زافيه دولان.. اعتزال «الطفل المعجزة»

لا يصدق زافيه دولان أن يعمل سنتين لصنع فلم ثم يكتشف أن فلمه لن يُخْتارَ بسهولة لمسابقة مهرجان كان، وأن العالم مشغول بالصراع بين باربي وأوبنهايمر.

فلم «إنترستيلر» (Interstellar)
فلم «إنترستيلر» (Interstellar)

لا سبيل إلى بلوغ وجهتك إلا بالتخلي عن شيءٍ ما.


صانع الأفلام الكندي زافيه دولان في مهرجان «كان» السينمائي / Getty Images
صانع الأفلام الكندي زافيه دولان في مهرجان «كان» السينمائي / Getty Images

زافيه دولان.. اعتزال «الطفل المعجزة»

أحمد شوقي

بينما كان العالم يترقب صدور «أوبنهايمر» و«باربي» كأكبر حدثين في الصيف السينمائي، خرج المخرج الكندي زافيه دولان مُعلنًا اعتزاله صناعة الأفلام، ومُعددًا الأسباب التي دفعته إلى ذلك، من مخاوف اقتراب حرب سببها عدم تقبّل الآخر، وانعدام قيمة الفن في زمن يتهاوى فيه كل شيء.

تلك آراء قد يتفق معها بعض هواة شكوى الزمن والحنين إلى الماضي، ولا يعيبها سوى أن عمر قائلها لا يتجاوز 34 عامًا، وأن قمة نجاحه وإيمانه العميق بأثر الفن جاءت في الزمن نفسه الذي يهجوه!

أسباب الاعتزال أخذت منحى أكثر شخصية عندما قال:

لا أشعر بضرورة صناعة أفلام مرتبطة بي، أريد أن أقضي وقتًا أطول مع أصدقائي وعائلتي، أن أصور دعايات وأبني لنفسي منزلًا عندما أجمع المال الكافي.

سبب الرغبة في تغيير المسار كما صرح «الطفل المعجزة» هو:

لا أريد أن أرتبط مدة عامين بمشروع لا يشاهده أحد تقريبًا. لا أريد أن أضع كل هذا الشغف لأحصد في النهاية الإحباط. يجعلني ذلك أسأل: هل صنع الأفلام سيئ؟ وأنا أعلم أنه ليس كذلك.

«الطفل المعجزة» لقب ظل مقترنًا بزافيه دولان لسنوات، كيف لا وهو المخرج الذي ذهب بفلمه الأول «قتلت أمي» (I Killed My Mother) إلى مهرجان كان عام 2009 وعمره لا يتجاوز العشرين، لينال ثلاث جوائز ويتحدث عنه الجميع بأنه الموهبة التي ستُغير شكل السينما.

احتضن «كان» معظم أفلام دولان التالية، ونال الشاب لحظة مجده الكبرى عام 2014 عندما قررت لجنة التحكيم منح جائزتها الخاصة مناصفةً بين فلمه «مامي» (Mommy) وفلم أيقونة السينما الفرنسية جان لوك قودار «وداعًا للغة» (Goodbye to Language). وقتها كتبت الصحافة كثيرًا عن دلالة الجائزة التي اقتسمها أكبر وأصغر مشاركَين في المهرجان، فعمر قودار آنذاك كان 84 عامًا، على حين لم يتجاوز دولان الخامسة والعشرين.

نال الموهوب الشاب كل ما يحلم به فنان سينمائي؛ فأفلامه تضمن مكانها مسبقًا في أكبر مهرجانات العالم، والجميع يتنافسون على خطب ودِّه ودعوته إلى أكبر الأحداث، ومشروعه المُقبل يوضع في كل قوائم الأفلام الأكثر ترقبًا، وتستعين به مغنية بحجم أديل ليخرج لها فيديو أغنيتها الشهيرة «هالو» (Hello)، الفيديو الذي أحرز اليوم على «يوتيوب» مشاهدات تفوق ثلاثة مليارات.

فكيف يمكن أن ينتهي الحال، خلال أقل من عقد واحد، بزافيه دولان إلى هذا الغضب والإحباط؟

الإجابة تكمن في مصطلح «الطفل المعجزة» (Child Prodigy) نفسه، الذي يطلقه علماء النفس على الأطفال الذين يحققون في عمر مبكر إنجازات في مجالات مخصصة لكبار السن، ونموذجه الأبرز في تاريخ الفن الموسيقار النمساوي موتسارت، الذي قيل إنه بدأ تأليف الموسيقا في عمر الخامسة.

الخامسة تختلف بالتأكيد عن العشرين في عمر البشر، لكن صناعة الأفلام ترشدنا إلى الأنماط المتكررة تاريخيًا. إن النصف الثاني من الثلاثينيات هو مرحلة النضج التي يصنع عندها معظم المخرجين أول فلم مهم ومكتمل في مسيرتهم، وهو عمر منطقي إذا نظرنا إلى ما تحتاجه صناعة الأفلام الكبيرة من تكامل بين المعرفة التقنية والخبرة الحياتية وامتلاك وجهة نظر وأسلوب فني خاص، ناهيك عن القدرة على إدارة فريق كبير والسيطرة عليه بما يحقق المنفعة العامة للفلم.

