البنوك
نحكي في ثالث حلقات السلسلة المالية من «أشياء غيرتنا» قصة البنوك والمؤسسات المالية التي ظهرت إقليميًا حتى تنظم النشاط التجاري.
نحكي في ثالث حلقات السلسلة المالية من «أشياء غيرتنا» قصة البنوك والمؤسسات المالية التي ظهرت إقليميًا حتى تنظم النشاط التجاري.
جاري التحميل
يقودنا الحديث عن الأنظمة المالية بالضرورة إلى الحديث عن المصارف والبنوك، فهي حاضرة اليوم في حياة الناس نتيجة ارتباطها الوثيق بالرواتب الشهرية. لكن هذا الارتباط لم يكن السبب الذي وُجدت البنوك لأجله بدايةً، بل المناطق التجارية.
نحكي في ثالث حلقات السلسلة المالية من «أشياء غيرتنا» قصة البنوك والمؤسسات المالية التي ظهرت إقليميًا حتى تنظم النشاط التجاري وحركات الحجاج في منطقة الحجاز. من تلك المؤسسات شركة «قيلاتلي وهانكي» البريطانية والشركة التجارية الهولندية (البنك الهولندي).
لم تقتصر الحركة التجارية على منطقة الحجاز، بل كان للمناطق الأخرى كنجد والمنطقة الشرقية تجارتها الخاصة مع دول الشام والهند. وبعد التوحيد، توافدت فئات من مختلف الجنسيات إلى السعودية؛ لذلك نشأت الحاجة لمحلات الصرافة.
ومن مهنة الصرافة ظهرت أشهر البنوك السعودية، كمصرف الراجحي الذي بدأه صالح الراجحي ببسطةٍ على جوانب الطرق لصرف العملات وتبديلها. ورغم البدايات البسيطة للراجحي وغيره من أوائل البنوك السعودية، فقد لعبت دورًا هامًا في تأسيس الدولة.
ففي عهد الملك سعود في الخمسينيات، والذي يُعرف بعهد التنظيم المؤسساتي، ظهرت مؤسسات القطاع الخاص مع دخول الوكالات، وتأسس أول بنك سعودي: البنك الأهلي.
في البداية لم يثق الناس بالبنوك لإيداع أموالهم، لكن تغيّر الموقف مع ثبوت مصداقية البنك وشيوع ثقافة الإيداع والاقتراض في المجتمع. ثم استمر التطور المالي مع نشأة البنوك الإسلامية وتوجه بعض البنوك المعروفة لوضع برامج مطابقة للشريعة الإسلامية حتى تنال ثقة أكبر من المجتمع.
الحلقة الثالثة من السلسلة المالية من أشياء غيرتنا، بوسعك الاستماع للحلقة من خلال منصات البودكاست على الهاتف المحمول. نرشّح الاستماع للبودكاست عبر تطبيق Apple Podcasts على الآيفون iPhone، وتطبيق Google Podcasts على الأندرويد.
ويهمنا معرفة رأيك عن الحلقات، وتقييمك للبودكاست على Apple Podcast. كما بوسعك مراسلتنا على: [email protected]
يمكنك أن تختار ما يناسبك من النشرات، لتصلك مباشرة على بريدك.
نشرات ثمانية البريدية
اختر نشرة واحدة على الأقل
الرجاء تدوين الاسم الأول
الرجاء تدوين البريد الإلكتروني
وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.
إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.
مازن العتيبي في الحلقة الأولى تكلمنا عن اتفاقية استخراج البترول اللي تمت بين الحكومة السعودية، وشركة سوكال الأميركية. الاتفاقية كانت في سنة 1933، بعد أقل من سنة من توحيد المملكة. قراءة الوثيقة اليوم يمكن ما تكون مثيرة للاهتمام لأغلب الناس، بحكم أنها مليانة مصطلحات قانونية وعلمية، بس فيه بند معيّن بيلفت نظر أغلب الناس، وهو البند المتعلق بالدفعات:
«من المتّفق عليه أن يجري دفع الدفعة الأولى المتفق عليها (التي هي عبارة عن القرض المبدئي وإيجار السنة الأولى) خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ سريان مفعول هذه الاتفاقية إلى مكاتب الشركة التجارية الهولندية بجدة، البلاد العربية السعودية. الموجود في نيويورك أو لندن لأجل نقلها على نفقة الشركة بدون تأخير...»
