طبول الحرب الصوتية بين كلوب هاوس والبودكاست

ظهر طرف جديد في المنافسة الصوتية، ما الجديد الذي سيقدمه كلوب هاوس وأين مستقبل البودكاست في الصناعة الصوتية؟

ضجت الأسابيع الماضية بالكثير من النقاشات حول تطبيق كلوب هاوس، ضجة أعادت للأذهان ذكرى الحرب الضروس بين الكاسيت والراديو. فمذ منتصف يناير، تصاعدت سمعة تطبيق المحادثات الصوتية كلوب هاوس على نحوٍّ مطّرد، حدًّا انشغل فيه كل من يمتلك آيفون بالبحث عن دعوة للتسجيل في التطبيق الجديد. 

الغرف الصوتية ما قبل كلوب هاوس

يبدو كلوب هاوس، رغم حداثته، أقرب إلى نسخة مطورة من برنامج بالتوك (Paltalk) الشهير في بدايات الألفية، والذي قدم مفهوم فتح الغرف الصوتية أمام الناس للحديث عن مختلف الأمور من السياسة وحتى التفاهة.

ولأننا نعيش هذه الأيام عصر ازدهار برامج البودكاست، فأي تطورات في مجال الإعلام الصوتي تصاحبها تكهنات بتأثير التطور الجديد على سوق البودكاست.

فحين أضافت تويتر التسجيلات الصوتية إلى ميزاتها، راجت التكهنات حول أثرها على سوق البودكاست، واحتمال تحول تويتر إلى منصة بودكاست مصغرة. إلا أن الشركة لم تستثمر كثيرًا في هذه الميزة، ولم يثمر عنها سوى تجارب فردية. ولم أجد ضمن أتباع تويتر من البودكاسترز من حوَّلها إلى منتج يشابه البودكاست. كل ما وجدته تسجيلات متفرقة هنا وهناك بدون أي تفجر ملحوظ في استخدام الميزة.

بالعودة إلى كلوب هاوس، فالتطبيق يسمح للأشخاص بإنشاء غرف صوتية تدور حول موضوع معين. وأصبحت أرى بشكل يومي غرفًا تتحدث عن مختلف الأمور من التقنية إلى الاقتصاد إلى الكتب. ولعل النوعية العالية من المحتوى الموجود في تلك الغرف هي ما جذب الناس إلى الانغماس في كلوب هاوس، فتراهم يحلفون بمدى جودة الحوارات فيه والتي تجعله منافسًا قويًا للبودكاست. أو هكذا يظن البعض.

كلوب هاوس سيقتل البودكاست!

أذكر استماعي إلى حوار عن مستقبل كلوب هاوس، أشار فيه أحد الحضور إلى افتقار التطبيق إلى ميزة التسجيل، والتي لو كانت موجودة سلفًا لكانت المسمار الأول في «نعش» البودكاست! انتظرت لعلّ وعسى يُفند أحدهم هذا الادعاء، إلا أن الحوار استمر. 

الاعتقاد أن التسجيل العائقُ الوحيد بين كلوب هاوس والسيطرة على سوق البودكاست اعتقادٌ خاطئ. فمن الممكن تقنيًا تسجيل الحوارات الدائرة بين متحدثي كلوب هاوس. وسبق أن بث بعض البودكاسترز من قبيل شفل كاست بعض حلقات برامجهم على كلوب هاوس وسجّلوها في نفس الوقت.

يتفق معي في هذا الرأي خبير التسويق معتز حجاج، والذي يرى أن «مقارنة كلوب هاوس بالبودكاست أشبه بمقارنة تويتر بيوتيوب.» ويضيف: «أستغرب ممن يقول أن كلوب هاوس سيقتل البودكاست. بالعكس كلوب هاوس الآن في مرحلة ’هبّة‘ وطبعًا ستعمل الشركة على تطوير التطبيق. لكن لا أعتقد أن أيًّا من المميزات الجديدة سيكون لها علاقة أو تأثير مباشر بالبودكاست.»

