فكر مرتين قبل إدخال صندوق رأس المال الجريء في مشروعك

تلجأ الشركات الناشئة إلى صناديق رأس المال الجريء بغية رفع قيمتها السوقية. لكن ما قد يجهله المؤسسون أنَّ المال الجريء لا يعني النجاح.

أحمد شريك مؤسس لشركة ناشئة وحصل على جولة استثمارية من صندوق رأس مال جريء. بعد عدة سنوات وجد نفسه أمام فرصة ذهبية للتخارج مع عرض للشراء ببضعة ملايين من شركة منافسة. بدت الصفقة مغرية بالنسبة لأحمد إذ سيصبح مليونيرًا وهو لم يتجاوز الثلاثين. لكن تضاعف قيمة الاستثمار لم يكن بالأمر المغري لصندوق رأس المال الجريء.

لذلك ضغط الصندوق نحو تجاهل عرض الاستحواذ والبحث عن صفقة أكبر للشركة. لكن لسوء الحظ لم تتوفر أي فرص أخرى للبيع، وعلى مدى السنوات التالية فقدت الشركة قدرتها على النمو. وهكذا استمر تقييم الشركة بالانخفاض إلى أن بيعت بعُشر المبلغ المعروض سابقًا.

تشير إحصائيات وتقارير عديدة أنَّ ثمة سلبيات مرتبطة بخيار لجوء الشركات الناشئة لصناديق الاستثمار الجريء. وجود السلبيات لا يعني التقليل من أهمية خيار اللجوء لهذه الصناديق، لكن لا بد لمؤسسي الشركات الناشئة الإحاطة بها قبل اتخاذ القرار. 

هل الصندوق مناسب لمشروعك؟

عدا المال، عادةً ما يُروَّج للمزايا الأخرى التي يقدمها صندوق رأس المال الجريء للشركة الناشئة. فالصندوق يملك الخبرة والمهارة والمعرفة وسجلًا حافلًا من الاستثمارات الناجحة. وأهم من كل ذلك يحظى بشبكة واسعة من العلاقات كفيلة بإنجاح أي شركة.

في بعض الحالات تكون لهذه الموارد غير النقدية قيمة حقيقية. لكن تتباين الصناديق بشكل كبير في مقدار الخبرة والمعرفة والجهد والمساعدة المبذولة للشركات المستثمر بها. فمنهم من يقدم خدمات حقيقية ودعمًا استثنائيًّا. ومنهم من يركز على الدخول في استثمارات كثيرة مع تقديم مساهمات أقل في توجيه دفة قيادة الشركات. ومنهم من يكتفي فقط بتقديم مبلغ الاستثمار.

المجموعة الأخيرة ليست بالضرورة سيئة، فقد يَسعد بعض المؤسسين باقتصار مساهمة الصندوق على المال وحسب. لكن بالنسبة للمؤسسين الباحثين عن قيمة مضافة أكبر، قد يسبب ذلك خيبة أمل.

وهنا يأتي دور المؤسسين في إجراء الفحص النافي للجهالة لتحديد ما إذا كان الصندوق مناسبًا أم لا. هل الصندوق متخصص للاستثمار في قطاعات محددة؟ هل لدى العاملين في الصندوق الخبرة في القطاع الذي تعمل به الشركة الناشئة؟ هل لديهم استثمارات أخرى لشركات في نفس القطاع؟

المال الجريء لا يعادل النجاح

وفقًا لتقرير معهد كوفمان حول قطاع رأس المال الجريء وعوائده، فالأداء العام لهذه الصناديق ضعيف. فقد بلغ متوسط ​​العائد السنوي لمؤشر «S&P-500» الأميركي 7%، بالمقابل كان أداء صناديق رأس المال الجريء أقل بكثير. ومنذ أواخر التسعينيات لم يتفوق أداء صناديق رأس المال الجريء بشكل ملحوظ على الأسواق العامة. 

فقد حلل التقرير أداء نحو مائة صندوق على مدار عشرين عامًا وتبين تفوق عشرين صندوقًا فقط على الأسواق العامة بنسبة 3 إلى 5% سنويًا. والأسوأ، فشل اثنان وستون صندوقًا من أصل مائة في تجاوز عوائد الأسواق العامة. كما فشلت نصف صناديق رأس المال الجريء في محفظة كوفمان في إعادة رأس المال المستثمر، إذ لم يتجاوز متوسط صافي الأرباح (mean net multiple) لكل الصناديق 1.31.

الحصول على جولة تمويلة من أحد صناديق رأس المال الجريء ليس نجاحًا في ذاته. قد يوفر الموارد والأموال لبناء شركة رائعة. قد يكون مؤشرًا إلى إيمان بعض الأشخاص بكون الشركة واعدة. قد يضفي مصداقية لدى استقطاب الكفاءات والحصول على المزيد من العملاء والشركاء. لكن في النهاية كل ذلك لا يعد نجاحًا. 

