موظفٌ في شركة ناشئة؟ وازن حياتك وإلا ستنكسر

تتراكم مهامك اليومية وتغرق في بحرٍ من مواعيد التسليم المتأخرة واجتماعات العمل الطارئة التي لا تنتهي. تتمنى الهرب أو تصرخ طالبًا المساعدة...

تتراكم مهامك اليومية وتغرق في بحرٍ من مواعيد التسليم المتأخرة واجتماعات العمل الطارئة التي لا تنتهي. تتمنى الهرب أو تصرخ طالبًا المساعدة. تحاول الخلاص لكن شغفك وحماسك يدفعانك للتقدم بينما يحترق رصيد طاقتك. تعاني كل هذا وتصارع في الوقت ذاته للتوفيق بين حياتك الشخصية وعملك.

هل وجدت نفسك في هذا الوصف؟ إذن يا صديقي أنت موظف في قطاع الشركات الناشئة. 

كشخص شغلت وظيفتُه في قطاع الشركات الناشئة حيزًا كبيرًا من حياته، استنتجتُ سريعًا كيف للعمل أن يسلبك كل الأوقات الجميلة من عمرك. إذ بين مراقبة المنافسين، وملاحقة كل جديد في عالم الاقتصاد الرقمي الذي لا يهدأ، فأنت لا تعمل ثماني ساعات في اليوم، بل أربعة وعشرين. 

لا تؤجل حياتك لأجل العمل

لا أخفيكم بأن العمل في قطاع الشركات الناشئة ممتع جدًا. فتطوير المنتجات وإطلاقها للجمهور، ثم تلقي ملاحظات المستخدمين والعمل على تحسينها، كلها جُرعات سعادة لن تجد وصفتها لدى أية صيدلية.

لكن ماذا عن صحتك وعائلتك وحياتك الشخصية؟ فحتى وإن كنت أسطورة في ضبط المهام ومتابعتها، ستجد نفسك غارقًا في قائمة من المهام العالقة والمؤجلة. شخصيًا، جربت كل شيء يتعلق بتنظيم المهام ولا بد من الاعتراف بأني وجدتها خدعة لن تستفيد منها ما لم تكن مرنًا أصلًا في التعامل مع يومك.

لا بد لشيء أن يطغى على آخر، والعمل بطبيعته الملحة يطغى على العائلة والصحة واهتماماتك الشخصية. ومن الطبيعي سماع زملائك يتنهدون قائلين: «مذ زمن لم أقرأ كتابًا، آخر فيلم شاهدته كان قبل سنة، ولّت أيام مشاهدة مسلسل كامل في ساعات، لا أستطيع السفر فلديّ مشروع». والقائمة تطول بأشياء تحبها لكنك إما نسيتها أو الْتهَم العمل الوقت المخصص لها. لكنك في الحقيقة لا تنسى، أنت تؤجل كل شيء لأجل تلبية مهام العمل.

إذا بلغت هذه المرحلة من الضغوطات، يلزمك ابتكار روتين مرن يساعدك على تقسيم يومك بين محددات خمس: العمل والعائلة والصحة والاهتمامات الشخصية والتطور المهني. فتلك هي محددات حياتك، والوصول إلى توازن بينها مشكلتك التي ينبغي عليك حلها. 

تفادَ الجلوس الطويل على المكتب

أعرف زملاء كثر يعانون من الانزلاق الغضروفي، ومنهم من صمم طاولة مكتبه بطريقة تساعده على العمل مستلقيًا على بطنه. إذ بعد سنوات من الجلوس الخاطئ وإهمال الصحة، مع ساعات العمل المتواصلة دون فترات راحة، تحوّلت هذه الآلام الصغيرة إلى حالات مرضية. تسترعي هذه القصص الانتباه وتجعلك تدرك أهمية تقسيم يومك وجعل عدد ساعات العمل مرنة.

في محاولة مني لإدخال الرياضة في جدولي المزدحم، حاولت استغلال أي مكالمة اجتماع في المشي، والآن أغلب اجتماعاتي الدورية أعقدها بينما أمشي. كذلك اتبعت عدة أساليب أتفادى بها الجلوس الطويل على المكتب. فمثلًا في حال احتجت تسجيل الملاحظات، أحاول كتابتها واقفًا. كما شرعت في استخدام أسطح المكاتب القابلة للتعديل والتي يمكن استخدامها دون كرسي. 

