حرب الخليج: التكنولوجيا العسكرية وعقدة الانتصار الأميركي
أثرت صدمة حرب فيتنام على جيل كامل من العسكريين، لتأتي حرب الخليج كخطوة لتثبت أميركا نفسها وتقنياتها العسكرية الجديدة.
بعد الحرب الباردة وتدهور الاتحاد السوفييتي كقوة مماثلة لنظيره الأميركي، أتت حرب الخليج كنقطة تحول تاريخية في تبلور مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى. وما كانت التكنولوجيا العسكرية الأميركية المستخدمة في الحرب إلا خير دليل على تبوؤ الجيش الأميركي مرتبة أقوى جيش في العالم. حيث سخّرت الولايات المتحدة كل أنواع التكنولوجيا التي أعدتها لمواجهة حاسمة ضد الاتحاد السوفيتي، بهدف ضمان انتصارٍ سريع على الجيش العراقي.
ولا شك أن هذه التكنولوجيا العسكرية رسمت صورة الولايات المتحدة قوةً عظمى بلا منافس بعد نهاية الحرب الباردة. لكنها أيضًا رسمت صورة الحرب السهلة وغير المكلفة في أذهان الكثير من الأميركيين. فآمن الشعب الأميركي وزمرة من القادة العسكريين بأن أية مواجهة عسكرية في المستقبل ستنتهي بنفس السرعة والسهولة.
وبصرف النظر عن خصائص الأسلحة والأنظمة الحربية الحديثة، فالمؤكد أن المشاركة الأميركية إلى جانب بقية قوات التحالف لتحرير الكويت، حولت المواجهة من حرب عادية وحسب إلى «حرب نجوم» (Star Wars)، بكل ما فيها من عناصر الإبهار البصري.
أشباح حرب فيتنام
كانت حرب الخليج أول مواجهة عسكرية كبيرة للولايات المتحدة بعد حرب فيتنام عام 1975، والتي خرجت منها محمّلة بذكريات مريرة وأزمات نفسية أرهقت المجتمع الأميركي.
فالحرب الطويلة الاستنزافية أضعفت ثقة الشعب في القوات المسلحة بالذات والإدارة السياسية بشكل عام، أمام الارتفاع المهول في أعداد قتلى الجيش الأميركي ومحاولات الإدارات الرئاسية المتعاقبة إخفاء الخسائر الأميركية في الحرب وواقع مجريات العمليات القتالية على الأرض.
كذلك، كان لصدمة حرب فيتنام تأثيرها على جيل كامل من الضباط العسكريين الذين شرعوا خدمتهم العسكرية فيها. إذ شجعت تلك التجربة ضباطًا كثُر، كرئيس هيئة الأركان إبان حرب الخليج، الجنرال كولين باول -والذي نُسبت له فلسفة «عقيدة باول» العسكرية- على ضرورة استخدام القوة المفرطة منذ اللحظة الأولى في أي صراع، للتأكد من تحقيق الانتصار السريع وتفادي أي مواجهة طويلة.
وبُغية الإبقاء على الدعم الشعبي طوال الحرب، كان عامل السرعة في غاية الأهمية. خصوصًا وأن تأمين هذا الدعم سلك بداية متعثرة، حيث تقاربت نسبة الأعضاء المؤيدين والمعارضين للحرب في مجلس الشيوخ الأميركي بنسبة 52 صوت مقابل 47. بالمقابل، حصد التصويت على غزو العراق عام 2003 أغلبية مؤيدة تعادل 77 صوتًا مقابل أقلّية رافضة للتدخل.
من هنا جاء تحذير نائب الرئيس، دان كوايل، قبل الحرب «في حال تورطنا في حملة طويلة ومستمرة في العراق، كما حدث في فيتنام، لن يستمر الشعب في مساندته للرئيس.»
تفوق السيليكون على الحديد
سبقت التكنولوجيا العسكرية المتطورة حرب الخليج، إذ أتت نتاج سنوات عديدة من الاستثمار الضخم في تطوير القوات العسكرية الأميركية. وارتفعت في عهد ريقان ميزانية وزارة الدفاع بما يعادل 50%، ضمن سياسة إدارته ضد خطر الاتحاد السوفيتي أواخر الحرب الباردة.
وحول اعتماد أسلحة القوات العسكرية الأميركية الجديدة على تقنيات رقائق الكمبيوتر من السيليكون مقابل الاعتماد التقليدي على عتاد الأسلحة الحديدية الضخم، علّق محلل الدفاع الأميركي، جون بايك: «إنه تفوق السيليكون على الحديد». من هذا المنطلق، نظر بعض الضباط والمحللين إلى حرب الخليج كفرصة لاختبار هذا التفوق، وتأكيد قدرة الأسلحة الجديدة على تحقيق نجاح سريع وحاسم.
لكن المحللين لم يجمعوا آنذاك على رأي جون بايك. حيث يذكر أستاذ دراسات الأمن القومي في جامعة جورج تاون، ستيفن كانبي، في تعليق له قبل الحرب تشكيكه بمدى فاعلية التكنولوجيا العسكرية في الحرب المقبلة، مشيرًا إلى أن «[الاستثمارات] لم تنصب نحو تطوير قواتنا البرية. ولا أظن أنَّ قواتنا البرية تتفوق على القوات العراقية فيما يخص التكنولوجيا.»
مع ذلك، تظل الحقيقة في النهاية أن تكنولوجيا الرقابة والتنقل وتمكن الطائرات الأميركية من تقنية التخفي ووجود الذخائر الذكية، لعبت دورًا مهمًا في تحقيق نجاح سريع وغير مكلّف للتحالف الذي قادته الولايات المتحدة لتحرير الكويت. أما السؤال الذي يطرح نفسه: هل أعمى هذا النجاح السريع على المدى البعيد بصيرة الشعب الأميركي وقيادته السياسية والعسكرية عن التكلفة الباهظة لحروبه القادمة؟
التكنولوجيا العسكرية ولعبة المناورات الحربية
شهدت حرب الخليج تقدمًا كبيرًا في قدرة القوات المسلحة الأميركية على تنسيق مناوراتها واستهداف مواقع العدو. ويعود الفضل لتكنولوجيا «نظام الإنذار المبكر والتحكم» (AWACS) الذي راقب الطائرات الحربية العراقية، ونسق بين الطائرات الحربية الأميركية، و«نظام رادار المراقبة المشتركة والهجوم المستهدف» (JSTARS) الذي راقب المناورات العراقية على الأرض، و«نظام التموضع العالمي» (GPS) الذي استخدم لأول مرة في ساحة الحرب بشكل روتيني بين جنود الجيش الأميركي.
منحت هذه الأنظمة قوات التحالف القدرة على إجراء المناورات الدقيقة في ساحة الحرب وتوجيه الرد السريع على مناورات القوات العراقية. ويذكر تقرير القوات الجوية الأميركية بعد الحرب أنَّ «نظام رادار المراقبة المشتركة والهجوم المستهدف (JSTARS) كان الأكثر كُلفة لنا [خلال الحرب]. لكن النظام تابع تحركات القوات اللوجستية العراقية وأهداف متحركة أخرى، وحوَّل هذه المعلومات بشكل شبه فوري إلى الطائرات الهجومية لاستهداف القوات العراقية وتدميرها.»
كما استخدمت القوات الأميركية كاميرات الرؤية الليلية للعثور على الجنود العراقيين واستهداف آلياتهم، بصرف النظر عما إذا كانت مموهة أو مخفية في الليل. إذ كان من السهل على الطائرات الأميركية استهداف المدرعات والدبابات العراقية، حيث احتفظ معدنها بحرارته ليلًا، بعد يوم كامل تحت شمس الصحراء.
الحرب الشبكية في غمرة الليل
سمحت التكنولوجيا العسكرية للقوات الأميركية بالهجوم ليلًا أغلب الوقت، حيث صعُب على القوات العراقية مواجهة الهجمات، سواء كانت من طائرات التحالف أو القوات البرية. وفي نهاية الحرب، أكد الجنرال باري ماكافري، بأن «قدرتنا على الرؤية الليلية كانت أكبر ميزة لنا في الحرب كلها.»
ومع ذلك، أكَّد بعض المعلقين التفوق الأميركي في كل أوجه الحرب، أيّ حتى في المواجهات المباشرة ضد قوات الحرس الجمهوري، نخبة القوات العراقية، والتي بدت جليًّا «أدنى من القوات الأميركية والبريطانية من حيث المعدات والتدريب.»
شكلت هذه الحرب الشبكية طريقة تفكير المسؤولين الأميركيين في القوات المسلحة والحكومة المدنية حول الحروب. حيث ركّزوا بشكل مفرط على تفوق القوات المسلحة في حربها ضد جيش منظم بأقل تكلفة مالية وإنسانية. بينما لم يأخذوا بعين الاعتبار صعوبة التفوق على عدو غير منظم ومسؤوليتها في حماية السكان المدنيين في نفس الوقت.
في مقال تناول فيه التجربة الأميركية في غزو العراق، بيّن الصحافي الأميركي نوح شاختمان، بأن الحرب الشبكية -بتركيزها على استخدام أقل عدد ممكن من القوات سريعة التحرّك- «لم تفد الجيش الأميركي، حينما حل وقت إعادة إعمار العراق وأفغانستان. وذلك لأن القوة الشبكية الصغيرة لم توفر للجنرالات إلا فرصًا معدودة لتأمين السلام. وما عاد بالإمكان توفير ما يكفي من القوات للعثور على المخبرين وبناء الحواجز وإعادة بناء محطة معالجة مياه الصرف الصحي وحراسة الأسواق.»
الأشباح في سماء بغداد
على الجانب الآخر، كانت الطائرات الأميركية «إف-117 نايت هوك» ( F-117 Nighthawk) « أكبر رمزٍ للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة في حرب الخليج. حيث يرد ذكرها في كل مراجعة للتكنولوجيا العسكرية الأميركية المستخدمة في الحرب. وهي غير مرئية على الرادار، وذلك بفضل تقنية التخفي المعتمدة على سطح الطائرة الذي يعكس موجات الرادار.
أتت هذه الطائرة نتاج برنامج تطوير القوات الجوية الأميركية وسط الحرب الباردة. إذ أرادت قيادة القوات الجوية طائرة قادرة على اقتحام نظام دفاع جويّ متقدم في بلد مثل الاتحاد السوفيتي. وإلى جانب الصواريخ المبرمجة، استخدمت القوات الأميركية صواريخ «توماهوك» في قصف أهم الأهداف العسكرية داخل العراق.
هكذا، تمكنت الطائرات الأميركية من تجنب الدفاع الجوي العراقي، حتى في سماء المدن العراقية الرئيسة كبغداد. ولولا تلك التقنية، لاضطر جيش التحالف لاستخدام سرب طائرات كبير لإسقاط القنابل على المدن المحصنة بأنظمة الرادار والدفاعات الجوية.
وإلى جانب الطائرة «إف-117 نايت هوك»، استخدمت القوات الأميركية صواريخ «إيه جي إم-88 هارم» (AGM-88 Harm) لضرب أنظمة الرادار العراقية نفسها. إذ استهدفت هذه الصواريخ موجات الإشعاع المنبعثة من أجهزة الرادار تلقائيًا. ومع أن الصواريخ العراقية أسقطت العشرات من طائرات التحالف في عملية «درع الصحراء»، سرعان ما مالت الكفة لصالح الأخيرة. مما ساهم في تحقيق النصر السريع على الأرض في ما بعد.
ومع ذلك، لا ينبغي تجاهل آراء بعض المحللين في قدرات الطائرات الأميركية على التفوق في السماء. حيث أكد تقرير من مكتب محاسبة الحكومة، أن البنتاغون بالغ بشكل منظم في عرض تفوق الأداء الميداني لطائرات «إف-117 نايت هوك» خلال الحرب. وأشار أكثر من تقرير إلى أن تكنولوجيا التخفي لم تخف الطائرة من الرادار كليًّا.
وفيما يخص الحملة الجوية ككل، صرّح الأكاديمي الأمني داريل بريس بأنه «حتى وإن لم تلعب الحملة الجوية دورًا بارزًا، ما كانت لتؤثر بأي شكلٍ حاسم على نتيجة الحملة البرية» ويبقى من المهم التفكير في أثرها على الحملة البرية، لأنها لم تأت دون تكلفة إنسانية على المدنيين العراقيين.
برمجة الحرب العسكرية
إلى جانب الطائرات الخفية، كثُر الحديث عن الذخائر الذكية. وهي القنابل الموجهة والصواريخ المبرمجة التي سمحت بالقصف الدقيق لمواقع معينة في ساحة الحرب، مقابل تكتيكات القصف القديمة، والتي اعتمدت على القنابل غير الموجهة.
ومن بين هذه الذخائر، تلك الموجهة بالليزر. وتعمل بتوجيه من طيار الطائرة الحربية أو المروحية باستخدام الليزر بعد إسقاطها. كذلك، استهل الجيش الأميركي الحرب باستخدام نوع آخر من الأسلحة الذكية، وهو الصاروخ المبرمج « توماهوك» الذي يضرب المواقع المستهدفة على بعد أكثر من 2000 كيلومتر. فكانت بعض السفن من القوات البحرية الأميركية تطلق هذه الصواريخ من موقعها في الخليج قاصفةً بغداد.
ومع أنّ القوات الجوية الأميركية سبق واستخدمت أنواعًا من القنابل الدقيقة في أواخر الحرب في فيتنام، أي قبل حرب الخليج بأكثر من خمس عشرة سنة؛ كانت حرب الخليج «ربما المرة الأولى في التاريخ التي لعبت فيها القنابل والصواريخ الموجهة والدقيقة دورًا محوريًا»، على حد تعبير صحفي النيويورك تايمز، مالكوم براون، غداة انتهاء الحملة الأميركية الجوية ضد القوات العراقية.
وساهم وجود مثل هذه الأسلحة في تخطيط الاستراتيجية الأميركية العسكرية. حيث قصد القادة العسكريون في الجيش الأميركي استهداف المواقع العسكرية العراقية، لا المناطق السكنية. فاستهدفت «عملية الرعد الفوري» -خطة الحملة العسكرية الأميركية الأولى- القادة العسكريين في العراق أولًا، ثم البنية التحتية العسكرية كمصانع الذخائر، وبعدها البنية التحتية المدنية كمحطات توليد الكهرباء وخطوط الهاتف.
وبالرغم من تعديل هذه الخطط خلال الأشهر الأولى ما قبل اندلاع الحرب، شجعت الأيام الأولى للحملة الجوية فكرة تحويل الحرب من صراعٍ عنيفٍ عشوائي إلى عملية دقيقة وروتينية، باستخدام التكنولوجيا العسكرية. حيث دمرت عدة طائرات حربية أميركية مواقع قاذفات صواريخ سكود وبعض المواقع الخاصة بالقادة العسكريين في العراق والمواقع السياسية كالقصر الجمهوري وبرج الاتصالات المركزي ومحطات توليد الكهرباء في مدينة بغداد.
الأسلحة الدقيقة في غمرة الحرب
حسب مستند التاريخ الرسمي للقوات الجوية الأميركية حول القصف الاستراتيجي خلال الحرب، ما عاد من داعٍ لقاذفات قنابل عديدة ترمي بقنابلها على المدن وتدمرها. يكفي عدد قليل من الطائرات المحمّلة بقنابل خفيفة للتسلل إلى معقل دفاعات العدو وقصف الأهداف الاستراتيجية فيه. أما على صعيد الدفاع الجوي، شهدت حرب الخليج أيضًا أول استخدام لصواريخ «باتريوت» الدفاعية، والتي تقطع صواريخ العدو قبل وصولها إلى أهدافها في الأرض.
لكن، وكغيرها من التكنولوجيا العسكرية، بولغ في الترويج لفعالية الأسلحة الذكية خلال الحرب. ورغم دقة الذخائر، أودى القصف بضحايا من المدنيين.