أمّا بالنسبة إليّ، فما يجعلني أؤمن أنَّ هذا التطبيق لن يقترب من البودكاست، حقيقة أنَّ كلوب هاوس خطوة للوراء وليس للأمام فيما يتعلق باستهلاك المحتوى الصوتي. فنحن اليوم نعيش مرحلة نستطيع فيها الاستماع لما نريد وقتما نريد دون أن يقيدنا الوقت. والعودة لنموذج كلوب هاوس أشبه بالعودة إلى عالم الراديو.

البث الحيّ ضد تسجيلات البودكاست

العديد من الحوارات الثرية التي تدور في ردهات كلوب هاوس تجعل الكثير منا يُردد «خسارة! ليت الحوار كان مسجلًا.» وهنا بالذات تكمن القيمة الأساسية للبودكاست بكل أشكاله الحوارية والقصصية والمعرفية: إتاحة الاستهلاك في أي وقت وأي مكان. 

فنحن نغرق في الكثير من المهام والأعمال اليومية، وتفريغ مساحة من الوقت للاستماع لحوار في إحدى الغرف أصبح رفاهية لا نستطيع تحملها. وهذه الرفاهية هي ما يطلبها منك كلوب هاوس. Click To Tweet

أما مع البودكاست، فبيدك النزول والاستماع أي وقت تشاء، وتنتهي من الحلقة الواحدة على عدة أيام. فأنا مثلًا أستمع إلى حلقة من حلقات «فنجان» أو «جو روقن» على أيام وفي أوقات مختلفة. أما الاضطرار إلى الجلوس وبناء جدولي حول حضور حوارات حية فذاك وقتٌ وولّى، لكن علي كماخي من «جريد» لا يتفق معي في هذه الجزئية.

يعتقد علي كماخي أن الوضع الحالي فوضوي قليلًا: «لو نظرت إلى حياتنا قبل الإنترنت لوجدت أنها كانت مرتبة بشكل أفضل. برامج الأطفال تأتي في وقت معين وبرامج الأخبار لها وقتها،» مضيفًا أنَّ «الجدولة تزيد من جودة الحياة.» 

لذلك يرى علي كماخي أن ميزة الاستماع في كل وقت قد تكون مسوغًا للتسويف. واستشهد ببرامج بودكاست لم يستمع لها حتى الآن لأنه ما انفكَّ يؤجلها. بينما لو كانت تلك البرامج مرتبطة بوقت معين لساعده الأمر على اتخاذ قرار الاستماع من عدمه، مبررًا رأيه بظاهرة «قلق الفوات» (FOMO): القلق المتأتي عن خوفك من تفويت تجربة رائعة يحظى بها الآخرون، فتكرس وقتك لمشاركة التجربة معهم.

فقاقيع التحزبات مقابل جودة الحوار

الانطباع الأوليّ الذي تركه كلوب هاوس لديّ ولدى الكثيرين أن العفوية هي العنصر الرئيس وراء الحوار الجميل والمعلومات المفاجئة. لكن هذا السحر بدأ بالخفوت بشكل ملحوظ بعد انتشار الدعوات وازدياد عدد المستخدمين بشكل كبير. فأصبحت نوعية الحوارات في كثير من الغرف، بالنسبة لي على الأقل، أقرب إلى الهرج منه إلى الفائدة.

ويخضع العثور على محتوىً ممتاز في في هذا التطبيق للعديد من العوامل التي لا نملك التحكم فيها، بدءًا من هوية الأشخاص المشاركين إلى التوقيت. فمثلًا لو جرت الحوارات الرائعة أثناء دوامك، فلن تستطيع الاستماع إليها، ناهيك عن الحوارات التي تجري على الطرف الآخر من الكرة الأرضية والتي لا تتناسب بالضرورة معك. هكذا، مع مرور الوقت، سيصبح العثور على غرفة حوار جيدة أشبه بالبحث عن كنز.

تغيب هذه المشكلة إلى حدًّ كبير مع البودكاست، إذ لا تحتاج إلى قضاء الكثير من الوقت حتى تقيّم نوعية الحوار وإدراك اهتمامك به أم لا.

