الثقافة كمنتج يومي

نمتلك تراث ثقافي يعيش في حواجز بعيدة عننا، كيف لنا أن نكسر هذه الحواجز ونقربه للإنسان بغض النظر عن من يكون؟

يحصل أن تقف على فكرة خلّاقة، أو شخصية تقدمية وتستغرب أن هذه الشخصية عاشت في فترة تعد ظلامية، وتصوراتك عنها سلبية تمامًا.

وقد تكون هذه الفترة هي فترتك الحالية، وتتساءل هل هناك سرداب سري يختبئ فيه كل هؤلاء الرائعون بأفكارهم الرائعة كيف للشارع أن يكون بهذه السوداوية، وكيف للصباح أن يأتي وأتعثر في مشيي بكل أنواع الجهل؟

تعطيك شبكات التواصل الاجتماعي هذا الانطباع، ترى مدى التقدم والرقي في خطك الزمني، الكثير من الصور التي تحوي كتبًا، والمعلومات والأفكار التي يحاول إيصالها بعض الخلّاقين إليك، ولكن الحقيقة تقول أن لا وجود لهذه المدينة على أرض الواقع.

أين محل كل هذا في ثقافة المجتمع ووعيه؟ وكيف تم عزله بهذا الشكل؟

المجتمع له حق الوعي، والمعرفة، وحتى يستوفي هذا الحق فإن كل من يملك علمًا أو معرفة ملزم بأن يجعلها تصل إلى هذا المجتمع، بأن يبسطها ويجعلها جزءًا من الوعي والخلفية الثقافية الكبرى، والتي تضم بطبيعتها مختلف الطبقات والأفراد الذين يلعبون أدوارًا مختلفة في هذا المجتمع.

تقول الكاتبة بثينة العيسى في حديثها عن رؤية تكوين على حسابها في انستاجرام:

 نريد أن نثبت أن الثقافة ليست شيئًا نخبويًا، أو أنها لا توجد إلا في حدود مجتمع منغلق على نفسه، ستكون مهمة مكتبة تكوين هي أن أجعل كل شخص لا يقرأ يشعر بأن هناك شيء ما يفوته”.

نظرية الانفجار الكبير، و نظرية النسبية، و شارلوك هولمز، ومسرحيات شكسبير، كلها وجدت مكانًا في وعي مجتمعاتها. أعيد إنتاجها مئات المرات من أعقد صورة إلى أبسطها. أشهر الكلاسيكيات محفورة في اللاوعي المجتمعي، كل نظرية يجري تبسيطها، إلى قصة أطفال، فيلم للمراهقين، وحتى نكتة ساخرة تلقى في عرض ما. لا يتم الاحتفاظ بالأفكار في الأعلى فقط، وبذلك تصبح الثقافة منتجًا يوميًا يستهلكه كل فرد في المجتمع بغض النظر عن ماهية وواقع هذا الفرد.

لدينا الكثير من الأبطال فلماذا لا نصنع فيلمًا وبطلًا خاصًا؟

التراث والحاضر العربي والإسلامي مجال واسع وعميق يعطي فرصة للمنقبين فيه باستخراج مايستحق التبسيط والتخليد في ذاكرة المجتمع الحيّة.

في دراسة قام بها فريق عمل الفيلم السعودي بلال والمستوحى من سيرة حياة بلال بن رباح، شملت الدراسة 250 طفل من العالم العربي لمعرفة الأبطال الأكثر تأثيرًا بالنسبة لهم.

مكونة من سؤالين الأول: “اذكر 10 أبطال أثروا فيك من أفلام ديزني؟” والسؤال الثاني هو “اذكر 10 أبطال عرب أثروا فيك”

قام 250 طفل بنجاح بذكر 10 شخصيات من عالم ديزني بينما تمكن 23 طفل فقط من اختيار 10 أبطال عرب.

على الرغم من أن النتيجة محبطة، إلا أن شيئًا مثيرًا للاهتمام حصل حين تمت مقارنة هذه الإجابات، كان اسم البطل الليبي “عمر المختار” من أبرز الأسماء العربية التي تكررت، البطل الذي تعرف عليه معظم الشعب العربي من فيلم عمر المختار الذي مضى على إنتاجه 40 سنة إلا أن تأثيره لا يزال حاضرًا كبطل عربي في ذاكرة الأطفال.

يقول أيمن جمال مخرج فيلم بلال متحدثًا عن سبب اختيار شخصية الصحابي بلال بطلًا للفيلم:

“تقوم الأفلام بصناعة بطل لكل طفل وتجعله ينتمي له، وبما أن لدينا الكثير من الأبطال فلماذا لا نصنع فيلمًا وبطلًا خاصًا؟”

هناك عدة محاولات جادة تتخذ ذات النهج، من الكتّاب والمخرجين، وصانعيّ المحتوى. ولكن هذا المجال استهلاكي بالدرجة الأولى ولا يستطيع الاكتفاء سريعًا وسيظل المثقفون متهمين ماداموا لا يستهدفون السواد الأعظم من الناس، وما دامت المعرفة امتيازًا لا يحوزه قليلوا الحظ والعوام.

حقول كثيرة مثل العلوم، الآداب، الفلسفة، والتاريخ، تنتظر تحريرها والسماح لها بإيجاد مكان في الثقافة والوعي العام بتبسيطها ونقلها بأكثر من صورة وشكل والتأكيد على ضمها في ذاكرة المجتمع.

الثقافةالمجتمع
مقالات حرةمقالات حرة