مازن العتيبي وش هي الشركة التجارية الهولندية؟ ووش علاقتها باستخراج النفط في السعودية؟
يا هلا، أنا مازن العتيبي وهذي السلسلة المالية من بودكاست أشياء غيرتنا من إذاعة ثمانية. الكلام عن النظام المالي بالضرورة إنه يقودك للكلام عن البنوك، اللي هي أول شيء يطري على بال الناس لما تقول ”مؤسسة مالية“. بس سبب حضور البنوك في حياة الناس اليوم، اللي هو الرواتب، ما هو نفس سبب وجودها قبل مئة سنة. سبب تطور النظام المالي عالميًا هو التجارة، وبالتالي منطقي أن المنطقة اللي تتطور ماليًا أسرع هي المنطقة الأزحم تجاريًا، الحجاز.
منصور العساف المنطقة الغربية أنت تتعامل مع تجار جاوا وتجار هند ومصر والسودان، فأنت على ميناء، فلا بد يكون فيه صرف عملات.
مازن العتيبي بسبب توافد الحجاج من كل أنحاء العالم، وبسبب موقع جدة على البحر الأحمر، تكوّنت حركة تجارية نشطة في الحجاز، واللي تطلّبت مؤسسات مالية منظّمة. من أوائل هالمؤسسات هي شركة گيلاتلي وهانكي البريطانية، اللي كانت تشتغل في أمور تجارية متعددة، وكان لها وجود قديم في السودان، قبل ما تفتح مكتب لها في ميناء جدة حتى تدير شؤون المسلمين اللي يزورون الحرمين من المستعمرات البريطانية. في كتاب ”گيلاتلي: تاريخ الشركة المختصر“، يصف جدة الكاتب جورج بليك بطريقة غريبة وما تشبه أي شيء نعرفه عن المدينة.
«جدة: هذا الاسم يجب أن ينطق برفقة موسيقا شرقية رديئة، توحي بالغموض والخطورة. هنا يوجد سوق غابرٌ ومليء بالألوان، من خلاله مر ريش النعام، والذهب، والحرير، والعبيد، وكل البضائع، الشرعي منها وغيره، حيث يبيعها التجار العرب...»
مازن العتيبي للأسف الكتاب والفصل هذا بالتحديد عن عمل الشركة في السعودية مليان اقتباسات وأوصاف مثل هذه، الكاتب كان حريص على وصف الغرابة والخطر في المنطقة أكثر من حرصه على وصف المعاملات المالية للشركة، لكن على الأقل عرفنا إن الشركة لعبت دور في بعض المشاريع، منها مشروع نظام للمياه في منتصف الأربعينات. لكن الشركة اللي فعلًا لعبت دور فعّال في المعاملات المالية بالبلد جات في 1926، وكانت مثل گيلاتلي، مكتب هدفه يدير شئون مستعمرة مسلمة.
منصور العساف الاحتلال الهولندي لجزر جاوا، فكان تواجده بدري. فهو أول مصرف أو أول بنك تقدر تقول تاريخيًا، وهذا جدل قائم بينهم، لكن أول بنك هو البنك الهولندي بحكم أن هولندا كانت محتلة جزر جاوا.
مازن العتيبي في ذلك الوقت ما كان اسمه البنك الهولندي، كان لا يزال الشركة التجارية الهولندية. وعلى عكس گيلاتلي هذي الشركة كان لها معاملات مالية كثيرة، أشهرها هو دورها في اتفاقية استخراج البترول اللي ذكرناها في البداية. كارل تويتشل، أحد المهندسين اللي كانوا مع شركة سوكال في المفاوضات، ذكر أنه سلم دفعة الذهب الأولى للشركة في أغسطس 1933، وأنه تم عد كل قطعة ذهب في مكتب الشركة بجدة.
الشركة الهولندية كانت تلعب دور مهم للدولة، كانت أقرب للدور اللي يلعبه البنك المركزي اليوم، واستمرت في أداء هالدور عبر السنوات، حتى في الخمسينات الميلادية ومع زيادة النشاط في الساحل الشرقي بسبب البترول افتتحت الشركة مكتبين إضافيين في الخبر والدمام، ثم تحولت في الستينات لبنك رسميًا. بس قبل ما نتكلم عن التحول والبنوك، خلونا نرجع لموضوع التجارة. المنظمات المالية زي گيلاتلي والشركة الهولندية والبنك الفرنسي الإندو-صيني اللي جاء في الأربعينات، كل هذه كانت موجودة عشان تخدم الحجيج المسلمين من المستعمرات… طيب كيف كان الوضع المحلي؟ مثل ما ذكرنا سابقًا كان فيه حركة تجارية ضخمة في الحجاز، بس حتى الوسطى والشرقية كانت مناطق لها تجارتها.
منصور العساف كانوا يتعاملون في الأغلب مع الهند، أكيد في جاوا، لكن الأغلب مع الهند والعراق وفارس والأحواز، وإلى آخره، وكذلك يصلون إلى الشام. لكن في الوسطى تعاملوا مع الهند، بحكم إنهم يروحون العراق والعقيلات، وتعاملوا مع العراق والشام ومصر. لذلك تلقى أغلب تجارتهم الخيل العربي الأصيل، والإبل.
مازن العتيبي وبالإضافة لتعاملات التجار، كافة مناطق المملكة صار فيها حركة وفود من جنسيات مختلفة بعد التوحيد، بسبب توظيف الدولة للمعلمين والأطباء ومنفذي المشاريع. فكيف كانوا الأشخاص اللي خارج الحجاز يقضون تعاملاتهم المالية، من تبديل عملة أو حوالات أو قروض؟ الإجابة: محلات الصرافة.
يوم كنت صغير أذكر أني كنت أشوف محلات الصرافة في بعض الأماكن، وكانت فكرتي عنها إنها أماكن تغيير عملة، تبي تسافر لدولة معينة فتمرهم وتاخذ من عملة البلد اللي تبي تسافر لها عشان تكون جاهز بمجرد ما توصل. وأذكر أن هالمحلات دائمًا لوحاتها كانت قديمة، كانت توحي بأنها جاية من حقبة زمنية مختلفة. اللي ما كنت أعرفه هو أن لوحاتها قديمة لأن هالمهنة، مهنة الصرافة، توقف إصدار رخصها من السبعينات الميلادية. وإن هالمهنة المتجهة للانقراض في طفولتي كانت هي الأساس اللي انبنت عليه أشهر البنوك السعودية، من ضمنها بنك الراجحي، اللي ما بدأ من محل صرافة حتى.
منصور العساف الراجحي كان يفرش فوطة في ساحة الديرة، يفرشها بعد صلاة العصر أو الظهر، ويضمها يروح يصلي ثم يرجع يفرش مرة ثانية. صالح، وليس سليمان، صالح الكبير الله يرحمه. فبدأ بداية من الصفر وأقل من الصفر. فيفتحون بسطات، واللي بعد مصرف، الشويرخ كان مصرف، المقيرن الظاهر كان مصرف، والسبيعي كان مصرف.
مازن العتيبي خل نتكلم عن محمد السبيعي الله يرحمه، اللي قد يكون أفضل مصدر عن مشهد الصرافين السعوديين في البدايات، لأن بنته هدى دونت بعض تجاربه في كتاب ”رحلة الفقر والغنى“. السبيعي انتقل هو وأخوه من نجد للحجاز عشان يشتغلون بالتجارة، وهناك شاف الفرصة لمهنة الصرافة، مع كثرة العملات الي تجي مع الحجاج، ففتحوا شركتهم للصرافة في سنة 1938. ومباشرةً كان واضح التغيير في الممارسات التجارية بعد التوحيد، مثل هذا الاقتباس الي يتكلم فيه السبيعي عن عملية نقل العملات.
«من طرائف وغرائب الأمور في ذلك الوقت أن السيارة كانت تتعطَّل في الطريق وهي محمَّلة ذهبًا أو فضة ويتركها السائق برفقة المساعد ويذهب إلى الرياض أو جدة للبحث عن قطعة غيار لإصلاحها ويعود ليجدها كما كانت!»
مازن العتيبي لكن الأمن من النهب ما كان هو نوع الأمان الوحيد الي يبحثون عنه الصرافين، هم كانوا يبحثون عن أمان من المنافسين، وعشان كذا اخترعوا طرق للتواصل بين شركائهم.
«كنا نستخدم عبارات وهمية نحن متفقون على مسمياتها ومعانيها؛ فكنا نسمي الذهب (رشادًا)، والفضة (صبرًا) والهيل (قرنفلاً)، والقهوة (غنمًا) والقماش (رزًا) فيقول الوكيل لنا أو العكس: اشتر (رشادًا أو صبرًا) فنعرف أنه يقصد ذهبًا أو فضةً. ويتبين من ذلك أنهم في ذلك الوقت كانوا يتواصلون مع وكلائهم من خلال البرقيات وهي الأسرع؛ لاستغراق مكالمات الهاتف وقتاً طويلاً، إذ يجب عليك انتظار ثلاثة أيام حتى تجري مكالمة هاتفية، وكانوا يرسلون لهم خطابات تبيِّن تسجيل كذا وصرف كذا والرصيد كذا، وكان يجري التحاسب معهم بما يُسمى (الخرطوش) وهو مصطلح يعني اليومية.»
مازن العتيبي بس هذا التوجس من المنافسة ما كان يمنعهم من أنهم يشتغلون مع بعض، مثل علاقته مع سليمان الراجحي.
«أرسل لي تجار الرياض عام (1377ه/1957م) مندوبين عنهم، فأرسل الحقباني أخاه سلمان مندوبًا عنه، وسليمان المقيرن أرسل ولده عبد العزيز؛ وصالح الراجحي أرسل أخاه سليمان الراجحي، الذي ذهب معنا لأداء فريضة الحج، وكان إذا أصبح في منى وعرفة؛ خرج من عندنا طوال النهار ولا يعود إلا في المساء، وإذا قلت له: أين كنت؟! أجاب: أنا أبحث عن خالي؛ يقولون إنه حاج، ولما ذهبنا إلى مزدلفة ذهب أيضًا من عندنا ولم يَعُد إلا عند حلول الفجر، ثم عرفنا بعد ذلك أنه يذهب لشراء العملات من الحجاج؛ لأنها أرخص قيمةً، فهو يحج ويعمل، وكان عمله لأخيه صالح، وكان يتقاضى مرتبًا لا يتجاوز ثلاثين ريالاً، ولكن البركة تحصل – بإذن الله – بإخلاص النية وصفائها، والآن – بفضل الله وتوفيقه – هو من أغنى رجالات البلد.»
مازن العتيبي بالرغم من بداياتهم البسيطة، والمواقف والصعوبات، هالصرّافين السعوديين كان يلعبون دور مهم جدًا في بدايات الدولة. كثير من المدفوعات والرواتب كانت تتم من خلالهم، كتاب السبيعي مثلًا فيه صور لأكثر من وثيقة تتعلق بالدفع للمقاول محمد بن لادن أو تأمين بدل عسكرية للجيش السعودي أو تغطية بعض تكاليف موسم الحج. بس مع مرور السنوات، صار واضح إن فيه حاجة لعمل أضخم، ولمؤسسات وطنية أضخم، وجت الخمسينات.
منصور العساف الاستقرار الإداري والمؤسساتي للبلد، يعني لما تقول الخمسينات الميلادية، السبعينات الهجرية، بداية عهد الملك سعود. فترة الملك عبدالعزيز كانت التأسيس والتوحيد وإلى آخره، أما الملك سعود فبدأ التنظيم المؤسساتي، مجلس الوزراء والمؤسسات بدت تمارس عملها وبدأ التخصص وجلب المعلمين والأطباء والمهندسين وبدأ رواتب وغيره. في الفترة هذه بدأت مؤسسات القطاع الخاص، وبدأت الوكالات تدخل للبلد، ومنها المصارف، منها البنوك.
مازن العتيبي الخمسينات فعلًا تأسس فيها أكثر من بنك، منها الراجحي والرياض، بس كان فيه اثنين صرّافين سبقوا زملائهم بتأسيس أول بنك سعودي.
منصور العساف اللي هو الكعكي قبل ابن محفوظ، كانت صرافة الكعكي في المنطقة الغربية، إلى بعدين تطورت وصارت بنك، بالتحالف مع بن محفوظ، بن محفوظ طبعًا كان موظف عندهم، وبعدين أثبت جدارة ومكانته، وقوة إدارته للمصرف، فكان جدير أنه يكون معاه، فوضعت الشراكة وتأسس كأول بنك، وصار بنك الأهلي أول بنك سعودي.
مازن العتيبي وبعد ما ساهم جد ثمود في تأسيس أول بنك سعودي، بدأت مرحلة جديدة من مراحل المؤسسات المالية في السعودية، لكن بعد الفاصل.