فأغلب برامج البودكاست ترفق وصفًا لكل حلقة ومحتواها، كما يمكنك التنقل من بداية الحلقة إلى عدة أجزاء من التسجيل لاستشفاف مدى جودة الحلقة. كذلك فالتعليقات أو التغريدات التي تتناول البودكاست ستساعدك في اتخاذ القرار، وتكشف لك مدى جودة المحتوى من عدمه.

كذلك تختفي معضلة الوقت المناسب مع البودكاست. فلست بحاجة إلى انتظار الحوار «اللي ماحصلش» في وقت متأخر من الليل لتكتشف أنه أقل من عادي، أو تفاجأ باعتذار منظمي الحوار عن الجلسة، اعتذار من حقهم ما دمت لا تعطيهم مقابلًا.

ثمة أيضًا ظواهر بدأت تتشكل في كلوب هاوس وتحوله إلى نسخة مصغرة من تويتر. فمؤخرًا لاحظت دخول مشاهير تويتر للمنصة، وكل مشهور من هؤلاء جلب معه جمهوره وأفكاره، لتعجّ غرف المشاهير بآلاف المحبين والمعجبين. 

ولأن الكثرة تغلب الشجاعة، ستفرض الجماهير الغفيرة نوعًا معينًا من الحوار يضر بتنوع الأفكار، وسنجد أنفسنا مرة أخرى في عالم من الفقاقيع الفكرية والتحزبات، يُتوَّج فيها الشخص صاحب التأثير الأعلى ملكًا على الساحة. 

ميدان «الصوت الاجتماعي»

كل ما سبق لا يعني أن كلوب هاوس وما بعده سيموت، فظاهرة «الصوت الاجتماعي» (Social Audio) التي دشنها أشعلت الاهتمام في هذا المجال. وبدأت تويتر تجربة ميزة «سبيسز» (Spaces) ضمن تطبيقها، ولربما سيؤثر على سوق كلوب هاوس على المدى القريب.

لا يتقاطع الصوت الاجتماعي مع البودكاست، مثلما لا يتقاطع تويتر مع المقالات الطويلة. فالمقالات تحتاج وقتًا وتركيزًا للقراءة، بينما تويتر في الغالب تعبيرٌ لحظي لما يحدث في دوائر اهتماماتك. من هنا تنطلق المقاربة الصحيحة بين فكرة تويتر وكلوب هاوس.

فكلوب هاوس وأخواته من الخدمات بيئةٌ خصبة لمناقشة الأمور اللحظية التي لا تحتاج إلى إعداد وترتيب، كالتعليق على الرياضة والأحداث السياسية والاقتصادية المفاجئة، ومناقشة أحداث المسلسلات التلفزيونية بعد عرضها.

قد يكون الصوت الاجتماعي بديلاً أو مكملًا لبرامج الراديو الحوارية على غرار «ما يطلبه المستمعون» أو برامج المسابقات. فهذه النوعية من البرامج الترفيهية تتيح الوصول إلى فئة لا تريد تشغيل الراديو، وتحبذ إمكانية التفاعل الفوري مع الجمهور حيث «خليك معاي على الخط» تختصر جهد ترتيب المكالمات واللقاءات.

كذلك يمكن الاستفادة من تطبيقات الصوت الاجتماعي في بث الحفلات الموسيقية أو المحاضرات المباشرة بمقابل مادي.

العدو الحقيقي الذي يتهدد البودكاست ليس كلوب هاوس، بل الاستحواذ على المحتوى مثلما فعلت سبوتيفاي وأمازون خلال العام الماضي. فإن انتصر الاستحواذ في الحرب الصوتية، حتمًا ما ستتغير خارطة البودكاست وينتقل من بيئته المفتوحة التي سمحت له بالازدهار إلى حدائق مغلقة تطلب منك دفع رسوم الدخول.

البودكاستالراديوالمحتوىكلوب هاوسالرأيالمستقبل
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية