». ما يعني أنًّ اجتماعات العمل ستقل ولن يكون ثمة مجال للتسكع أو مشاركة الجديد على وسائل التواصل الاجتماعي أو تبادل الأحاديث حول القهوة والشاي.
يعتمد التطبيق الثاني الحفاظ على ساعات العمل الأربعين في الأسبوع وحشرها في أربعة أيام. بمعنى أنك ستعمل عشر ساعات يوميًّا، من التاسعة صباحًا مثلًا حتى السابعة مساءً. وإذا أضفت عليها ساعة صباحًا للذهاب وأخرى للعودة ستقضي اثنيا عشر ساعة متواصلة في عقليَّة الدوام.
تظن بدايةً أن ببقاء مجمل ساعات العمل الأسبوعي كما هو عليه لن يضطرك للإسراع في تنفيذ مهامك. لكن بدلًا عن الضغط الذي ستشعر به في التطبيق الأول، قد تشعر بالإجهاد مع الساعات الأخيرة من يوم العمل وينخفض أداؤك، ما يعيدك إلى مربع الوقوع تحت الضغط. الخبر السعيد أنَّ عدد الساعات لن ينقص لهذا إجازتك السنوية ستظل ثلاثين يومًا في السنة.
يعد التطبيق الثالث الأبعد عن المفهوم إذ يعتمد الحفاظ على عدد ساعات العمل الأسبوعي وكذلك على العمل في خمسة أيام، عدا اليوم الخامس يكون عن بعد. وبذلك ترتاح من أزمة السير والضغط الاجتماعي في أجواء المكتب، ولك أن تمارس عملك إما وأنت ترتدي «البيجاما» متدثرًا في فراشك أو في مقهاك المفضل.
هل بدأت الفكرة مع الجائحة؟
كلا. يعود مقترح نظام الأربعة أيام عمل إلى ما قبل الجائحة بأعوام كثيرة. وإذا تصفحت الأخبار الحديثة حول النظام ستجد أغلبها تشير إلى آيسلندا كمثال مبهر على نجاح التطبيق.
ففي عام 2015، استجابت الحكومة لحملة النقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني المطالبة بتعديل نظام ساعات العمل من أربعين ساعة إلى خمس وثلاثين على الأقل. وبناءً عليه طبقت آيسلندا النظام التجريبي حتى عام 2019 على شرائح مختارة من قطاعات الخدمة الاجتماعية والمستشفيات ودور الحضانة تشمل 2500 موظف، أي 1% من القوى العاملة.
ومن أهم النتائج التي خرج بها النظام التجريبي ارتفاع الإنتاجية في العمل من جهة وانخفاض التوتر والقلق لدى الموظفين مقرونًا بارتفاع القدرة على الموازنة بين الحياة والعمل. وشجعت هذه النتائج النقابات العمالية في آيسلندا في عملية التفاوض. واليوم 86% من القوى العاملة في آيسلندا إما حوَّلت على نظام الأربعة أيام عمل أو على الأقل تملك الحق في التحوُّل إليه.
سبقت ولاية يوتاه آيسلندا في تطبيق نظام الأربعة أيام عمل. فطبقته على معظم القطاع الحكومي على مدار عام كامل من 2008 وحتى 2009. ولم يتعلق السبب آنذاك بقلق يوتاه على الإنتاجية أو رفاهية الموظفين وصحتهم العقلية، بل أقلقها العجز في الميزانية. وبإلغاء الجمعة كيوم عمل نجحت الولاية في توفير قدر كبير من التكاليف إثر الاستغناء عن الإمداد الكهربائي لإنارة المكاتب والمصاعد والتكييف والتدفئة.
حاليَّا تزايد عدد المؤسسات الكبرى والحكومات الراغبة في دراسة تطبيق النظام لديها. أعلنت إسبانيا تطبيق النظام التجريبي هذا الخريف على شريحة من ثلاثة إلى ستة آلاف موظف في مئتي شركة استجابة للظروف التي فرضتها الجائحة.