قبل الفاصل كنا نتكلم عن المرحلة الجديدة، من محلات الصرافة للبنوك. فترة الخمسينات هذي كانت فترة تطور ضخم في المؤسسات المالية، لكن أتخيل أن العمليات المالية وقتها كانت لا تزال معقدة كثير، مثل ما يذكر مؤسس شركة المقاولون العرب في مذكراته.
منصور العساف اللي هو عثمان أحمد عثمان اللي أسس الكثير من المرافق في جدة ومكة وفي الرياض، وزارات وإلى آخره. الحديث هذا قبل سنة سبع وخمسين بشوي في عهد الملك سعود، قصته ذكرها كاملة إنه لما جاء وبحث عن الأمير مشعل ووقتها كان وزير الدفاع وراح لمكة وقالوا له إنه في الرياض وبالأخير لقاه في الطايف.
عمومًا المقدم هذا أخذه طبعًا من البنك، طبعًا كتب له وزير الدفاع الأمير كمقدم، واتفقوا على العقد وكل شيء. فهو كان يصف حالته، عثمان أحمد عثمان، إنه ما تبقى معه شيء إنه يسدد الآن حق الفندق هو وزميله المهندس، يقول ما تبقى معي شي. حتى موظف البنك لما جيته قبل لا ألتقي بالأمير بيومين يقول ما عبرني أبدًا، توقع إني رجل بسيط وزي كذا، يقول إني كنت أطلبه بسحب شيء بسيط من المبلغ المتبقي عندي، وزي ما أنت عارف إن التحويل كان عن طريق البنوك. فيقول بعدها بيومين جيته في الليل.
«ملأت الملايين السيارات السبعة واتجهنا بها إلى جدة، التي وصلنا إليها عند الغروب، فوجدنا باب البنك مغلقًا، انتابتني الحيرة الشديدة، وردّدت في نفسي إلى أين سنذهب بكل هذه الأموال؟ وبينما كنت أعيش في تلك الحيرة، وقع نظري مصادفة على جرس الباب، فقمت بالضغط عليه، فأطل علينا من شرفة الدور الثالث مدير البنك، يسأل: ماذا نريد؟ قلت له: "إيداع فلوس" فأجاب: "سأحضر فورًا" نزل من استراحته، واستدعى مجموعة من الحمالين قاموا بإدخال جوالات الفضة إلى البنك وهو يسألني باندهاش شديد: "كم عدد الريالات؟ التي تملأ الجوالات؟" وأجبته: "مليونان ونصف مليون ريال" وطلبت منه إيصالًا باستلامها. قال: "ليس قبل أن ننتهي من عدّها" وسألته "ومتى ستنتهي من العد؟" قال "بعد ثلاثة أيام" وتركته وأنا غارق في الحلم الكبير...»
مازن العتيبي مليونين ونصف على هيئة نقود معدنية، متخيل كمية المجهود اللي تحتاجها حتى تعد هالعدد؟ المثير للاهتمام بعد أنه في ذيك البدايات كان جزء كبير من تعاملات البنوك هي التعاملات المالية الضخمة، الملايين الي تعطى للتجار وأصحاب المشاريع، في ذلك الوقت الرواتب ما ارتبطت بالبنوك حتى الآن، وأكيد بعض الناس كانت تستصعب إنها تآخذ أموالها وذهبها وفضتها وتحطها أمانة عند جهة معينة.
منصور العساف كانوا يتعاملوا بالنقد بصورة تقليدية جدًا، المبالغ هذه تكون في البيت مخزنة كثقافة التجوري... لكن لما ظهر البنك وثبت مصداقيته وتعامله. خصوصًا إن الناس كانت تستثمر وتاخذ من البنك وتقرض والبنك يقرضك، صار في ثقة في البنك فأصبحت الناس تودع، مثلًا لو يودع واحد من الأقارب وبكرة واحد من الجيران وبكرة واحد من الأصدقاء، هذا كفيل بإن الآخرين يودعون لأن زاد سقف الثقة. خذ مثال إن الحكومة أحيانًا كانت تصرف... طبعًا وقتها ما كنا وصلنا لمرحلة إنك تقدر تصرف أو تودع من البنك أو الصرافة نفسها، فكانت الحكومة وقتها هي اللي تودع مبالغ المشاريع في البنك وتصرفها للتجار كشيك. هذا ساعد على مستوى الأفراد إنهم يثقون أكثر، خليني أقولك إن البنوك في الستينات صارت مسألة البنوك واضحة.
