جاء في المعجم الوسيط أن «أجاد» تعني «أتى بالجيّد من قول أو عمل»، وقد أُنشئت شركة «إجادة» حتى ترغم الناس على أن يأتوا بالجيد من الفعل في دكاكينهم ومشاريعهم التجارية، إذا كانت ضمائر أولئك التجار لا تعمل كما ينبغي.
وهذا أمر لا يبدو أن عاقلًا، أو شبه عاقل، يخالفه أو يرفضه، سواء أكان تاجرًا أم شبه تاجر أم مستهلكًا يريد أن يحصل على منتج «جيد»، وسواء أكان منبع تلك الإجادة ضمير التاجر أم خوفه من غرامات «إجادة».
لكن الذي يحدث أن «إجادة» بالغت في «التجويد» إلى حدٍّ بدا تطرفًا في الإجادة، فتحوّل الأمر إلى ما يشبه «إبادة» المنشآت الصغيرة والقضاء عليها في مهدها.
ولعلي متفائل قليلًا بأنه لن يأتي ذكي من أقصى المدينة يسعى ليقول إني أدعو في تدوينتي هذه إلى أن تعم الفوضى وأن تسرح الفئران والصراصير في المطاعم والدكاكين، وإني أفعل ذلك دفاعًا عن حق تلك الكائنات في العيش.
كل ما في الأمر أني مقتنع بأن «جحافل» المفتشين والمفتشات بشر يصيبون ويخطئون، وأن بشريتهم هذه تعني أن ربط حوافزهم ومكافآتهم بعدد المخالفات التي يحررونها يعني أن لديهم الأهداف ذاتها التي سعى إليها صاحب الدكان أو المنشأة، وأعني: جَنيَ الربح والمال، وأنهم سيعملون بجهد أكبر للحصول على مخالفات أكثر ومكافآت أكثر وحوافز أفضل، وهذا ليس عيبًا فيهم بل في الآلية نفسها. ولو كنت مفتشًا يعتمد دخلي على ما أحرره من مخالفات لأغلقت كل محل تقع عليه عيني. ولأن «إجادة» نفسها شركة ربحية هدفها المشروع أن تكون عوائدها أكثر فإن الأمر يجعل «الفار يلعب في عبي» دون أن يتمكن مفتشو «إجادة» من القضاء عليه.
ولأنه لا علاقة لي، كما تعلمون، بالتجارة ولا بالتجار، ولا بأي طريق يؤدي إلى الأموال، فإني أعجز عن فهم أن تُفرض مخالفات بعشرات الآلاف على دكان دخله أقل من ذلك بكثير. ولم أستوعب فكرة التعجيز في المهلة التي تتيحها «إجادة» في بعض الأحيان لتعديل المخالفات قبل فرض الغرامة، والتي تبدو غايتُها لأمثالي من ليليي البصيرة تعجيزَ صاحب المنشأة، كأن يتيح المفتش الموقر أو المفتشة الفاضلة مهلة «يوم واحد» لتعديل مخالفة تحتاج إلى أسبوع عمل. كل ما أفهمه أن كثيرًا من مفتشي «إجادة» يتعاملون مع أصحاب المحلات وفق القاعدة الاقتصادية الشهيرة «ليش ما تلبس طاقية؟!».
الفكرة العامة لمراقبة المحال والغاية منها هي حصول المستهلك على منتج موثوق، وعمل المفتشين يفترض أن يكون مكملًا لعمل أصحاب المحلات من أجل الوصول إلى هذه الغاية، من خلال التدرج بالتوجيه ثم الإنذار ثم الغرامة المنطقية، وصولًا إلى الإغلاق لمن يثبت أنه إما لا يهتم بصحة الناس وإما أنه غبي بطيء الفهم قليل الاستيعاب. لكن طريقة المفتشين ووجوههم العابسة وتعاملهم الصلف منذ الزيارة الأولى يجعلهم كمن جاء لينتقم وليس ليقوّم أو يعدّل أو يبحث عن الجيد من القول أو الفعل على رأي «المعجم الوسيط».
أنا بصفتي أحد المستهلكين مؤمن بفكرة شركة إجادة، وأتمنى أن أصل إلى مرحلة الثقة في أي شيء يباع، لكن بما أنها شركة ربحية فهي أيضًا تحتاج إلى من يقوِّم عملها ويجعلها تجيده.
ولا يختلف عاقلان، أو شبه عاقلين، على أنه يوجد أصحاب محلات لا يرقبون في المستهلك إلًّا ولا ذمة، وأنهم لا يستحقون الغرامة وحسب، بل بعضهم يستحق أن يزال محله من الوجود ببضاعته وجدرانه وأرففه. ولا مشكلة لدي في أن يُصلب وتقطع أيديه وأرجله من خلاف، لكن «إجادة» ومفتشيها ليسوا محصنين ضد النقد، وانتقاد طريقة عملهم وتعاملهم لا ينبغي أن يُفهم منه أن غايته الوصول إلى مرحلة جعل «الدرعى ترعى» دون رقيب ولا حسيب.

كثير من المحلات خرجت من السوق قبل أن تضع قدمها الأخرى داخله، وغرامات «إجادة» لها دور في ذلك دون شك، صحيح أنها ليست السبب الوحيد؛ فالعوامل كثيرة وربما نتحدث عنها لاحقًا.
وخلاصة القول أيها الناس:
لستُ طيبًا إلى درجة أني حزين على هؤلاء، ولكني حزين على نفسي بصفتي واحدًا من المستهلكين؛ لأني في نهاية المطاف من يدفع كل هذه الرسوم والفواتير والغرامات والضرائب التي تفرض على المحلات، فـ«إجادة» وغيرها ترفع عوائدها من خلال إيقاع الغرامات وفرض الرسوم والضرائب، والتاجر يعوض ما يدفعه لهؤلاء من خلال رفع الأسعار، والمستهلك هو آخر السلسلة الذي لا يجد من يعوض خساراته من خلاله. والحقيقة أني أطمع في أن تنالهم رحمة الجهات الرقابية والجهات التي تأخذ منهم الرسوم والضرائب والفواتير، حتى يصلني شيء من تلك الرحمات، فالرحمات دائمًا تأتي من الأعلى ثم تنزل حتى تصل إلى أولئك الذين في الأسفل، وهم الذين نسميهم «المواطنين» أو «المستهلكين» أو «حطب» تعويض الخسائر.