سنتي الأولى مع مدربة الحياة

خلال مكالمة الفيديو الدورية مع مرشدتي، «مدربة الحياة» (Life Coach)، علقت على المدة التي قضيناها معًا، وأننا أتممنا عامنا الأول وبضعة أشهر

خلال مكالمة الفيديو الدورية مع مرشدتي، «مدربة الحياة»، علقت على المدة التي قضيناها معًا، وأننا أتممنا عامنا الأول وبضعة أشهر. «كيف تشعرين؟» سألتني، فأجبتها «أفضل». قبل هذا الاتصال، دونت على ورقة ملاحظات قائمة قصيرة من المواضيع العالقة التي تشغلني حاليًا. 

تدهشني دائمًا قدرتها على دفعي للحديث. وفي كلّ مرة، قبل اتصالنا بدقائق، أتساءل عما سأحدثها. وما إن نبدأ الاتصال حتى تتقافز أفكاري تباعًا.

استعنت بمدربة حياة لتساعدني وتقدم لي التدريب والإرشاد في مواضيع عدة. منها ما يتعلق بجوانب حياتي الشخصية وعلاقاتي، ومنها ما يرتبط بحياتي المهنية. اقترحت عليّ خلال السنة الماضية العديد من الاستراتيجيات التي تبنيتها لحياة أفضل. وحظيت بتجربة لا تقلّ أهمية عن دراستي الأكاديمية وخبرتي المهنية.

أكثر من حبسة كتابة 

بدأت بالتفكير جديًّا في طلب المساعدة مع بداية جائحة كورونا. لم تكن مسببًّا رئيسًا بالتحديد، لكنّ فترة الكمون التي مررت بها وضعتني في مواجهة مع المسائل العالقة، والتي طيلة السنوات الماضية، ركضتُ في اتجاه معاكس هربًا منها.

وجدتُني ذات يوم وقد فقدت شهيتي للكتابة والعمل والراحة في آن. حتى هواياتي المفضلة صارت مثل دواء أتجرّعه رغمًا عني. واجتمعت التحولات عليّ في وقتٍ واحد: تغيير مسار مهني وعزلة اجتماعية ومشاكل شخصية لم يكن بوسعي تجاوزها.

احتجت للإرشاد لأنني وجدت نفسي عالقة تمامًا. ووددت الخروج من سطوة المخاوف والتردد والمواقف المتكررة التي لن تتوقف إن لم أغيّر من طريقة التعاطي معها. قرأت مطولًا عن حلول تجاوز حبسة الكتابة، فهي ما يهمني بشكل خاص، إذ يعتمد عملي عليها. وإذا لم أكتب، فبكل بساطة لن أتقدم في إنجاز مهامي. وجدت بعض المقترحات، ونجحت بدفع نفسي تدريجيًّا نحو العودة للكتابة.

بعد نجاحي الصغير في التعامل مع حبسة الكتابة، فكرت: كيف ستبدو مشاكلي العالقة بعد الاستعانة بمدرب حياة؟ كانت المرة الأولى التي أعترف فيها بحاجتي للمساعدة، وصادفت تلك اللحظة معرفتي بمدربة حياة مؤهلة بخبرة طويلة وصديقة للعائلة.

جلسة استكشاف مع مدربة الحياة

ذكّرني طلب المساعدة من مدربة حياة بمشاريع كتابة المحتوى التي كنت أعمل عليها. هناك مدير المشروع وهناك الاستراتيجية وخطة العمل. ثمّ يأتي دور الكاتب الذي ينفذ هذه الاستراتيجية، ويعكسها على منتج نهائي.

كانت مدربة الحياة مديرة المشروع، وبدأنا في أحد الأيام بالعمل. لكن هذا كلّه جاء بعد ما يسميه مدربو الحياة بـ«جلسة الاكتشاف» (Discovery). في هذه الجلسة الأولية، استمعت المدربة لما لديّ. تحدثتُ باستفاضة عن مشاعري في تلك اللحظة. أين أقف؟ وماذا أريد؟ عرضت أهدافي للحياة ونيتي في تحقيقها.