حيث ذكرت القوات العسكرية الأميركية أن صواريخ «باتريوت» نجحت في قطع 80% من صواريخ سكود العراقية. لكن بعض التحقيقات وجدت أن الصواريخ لم تنجح سوى في قطع 9% من صواريخ سكود وفشلت في حماية بعض الجنود الأميركيين في ثكناتهم العسكرية في الظهران.
صحيحٌ أن التركيز الإعلامي على الأسلحة الدقيقة في غمرة أحداث الحرب روّج لفعاليتها ونجاحها، لكن الحقائق بيّنت بعد انتهاء الحرب أن نسبة الأسلحة الدقيقة وسط حملات القصف الأميركية بلغت 7% فقط. وأن أكثر من 70% من القنابل المستخدمة خلال الحرب لم تنجح في ضرب أهدافها. ولذلك، صدر تقرير عن مكتب محاسبة الحكومة يقول بأن «الحملة الجوية لم تبرر موقف الذخائر الموجهة من ناحية الفعالية أو الكفاءة دون تحفظات.»
وعلى سبيل المثال، تبيّن في القصف الأميركي لملجأ العامرية، أن هذه الأسلحة الدقيقة لم تمنع ولن تمنع القوات العسكرية من ارتكاب مجازر بحق المدنيين. إذ أودت القوات الأميركية بحياة أكثر من 400 مواطن عراقي مدني بهذه الصواريخ الدقيقة، ظنًا أن الملجأ كان مركز قيادة الاستخبارات العراقية. ولم يكن ذلك القصف الوحيد الذي أسفر عن خسائر من المدنيين.
مرض الانتصار: الحرب كما لو كانت لعبة إلكترونية
في النهاية، لعبت التكنولوجيا العسكرية الجديدة دورًا لا بأس به في تشكيل صورة حرب الخليج كحرب سريعة وسهلة. وإن أكد بعض المحللين مثل الأكاديمي الأمني، ستيفين بيدل، في سنوات ما بعد الحرب أن التكنولوجيا لم تؤت ثمارها الحربية إلا بإضعاف القوات العراقية إداريًا وتكنولوجيًا.
أما القيادة العسكرية، فنجحت في تقديم القوات المسلحة الأميركية كمؤسسة قادرة ومحترفة يمكن الاعتماد عليها، بعد سنوات من تشكيك عامة الناس فيها بعد حرب فيتنام. من هذا المنطلق، وبعد انتهاء الحرب، صرح الرئيس جورج بوش الأب بأنه «يوم تفتخر به أميركا […] [لأنّنا] تخلصنا من مرض فيتنام النفسي إلى الأبد.»
وعلى الرغم من التغطية الإعلامية المكثفة لحرب الخليج، وخصوصًا على شاشة قنوات جديدة وقتئذ مثل سي إن إن، نجح القادة العسكريون الأميركيون نوعًا ما في ثني الإعلام عن تغطية قصص الضحايا المدنيين للعمليات القتالية. مما ساهم في تصوير الحرب كما لو كانت لعبة إلكترونية.
ومع أن الرقابة العسكرية لعبت دورها في تحقيق ذلك، حملت بعض وكالات الأنباء الأميركية على عاتقها مهمة تطبيق رقابة ذاتية. إذ قررت صحيفة «أسوشييتد برس» (Associated Press) مثلًا ألا تنشر صورة لمدى الدمار الذي خلّفه القصف للجنود العراقيين، ليسمّى فيما بعد «طريق الموت». حيث دمرت الأسلحة الأميركية المتقدمة أكثر من 1400 مدرعة عراقية في طريق انسحابها من الكويت.
في غمرة الحرب، كتب المخرج الوثائقي، كين بورنز، «إن التكنولوجيا تحب غيرها من التكنولوجيا. ولذلك أصبحت حرب الخليج، دونما لقطات حقيقية للحرب، حرب المعدات العسكرية ووصفٍ لتلك المعدات.»
ساهمت صورة الحرب السهلة هذه -حين يحارب الجندي المعدات العسكرية لا الإنسان- في حلول «مرض الانتصار» محل «مرض فيتنام» عند القوات المسلحة الأميركية والمجتمع الأميركي على حد سواء. ولا عجب أن مهّدت هذه الغطرسة التي رسختها الحرب الطريق لغزو العراق عام 2003.