هل شركاتنا الناشئة جاهزة لقيادة أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط؟

كثُر الحديث اليوم عن سطوة شركات قوقل وأبل وفيسبوك وأمازون وبلوغها قوةً لا يُستهان بها، حتى أحكمت قبضتها على الاقتصاد الرقمي والحياة الاجتماعية، بل وصلت

20 سبتمبر، 2020

معيار النجاح ذاته يختلف من شركة لأخرى. قد يتمثل النجاح لدى البعض في بناء شركة مستدامة بقاعدة كبيرة من العملاء. بالنسبة لآخرين قد يعني استحواذ شركة أكبر على شركته يومًا ما. بأي حال فمن غير المنطقي قياس النجاح بمجرد الحصول على استثمار. فالاستثمار مجرد خطوة على الطريق وفرصة لتحقيق النجاح لا أكثر.

جمع الأموال لا يعني زيادة القيمة 

جمعت شركة «فاوندر كوليكتف» قائمة تضم واحد وسبعين شركة طرحت بين عامي 2011 و2015، أضيفت لها مائة وخمس وعشرون شركة أخرى مطروحة من عام 2016 وحتى 2020. وتدحض مخرجات القائمة وجود علاقة طردية بين مقدار الأموال التي تجمع في الجولات الاستثمارية ونجاح الشركة. 

توضح القائمة القيمة السوقية الحالية للشركات وإجمالي استثمارات صناديق رأس المال الجريء فيها. استبعدت منها الشركات الصينية والشركات المؤسسة قبل عام 2000 لتغير توجهات صناديق رأس المال الجريء قبل فقاعة «دوت.كوم» وبعدها. 

من بين أعلى ثلاثين شركة من حيث القيمة السوقية نجد ثلاث عشرة جمعت مبالغ أقل من 240 مليون دولار، منها خمس جمعت مبالغ أقل من 100 مليون دولار. كما لم تحصل شركة «أتلاسيان» على أي استثمارات قبل الطرح العام. ويبلغ متوسط الاستثمارات للمائة وست وتسعين شركة 178,150,000 دولار.

كما توضح القائمة الفرق بين القيمة السوقية وإجمالي استثمارات صناديق رأس المال الجريء لأعلى ثلاثين شركة. فمثلًا تأتي شركة أوبر في المرتبة السابعة من حيث القيمة السوقية بأكثر من 88 مليار دولار. لكن إذا ما قورنت بإجمالي الأموال المستثمرة والبالغة أكثر من 25 مليار دولار يكون الفرق 352% فقط.

في المقابل تأتي شركة «زوم إنفو» في المرتبة الثالثة والأربعين من حيث القيمة السوقية. لكن يبلغ الفرق 224752% لحصولها على استثمارات بمبلغ 7 مليون دولار فقط مع قيمة سوقية تتجاوز 15 مليار دولار.

أيضًا ثمة العديد من الشركات لم تطرح في سوق الأسهم ولم تحصل على أي استثمار، مع ذلك يتخطى تقييمها التقريبي حاجز المليار دولار. من تلك الشركات «جيت برينز» و«بيسكامب» و«ميلتشمب». 

يقول فريد ولسون الشريك الإداري لصندوق «يونيون سكوير فنتشرز»: «الحقيقة هي أن مقدار الأموال التي تجمعها الشركة الناشئة في جولاتها الاستثمارية يرتبط عكسيًا بنجاحها. أجل جمع أموال أقل يؤدي إلى مزيد من النجاح. هذا ما تقوله البيانات التي أنظر إليها طوال الوقت، قد لا يبدو الأمر منطقيًا في ظاهره، لكنه صحيح استنادًا إلى خبرة أكثر من عشرين سنة في عالم الشركات الناشئة.»

النمو السريع بأي ثمن 

رغم أن هذا النموذج منطقي، إلا أنه يعني أن النجاحات الصغيرة أو حتى المتوسطة ليست ذات قيمة لصندوق رأس المال الجريء. فالمستثمر يريد الحصول على عوائد ما بين خمسة إلى عشرين ضعفًا، ويريدها خلال عمر الصندوق من خمس إلى عشر سنوات.

غالبًا ما يدفع هذا الإطار الزمني الشركات للدخول في مشكلة «الدولار الهامشي» (marginal dollar). فما طبيعة هذه المشكلة؟ 

في هذا المثال حصلت إحدى الشركات الناشئة على استثمار فقفزت «معدلات الإحراق» (Burn Rates) من 150,000 إلى أكثر من 750,000 ريال شهريًا. وانخفض العائد من 2.5 ريال إلى 0.75 هللة مقابل كل ريال يُصرف، مما صيَّر اقتصاد الوحدة (unit economics) سالبًا.

يعود السبب إلى مضاعفة ميزانية التسويق أو فريق المبيعات بغية الوصول للنمو المطلوب بأسرع وقت، على أمل إصلاح الأرقام مستقبلاً. لكن تكشف معدلات الإحراق إما عن افتقار نموذج عمل الشركة للكفاءة، أو كونها غير مهيأة لمثل هذا النمو السريع.

