مخرجون يستعيدون «ملاعب» الطفولة والدهشة الأولى

لا تزال قصص المخرجين الشخصية والسير الذاتية نوعًا فرعيًا في السينما. لكننا بتنا نشهد كثيرًا من الأفلام التي تتعمَّق في حياة صانعيها.

المخرج والمنتج الأمريكي ستيفن سبيلبرق في منزله في لوس أنجلوس / Getty Images

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
3 أغسطس، 2023

إنّها المرة الأولى التي يفعلها ستيفن سبيلبيرق ويخصّص فلمًا لرواية طفولته وسنوات مراهقته. «آل فيبلمان» (2022) انضمّ إلى قافلة من أفلام السير الذاتية التي أنجزها سينمائيون طبعوا ذاكرة الفنّ السابع، من فيلليني إلى ألمودوفار.

هل تعلم كم عدد المخرجين الذين سردوا طفولتهم من خلال أفلامهم؟ رأينا السنة الفائتة «آل فيبلمان» (The Fabelmans) لستيفن سبيلبيرق. لكنَّ السبحة طويلة مع فيديريكو فيلليني وفرانسوا تروفو وصوفيا كوبولا وإنقمار بيرقمان وسيلين سياما وألفونسو كوارون وباولو سورنتينو وبيدرو ألمودوفار وغيرهم. معظم المخرجين يميلون إلى التحدث عما يعرفونه، عن عالمهم وألوانه وشخصياته ونغمته. وإن كان هناك شيء يميّزنا كأفراد أكثر من أي شيء آخر فهو طفولتنا، التي شهدت دهشتنا الأولى وشكّلت وعْيَنا وشخصيتنا ونظرتنا إلى العالم. 

خصّص العديد من المخرجين فلمًا أو أكثر لاستدعاء جزء من تلك الطفولة وتلك اللحظات التي طبعت وعيهم: الموت الأول والحب الأول والانتصار الأول والهزيمة الأولى. بهذه الطريقة تُكتب الذات في السينما، في الظلّ وسط الاشباح والتشتت والذكريات، وفي الصورة والنفس واللحظة التي تطبع طفولتنا.

«آل فيبلمان» لسبيلبيرق هو ذلك التجوال بين الشكوك والمخاوف، يسافر بحرية ويتجوّل باستمرار كما لو كان بحدّ ذاته حلمًا وعنصرًا مرنًا ومجموعة من الذكريات والأحلام والرغبات. 

استحضر سبيلبيرق في «آل فيبلمان» طفولته، في فلم صنعه بنفسه عن نفسه، ومن خلال ذاكرته الشخصية. علمًا أنّها المرة الأولى التي يفعلها المخرج الأمريكي ويخصّص عملًا لاستعادة طفولته وسنوات مراهقته. هذه سيرة ذاتية عن حياته الخاصة لا تشبه الوصيّة بقدر ما هي نوع من البوح يعود به هذا المخرج إلى المكان الذي يشعر فيه بالأمان والحماية: العائلة والسينما. 

«لقد كنت شديد الخصوصية في ما يتعلَّق بحياتي. لم أتحدَّث مطلقًا عنها علنًا حتى الآن»، كذا قال سبيلبيرق خلال العرض الأول للفلم. إن مشاعر الوحدة والخسارة بعد وفاة والديه في السنوات الأخيرة هي التي دفعته إلى التفكير جديًا في كتابة قصته، لكن التهديد الوجودي الذي شكّلته جائحة كورونا دفعه أخيرًا إلى تقديم قصة عائلته الشخصية على الشاشة الكبيرة: 

«لم يكن لديّ أي نية لتصويره. وبدا لي أني سأسعد بإخفائه في دُرج في مكان ما، لكنّ فيروس «كوفيد 19» منحني الكثير من الوقت للتفكير في الأمر. بطريقة ما جعلني إنجاز الفلم أدرك أنني كنت أحمل عبئًا طوال هذه السنوات، واضطررت لتفريغه من قلبي وروحي في الفلم. وبمجرد خروج هذا الشعور أصبحت قادرًا على الندم على أنني لم أشارك ذلك مع والدي».