أما بعد السادسة مساءً، فأنهض تمامًا عن المكتب. فهذا وقت العائلة المقدس الذي يستهل بالقهوة، تليها وجبة العشاء ومسلسل ما قبل النوم. أي لا رسائل بريد ولا اجتماعات ولا محادثات واتساب. 

استيقظ باكرًا صباح الإجازة 

التبكير في الاستيقاظ من النوم أهم نشاط يتحكم في مدى انضباط يومك. وفي كتابه «نادي الساعة الخامسة صباحًا»، يعرض روبن شارما نظام عددٍ من المبدعين والعظماء الذين نهجوا روتينًا صباحيًّا. إذ يقول: «نقطة البداية الأعظم للفوز في عملك وعيش حياة رائعة هي الانضمام إلى ما أسميه نادي الخامسة صباحًا.» 

حتى في أيام الإجازات الأسبوعية، إياك أن تفقد الشغف والحماس للاستيقاظ مبكرًا. لكن كيف؟ في أيام الأسبوع دافعك هو العمل، أما في أيام الإجازات، فما الدافع لاستيقاظك مبكرًا؟

أولًا يجب أن تحدد لنفسك حافزًا، مثل قراءة كتاب في الصباح أو ممارسة رياضة المشي الطويل أو حتى ترتيب غرفتك. المهم أن تملك دافعًا للإيمان بضرورة الاستيقاظ مبكرًا، وكذلك حتى لا تُفسد ساعتك البيولوجية فيما يخص عدد ساعات النوم. 

مع المواظبة على الاستيقاظ باكرًا، وجدتني أنجز في الفترة من الخامسة صباحًا وحتى الثامنة صباحًا ما يتطلب إنجازُه أسبوعًا كاملًا من العمل. 

لكن للأسف، يستغل كثرٌ منا فترة الإجازات لإفساد الانضباط من ناحية الأكل والنوم وغيرها، باعتبارها فترة راحة. أما عني، فلا أتسامح مع هذه العادات، لأنها تتحول إلى أخرى سلبية سرعان ما تنسل نحو نظامك الأسبوعي. وهذه العادات الصغيرة في روتينك اليومي، التي تراها غير مؤثرة هي الأكثر تدميرًا.

تخلص من السموم الرقمية

حتى تهدأ نفسك ويستريح رأسك من الضجيج، جرب الانفصال عن ضغوطات العمل في فترة إجازتك الأسبوعية، واخلق روتينًا بعيدًا عن الإنترنت.

عن نفسي أصف يومَي الجمعة والسبت بـ«فترة التخلص من السموم الرقمية». أفصل هاتفي عن الشبكات الاجتماعية، وأبقي جهاز العمل في المكتب بعيدًا عني. ألتفت إلى القراءة والتأمل، إلى الطبخ والمشي الطويل، إلى الزراعة والتفكير وتجربة هوايات وعادات خارج إطار العمل.

في هذه الفترة، حتمًا ستأتيك أفكار تتعلق بالعمل لم تخطر لك من قبل، فهل تعود إلى جهاز العمل وتناقشها مع بقية الفريق؟ لا، بل سجلها في الملاحظات. أؤمن بتسجيل تلك الأفكار فورًا، ثم إعادة مناقشتها يوم الأحد مع الزملاء. لكن انتبه، ففترة التخلص من السموم الرقمية ليست لتهيئة جوًّ مناسب لأفكار العمل. إن جاءت فمرحبًا بها، وإن لم تأتِ فهذه إجازتك.

استمر على هذا النحو وستجد أن العادات التي تمارسها في إجازتك الأسبوعية لن تكسر قواعد نظام عملك. فأنت ما زلت تصحو مبكرًا، وتحافظ على عادات ونشاطات صحية.