كما أعلنت رئيسة وزراء نيوزيلندا دعمها تطبيق نظام الأربعة أيام عمل. وتجد في إضافة يوم على الإجازة الأسبوعية دعمًا لصحة الموظف النفسية وقدرته على الموازنة بين الحياة والعمل. كذلك سيساهم اقتصاديًّا بشكل كبير في إنعاش السياحة الداخلية التي تشكل 60% من مدخول قطاع السياحة بعد تضرر القطاع من الجائحة.
لماذا يتزايد الحديث الآن حول تعديل نظام العمل؟
كسرت الجائحة النمط التقليدي للعمل المؤسسي المكتبي مع اعتماد العمل عن بعد والاعتماد على التقنية في أداء المهام. وفتحت الباب واسعًا أمام فكرة تطوير بيئة العمل وثقافته وتعزيز الصحة النفسية للموظفين.
كان هذا الدافع الذي صرَّح به عزيز حسن، الرئيس التنفيذي لشركة «كك ستارتر» (KickStarter) لدى إعلانه عزم الشركة تطبيق نظام الأربعة أيام عمل كفترة تجريبية مع بداية العام القادم. ويرى مرونة النظام الجديد وسماحه للموظفين بالموازنة بين العمل والعائلة والسعي لأهدافهم الشخصية، دون المس بإنتاجية الشركة.
موظفٌ في شركة ناشئة؟ وازن حياتك وإلا ستنكسر
ويشاركه الدافع عضو مجلس النواب الأميركي، مارك تاكانو. إذ قدَّم في السابع والعشرين من يوليو مقترحًا تشريعيًّا يقضي بالتحويل إلى نظام العمل الجديد.
في فرنسا، نشرت صحيفة ليبراسيون في افتتاحيتها يوم الثاني والعشرين من أغسطس دعوة إلى دراسة تطبيق نظام الأربعة أيام عمل كحل جذري للبطالة. تتنبأ الصحيفة بتوفير النظام من مليون ونصف إلى مليوني وظيفة. ويجدر الإشارة إلى تشريع فرنسا قانون تخفيض ساعات العمل الأسبوعي إلى خمس وثلاثين ساعة منذ عام 2000، لكن على خمسة أيام لا أربعة.
كذلك يُنظَر إلى نظام الأربعة أيام عمل كحل أساسي من حلول أزمة الاحتباس الحراري. فوفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة الأبحاث «أوتونومي» (Autonomy) على مستوى بريطانيا عام 2020، فاعتماد أربعة أيام عمل سيخفض من الانبعاثات الكربونية بمقدار 117 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون أسبوعيًّا، أي ما يعادل إزالة 1.8 مليون سيارة عن الخدمة سنويًّا. ومن اللافت اعتماد مؤسسة الأبحاث ذاتها نظام أربعة أيام عمل بمعدل اثنين وثلاثين ساعة.
العامل الآخر دخول جيل «زد» إلى سوق العمل حاليًّا وفي المستقبل القريب. إذ ينصب تركيز الجيل، الناشئ على التطبيقات وأجهزة الآيفون والآيباد، على تنفيذ المهام وفق ساعات مرنة وخارج حدود المكتب، وبذا يطالب بثقافة عمل تتناسب مع عقليته.
وبالفعل، تطبق الكثير من المؤسسات الكبرى والحكومات اليوم دراسات تجريبية حول تأمين بيئة مماثلة على نطاق واسع. فمثلًا أقرَّت هولندا تشريعًا يسمح للموظفين باختيار ساعات العمل وموقعه إن كان في المكتب أو خارجه.
كيف يفيدك نظام الأربعة أيام عمل؟
إن كنت موظفًا، فطبعًا أول فائدة حصولك على ثلاثة أيام إجازة أسبوعية: جمعة وسبت وأحد. وإذا فَّكرت بإمعان فهي نصف أسبوع. وبيدك تحقيق الكثير فيها بدلًا من إضاعتها في التكاسل ووسائل التواصل الاجتماعي ومشاهدة حلقات متتالية على نتفلكس أو شاهد.
من الناحية الاجتماعية ستقضي وقتًا أطول برفقة أسرتك وأصدقائك مما سيحسن من نوعية حياتك العائلية. وسيمنحك وقتًا لممارسة الرياضة أو تعلم مهارة جديدة أو تطوير قدراتك بما يساعد على الارتقاء بمهامك الوظيفية. ومع وجود ثلاثة أيام يمكنك الذهاب في رحلات سياحة داخلية والاستمتاع بالطبيعة.
كذلك سيمنحك وقتًا تدير به مشروعًا صغيرًا إلى جانب الوظيفة، أو كسب مال إضافي في العمل الحر. أيضًا، لك أن تتبرع بيوم إجازتك الإضافي للمجتمع والتطوع في أحد مجالات العمل الخيري الإنساني.
وإن كنت صاحب العمل فالفائدة الأولى انخفاض تكلفة فواتير مقر العمل من كهرباء وخدمات. وأيضًا، إن صدقت تجربة آيسلندا، يفترض ازدياد الإنتاجية أو في أسوأ الأحوال تبقى على معدلها. ومع حصول الموظفين على يوم إجازة إضافي سيقل عدد طلبات الإجازات، ومعها منسوب التوتر والتذمر والإحباط لدى الموظفين مما يخلق لديك بيئة عمل إيجابية.
أجل، هناك تحديَّات
ثمة الكثير من التحديات التي تعيق تطبيق النظام على نطاق واسع، على الأقل في المستقبل القريب. أولها الاتفاق على دليل إرشادي وقواعد عمل جديدة في التعامل معه.
ففي المؤسسات التي تعتمد التنافس في السوق فثلاثة أيام إجازة كفيلة بإعاقتها عن اتخاذ قرارات سريعة. وإذا اعتمدت نظام الدوريات بين موظفيها، بحيث تعمل طوال الأيام مع اختيار كل موظف يوم إجازته الثالث، فهذا يعني تضييع الوقت في إبلاغ الموظف الغائب بتطورات اليوم السابق.
ودومًا سينقص الفريق فردٌ يساهم في اكتمال المهمة، فإما يتولى موظفٌ آخر عمله يومها أو تتراجع الإنتاجية. وفي كلتا الحالتين سيؤثر الأمر سلبًا على معنويات الموظفين وأداء الشركة.
أما المشاريع الصغيرة التي تعتمد خدمة الزبائن فغيابها عن العمل لثلاثة أيام يؤثر في أرباحها. فوفقًا لدراسة أجرتها جامعة «ريدنق» 91% من المشاريع الصغيرة في بريطانيا تجد صعوبة كبيرة في تطبيق النظام لديها خوفًا من خسارة الزبائن. وإن أرادت تعويض اليوم الناقص فلا بد من اللجوء إلى توظيف أفراد آخرين وفق نظام المكافأة بالساعة، فتزيد لديها تكلفة التوظيف.
من جهة أخرى، يُنظر لهذه بإيجابية من حيث تأمين وظائف مؤقتة للعاطلين عن العمل إلى حين عثورهم على وظيفة ثابتة. وتتشجع المشاريع الصغيرة على تطبيق النظام إن تأمَّن لها دعمٌ حكومي لدورها في خفض معدلات البطالة.
وكما شهدنا في الجائحة، نجاح تطبيق النظام على القطاع الحكومي يتطلب الاعتماد على الأتمتة الكاملة أولًا. أما في حال المؤسسات التعليمية فالتطبيق أصعب بكثير إذ سيتطلب تعديلًا شاملًا للنظام التعليمي، فالمسألة تتعدى مجرد إعادة توزيع الحصص.
اتخاذ القرار بتطبيق نظام الأربعة أيام عمل يتجاوز مسألة حذف يوم وإضافته على إجازتك الأسبوعية. سيتطلب منك تغييرًا جذريًّا في ثقافة العمل وسرعة الإنجاز والتركيز في المهام، بالإضافة إلى قوة تحمل أكبر تحت ضغط المواعيد النهائية. Click To Tweet
وأيضًا حسن استغلال الإجازة الأسبوعية في تحسين أسلوب حياتك وإفادة عائلتك ومجتمعك. دون التخلي عن نيل قسطك المستحق من الراحة والاستجمام.