ما اكتشفه سبيلبيرق من فلمه هو أن بعض الحقائق لا يمكن أن تظهر إلا في عدسة الكاميرا. وما اكتشفناه نحن أنَّ سبيلبيرق يستخدم أفلامه لاستكشاف موضوعات حول الحالات النفسية والإنسانية التي واجهها هو بنفسه. وبهذا لم نعد نرى أفلامه السابقة كما هي. 

على سبيل المثال، لم يعد فلمه «إي تي» (E.T. The Extra-Terrestrial) مجرد مغامرة مع مخلوق فضائي، بل بات يحيلنا إلى مشاعر سبيلبيرق الشخصية، وكيف أثّر طلاق والديه فيه، فعكس المخرج هذا الإحساس في مشاعر الأطفال وعائلة «إليوت». وأما «الفك المفترس» (Jaws) فأصبح يعبّر عن خوف سبيلبيرق الطفل من المجهول، هو الذي نشأ في منزل مفكَّك، وشعر دومًا بأنَّه غريب. وأما «الحديقة الجوراسية» (Jurassic Park) فتحوَّلت من مغامرة كلاسيكية مع الديناصورات إلى موضوعات أعمق تتعلق بالطموح البشري والسيطرة وعواقب الأفعال.

هكذا حاول المخرجون، في أوقات مختلفة في تاريخ السينما، سرد قصصهم الشخصية والتعلُّم من أفلامهم. ووضعوا «الأنا» أمامنا ليكتشفوا أنفسهم، ولنكتشف ذواتنا من خلالهم. فالعودة إلى الماضي نوع من التصالح معه، أو تصفية حساب قديم. وكشفوا لنا كيف دفعتهم المثابرة إلى أقصى الحدود، وأظهروا نقاط قوّتهم وضعفهم، ورووا كيف تغلَّبوا على المحن وحافظوا على تركيزهم، واعترفوا بالأخطاء التي ارتكبوها، وحكوا كيف حوّلوها إلى نجاحات.

لا تزال قصص المخرجين الشخصية والسير الذاتية نوعًا فرعيًا في السينما. لكننا بتنا نشهد في السنوات الأخيرة كثيرًا من الأفلام التي تتعمَّق في حياة صانعيها، فمن سيكون المخرج القادم الذي سيروي لنا حياته؟ لا نعلم، لكنّ المؤكد أنّنا سنتابع طفولته بدهشة. 

الوسوم: السينما . المخرج .

اقرأ المزيد في السينما
مقال . السينما

أفلام مارفل «برقر» الفن السابع؟

لا تهتم «مارفل» بالأسلوب أو بكسر أي قواعد كما يفعل الفن، بل تعيد صياغة الخطوط العريضة نفسها للحبكة، والمرئيات والقصص نفسها في كل مرة.
شفيق طبارة
مقال . السينما

«أغنية الغراب».. عن «إيجاد النفس» وسط الزحام

كنت متخوفًا من إخفاق الفِلم في تصوير مدينة الرياض في حقبة بداية الألفية، ولكن المخرج محمد السلمان استطاع النجاح في هذه المهمة بشكل ذكي.
عبيد التميمي
مقال . السينما

«بو خائف»… مجزرة للعين والعقل!

من الصعب جدًا أن نبني علاقة مع مخرج يصوغ قصة خصيصًا لكي نكرهها أو لا نفهمها. «بو خائف» مذبحة للعين والعقل، يحتوي على لحظات مرعبة.
شفيق طبارة
مقال . السينما

الجنون كله يصب في «بذيخة»

إن فلم «راس براس» محاولة ممتازة وناجحة من مالك نجر لتجسيد شخصيات كأنها كرتونية أو مقتبسة من القصص المصورة، بكتابة جيدة وممتعة جدًا.
رياض القدهي
مقال . السينما

ما الفلم الذي يستحق الترقُّب في موسم «الهالوين»؟

من منتصف سبتمبر لنهاية أكتوبر من كل عام تتكتل أفلام الرعب من مختلف تصنيفاتها الفرعية لتقديم سهرات لائقة لجموع المحتفلين.
محمود مهدي
مقال . السينما

كوثر بن هنية: المتاجرة بالقضايا المحلية لا توصلك إلى «كان»

حاورنا كوثر بن هنية لمعرفة مزيد عن تجربتها السينمائية الأخيرة وتفاصيل مشاركتها في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» بالدورة الأخيرة. 
أحمد العيّاد