لذا فإن أي نظرة إلى تراث السينما تبين أن معظم أساطير السينما، من ألفريد هيتشكوك إلى ستانلي كوبريك إلى مارتن سكورسيزي، وصولًا إلى يوسف شاهين وصلاح أبو سيف في السينما العربية، كلهم بدؤوا مسيرتهم بصنع أفلام متفاوتة المستوى والنجاح، وكوّنوا من خلالها خبرة مكنتهم لاحقًا من تقديم أشهر أفلامهم وأهمها، وتحوّلوا إلى أساتذة سينمائيين (Masters).

يحدث بطبيعة الحال أن يظهر موهوب استثنائي في عمر مبكر يخالف المعادلة، وهذا حدث في الثمانينيات مع الصربي إمير كوستوريتسا الذي فاجأ الجميع بفلم «هل تتذكر دولي بيل» (Do You Remember Dolly Bell?) عام 1981 لينال «أسد فينيسا الفضي» وعمره يقل عن 27 عامًا.

وتكرر هذا في التسعينيات مع الأمريكي بول توماس أندرسون الذي كان اكتشاف مهرجان صندانس 1993 في عمر يقل عن 23 عامًا، عندما عرض فلمه القصير البارع «سجائر وقهوة» (Cigarettes & Coffee)، لتفتح له هوليوود أبوابها، فلم يُتِم السابعة والعشرين حتى رُشِّح فلمه الطويل «بوقي نايتس» (Boogie Nights) لثلاث جوائز أوسكار.

كوستوريتسا وأندرسون تمكنا بمرور السنوات من تجاوز مرحلة الطفل المعجزة، واستوعبا حقيقة أن العالم لن يظل يحتفي بك إلى الأبد، وأن عليك بمرور الزمن أن تنضج وتتعامل مع الوضع الجديد، وتقدم ما يكفل نقل اسمك إلى قائمة الأساتذة، عليك أن تتحمل الإخفاق والإحباط وتتجاوز فرضية أن كل ما تفعله يُقابل بالترحاب لأنه يحمل توقيعك فحسب.

كان من المفترض أن يُكمل زافيه دولان السلسلة ليكون اكتشاف العقد الأول من الألفية، لكن تصريحاته الأخيرة وما سبقها من أعمال خلال السنوات الخمس الماضية تشير -ويا للأسف- إلى أنه قد لا يبلغ هذه الغاية.

يبدو المخرج الذي يكاد يدخل عالم الكهولة كأنه مراهق غاضب يصرخ طالبًا الاهتمام. لا يصدق دولان أن يعمل سنتين لصنع فلم ثم يكتشف أن فلمه لن يُخْتارَ بسهولة لمسابقة مهرجان كان، وأن العالم مشغول بصراع الكبار بين «باربي» و«أوبنهايمر» ولا يكترث لمعاناة طفل السينما المدلل. 

باختصار، لا يصدّق زافيه دولان أن يعيش الوضع الذي يعيشه معظم صنّاع السينما في العالم، الذين تبدو فترة السنتين لمعظمهم مثالية، ولو تمكنوا خلالها من إنجاز فلم لعدّوا أنفسهم من الناجحين!

المرجّح أن زافيه دولان سيتراجع عن تصريحاته، فمن العسير أن نتصور توقّف مسيرته في هذا العمر المبكر. لكن يبقى السؤال حول قدرته على مواكبة وضعه الجديد مخرجًا ناضجًا لا طفلًا معجزة. تبقى كذلك المعضلة التي يطرحها الموقف على النقد السينمائي والمهرجانات وكل من يهتم بالفنون: إذا ظهر فنان استثنائي في عمر الطفولة فهل يكون الاحتفاء المبالغ فيه انتصارًا للموهبة أم إضرارًا بصاحبها؟


أخبار سينمائية

  • أطاح فلم البطل الخارق «بلو بيتل» (Blue Beetle) بفلم «باربي» عن عرش الإيرادات الأمريكية، لكن هذا الإنجاز لا يعني تحقيق الفلم إيرادات قوية، إذ سجل أضعف إيرادات ليلة افتتاح لأفلام أبطال عالم «دي سي» على الرغم من نيله تقييمات نقدية أفضل من «شازام» و«ذ فلاش» و«بلاك آدم».

  • قد لا يكون للنحس المرافق لسلسلة «دي سي» دورٌ كبير في النتيجة التي حققها الفلم، إذ كان مقررًا عرضه حصرًا في منصات البث الرقمي. لكن قررت شركة «وورنر برذرز» عرضه في الفترة الميتة من نهاية موسم الصيف، ربما لأنه أول فلم من بطولة شخصيَّة لاتينية ولم ترد الشركة التعرض لاتهام تعمدها عدم منح الفلم فرصة العرض في صالات السينما.