ومن هناك، حددت خطة العمل وأي النواحي أحقّ بالبدء والتنظيم. هذه الجلسة طريقة جيدة وغير مكلفة وغالبًا ما تكون مجانية. وذلك لاكتشاف رغبة الاستمرار أو الامتناع عن المواصلة بعد التعرف السريع على المدرب أو المدربة.

خلال الجلسة الأولى، تحققتُ من سعة اطلاع المدربة ومعرفتها بالتفاصيل الخاصة لمجتمعنا. وتخلّصت من تخوفي النابع عن حاجز التاريخ المشترك، واختلاف اللغة لم يكن عائقًا. وبعد تقييم سريع لاحتياجاتي، قررت المدربة تحديد موعد اللقاءات أو الجلسات كل أسبوعين. واخترت يوم الجمعة لأكون متفرغة تمامًا وبذهنٍ صافٍ بعد انتهاء كل مشاغلي.

العودة للواجبات الأسبوعية 

بعد جلستنا الفعلية الأولى، طلبت مني مدربتي إتمام مهمة، وأسمتها تحديدًا بـ«الواجب» (Homework). ضحكت منها في البدء، لكن جدية نبرتها دفعتني للتوقف والقول: عليّ إتمام هذا الواجب أولًا حتى ننتقل للمرحلة التالية.

تنوعت الواجبات. تارة قراءة عدة فصول من كتاب مناسب، أو كتابة مرئيات ومشاهدات إضافية على صفحة اليوميات. وذات مرة سألتها: ماذا تفعلين مع شخص لا يفضل تدوين يومياته أو لا يحبذ القراءة؟ فأجابت بأن ثمة طرقًا كثيرة للمساعدة تختارها بحسب استعداد الفرد.

بُنيت العلاقة بيني ومدربتي على المسؤولية. وبعد سلسلة من التجارب الناجحة، وضعت أصعب تساؤلاتي بين يديها واستمعت لها باهتمام.

ساعدتني على النمو من خلال دراسة وتحليل وضعي الحالي. كما حددت الصعوبات وقيّمتها إمَّا على شكل صعوبات قابلة للتغيير، أو أخرى عليّ ترويض نفسي للتعايش معها. ولم تكن رحلتي ممتعة مع هذه المهام. ففي لحظات كثيرة، قررت تجاهلها تمامًا وتكرار ما عهدت نفسي عليه.

ساعدني العمل مع مدربة الحياة على الخروج من منطقة الراحة بطريقة مدروسة. ففي السابق، كنت أفعلها بصورة قفزات غريبة وقرارات غير محسوبة العواقب. هنا والآن أصبحت أفعلها بحذرِ من يتعلم الخطو أو السباحة أول مرة. أمرر كفّي على الماء لأكتشف درجة الحرارة المضبوطة، ثمّ أغطس.

لا تمارس مدربتي معي أسلوب الضغط، إذ تترك لي المعطيات والحلول. والقرار الأخير في الالتزام بها يعود لي. وما تفعله في الحقيقة هو متابعة هذه الحلول وأخذ المرئيات حولها بعد كل جلسة، وتدوين أهمّ النقاط التي ترد في أحاديثنا بشكل مستمر.

أذكر أنني حدثتها عن الرضا في موقف ما، وبعد عدة أشهر تحدثت عنه مجددًا بنبرة يشوبها القنوط. فما كان منها إلا أن ابتسمت بهدوء، وفتحت دفتر الملاحظات لتقرأ ما دوّنَته سابقًا. أحيانًا، أسميها الضمير الحيّ. لأنها تذكرني بقوتي الشخصية وتعيد لي الثقة متى ما تزعزعت.