مازن العتيبي لكن مع وضوحها وضحت مشاكلها، وهو أنه عدد من التعاملات البنكية كان فيها فوائد مباشرة، اللي هي الربا، بس حتى هذه جاء حلها في السبعينات، مع دخول مفهوم المصرفية الإسلامية. ما فيه تاريخ واضح لدخول المفهوم نفسه، لكن بداية انتشاره كانت في 1975، بعد تأسيس البنك الإسلامي للتنمية، واللي حط مبادئ الشريعة كأساس ينطلق منه. بعدها بدأ ينتشر المفهوم، سواءً في تأسيس بنوك إسلامية جديدة، أو تبنّي المصرفية الإسلامية في بنوك قديمة.
منصور العساف بعدين جت بنوك الأفراد والمؤسسات والأشخاص فحرصوا إن يكون كل تعاملهم إسلامي، ونهجوا نهج إسلامي ووضعوا لك بدائل. طبعًا أنا أعرف إن بعضهم بيقول إنها بالمحصلة تعاملهم غير إسلامي لكنك على الأقل لكن أنت على الأقل تحاول إنك تبرئ ذمتك وأنا ما أفتي فيها حقيقة لكني أقولك إن جوا الأفراد هذولا ووضعوا نصب أعينهم إنهم يجتهدون قدر ما يستطيعون إن المعاملات تكون إسلامية ومطابقة للشرع، فعملوا فيها. بعدين البنوك الأخرى شعروا إن الكثير من المواطنين توجهوا للبنوك الإسلامية فوضعوا برامج مطابقة للشريعة.
مازن العتيبي بعد هذا التطور، وبعد تبنّي نزول الرواتب على البنوك، بدأت الصورة التقليدية عن الانتظار في البنك تتشكل. وفي يوم خمس وعشرين هجري، يوم نزول الرواتب، تشوف الناس متزاحمة عند البنك.
منصور العساف كانوا يمسكون سره وكانوا يسددوا فواتير في البنوك، وهذه مرحلة متطورة لأنك قبلها كنت تسدد في شركة الكهرب وشركة المياه فيكون زحمة على الشركات في الوقت هذا ومكاتب السداد، فالآن أعطتك فرصة أكثر في البنوك.
مازن العتيبي بس التطور الفعلي، والشيء اللي أغلبنا يربطه بيوم نزول الراتب، ما جاء إلا في 1986.
في إعلان بنك الأهلي عن دخول هالتقنية الجديدة، تشوف واحد يوقف سيارته برا البنك، يدخل وينصدم من السره الطويل، ثم…
نختم بتمرحل الصرافات، اللي تملكها البنوك اللي أسسوها الصرافين، ونذكركم أن في نهاية الحلقة مقطع من حلقة الأسبوع الجاي… نشوفكم على خير.
منصور العساف الناس بدأت تتعامل مع الصرافة وتشوفهم في الشوارع كثير أيام الأزمة وبعد الأزمة، أزمة الخليج، يعني عام تسعين، واحد وتسعين، اثنين وتسعين، ثلاث وتسعين، هذه الفترة اللي بدأ الناس تتعامل مع الصرافة بشكل واضح، الصرافات قبل كانت بصورة بسيطة داخل البنوك في الغالب، لكن كونك تشوف ماكينة الصراف معزولة لحالها ويتعامل معها العميل، كان هذا بصورة أوضح من أزمة الخليج وبعدها. نقطة ثانية: الصرافات كانت بدأت تصير زي الكوفي شوب، الكوفي شوب كنت تدخله تشرب الشاي والقهوة، لكن بعدها طلعوا الكوفي شوب السيارات المتنقلة، نفس الشيء صار مع الصرافات، صرت تلاقي الصرافة بعيدة عن البنك، تلقاها في المحطة مثلًا وتصف طابور وتسحب، وكل هذي صارت في التسعينات.
مازن العتيبي شكرًا لمصرف الراجحي على رعاية هذه الحلقة، اللي كانت من بحث وإعداد الرائع منصور العساف. أنتجها وحررها أنا، مازن العتيبي. ساهم في بحثها وإعدادها غيداء جمعان. ساهم في أدائها الصوتي أيمن الحمادي وفارس الفرزان وجمال كتبي. هندسها صوتيًا محمد الحسن. وأشرف على إنتاجها سحر سليمان وأيمن الحمّادي وزميل الكعكي: ثمود بن محفوظ.