توصيات سينمائية

أبرز الأفلام الدراسية

مع عودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة نستذكر عددًا من الأعمال السينمائية التي تناولت موضوع الدراسة والحياة الجامعية. في هذه القائمة نستعرض خمسة أفلام تناولت يوميات المدرسة بخفة وذكاء، وفي تراجيديا تدعوك إلى البكاء.

To Sir, with Love (1967)

يحكي الفلم قصة معلم أسود البشرة يتم تعيينه لتدريس مجموعة من المراهقين البيض في لندن. يواجه المعلم مشكلات كثيرة في التعامل معهم، وبخاصة في تلك الحقبة من الستينيات التي كانت لا تزال العنصرية ضد السود فيها متفشية. الفلم من بطولة النجم سيدني بواتييه، واحتلت الأغنية الرئيسة (To Sir, with Love) المرتبة الأولى على قائمة بلبورد الأمريكية.

Dead Poets Society (1989)

فلم درامي من بطولة روبين ويليامز وإيثان هوك حول معلم للغة الإنقليزية يحبب إلى طلابه الشعر ويكوّن معهم جمعية تُدعى «جمعية الشعراء الموتى» ويحفزهم إلى مواجهة التقاليد والتفكير خارج الصندوق، في النهاية يلقى أحد الطلاب نهاية مأساوية تترك تأثيرها في حياة الجميع.

كفرون (1990)

فلم سوري من بطولة دريد لحام ومادلين طبر ومجموعة من الأطفال. يحكي عن فرّاش في مدرسة القرية يُدعى ودود تنشأ بينه وبين طلابها صداقة قوية. تحضر للمدرسة معلمة من المدينة تواجه صعوبة في التأقلم مع حياة الريف، ويواجه ودود معها ومع الأطفال كثيرًا من المواقف الطريفة والعصيبة أحيانًا.

Good Will Hunting (1997)

حاز الفلم على جائزتي أوسكار، ويدور حول شخصية ويل هانتنق، شاب عبقري في الرياضيات بارع في التعليم الذاتي لكنه مصاب برهاب الاختلاط بالناس ويعمل حارسًا في «معهد ماساتشوستس للتقنية». بعد نجاحه في حل معادلة رياضية معقدة، يقابل طبيبًا نفسيًّا سرعان ما يصبح مرشده الروحي للتخلص من تلك المخاوف واستعادة قدرته على الحياة. الفلم من بطولة روبن وليامز ومات ديمون.

Freedom Writers (2007)

الفلم مبني على الحياة الحقيقية للمعلمة «إيرين قرويل»، والتي تتولى مسؤولية تعليم فصل مختلط الأجناس ينقسم إلى عدة فئات يكره كل منها الأخرى، وجميعهم أيتام وأطفال شوارع ميؤوس من نجاحهم. لكنها تحقق المعجزة وتصنع منهم نسيجًا واحدًا يُخرِج كلُّ مَن فيه أفضل ما لديه من خلال الكتابة. الفلم من بطولة الأوسكارية هيلاري سوانك.


يعرض الآن

  • يعرض على صالات السينما فلم «بلو بيتل» (Blue Beetle)، أحدث أفلام الأبطال الخارقين من عالم «دي سي». يدور الفلم حول الشاب الجامعي جايمي ريس الذي تستوطنه خنفساء فضائية وتمنحه قوى خارقة تغيِّر مصيره. الفلم متوفر أيضًا بالدبلجة العربية.

  • يعرض على صالات السينما الفلم المصري «العميل صفر» من بطولة أكرم حسني وبيومي فؤاد. تدور أحداث الفلم حول فرد أمن بسيط لا يملك تصريحًا لحمل السلاح يتحوَّل في ظروف غامضة إلى العميل صفر.

  • فلم (Past Lives) من إنتاج شركة (A24) والذي يعده النقّاد والجمهور أفضل فلم دراما رومانسية لهذا العام. تدور القصة حول صديقي طفولة يلتقيان بعد عشرين عامًا على افتراقهما، لمدة أسبوع واحد، يواجهان فيه معنى الحب أمام الأقدار. الفلم معروض للشراء والمشاهدة على منصات «أبل» و«برايم فيديو» و«قوقل بلاي».

  • يعرض على منصة «ديزني بلس» مسلسل (Ahsoka)، أحدث إنتاج من سلسلة «ستار وورز». وظهرت الشخصية لأول مرة كمتدربة جيداي تحت قيادة أناكين سكاي ووكر في (Star Wars: Episode II - Attack of the Clones).

الأفلامالسينماالمخرج
النشرة السينمائية
النشرة السينمائية
منثمانيةثمانية

مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.

+80 متابع في آخر 7 أيام