كيف سافر نشيد موطني
يهاجر نشيد وطني بين مناطق مختلفة في الوطن العربي، من فلسطين مرورًا بالعراق وسوريا، فيصبح نشيد لوطن يتعدى حدود الخريطة والجغرافيا.
تختار الدول نشيدًا رسميًا لها يسمى بـ (النشيد الوطني) أو (السلام الوطني) أو (نشيد الثورة) أو (نشيد الاستقلال)، إذ أن كل نشيد يعبر عما مرت به هذه الدولة، وما لها من أمجاد وآمال. قد تكتفي بعض الدول بمقطوعة موسيقية بلا كلمات، إلا أن أغلب الدول تستخدم النشيد ذو الكلمات التي تهيج الوجدان وتشعل الحمية وغالبًا ماتكون ذات لحن عسكري، فيملأ النفس جاهزية للدفاع والذود عن حمى الوطن، وقد يمتزج بعدة عواطف.
الجزائر في نشيدها الوطني تتوعد فرنسا وتقسم بالموت لتحيا الجزائر:
يا فرنسا إن ذا يوم الحساب فاستعدي وخذي منــا الجواب
إن في ثورتنا فصل الخطاب وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
أما أميركا، فقد اختارت لنفسها نشيدًا يتغنى بالحرية والصواريخ. بينما النشيد التركي يتكلم عن إعلاء رايته الحمراء واستقلاله. أما بريطانيا فتبتهل إلى الله حتى يحمي الملكة. والإتحاد السوفيتي ترك واحدة من أروع الأغاني الوطنية لحنًا وموسيقا.
في البلدان العربية، إضافة إلى النشيد الرسمي الذي يختلف من دولة لأخرى، فإن البعض يتخذ من نشيد (موطني) الذي بدأ في فلسطين كشكل من الاستقلال في مواجهة مقاومة للانتداب البريطاني، كنشيد وطني عربي عرفيًا.
لما يمتلكه هذا النشيد قوة تسمح له أن يظل طليقًا حيًا في النفوس، حتى بعد تخلي جبهة التحرير الفلسطينية عنه بعد ما أشيع عن رفض حكومة الاحتلال دخول مفاوضات السلام معها حتى يتم تغييره.
حين نذهب إلى العراق شرقًا فإننا سنجد دولة لم تمتلك نشيدًا وطنيًا خاصًا، وتم الاكتفاء بمقطوعات موسيقية تؤدى كتحية. وباستثناء فترة حزب البعث، والدولة العربية الموحدة حين اعتمد النشيد الوطني المصري آنذاك (والله زمن يا سلاحي) والذي كتبه صلاح جاهين ولحنه كمال الطويل وغنته أم كلثوم.
بقيت العراق بلا نشيد وطني حتى عام 2003، حين تم اختيار نشيد “موطني” من كلمات الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان وألحان اللبناني محمد فليفل.
وبهذا سافر نشيد موطني من فلسطين حتى العراق، كما سافر إلى أطفال حي الوعر السوري في حمص بكل مايحمله النشيد من أشجان وتساؤلات للوطن “هل أراك سالمًا منعمًا وغانمًا مكرمًا؟ هل أراك في علاك؟ تبلغ السماك، موطني؟” وعصيان للواقع “لا نريد عيشنا المنكد و ذلنا المؤبد.. لا نريد.. بل نعيد.. مجدنا التليد”
كيف سافر نشيد موطني من فلسطين إلى العراق إلى سوريا والوطن العربي كاملاً؟
كيف لأليسا اللبنانية وحسين الأكرف البحريني ومراد السيوطي الفلسطيني وراكان بو خالد السعودي أن يعيدوا أداء نشيد موطني دون بقية الأناشيد الوطنية العربية؟
إن قوة كلمات “موطني” تكمن فيما تمثله للفرد العربي إذ تعبر عن الحب والعصيان والأمل اللامحدود والحزن المتجذر في كل وطن من هذه الأوطان. كيف سافر ببساطته، بساطة لحنه وكلماته. وأضحى كنشيد موحد دون اتفاق مسبق تستطيع جوقة مختلطة الجنسيات العربية أن تغنيها عن ظهر قلب وبذات الشعور المتقد.
قد يكون تفوق القيمة الجمالية فيه على القيمة المعنوية وكونه لحنًا ممتعًا ساعده على الانتشار واكتساب الصفة العابرة للحدود إلا أن الشعور المصاحب لسماعه والأثر الذي يتركه في نفسك يجعله شيئًا استثنائيًا حتمًا.
قد تكون الكلمات كفيلة بكل شيء، لذا فقد تسفر الكلمات ذاتها شيئًا من السر.
مَوْطِني!
موْطِني!
اْلجَلالُ وَالْجَمالُ وَالسَّناءُ وَالبَهاءُ
في رُباكْ
وَالحياةُ وَالنّجاةُ وَالهَناءُ وَالرَّجاءُ
في هواكْ
هلْ أراك سالماً مُنَعَّماً وغانماً مُكَرَّمـاً
هَلْ أراك في عُــلاكْ تَبْلُــغُ السِّماكْ
مَوْطِني!
مَوْطِني!
الشَّبابُ لَنْ يَكِلَّ ، هَمُّهُ أَنْ تَسْتَقِلَّ أَويَبيدْ ،
نَسْتَقي مِنَ الرَّدى وَلَنْ نَكونَ للْعدِا كَالعَبيدْ ،
لا نُريدُ ذُلَّنا المُؤبّدا وَعيشـَنا المُنكَّـــدا ،
لا نُـريدُ بَلْ نُعيــدْ ، مَجْــدَنا التّليــدْ .
مَوْطِني!
الْحُسامُ وَاليَراعُ لا الكَلامُ وَالنِّزاعُ
رَمْزُنا
مَجْدُنــا وَعَهْدُنا وواجبٌ إلى الوَفا
يَهُزُّنا
عِزُّنا!
غايةٌ تُشَرِّفُ وَرايةٌ تُرَفْرِفُ
يا هَناك في عُلاك قاهِراً عِـداك
مَوْطِني!