افتتح يومك بالتهام المهمة الأصعب

كل خطيئة في العمل أساسها التأجيل، أو على الأقل، هو أحد أهم أركانها. وكثيرًا ما حاولت العثور على حل لهذه المعضلة، وأنقذتني من هذا التيه عدة كتب، ككتاب براين تريسي «الْتهِم هذا الضفدع». قرأته في بداية مسيرتي الوظيفية، ثم عدت إليه عدة مرات، وكل مرة أكتشف عظمة نصائحه.

تكمن قوة الكتاب في اعتماد المؤلف أسلوب مخاطبة النفس البشرية. تحب نفسك اللوامة الترفيه والكسل، وترغب في تأجيل كل شيء إلى أجل غير مسمى. وحتى تتخلص من تأجيلك للمهام، فعليك التعامل معها وكأنها ضفادع. ففي حياتك ضفادع كبيرة وصغيرة، وفي حال بدأت يومك بالتهام ضفدعة كبيرة جدًا، ستتسنى لك تمضية بقية اليوم في التهام الضفادع الصغيرة.

خذ مثلًا مقالًا تتجاوز عدد كلماته الألف، كان أحد الضفادع الكبيرة صباح أحد أيام عملي هذا الأسبوع. أنهيت المسودة الأولى أولًا، وهكذا تمكنت من التهام ضفادع أصغر مثل مراجعة مهامي اليومية ومتابعة مراسلاتي في البحث عن شركاء جدد وعقد اجتماع مع فريق العمل لمدة ساعة ومراجعة بنود اتفاقية مع شريك جديد؛ وغيرها من المهام.

كل تلك المهام أو «الضفادع الصغيرة» جاءت سهلة والتهمتها بلذة بينما نفسي اللوامة تطلب: هل من مزيد؟

استثمر بالمحتوى الترفيهي

الساعة الآن السادسة مساءً، نهاية يوم عمل طويل بدأ منذ الخامسة صباحًا واستنزفت فيه كل طاقتك الذهنية، ولا وقت لديك تقضيه في أمور إضافية.

متى ما كنت منهكًا ذهنيًّا، ستدرك كيف تساعدك مشاهدة محتوى ترفيهي على الاسترخاء، فأنت بحاجة إلى مشاهدة شيء لا يحفزك على التفكير. أؤمن بضرورة مشاهدة محتوى سلسٍ سهل الاستهلاك ضمن روتين يومك. صدقني، فالأعمال التي تتطلب مجهودًا ذهنيًا أصعب بكثير مما تتوقع.

ستقضي ساعات آخر اليوم تشاهد أكثر مسلسلات نتفلكس شعبية، من قبيل «فاملي قاي» أو «ريك أند مورتي»، ولن تكون مضيعة للوقت، لأن مشاهدتك ستحفزك للنهوض غدًا نشطًا بكامل طاقتك. كذلك يمكن للمحتوى الترفيهي -إن كنت لا تمارس رياضة المشي أو الملاكمة- أن يفرغ طاقة الضغط لديك ويعيد شحن بطاريتك.

كن مرنًا وإلا ستنكسر

دعنِ أعطك هذه النصيحة: إن كنت طالبًا جامعيًا أو بدأت للتو حياتك الوظيفية وأردت العمل مع شركة ناشئة، كن متأكدًا أنك ستعمل تحت ضغط دائم وخارج تخصصك الجامعي، وستوكل إليك مهام خارج توصيف وظيفتك الحالية، لكنك ستكون سعيدًا بذلك. فهذا قانون غير مكتوب ومتعارف عليه في الشركات الناشئة. فقد تغير الشركة التي تعمل لديها نموذج عملها في أي وقت، ومعها يتغير مسماك الوظيفي ومهام عملك. 

في واقع الأمر، أنت من يتحكم بالخيارات. أنت من عليه أن يكون مرنًا ومتوازنًا وقادرًا على المشي فوق الأسطح جميعها. فالشركة التي انضممت لها قد تعمل اليوم على اليابسة وغدًا في البحر. وربما في الأسبوع القادم، سيتوجب عليك تجربة انعدام الجاذبية. Click To Tweet

هذه هي بيئة الشركات الناشئة. فإن لم تكن مرنًا، ستنكسر.

الشركاتالصحة النفسيةالعملالقطاع الخاصالثقافة
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية