ثرثرات المكاتب واحدة من فضائل عملي متطوعةً في المكتبة، فأحاديث المكاتب بمثابة لينكدإن واقعي أتعرف من خلاله إلى مستجدات سوق العمل. منذ فترة مثلًا كان «تغيير المسار الوظيفي» (career shift) محور الأحاديث، وبصراحة تخيلت أن الرغبة في تغيير الوظيفة لا تتعدى ثرثرات المكاتب، إلى أن فوجئت بها حاضرة أمامي بكثرة في تويتر.
عن نفسي، تعودت في مقابلات التوظيف تبرير تنقلي بين ثلاث بيئات عمل مختلفة خلال عام واحد، إلى أن قررت إزالة تلك التجارب العملية الأولى من سيرتي الذاتية. فالشائع أنَّ كثرة التنقل الوظيفي دلالة على انعدام كفاءة الشخص، أو عدم انتمائه إلى مكان عمله، مما يجعل الشركات تشكِّك في مدى ملاءمة المتقدم للعمل لأهداف المؤسسة الطويلة الأجل.
لكن أطلَّت علينا جائحة 2020 لتتغير معها المفاهيم القديمة عن التنقل الوظيفي الذي أصبح فرضًا على كثير من البشر. فالأزمة الاقتصادية الناتجة من كورونا أجبرت العديد من الشركات على التخلي عن بعض موظفيها، ففي أمريكا ارتفعت نسبة البطالة إلى 13% في الربع الأول من 2020، على حين غيَّر 37% من الأمريكيين وظائفهم بسبب الوباء.
ساعدت هذه الحالة من العزلة والعمل عن بعد كثيرًا من الموظفين على إعادة تقييم مدى جدوى أهدافهم العملية. فمثلًا، غيَّر 65% ممن استقالوا من وظائف في قطاعي التأمين والتمويل مسارهم الوظيفي للأبد.
وبما إني في الثلاثينات من عمري، أقرأ كثيرًا من النصائح عن ضرورة الاستقرار الوظيفي في هذه المرحلة العمرية، لكن حين أقرأ بعض الإحصائيات أجدها تدحض هذه النصيحة. ففي أمريكا يُغير الشخص وظيفته اثنتي عشرة مرة في حياته، ويبحث 65% من الأمريكيين في متوسط عمر 39 عامًا عن وظائف جديدة. وفي عام 2021، كان 44% من العاملين في أمريكا يبحثون عن وظائف جديدة، وفكّر ثلث العمال تحت الأربعين بتغيير وظائفهم تمامًا خلال العامين الماضيين.
وبينما أقرأ تلك الإحصائيات يتكرر مصطلح «التغيير الوظيفي في منتصف العمر» (Midlife Career Shift). فهل فعلًا ترتبط «فورة» الرغبة في تغيير المسار الوظيفي بما يُطلق عليه أزمة منتصف العمر؟ لا أظن. ففي استبيان أجرته منصة لينكدإن في بداية 2023، فقد أبدى 72% من موظفي جيل زد (ما بين 18 – 25 عامًا) و66% من موظفي جيل الألفية (ما بين 26 – 41 عامًا) نيتهم تغيير مسارهم الوظيفي خلال العام.
رغبة الإنسان في حياة تتسم بالتوازن، ووظيفة تلبي احتياجاته النفسية وتتماشى أكثر مع اهتماماته، وتمنحه القيمة والمعنى لا ترتبط بعمر معين، ولا تنتهي مع سقف محدد من عدد الانتقالات. لربما يزعجك تبرير تنقلاتك وتغيير مسارك الوظيفي إلى موظف الموارد البشرية، لكن بالتأكيد سيؤلمك الاستقرار في وظيفة واحدة أو مسار واحد أكثر مما تحتمل فقط خشية أن يرى موظف الموارد البشرية انتقالك منه عيبًا.
مقالات أخرى من نشرة أها!
صورة بابا الفاتيكان بألف كذبة
دعنا لا نصدق كل ما نراه ونسمعه من أول لحظة وننجرف مع المنجرفين، ولنتعلّم الاحتكام إلى الذكاء البشري ومهارة التشكيك في كشف الألف كذبة.
إيمان أسعدكيف شوّهت سبيستون رؤيتنا للعالم؟
سواء امتنعنا عن مشاهدة كرتون لوجوده في كوكب زمردة، أو عن قراءة كتاب في تطوير الذات؛ فالقضية هي نفسها: فرض التصنيف نفسه علينا.
حسين الإسماعيلالأفكار رزق فلا تطيِّرها من يدك
للأفكار حياة خاصة بها، وعندما نرحِّب بها ونعمل عليها فهي تكبر وتنضج. في المقابل، إذا استقبلناها بالتأجيل والتسويف ستذهب إلى من يقدِّرها.
ياسمين فكاكلا تستهن بقوة اللطافة في مقاطع الحيوانات
عن نفسي، ما أختبره لدى تصفح مقاطع فيديو الحيوانات الأليفة بمثابة شعور بأنَّ العالم من حولي قد توقف على الفور.
محمود عصامخدعة الحنين لدى جيل الطيبين
لا أنكر أنّي أستمتع بالمحتوى الذي يستغل حنيني إلى الماضي، ولا سيما إلى التقنية التي اندثرت، لكني بدأت أُدرك أن هذا الشعور متحيّز.
رويحة عبدالربأنا مدمنة بنج
تتصاعد الضغوط في حياتنا ونجد في مشاهدة منصات مثل نتفلكس وسيلة إلهاء بما تقدمه من إثارة وكوميديا. لكن اعتمادنا عليها قد يشكل خطرًا علينا.
إيمان أسعد