ما العوائق أمام مشاركة المرأة في سوق العمل الخليجي
الصورة النمطية السائدة عن وضع المرأة الخليجية اقتصاديًّا ومهنيًّا دائمًا ما تحصرها في فئة رائدات الأعمال، لكن الواقع يظهر صورةً مغايرة.
الصورة النمطية السائدة عن وضع المرأة -الخليجية عمومًا والعمانية خصوصًا- اقتصاديًّا ومهنيًّا، دائمًا ما تحصرها في فئة رائدات الأعمال. لكن الواقع يظهر صورةً مغايرة. فما يَقرُب من نصف الشابات الباحثات عن عمل في المنطقة عاجزاتٌ عن العثور على وظيفة، رغم أنّهن لا يشكّلن سوى نسبة ضئيلة من سوق الباحثين عن عمل.
تستمد الصورة طابعها النمطي من حقيقة استفادة النساء الخليجيات من الثروة النفطية الوطنية الهائلة التي تتيح لهنّ الوصول إلى التعليم المجاني في ظل اقتصاد يؤمّن فرص عمل وافرة.
لكن الواقع أكثر تعقيدًا من الصورة، وثمَّة الكثير من القيود الهيكلية المختلفة التي تساهم في خلق هذا الواقع وتحد فعليًّا من المساواة بين الجنسين في سوق العمل.
الدفع بالنساء إلى تولي مناصب قيادية وإطلاق مشاريع ريادية، وإصلاح سوق العمل حتى يكون القطاع الخاص منفتحًا على مشاركة المرأة، إضافًة إلى قانون يحمي حقوق النساء اللائي يختَرن تكوين أسرة، كلها عوامل أساسية في تأمين مشاركة أكبر للمرأة.
صورة ريادة الأعمال وواقع تأنيث الفقر
ثمة عدم اتساق واضح بين التحصيل العلمي للمرأة العمانية ومشاركتها في سوق القوى العاملة، ففي عمان يشارك 90.3% من الرجال في سوق العمل، أما لدى النساء فلا يزيد الرقم عن 32.4%. كذلك ترتكز غالبية النساء المشاركات في سوق العمل ضمن وظائف القطاع العام.
ويجادل البعض بأنَّ ريادة الأعمال بالنسبة للنساء في دول الخليج العربية أمرٌ يحظى بالدعم، لكن إلى أي مدى تساهم هذه الظاهرة في إفادة النساء ودعمهنّ في طبقات المجتمع كافة؟
لربّما تبدو الإجابة بسيطة للوهلة الأولى، من حيث تشجيع الظاهرة لمساهمة النساء في النمو الاقتصادي وتعزيز تمكينهنّ كأفراد. لكنّ تلك النظرة القاصرة تتجاهل الفوارق الاقتصادية الواسعة بين الجنسين، بما في ذلك ما يمكن الاصطلاح عليه بـ «تأنيث الفقر» أو مفاقمة إفقار الإناث في المجتمع.
سقراط مع مديرة المرصد الوطني للمرأة في جامعة الأميرة نورة
يكمن أحد الحلول الرئيسة لتفعيل تمكين المرأة ومشاركتها في سوق العمل -في عمان خصوصًا- في إصلاح الهيكل البنيوي لسوق العمل، وليس في الاكتفاء وحسب بتقديم حلول شكلية تهدف إلى تغيير موروثات الثقافة الجمعية، فيما يخص الأدوار التي يمكن للمرأة تأديتها.
تفضيل الموظف الوافد
أدى الانخفاض الحاد في الإيرادات في دول الخليج العربية، من بينها سلطنة عمان، إلى تقييد قدرة الدولة على تأدية دورها كأكبر مشغل لمواطنيها ضمن مؤسسات القطاع العام. إذ شهد القطاع تجميدًا جذريًّا للتوظيف وتخفيضات في رواتب موظفيه.
شجع الواقع الجديد المواطنين على الانخراط في القطاع الخاص من بوابة ريادة الأعمال، بما في ذلك النساء. ويرتكز أغلب النشاط التجاري في مشروعات ريادة الأعمال النسائية على المشاريع الصغيرة التي تعتمد بشكل أساسي على العلاقة بالمستهلك.
لكن أمام هذا الواقع، أسهمت القوانين المُنَظِّمة لسوق العمل في تحجيم الدور المأمول من مشاريع سيدات الأعمال في تعزيز مبادرات تشغيل المواطنين والمواطنات، وبذا توسعة نطاق القطاع الخاص في سوق العمل.
ما حصل عام 2015 مثالٌ على ذلك، عندما استجابت الحكومة العمانية لضغطٍ واسع يطالب بإعفاء المشاريع المتوسطة والصغيرة من شرط تشغيل العمانيين، على الأقل خلال السنوات الأولى للمشروع، كما كان ينص القانون سابقًا. وتتعارض الاستجابة لهذا المطلب مع جهود الحكومة التي تسعى لخلق فرص عمل للمواطنين والمواطنات من بوابة إطلاق مبادرات جديدة لريادة الأعمال.