لم نصل خط النهاية بعد

مواصلة العمل مع مدربة الحياة أشبه بسباق مسافات طويلة لا يعتمد بالضرورة على السرعة، إنما على طول النفس ومرونة الاستمرار. كل شهرٍ نقف على جانب من جوانب الحياة التي تخصني، ونحاول إصلاحه أو تجديده. Click To Tweet

وإذا كنت سأضع قائمة بأهم الجوانب التي تغيرت خلال شراكتنا، ستكون كالتالي:

  1. تخلصت من الكثير من الأفكار المقيّدة والرسائل السلبية التي أرددها.

  2. وصلت إلى نقطة مُرضية في التوازن بين العمل والحياة الشخصية.

  3. حددت أهدافًا قابلة للتنفيذ مرتبطة بالصحة والجسد.

  4. عملت على علاقاتي الحالية وتخففت من بعضها.

ما يحدث معي الآن هو التوظيف الأمثل للموارد التي أملكها لتحسين تجربة العيش وجودتها، والتخلص من التردد الذي يشلّ حياتي أحيانًا. وإذا كنت سأركز على عامل نجاح مهم في علاقتي مع المدربة، سيكون التروي في بلوغ النتائج والبحث عن حلول سحرية.

فأنا من استعنت بها، ولم يكن هذا التواصل مجانيًا. لذلك أذكر نفسي متى ما أردت المعارضة ورفض الحلول المقترحة، بأنَّ عليّ التوقف عن الحديث معها وتوفير الوقت والمال.

ماذا لو عجزت مدربة الحياة عن مساعدتي؟ 

كنت اخترت طلب المساعدة في وقت جد مناسب قبل بلوغ مرحلة يصعب علي التعامل معها. لكنني دائمًا كنت على بعد خطوة من التساؤل: ماذا لو عجزت عن مساعدتي؟ ويبقى حاضرًا في ذهني أنها ليست معالجة نفسية مثلًا. فهذا يتطلب مؤهلات أكاديمية أكثر دقة لتأهيل وعلاج أمراض كالاكتئاب والقلق والهلع الدائم وغيرها من المشاكل التي تتطلب علاجًا دقيقًا مكثفًا.

لا يمكن لمدرب الحياة وصف العقاقير أو إلزامي بدخول المستشفى، ولا ينبغي لهم ذلك على أيّ حال.

ربما كانت هذه النقطة مدخلًا للجدل الدائر حول تحول مهنة مدرب الحياة إلى تجارة وهمية مع اقتحام الكثير من المدربين غير المؤهلين. لكن هذا الربط بين المصطلح وتجارب الأفراد غير الموفقة يزعجني. فغالبًا ما تتأتى تلك التجارب عن إغفالهم كثيرًا من الإشارات الخطيرة أو الثغرات في أداء المدرّبة أو المدرّب.

لنفكر في تدريب الحياة وكأنه العمل مع مرشد أكاديمي أو مدرب رياضي يدلنا على الطريق الأمثل لتحقيق الهدف. فاليوم لا يمكننا إيجاد جهة تقدم درجة البكالوريوس في «تدريب الحياة». لكننا سنجد أفرادًا مؤهلين بخبرات متراكمة في عدة تخصصات مثل علم الاجتماع وعلم النفس، أو خبرات مهنية تحصلوا عليها خلال حياتهم.

لم يحظ هذا المجال بعد بقوانين ثابتة تحكمه أو قوالب نحدد بها نجاحه أو فشله التامّ، ما يعطيه ويعطينا مساحة واسعة للاكتشاف والتجربة. أمًّا عنّي، فلن أتخلى قريبًا عن مدربتي، وسأبحث دائمًا عن خيارات أفضل متى ما وجدتها. فالتغيير الذي أراه فيَّ اليوم جوهريٌّ ومهم حتى أعيش حياتي بصورةٍ أفضل.

الإيجابيةالحياةرعاية الذاتالثقافة
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية