فلم «باربي» يعيد تعريف الدمية

أراد فلم «باربي» أن يكون إصلاحيًا وكوميديًا ومنددًا بالمساواة ومعاصرًا وهزليًا وواقعيًا وفانتازيًا وكل فكرة، لكن دون تحقيق أي منها.

فلم «كازينو» (Casino)
فلم «كازينو» (Casino)

ثمة ثلاث طرائق لإنجاز الأمور: الطريقة الصحيحة والطريقة الخاطئة وطريقتي.


مارقو روبي في العرض الأول لفلم «باربي» في كالفورنيا (2023) / Getty Images
مارقو روبي في العرض الأول لفلم «باربي» في كالفورنيا (2023) / Getty Images

«باربي» تعيد تعريف الدمية

فراس الماضي

تفاعل جمهور مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع مع تناقض «باربي» الوردية و«أوبنهايمر» مخترع القنبلة الذرية، ومنذ اللحظات الأولى لمواعيد عرضيهما في 20 يوليو ناقشوا كثيرًا من المفارقات الجلية بينهما (كالأزياء والنكت والمقارنات وصالات الآيماكس وهل هي «70 ملي» أم ليزر؟… إلخ) فكان هذا الصخب الجميل الذي قال عنه فرانسيس فورد كوبلا (مخرج فلمي «العراب» و«القيامة الآن»): «الناس يملؤون الصالات الضخمة لمشاهدة هذين الفلمين وهما ليسا مستوحيين من سلسلة أفلام ولا من أفلام معادة الصناعة، وهذا انتصار للسينما، وحدسي أننا على وشك الدخول في عصر ذهبي».

ربما تكون تصريحات كوبلا مبالغًا فيها إلى حد ما، لكنها لا تبالغ في القيمة التي يمثلها هذا الانتصار للسينما بعد سنوات من أفلام الملاهي، والأهم من كل ذلك أنه انتصار لفعل الذهاب إلى صالات السينما.

ومع ذلك فإن تأجيل عرض «باربي» في منطقتنا حتى 31 أغسطس أدى إلى تداول العديد من الشائعات الخيالية، حيث زعم البعض أن حملة الفلم التسويقية الهائلة جاءت لترويج الانحراف والشذوذ والأفكار الهدامة، وفي حالة من الهلع بصبغته المؤامراتية رأى جانبٌ أنها امتداد لحركة «الووك» (Woke) في هوليوود، وغرس لأجندتها الأخلاقية، حاملين دروعًا من حديد خشية أن تقتنص هذه الأفكار رؤوسهم، وآخرون رفعوا أسهمًا في حربهم إزاء كل ما له علاقة بالفلم؛ لمجموعة من المبالغات التي لا معنى لها، لتحكم هيئة الإعلام المرئي والمسموع بعد ذلك اللغط بتعديل طفيف على الفلم -لا تمكن ملاحظته- يعجّل بعرض «باربي» قبل الميعاد البعيد.

«باربي» العلامة التجارية

يعبث فلم «باربي» بمعالجته للدمية بسرديتها التاريخية ويحوي تضليلًا بيّنًا لسياقها الاجتماعي، فرمز الجمال المفرط والأنوثة الخالصة يتحور شيئًا فشيئًا  ليكون رمزًا للنسوية والنضال الأيديولوجي، وذلك بعد أن كانت باربي لعقود مصدرًا للجدل في تعزيزها صورة بمعايير خيالية عن المرأة المثالية، في نواحيها الشكلية وأسلوب حياتها اللاواقعي، وذلك ما أثار على مدار التاريخ القصير للدمية إحباطًا سلبيًا وردة فعل عكسية تدفع كثيرين إلى التسابق نحو هذا المثَل الأعلى الزائف والسعي إلى تحقيق مستوى «باربي» المتوهَّم.

أما ما نشهده في الفلم من محاولة مزج بين مفهومي الأنثوية والنسوية فهو يؤكد هيمنة شركة «ماتيل» على فلم «باربي» (ماتيل الشركة المصنعة والمالكة للدمية منذ عام ١٩٥٩)، كيف لا وهي التي أسهمت في العمل كمنتج مشارك مع شركة «وارنر برذرز»، التي أحكمت سيطرتها على الحكاية عبر إعادة تعريف باربي وتقديمها في سردية بديلة مال الفلم إليها بدلًا من أن يخوض تجربة فنية لمحاولة استكشاف الإمكانيات التي يمكن أن تحملها باربي.

الفلم الرابع لقريتا قيرويق

يُفتتح فلم المخرجة قريتا قرويق بمشهد مستوحى من عمل كوبريك «2001 أوديسة الفضاء» (2001 A Space Odessy) . وتمامًا كما انغمست الآلة بين القرود الذين كانوا يهشمون العظام إيحاءً للعصر ما قبل الحجري في فلم كوبريك، نجد باربي (مارقو روبي) الكبيرة الحجم ترتدي زي أول دمية لباربي بين أطفال يهشمون الدمى المُشكّلة على هيئة أطفال. وذلك لأن باربي أول دمية على شكل امرأة. نتجه بعد ذلك إلى «باربي لاند»، المدينة الفاضلة أو جنة الدمى التي تستيقظ برونقها وتتجلى بوفرة «الباربيات» بأشكالهن المتنوعة. هنا تكون النساء هن اللواتي يحكمن ويكون وجود «كين» في هذا المكان لأجل باربي.

يصوغ هذه العالم المصنوع من البلاستيك ما يُمثّل أفضل جوانب الفلم، ففي خفة السيناريو وزخم سذاجة الفكاهة، تشرب باربي من أكواب فارغة وتمرر الأطعمة دون تناولها، وكل ليلة هي ليلة مثالية، إلى أن يُصيب باربي خلل يتجلى في تفكيرها بالموت والزوال، مما يدعوها بعد ذلك إلى الذهاب إلى شخصية «باربي الغريبة» في مشهد يذكرنا بذهاب دورثي (جودي قارلند) إلى قصر أوز في فلم «الساحر أوز»، حيث تلتقي هناك عرافة تحمل كرة زجاجية لامعة تشبه تلك الموجودة  في فلم «المواطن كين».

ومن خلال حديثهما تدرك باربي أن هناك ارتباطًا تداخليًا بين عالمها الوردي والعالم الحقيقي؛ نظرًا لوجود خلل عند مقتني دميتها هناك، وعلى باربي إصلاح ذلك قبل فوات الأوان، لتنطلق في رحلتها رفقة كين (راين قوسلينق). ومن هذه النقطة يبدأ فلم قرويق سرديًا التخبط ويفقد بوضوح جاذبيته العفوية، متشعبًا بالسيناريو في العالم الحقيقي بعدد لا نهاية له من المواضيع. وتُدمج باربي بشكل سطحي بمشكلات العالم الحقيقي الذي يتفاعل بدوره معها كردة فعل لخياليتها. كما تصبح أزمتها الوجودية وتفكيرها بالموت ليس إلا كسرًا للإيقاع الوردي لـ«باربي لاند». ومثلما تفقد الفكاهة زخمها هنا فإن تكرار المصطلحات الضخمة التي شوهت العالم الحقيقي في الفلم يُفقدها معناها وقيمتها.

حتى الخط السردي الذي ذهبت بسببه باربي إلى العالم الحقيقي ولمتمثل بمقتنية دميتها وابنتها يُختزل ليكون تضامنًا نسائيًا في نسيج الأحداث لا أكثر، على رغم أن قرويق قد سبق أن استكشفت في أفلامها علاقة الأم والابنة بأسلوب أكثر نضجًا وعُمقًا كما هو مشهود في فلم «ليدي بيرد». لكن عدم توازن فلم «باربي» بين موضوعاته وتنقله اللاّمنتظم عبر مختلف قضايا اليوم يحوّل التجسيد للخطاب النسوي الذي يتبناه الفلم إلى تناقض داخلي مع مفهوم النسوية العميق، وتكون مساعي الارتباط بالثقافة المعاصرة مجرد غمر سطحي بلا أدوار جوهرية على سير الأحداث.

فلم «باربي» تطبيق مثالي للتصبّغ بأعلى الأفكار دون تطبيقها على مستوى العمق السردي، حيث اقتصر دوره  على فتح الأبواب المغلقة دون الدخول منها، والتوجه إلى أكثر المناطق الشائكة وقفزها عند الاقتراب منها. وكان من شأن هذا أن يثير اهتمامنا على مستوى التجربة لو بقي في إطاره الكوميدي الخفيف وسذاجته المرحة في عالم «باربي» البلاستيكي وديكوراته الزاهية بألوانها الوردية والسماوية. لكن الفلم أراد أن يكون إصلاحيًا وكوميديًا ومنددًا بالمساواة ومعاصرًا وهزليًا وواقعيًا وفانتازيًا وكل فكرة، لكن دون تحقيق أي منها.


أخبار سينمائية

  • تصدَّر فلم «باربي» الإيرادات في السعودية بعدما باع في أول أسبوع أكثر من 110 آلاف تذكرة بإيرادات بلغت أكثر من سبعة ملايين ريال. يأتي عرض الفلم في السعودية بعد جدل كبير أدَّى إلى قرار منعه في عدد من الدول العربية منها الكويت ولبنان والجزائر، ليثير هذا المنع تساؤلًا: سبق أن شهدنا التأثير الكبير لإيرادات صالات السينما السعودية على توجُّه صنَّاع الأفلام المصرية، فهل نشهد هذا التأثير أيضًا في سماح السعودية بعرض أفلام تُمنع في بعض الدول المجاورة؟


توصيات سينمائية

أبرز أفلام روبرت دى نيرو

يحتفل اليوم النجم العالمي روبرت دى نيرو بعيد ميلاده الثمانين. بدأ مسيرته منذ خمسين عامًا بدور صغير، ومنذ ذاك الحين تعددت أدوار هذا النجم الكبير وتوج بجائزتي «أوسكار» إحداها كأفضل ممثل ثانوي في فلم «العراب» الجزء الثاني، والأخرى عن فلم «الثور الهائج» عام 1981 كأفضل ممثل رئيس. ولا يفوتنا بالتأكيد مشاركة محبي روبرت دي نيرو الاحتفال به، من خلال مشاركة خمسة من أهم أفلامه. وإذا أعجبك أداء دينيرو في فلم خارج هذه القائمة فشاركنا إياه على وسم #النشرة_السينمائية.

 Taxi Driver (1976)

فلم من إخراج مارتن سكورسيزي وبطولة روبرت دي نيرو وجودي فوستر، عن سائق أجرة يضطر إلى البحث عن طفلة ضائعة ويصاب بالجنون بسبب ما يواجهه في رحلته من ضياع أخلاقي داخل المجتمع.

Raging Bull (1981)

تعاون جديد يجمع دي نيرو مع المخرج مارتن سكورسيزي، ولكن هذه المرة عن سيرة ذاتية لملاكم يعيش في أجواء مسابقات الملاكمات من دم ووحشية وصراعات وعالم مراهنات. نال النجم الكبير عن هذا الدور جائزة «أوسكار» لأفضل ممثل.

Heat (1995)

ينتمي الفلم إلى قائمة أفلام الدراما، وهو أحد أجمل أفلام التسعينيات وأكثرها جماهيرية، وقد جمع بين دي نيرو وآل باتشينو. وتدور الأحداث حول عصابة محترفة مختصة بسرقة البنوك، وطوال الفلم نعيش قصة مطاردة بين النجمين الكبيرين.

Meet the Parents (2000)

يقدم دي نيرو في إطار كوميدي كوميديا ثنائية رائعة مع بين ستيلرز حول ممرض يقرر التعرف إلى عائلة حبيبته قبل عرض الزواج عليها، ولكن لقاءه بوالدها المتشكك يجعله يواجه كثيرًا من المشكلات والعقبات.

The Irishman (2019)

هذا أحد أهم الأفلام التي قدمها في السنوات الآخيرة مع المخرج مارتن سكورسيزي ومع الكبير آل باتشينو. تدور أحداثه عن إيرلندي يعمل كقاتل مع عائلة مجرمة. الفلم عودة للتعاون بين دي نيرو وسكورسيزي، بعد توقف أكثر من خمسة وعشرين عامًا، بعد تعاونهما الأخير في فلم «كازينو» (Casino) عام 1995.


يعرض الآن

  • يعرض في صالات السينما فلم (sound of freedom)، وهو دراما وسيرة ذاتية من إخراج أليخاندرو مونتيفيردي وبطولة جيم كافيزل وميرا سورفينو وبيل كامب. يروي الفلم قصة عميل سابق استقال من وظيفته لإنقاذ الأطفال من «الكارتل» وتجار البشر.

  • يعرض في صالات السينما الفلم المصري «وش في وش»، من بطولة أمينة خليل ومحمد ممدوح. تدور أحداث الفلم داخل شقة زوجين يجتمع فيها بالصدفة أفراد عائلتي الزوج والزوجة، وتحدث بينهم العديد من المشكلات بسبب الاختلافات الثقافية والاجتماعية بينهم.

  • يعرض على منصة نتفليكس فلم (Incendies)، ويحكي رحلة أم تبعث بتوأميها جان وسيمون إلى رحلة فى الشرق الأوسط حيث الحروب اللانهائية للبحث عن جذورهما المختلطة.

السينمامراجعات الأفلام
النشرة السينمائية
النشرة السينمائية
منثمانيةثمانية

مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.

+90 متابع في آخر 7 أيام