يأخذنا ذلك إلى عائق أساسي أمام مشاركة المرأة الفاعلة في سوق العمل: تفضيل القطاع الخاص الموظف الوافد. إذ دأبت الحكومات الخليجية في الأعوام الأخيرة على ضخ أعداد أكبر من المواطنين في سوق العمل على حساب العمالة الوافدة، لكن تغفل الحكومات ضرورة تضييق الفجوة الواضحة بين حقوق العامل الوافد والعامل المواطن.
لا بد للقوانين أن تتغير حتى يصبح تعيين الموظفة/الموظف الخليجي خيارًا أكثر ملاءمة لدى أصحاب العمل، بما في ذلك المشاريع النسائية. Click To Tweet
إصلاح بنود إجازة الأمومة والأبوة
بقدر ما ينبغي توجيه اللوم إلى النظام الأبوي والمفاهيم المترسبة على حصر قائمة الوظائف المقبولة عرفًا للسيدات، إلا أنَّ الصورة الأوسع تظهر مشاكل بنيوية في قانون العمل تقف عائقًا كبيرًا أمام تمكين المرأة.
إذ بصرف النظر عن القضايا الهيكلية في سوق العمل العماني، وتأثيرها الكبير على مشاركة المرأة في القوى العاملة ضمن القطاع الخاص، فإن قانون العمل يعد عنصرًا مهمًّا في ضمان فرص متساوية للجنسين. ويتطلب التقدم نحو مزيد من التكافؤ بينهما الاعتراف بأن كليهما ليسا متماثلين، إضافةً إلى سن قوانين تدعم هذه الاختلافات.
ينص قانون العمل الحالي على أحقية النساء في الحصول على إجازة أمومة مدفوعة الأجر لمدة 50 يومًا. إضافةً إلى عدم جواز فصل عاملة لغيابها بسبب مرضٍ تثبتُ شهادةٌ طبية نتوجه عن الحمل.
قد يجادل البعض بأن مدة إجازة الأمومة المذكورة أفضل نسبيًّا من بعض أغنى دول العالم، إلا أنها واقعيًّا غير كافية، وهو رأي تشاركه معظم الأمهات. ويكمن الحل إما في تمديد مدة الإجازة حسب مدة سنوات عملها في المؤسسة أو توفير خيار العمل بساعات أقل مقابل أجر جزئي بدلًا من الراتب الكامل.
من شأن هذا الخيار، ضمن محفزات أخرى، أن يساعد في تشجيع المرأة على العودة إلى العمل بعد نهاية إجازتها، وبعد أن تحصل على الوقت الكافي لتقييم وضعها وقدرتها على توفير الرعاية لرضيع لا يتجاوز عمره العام.
عنصرٌ أساسي آخر من شأنه تشجيع ودعم النساء اللواتي يخترن الإنجاب: إجازة الأبوة. يُمنح الآباء حاليًا بشكل غير رسمي إجازة أبوة مدفوعة الأجر لمدة 3 أيام فقط. لذا لا بد من تضمين قانون العمل العماني إجازة أبوة تزيد مدتها على ثلاثة أيام.
ولعلَّ الطريقة الأمثل، رغم تعقيدها، إفساح الفرصة للأبوين تقسيم إجازة الأمومة والأبوة بينهما بشكل يناسب الأسرة ويوزع الأدوار المنزلية. وهكذا ستتاح للأم العودة إلى العمل مبكرًا، بينما يتولى الأب رعاية الطفل.
بالنتيجة، سيغير هذا التقسيم من المفهوم الاجتماعي الراسخ عن الرجل باعتباره مصدر كسب الرزق الأساسي للأسرة، والمرأة باعتبارها راعية المنزل.
دلائل إيجابية على تمكين المرأة
في الوقت ذاته الذي ندرك فيه القيود المحيطة بخطاب تمكين المرأة، من الضروري الاعتراف بالتقدم الذي سجل في السنوات الماضية.
فرؤية عمان 2040 ترتكز بشكل كبير على توسيع القطاع الخاص، ونأمل رؤية دخول المرأة فيه كقوة فاعلة بالتوازي مع الدفع بالإصلاحات المناسبة.
على سبيل المثال لا الحصر، عُينت هيفاء الخايفي مؤخرًا في منصب الرئيس التنفيذي لمشروع تطوير الطاقة، الذي شُكّل حديثًا. هيفاء أول امرأة تشغل هذا المنصب في قطاع الطاقة العماني، ولن تكون الأخيرة.
وفي حين تظهر الأرقام الرسمية حاجة إلى انتخاب المزيد من النساء في مجلس الشورى لضمان تمثيل أكبر للمرأة في دوائر القرار، فإن نسبة مشاركة الناخبات لم تختلف كثيرًا عن نسبة مشاركة الناخبين في انتخابات المجلس لعام 2019.
لا تقتصر مناقشات تمكين المرأة العمانية في قطاع العمل والمساواة بين الجنسين على النساء، إذ يشارك الرجال في هذه النقاشات. وتلك علامة إيجابية تؤكد على ارتفاع الوعي بأهمية مشاركة المرأة سياسيًّا واقتصاديًّا على مستوى الدولة.