النمو السريع ليس دومًا الخيار الأفضل لكل شركة ناشئة. إذ فشلت بسببه شركات ناشئة عديدة كان من الممكن أن تعيش حياة طويلة لو أخذ المؤسسون الأمور بتريث وروية أكثر. Click To Tweet

 «سنيكرز» لي وحدي أو «كيكة» مع المستثمر؟

الحصول على استثمار من صندوق رأس مال جريء يعني بالضرورة تخلي المؤسسين عن حصة من شركتهم، على أمل أن يعوض النمو الناتج عن هذا الاستثمار المؤسسين عن حصصهم المُباعة. أجل ستقل نسبتهم في الشركة -وتقل النسبة أكثر مع كل جولة استثمارية- لكن سيتضاعف تقييم الشركة. وهكذا يجني المؤسسون حصيلة أكبر من الأموال مما قد يجنونه بدون هذا الاستثمار، أليس كذلك؟ في الواقع ليس بالضرورة!

من المحتمل أن تُباع شركة حصلت على عدة جولات استثمارية بمبلغ 100 مليون، وتكون حصة المؤسسين منها 10%. وبالمقابل تباع شركة أخرى بمبلغ 15 مليون وتكون حصة المؤسسين منها 90%. فالوصول لتقييمٍ عالٍ يتطلب عدة جولات استثمارية مما يترتب عليه التخلي عن المزيد من الحصص في الشركة.

للتوضيح سنقارن بين شركتي «هافينقتون بوست» و«تيك كرنش».

بِيعت «هافينقتون بوست» مقابل 315 مليون دولار، حصلت منها المؤسسة أريانا هافينقتون على نحو 18 مليون دولار.

في المقابل بيع موقع «تيك كرنش» مقابل 40 مليون دولار تقريبًا حصل منها المؤسس مايكل أرينقتون على 18-24 مليون دولار.

من وجهة نظر صندوق رأس المال الجريء فصفقة «تيك كرنش» خاسرة، لكن بالنسبة لأرينقتون فالموضوع مغاير. هنا يتضح تعارض المصالح، فالخيار الأفضل لصندوق رأس المال الجريء قد لا يكون الأفضل للمؤسسين. 

من وجهة نظر الصندوق، لا مصلحة تعلو على مصلحة المستثمرين. في المقابل، يضطر المؤسسون في الغالب للتخلي عن التحكم المطلق بصنع القرار لإدارة الشركة. مما يلزم المؤسسين بحد معين من معايير الحوكمة والالتزام والقبول والرفض.

في السعي وراء الحصول على استثمار، يتخلى المؤسسون عن حصة كبيرة من شركتهم. غالبًا يتخلى المؤسسون خلال جولة التمويل التأسيسي عن 15-25% من أسهمهم، إضافة إلى قرابة 10% من الأسهم تعطى للموظفين الأوائل. وتبدأ النسب بالازدياد بمجرد دخول صناديق رأس المال الجريء على الخط. بالنسبة للجولة (أ) وما بعدها يتوقع المستثمرون عادةً حصة تتراوح ما بين 20-30% في كل جولة.

احصائيات صندوق رأس المال 01
نسبة انخفاض حصة المؤسسين بعد كل جولة استثمارية

فكِّر في خيار التمويل الذاتي 

لا أقلل هنا من أهمية السعي للحصول على جولة استثمارية بل العكس. فخيار الحصول على استثمار فرصة تلجأ إليها الكثير من الشركات الناشئة في مرحلة ما من عمرها. لكن الأهمية الأكبر تكمن في إدراك الشركة آلية الصرف والانتفاع من رأس المال الجريء. 

كذلك فاللجوء إلى صناديق رأس المال الجريء ليس بالخيار الوحيد. ثمة حلٌّ بديل يسمى «التمويل الذاتي» (Bootstrapping) أراه الأنسب في بداية المشروع. إذ يسمح للمؤسسين لا المستثمرين بتحديد اتجاهات وأهداف الشركة، كما تضمن إدارة أكفأ للأموال. والأهم سيصبح العملاء الأولوية «رقم واحد» لا المستثمرون. 

لاحقًا بعد وصول الشركة بنجاح لملاءمة المنتج مع السوق «Product-Market Fit» وحصولها على العديد من العملاء أو المستخدمين، فحينها من الممكن السعي للحصول على استثمار. لكن باتباع القاعدة «12 – 18» حيث تسعى الشركة للحصول على أموال تكفي لاستمرار العمليات من اثنا عشر إلى ثمانية عشر شهرًا.

في النهاية، ما يدعو للاحتفال ليس جمع المزيد من الأموال. ما يدعو للاحتفال حقًا تأسيس شركة رابحة مستدامة تؤثر إيجابيًّا على المجتمع وتمنحك النجاح.

الاستثمارالشركاترأس المال الجريءالرأسمالية
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية