إذا كانت حياتك المهنية هي هويتك، كما كانت لي، فإن الإخفاق في الوظيفة يصبح شخصيًا جدًا. هذا ما شعرتُ به بعد تعرضي لوعكة صحية نهاية 2022، لتكون تلك الصرخة الأخيرة من جسدي لطلب الراحة التامة والبُعد عن القلق المصاحب للعمل، بعد سنين اجتهدتُ فيها بلا توقف داخل ساعات الدوام الرسمية وخارجها، متناسيةً الحدود بين أوقات الراحة والوظيفة.
كنتُ أركض في سعي مستمر إلى تحقيق ذاتي وأفخر بتعريف نفسي كفرد في المنظومة التي منحتني المسمى الوظيفي المرموق على حساب جوانب أخرى من حياتي.
بعد تلك اللحظة المفصلية فقدتُ الرغبة بإكمال هذا المشوار المهني وأعدتُ التفكير في هويتي الكاملة، وبدأتُ أشعر لأول مرة بأن حياتي الوظيفية التي سخَّرتُ وقتي لها سرقت مني بقية أجزاء هويتي. حتمًا أنا لستُ امرأة عاملة فقط، فلماذا كنتُ أحصر نفسي في هذه الخانة؟
إذا عدنا للوراء قليلًا سنجد أن ارتباط العديد من الألقاب الشخصية بالحرف اليدوية القديمة أمر سائد لدى العرب قديمًا، مثل: الحداد والخباز والنجار والخشاب. وتنتقل هذه المهن عادة بالوراثة من جيل إلى جيل. ثم زادت فرص الحصول على التعليم في القرن الماضي، وهذا أدى إلى ظهور وظائف أكثر تنوعًا وذات مردود مادي أكبر.
إلا أن الوظائف استمرت بالدلالة على هوية صاحبها. فإلى يومنا هذا عندما نلتقي بأشخاص جدد نطرح السؤال «ماذا تعمل؟» لأن ارتباط الهوية بالمهنة فكرة متأصلة لدى الجميع، ولكن طريقة الإجابة عن هذا السؤال عائدة إلى الشخص وما يحب أن يعرفه الآخرون عنه.
هذا ما قررت فعله بإعادة تعريف ذاتي بعيدًا عن المهنة. كانت الخطوة الأولى التخلي عن الوظيفة في بداية هذه السنة، لأنضم إلى أخرى أكثر مرونة وتتيح لي فرصة قضاء فترة زمنية أكبر مع عائلتي، وتخصيص وقت لممارسة التدوين الحر مع «ثمانية». في الواقع، عندما تقدمت بطلب الاستقالة من شركتي كانت الإدارة تنظر إليَّ كشخصية عازمة على إكمال مشوار العمل الذي بدأته حتى أحصد اللقب الإداري التالي في السلم الوظيفي، لذا لم يكن قراري منطقيًا لهم. لكني أصررتُ على الانسحاب، وقد كان أفضل قرار اتخذته منذ زمن طويل.
أعتقد أننا كبشر نلعب أدوارًا متعددة في الحياة، وقد يستهلك دور أو اثنان معظم وقتنا، فنشعر أننا لا نصل إلى التوقعات المطلوبة التي حددناها لأنفسنا وللآخرين ونركز في مسار واحد متجاهلين البقية، كأن نصبح مسخَّرين جدًا لوظائفنا ونخفق في مسؤولية رعاية الأبناء مثلًا. فيؤدي تجاهلنا بقية الأدوار التي تمثلنا إلى الإحباط والصراع النفسي، ثم يصبح من الصعب التقدم في أي مجال من مجالات الحياة.
قد لا تنتهي رحلتي أبدًا في كيفية تعريف هويتي والاستمرار في منح نفسي فرصة التجربة والدهشة، لكني لم أعد مضطرة إلى التركيز في مسار واحد بالحياة، بل يمكنني اكتشاف مسارات متعددة والتفاعل معها وفقًا لشروطي.
والمرة المقبلة التي أُسأل بها «ماذا تعملين؟» سأعرّف نفسي بأني جزء من كل تلك الأدوار التي ألعبها كامرأة عاملة وأم وابنة وأخت وصديقة وقارئة وكاتبة ومحبة للطبيعة والسفر.
مقالات أخرى من نشرة أها!
شتَّان ما بين السكينة الغربية والإسلامية
لا توجد مشكلة في الإنفاق على راحتنا النفسية، بل إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده. المشكلة هي في ربط سعادتك كلها بذلك.
حسن علي«إيرتاق» والوجه المظلم للتقنية
أصبح من واجبنا -نحن الأفراد- إدراكُ الاحتمالية الدائمة بتضمُّن كل تقنية جديدة تخدمنا أبعادًا قد تغيب عن أغراضها المباشرة.
حسين الإسماعيللا نحتاج الجنيَّات في أفلام الكرتون
علينا أن نتخلى عن إحدى الأفكار، وهي فكرة الهرب من الواقع. هذه الفكرة في الوقت الحالي أصبحت مستحيلة؛ لأن الطفل اليوم مضطر لمواجهة الواقع.
آمنة العطّاسما شكل المكتب الذي تعمل عليه؟
سواء كنتَ متخفّفًا في تنظيم مكتبك، أو شغوفًا بتطوير مكتبك بأحدث الأدوات، فالعبرة أن تؤدي عملك بإحسان كما يفعل البطل دوق فليد!
أنس الرتوعيكيف تثري ألعاب الفيديو حصيلتي اللغوية
نظرًا إلى جهلي بأي لغة عدا العربية، لم تكن اللغة التي ألعب بها مهمة جدًا، وكانت الأولوية للاستمتاع وليس لمعرفة تفاصيل قصة اللعبة وخياراتها.
حسين الإسماعيلمن عدنان ولينا إلى ماشا والدب
بضغطة زر، يستطيع ابني مشاهدة كل ما يشاء تقريبًا في أي وقت دون الحاجة لانتظار الحلقة القادمة، بل دونما خوف من فوات أي حلقة كذلك.
حسين الإسماعيل