هل نستطيع العيش بلا لعب
وفقًا لاختصاصيّ اللعب جيف هاري، يظنُّ البالغون أنَّ اللعب يضيع الوقت. لكنّ الواقع على العكس، إذ يحسّن اللهو من الصحة النفسيّة للكبار.
في الأيام الأولى من العام الدراسي للصف الثاني الإعدادي، اقتربتُ من صديقتي الواقفة في الساحة -التي أشبعناها من اللعب العام الفائت- لأخبرها عن مسلسل كرتوني جديد على سبيستون. كانت تقف مع صديقاتها الجدد، فردَّت وشذرات الماسكارا تغطي جفونها السفلية: نحن لا نشاهد سبيستون الآن، نشاهد المسلسلات الدرامية فقط!
ابتعدتُ عنها وأنا أعد قائمة مهام قصيرة في ذهني: 1- مكياج أكثر، 2- كرتون أقل. وكان هذا يعني ضمنيًا إراحة الساحة بقية العام من الخبط السريع المتواصل لرجليّ.
مرَّت عشرون عامًا، ولا تزال مسلسلات الكرتون تشغل حيزًا في حياتي (الفضل هنا يعود لنتفلكس) أكبر من المكياج (وهنا يعود لكسلي). لكن الركض لم يعد جزءًا مهمًا من روتيني اليومي كما كان سابقًا.
همي الصغير، الذي كبر دون أن يكون منطوقًا، كان قاسيًا جدًا عليّ. حتى أني حين مررت للمرة الأولى بجانب صف رقص الزومبا في النادي الرياضي فورًا قلت في نفسي «لا، لا يمكن لي فعل هذا». وبعد سنوات من هذا القرار السريع الصارم، تخبرني مدربة عن جانب لم أعهده فيَّ، حين علَّقت باستغراب: «حقًا؟ تخيلتك ترقصين كما لو أن الاستوديو بوسعه لك!»
فلمَ قسوت على نفسي ومنعتها من اللعب؟
وفقًا لاختصاصيّ اللعب جيف هاري، يظنُّ البالغون أنَّ اللعب يضيع الوقت. وقتك المهم الذي كنت ستستثمره في مشروعك القادم، إن يكن كتابة رواية أو افتتاح مقهى أو حتى الوصول إلى 10 آلاف خطوة يوميًا. كل أهداف البالغين هذه حتمًا سيعيقها نصف ساعة من اللهو الذي لا تعرف له هدفًا.
لكن، متى بدأت معنا أهداف البالغين هذه؟
بدأت في السن الذي كنتَ تُطالب فيه بأن تُعامَل كبالغ: سن المراهقة. ففي الوقت الذي صار فيه مهمًّا أن يتوافق مظهرك الخارجي مع آخر صيحات الموضة، صرت تواجه ضغطًا نفسيًا خارجيًا، ونسيت الطفل فيك الذي كان يرى العالم دون اكتراث لما يقوله الآخرون.
ماذا نعني بكلمة «اللعب»؟
يعرِّف جيف هاري اللعب بتعريف بسيط جدًا: أي نشاط يُدخل فيك البهجة حدًّا ينسيك همومك كلها. قد يكون النسيان وقتيًّا، لكنه مهمٌ أيضًا.
أنت تنمو حين تلعب، حتى لو كنت بالغًا
تشير الدراسات إلى أن اللعب يساعد على تحسين الذاكرة وفي إفراز هرمون الإندورفين كذلك، ما يعني تحفيزنا بشكل عام على أن نبدع. هذا كله يعني إحساسًا ممتدًا بالشباب بفضل الطاقة التي يولدها فينا اللعب، والتي سيصبح من السهل علينا إيقاظها متى ما احتجناها. كما أنه يساعد في إفراز مادة أخرى هي بروتين الـ«بي دي أن أف» (BDNF) المسؤول عن نمو خلايا المخ.
في المرة القادمة حين أمرُّ بجانب صف زومبا، ربما عليَّ الدخول بقرار سريّ أتخذه بسرعة البرق ذاتها التي اتخذت بها قبل سنوات قرار منع نفسي. وحتى أتأكد ألا هدف آخر من هذه الخطوة سوى اللعب، سأتأكد من خلو معصمي من ساعة «فت بيت» (FitBit) قبل احتلال الاستوديو برقصي.
روابط:
بُكرة، لكل الشباب الواعد، نطرح أسئلتنا الكبيرة والصغيرة والمتغيرة والعالقة، مع مختصّين وباحثين وعُلماء، ونفهم معهم كيف نعيش ونستعد ونعمل من أجل مُستقبل أفضل.