قبل السفر، وبخلاف أقراني، أول ما أفكر فيه عادة هو العروض الفنية التي أنوي مشاهدتها، أو المتاحف التي لن أغفر لنفسي الاقتراب منها دون دخولها والضياع فيها. ولفت انتباهي عدد كبير من زملائي الذين زاروا لندن عدة مرات دون حضور عرض مسرحي واحد، أو دون يوم واحد بين جنبات المتحف البريطاني الذي يُعد إرثًا عالميًا؛ لما يحتويه من تحف وقطع فنية وأثرية من مختلف دول العالم ومدنه.
للسياحة أساليب وأنماط متعددة، معظمها متداخل ومترابط؛ وهذا ما يمنحنا تجربة كاملة كفيلة بإشباع رغبتنا في التغيير والخروج من روتين حياتنا اليومية. أحد هذه الأنماط «السياحة الثقافية»، وتُعَرِّف منظمة السياحة العالمية هذا النمط بأنها «التجارب التي ترضي الحاجة البشرية للتنوع وتؤدي إلى رفع مستوى الوعي الثقافي للفرد عبر زيادة خبراته، من خلال الاحتكاك المباشر بثقافة البلد المضيف».
ساعدتني تجاربي السياحية الثقافية والفنية على فهم كثير من الثقافات، وزادت حصيلتي المعرفية بشكل مباشر. وتشير الإحصائيات إلى أن السياحة الثقافية من أكثر أنماط السياحة نموًا، إذ يتشجع 40% من السُياح للسفر إلى الدول التي تقدم تجارب ثقافية تشمل الفنون والتاريخ والتراث.
وبدأت السعودية مؤخرًا الاستثمار في القطاع السياحي، ونشهد في أيامنا هذه تركيزًا واضحًا في إبراز الجوانب الثقافية للبلاد. منها على سبيل المثال، الاهتمام الكبير بـ«حي الطريف» الذي زرته قبل مدة واستمتعت بجولة ثقافية تاريخية فيه. وكانت الجولة مدعمة بعروض فنية ضوئية حكت جانبًا من قصة تأسيس الدولة السعودية، وتداخلت فيها التقنيات الحديثة والإرث التاريخي للمكان.
وبحسب منظمة السياحة العالمية فإن الفعاليات والمبادرات الثقافية المتعددة التي نظّمتها السعودية كجزء من رؤيتها (2030) جعلتها تتقدم ستة عشر مركزًا في تصنيف وجهات السفر الشهيرة؛ لتصبح اليوم في المرتبة الثالثة عشرة عالميًا.
ما يميز الرياض والسعودية بشكل عام هو اختلافها الجذري عن وجهات السفر العالمية المعروفة، فثقافتنا مغايرة تمامًا؛ وهذا ما قد لا نراه بأعيننا بسهولة. فنحن تعودنا على الأماكن وتشبّعنا بثقافتنا المحلية.
يقول آلي سالفينو -رحالة ومدون سفر أرجنتيني- «قد لا تكون الرياض الوجهة المثالية لبعض السُياح، لكنني أحببتها لأنها مختلفة، فقد استمتعت بالطعام والأماكن الثقافية والسوق الشعبية ومتحف الرياض. ولكن أكثر ما أحببته كان الناس، فقد كانوا رائعين بحق».
لكن يظل الوضع ليس مثاليًا تمامًا. فمعظم السيُاح -وأنا منهم- لا نستخدم غير وسائل النقل العامة عند السفر لأي وجهة سياحية، وهذا أهم ما تفتقده الرياض حاليًا. مدونا السفر لي ومندي تجوّلا في الرياض وتحدثا عن التحدي الكبير الذي يواجهانه في التنقل داخل المدينة التي تفتقر إلى شبكة مواصلات عامة.
لذا دون شك، مع قرب اكتمال مشروع مترو الرياض ومشاريع النقل العامة الأخرى، سوف تصبح الرياض مقصدًا لعدد كبير من السياح الباحثين عن الثقافة في أحيائها المختلفة.
فعادة ما يكرر السياح الثقافيون زيارة المدينة ويصرفون أموالًا أكثر ويقضون أيامًا أكثر من غيرهم؛ فهم لا يبحثون عن التقاط صورة أمام معلم معين أو جولة سريعة في أحياء المدينة كأنها تسجيل وصول للمكان فقط. بل هم يبحثون عنّا نحن السُكان المحليين، ويبحثون عن تاريخنا وأماكننا التي نزورها في يومنا العادي دون أن نشعر بأنها مميزة.
مقالات أخرى من نشرة أها!
نتفلكسة الألعاب الرقميَّة
تفضيلي جهاز مايكروسوفت على جهاز سوني لا يعود إلى أدائه التقني، بل إلى اعتماده النموذج النتفلكسي في تمكيني من الاختيار بين الألعاب الرقمية.
حسين الإسماعيلدفاعًا عن التلقي الشعبوي للموسيقا
الموسيقا منتج ثقافي مستقل، ولها لغتها الخاصة حتى قبل دخول الكلمات عليها. لذلك من الطبيعيّ أن يكون تلقيها انطباعيًّا وانفعاليًّا.
حسين الضوهل تحتاج كل تلك التطبيقات على جوَّالك؟
لا يمكننا الاستغناء عن التطبيقات؛ فهي من سمات هذا العصر، لكن أصبحنا ملزمين بترشيد استهلاكها وتحميلها بحسب احتياجاتنا وحذف الزائد منها.
ياسمين عبداللههل علاقتنا بالطعام تُقاس بالسّعرات؟
مئة سعرة حرارية من تفاحتين تحتوي على ألياف وفيتامينات، بينما المئة نفسها من مشروب غازٍ لا تحتوي على أية قيمة سوى الماء والسكّر.
رويحة عبدالربازدواجية «الألمان في خبر كـان»
يجب ألا نتخلى عن حقيقة وجود أوجه متعددة اليوم لفرض حضور الثقافات وتباينها، دون الارتكان لمنظور الغرب الشمولي وتعريفاته عن الحياة الفاضلة.
حسين الإسماعيلإشكالية المساواة في كرة القدم للسيدات
كرة القدم نشاط ترفيهي يقدم للجماهير بغرض المتعة، وبوجود هذه المتعة تتحول كرة القدم إلى صناعة، حيث تتدفق الملايين من عوائد البث.
محمود عصام